كمال عبيد
تحتل المياه في القرن الحادي والعشرين نفس المكانة التي احتلها النفط في القرن العشرين وتصبح السلعة الضرورية التي يعتمد عليها العالم، واعتمد البشر على المياه منذ الأيام الاولى للحضارة ولكن التوسع اللوغاريتمي في معدلات التحضر والتنمية مع وصول من يعيشون على كوكب الأرض الى سبعة مليارات نسمة، يدفع الطلب على المياه الى معدلات لم يعرفها العالم قط من قبل، حيث أصبح استهلاك المياه يفوق سرعة نمو السكان، وكثيرة هي الأسباب التي تؤدي الى نقص المياه منها: الاعتماد المفرط في استخدام السيئ وهو الخطر الخفي الأشد ضررا، كذلك استنزاف المياه الجوفية، وقلة الأمطار وتذبذبها، والتملح، بينما يعد تلوث المياه من أهم الأسباب تفاقم هذه المشكلة، ناهيك عن العوامل الطبيعية الناتجة من التغير المناخي كالفيضانات والجفاف، فيما قلة حصة المواطن العربي من المياه بشكل كبير، إذ أصبحت ندرة المياه حقيقة من حقائق الحياة اليومية لكثير من البلدان العربية وخاصةً شمال أفريقا.
في حين حذر الخبراء من أزمة مائية بحلول عام 2025. وعلى الرغم من قيام معظم دول العالم بإجراءات وقاية المياه من النقص والتلوث، الا انها لم تحقق النتائج المرجوة في الحفاظ على المياه العالمية، وينصح الخبراء بهذا الشأن بسن الكثير من القوانين والتشريعات الحازمة لمحاولة الحد من تلوث المياه الذي يتطلب الحفاظ على المياه الطبيعة، بجانب بناء الحكومات محطات لتنقية المياه ومعالجتها من المخلفات والنفايات، كذلك وضع حد أعلى لتركيز الملوثات في المياه ليضمن حد أدنى لسلامة المياه. كل هذا بجانب التوعية في وسائل الإعلام المختلفة وشبكة المعلومات الدولية وفي دور العبادة بأهمية المحافظة على المياه.
ويبقى السؤال قائما كيف ستكون هناك مياه تكفي الجميع خاصة اذا استمر تفاقم هذه الازمة في ظل تزايد السكان ليصل عددهم الى تسعة مليارات نسمة في منتصف القرن ؟ وهذا يدق ناقوس الخطر و ينذر بانهيار العالم المتحضر وربما تشهد المعمورة حروب المياه في المستقبل القريب.
استهلاك المياه العالمي
فقد قالت كيرستي جنكنسون من معهد الموارد العالمية وهو مركز أبحاث مقره واشنطن ان استهلاك المياه كان يتزايد بأكثر من ضعف معدل الزيادة السكانية في القرن الماضي، وقالت جنكنسون انه من المتوقع أن يزيد استهلاك المياه في البلدان النامية بنسبة 50 في المئة في الفترة بين 2007 و2025، وأن يزيد بنسبة 18 في المئة في البلدان المتقدمة وان معظم الزيادة في الاستهلاك في البلدان الافقر التي تشهد هجرة المزيد من السكان من المناطق الريفية الى المدن، وأضافت أن المياه من العوامل التي تؤخذ في الاعتبار للاثار المتوقعة للتغير المناخي - كالفيضانات والجفاف الاكثر شدة والتحولات بعيدا عن أنماط هطول المطر السابقة - والتي من المحتمل أن تتأثر بها أولا وبشكل أسوأ الشعوب الاكثر فقرا ومضت تقول "ويواجهنا هنا تحد كبير، وهل ستكون هناك مياه تكفي الجميع خاصة اذا استمر السكان في التزايد ليصل عددهم الى تسعة مليارات نسمة في منتصف القرن كما هو متوقع؟
من جهته قال روب رينر المدير التنفيذي لمؤسسة بحوث المياه ومقرها ولاية كولورادو الامريكية "هناك الكثير من المياه على الارض ومن ثم لن تنفد على الارجح، لكنه استطرد قائلا "المشكلة هي أن 97.5 في المئة منها (مياه) مالحة... وأن 2.5 في المئة منها عذبة وأن ثلثي (المياه العذبة) مجمد. ومن ثم لا يوجد في العالم الكثير من المياه العذبة للاستهلاك، وقال رينر ان أكثر من مليار شخص لا يستطيعون الحصول على مياه شرب نظيفة ويعيش أكثر من مليارين دون صرف صحي ملائم مما يؤدي الى وفاة خمسة ملايين سنويا معظمهم أطفال بسبب أمراض تنقلها المياه يمكن الوقاية منها، وقالت جنكنسون ان ثمانية في المئة فقط من امدادات المياه العذبة يذهب للاستهلاك المنزلي ويستخدم حوالي 70 في المئة في الري و22 في المئة في الصناعة، ويساهم الجفاف وعدم كفاية الامطار فيما يعرف بالخطر المائي الى جانب الفيضانات والتلوث، ويحدد أطلس أكويدكت على الانترنت الذي يديره معهد الموارد العالمية المناطق الساخنة التي تواجه خطرا مائيا التي من بينها:
- حوض نهر موراي دارلنج باستراليا.
- حوض نهر كولورادو في الغرب الاوسط الامريكي.
- حوض نهر أورانج سنكو الذي يغطي مناطق من جنوب افريقيا وبوتسوانا وناميبيا وليسوتو كلها.
- حوضا نهر يانجتسي والنهر الاصفر في الصين.
وقالت جنكنسون ان المطلوب هو ادارة متكاملة للموارد المائية تأخذ في اعتبارها من يحتاج أي نوع من المياه وكذلك أين وكيف تستهلك المياه على النحو الاكثر كفاءة، في حين قال رالف ايبرتس نائب الرئيس التنفيذي لشركة بلاك اند فيتش وهي شركة هندسية رأسمالها 2.3 مليار دولار تعمل في مجال تصميم شبكات المياه ولها مشروعات في أكثر من 100 دولة "ستتحول المياه سريعا الى عامل مقيد لاعمارنا، وقال انه يرى أن ثمة ضرورة "لوضع أولوية" للموارد للتعامل مع التحديات المائية التي يفرضها التغير المناخي والنمو الحضري المتزايد، والشركة التي يعمل فيها ايبرتس ليست الشركة الوحيدة. فندرة المياه والاجهاد المائي - الذي يحدث عندما يزيد الطلب من المياه على العرض أو عندما تحد النوعية الرديئة من المياه الاستهلاك - واللذين أصابا بالفعل الشركات التي تعتمد بكثافة على المياه وسلاسل العرض في روسيا والصين وفي أنحاء شتى في جنوب الولايات المتحدة. . بحسب رويترز.وفي الوقت نفسه كان للفيضانات العارمة اثار اقتصادية شديدة في استراليا وباكستان والغرب الاوسط الامريكي طبقا لتحالف سيريس الذي يضم مستثمرين كبارا ومجموعات بيئية كبيرة التي حددت مخاطر مائية سيحتاج قطاع الاعمال الى التعامل معها في القرن الحادي والعشرين، وقالت ميندي لوبر رئيسة سيريس "ان محورية المياه العذبة بالنسبة لاحتياجاتنا من الطعام والوقود والالياف تحتل مكانا مركزيا فيما أصبح عالما مكتظا ويعاني من اجهاد بيئي، وتسمح قاعدة بيانات تحالف سيريس للمؤسسات الاستثمارية أن تعرف أي من الشركات تتعامل مع المخاطر المائية. وينظر الى شركتي نسلة وريو تينتو على أنها رائدتان في هذا الصدد، وتؤثر المخاطر المائية بالفعل على نشاط شركة ذا جاب المنتجة للملابس الجاهزة والتي خفضت من توقعاتها للربح بنسبة 22 في المئة بعد أن خفض الجفاف محصول القطن في تكساس، ولا يشكل الخطر المائي قلقا بالنسبة للشركات فقط اذ يؤثر ايضا على وكالات المعونة الدولية مما يهدد بوقوع كارثة بالنسبة لاولئك المعرضين لجفاف متزايد أو غموضا متزايدا يكتنف امدادات المياه، وأشار تقرير لمنظمة أوكسفام الى أن التغير المناخي في شرق أفريقيا قد يؤدي الى تغييرات في درجة الحرارة وهطول الامطار مما يؤدي الى خفض موسم النمو ويخفض من حجم حاصلات أساسية مثل الذرة والصويا بما يلحق أشد الضرر بالمزارعين ومربي الماشية الصغار، وقدم تحليل علمي شمل أكثر من 30 دولة يسمى برنامج التحدي بشأن المياه والغذاء الامل. ووجد أن معظم أحواض المياه في أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية يمكنها مضاعفة انتاج الغذاء في العقود القليلة القادمة اذا تعاونت دول المنبع مع دول المصب من أجل الاستخدام الكفء لمواردها المائية.
الإنتاج الغذائي
في سياق متصل تتمتع المستجمعات المائية الكبرى في العالم بكميات كبيرة من المياه تمكنها من مضاعفة الإنتاج الغذائي خلال العقود المقبلة، بحسب معدي دراسة قدمت خلال المؤتمر الدولي الرابع عشر حول المياه الذي انطلق في بورتو غاليناس شمال-شرق البرازيل، المشكلة لا تكمن في نقص في المياه وإنما في "استخدام غير ناجع وفي توزيع غير عادل لكميات المياه الضخمة في أبرز المستجمعات المائية"، وفقا لدراسة المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية العالمية وهي شبكة من مراكز للأبحاث وللتنمية المستدامة، وبحسب الدراسة التي نشرت في العدد الخاص للمجلة الدولية حول المياه "في العالم مياه تكفي لتلبية الحاجات الغذائية وتلك الخاصة بالطاقة والصناعة والبيئة خلال القرن الحادي والعشرين، وأعلن سايمون كوك أحد المشرفين على الدراسة لوكالة فرانس برس أن "هناك كميات كافية من المياه، شرط استخدمنا هذه المياه بشكل أكثر توازنا، ولفت إلى أن "الجتمعات تستخدم المياه لزراعاتها ولإنتاج الكهرباء ولتغذية مراكزها المدينية وكذلك لأهداف بيئية"، ولا بد من أخذ جميع هذه الجوانب بالاعتبار بطريقة شاملة بهدف التوصل إلى استخدام متوازن، وشرح ألان فيدال مدير برامج المياه والأغذية في المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية العالمية التي أطلقت الدراسة أنه "مع تغييرات بسيطة نستطيع إنتاج أغذية ثلاثة مرات أكثر مقارنة مع ما ننتجه اليوم، خصوصا في المناطق الجافة في إفريقيا جنوب الصحراء. بحسب فرانس برس.
ففي إفريقيا "المنشآت الزراعية تستخدم بالكاد 4% من المياه المتوافرة" بحسب ما تشير الدراسة التي تتطرق إلى أحد أبرز التحديات التي تواجهها الإنسانية: إنتاج ما يكفي من غذاء، وقد تطلبت الدراسة خمسة أعوام من الأبحاث مع علماء من خمسين بلدا حللوا وضع عشرة مستجمعات مائية هي: مستجمعات منطقة الأنديز ومستجمع ريو ساو فرانسيسكو في أميركا الجنوبية ومستجمعات أنهر ليمبوبو والنيجر والنيل وفولتا في إفريقيا ومستجمعات أنهر الغانج (الهند) والكرخة (إيران) والميكونغ وهوانغ هيه أو النهر الأصفر في أسيا.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=2843
التعليقات (0)