ممنوع الاختلاط يا أساتذة
أن تكون النظرة تجاه أهل العلم والمعرفة والفكر نظرةٌ شكِ وتشاؤم وعدم ثقة فهذه كارثة تنم عن كارثة كٌبرى بعقل من سمح لتلك النظرة لأن تطفو على السطح , تحول منصات المعرفة والعلوم لمنصات توزع الاتهامات وتشرعن التشاؤم وتعزز الأفكار الايدلوجية كارثة تدل على أن هناك ثقافة عكسية تسير بالمجتمع عكس عقارب الساعة ثقافة متجذرة .
بالأمس القريب أصدر معالي مدير جامعة الملك عبدالعزيز بجدة قراراً يٌحذر فيه أساتذة الجامعة من الاختلاط داخل قاعات الدرس و الاجتماعات ومراكز الأبحاث الخ , قرار مدير الجامعة صدر من شخص فردي بمعنى أنه قرار فردي ذا طابع إداري فهل مدير الجامعة يرى في اختلاط أساتذة الجامعة من الجنسين كارثة ستعصف بمؤسسة علمية أكاديمية أم أنه يغازل أطراف معينة على حساب ضرورة علمية وإنسانية بحته أم أنه لم يستطع التخلص من الثقافة المتجذرة ؟
مدير جامعة الملك عبدالعزيز يظن أن الجامعة مؤسسة رجعية فقراره ذلك رجعي بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأن الرجعية تعني العودة إلى الخلف , المضحك في الأمر أن رجال الدولة يمارسون الاختلاط دون تحرج أو خوف ومن يجرم الاختلاط يتوقف عند تلك الظاهرة " ظاهرة اختلاط رجال الدولة " مبرراً بأن الضرورة تبيح المحظورات , لكن هل من الضرورة أن يعيش المجتمع مع بعضه البعض بلا منغصات أو محرمات لا أصل لها , هل من الضرورة تحول مؤسساتنا التعليمية والأكاديمية لمؤسسات علمانية بمعنى فصل الايدلوجيا الضيقة عن تلك المؤسسات وتحييدها لتصبح مؤسسات تنويرية معرفية علمية منهجية تقدم المٌفيد للمجتمع وللبشرية جمعاء ؟
قطعاً نعم فمن الضرورة أن يعيش المجتمع مع بعضه البعض دون منغصات أو محرمات لا أصل لها فالاختلاط مفردة اجتماعية لا دينية فالتحريم يخضع لسلطة العادات والتقاليد التي تقف في مجملها ضد المجتمع وحراكه وتفاعله الإيجابي , نعم يجب أن تتحول مؤسساتنا التعليمية والأكاديمية لمؤسسات علمانية تقدم المعرفة والتنوير وتعمل وفق منهجية بحثية علمية وليس وفق أيدلوجيا ضيقة , فصل الأيدلوجيا عن المؤسسات التعليمية والأكاديمية يعني تحول تلك المؤسسات إلى مؤسسات معرفية تقدم المعلومة للعقل وتضع الفرد أمام اختبار العقل وأمام الاختيار الحق المشروع لكل إنسان على وجه الأرض ويعني أيضاً خفوت الايدلوجيا واضمحلالها بعدما يحل محلها التنوير الحلقة المفقودة بالعالم العربي .
أن تتحول مؤسسة بحجم جامعة لمؤسسة تعزز الأيدلوجيا بطريقة مباشرة وغير مباشرة كارثة بحق المجتمع وبحق المعرفة , المجتمع كان يؤمل من تلك المؤسسة ومن شقيقاتها القيام بدورٍ معرفي وتنويري وبحثي وأكاديمي والابتعاد عن التٌرهات الفكرية التضليلية المتشددة لكن تلك المؤسسة سايرت الأيدلوجيا ولوحت بالترهيب والعقوبة المشددة وكأنها كهف ظلامي وليست مشعل نور ومعرفه , سقوط جامعة الملك عبدالعزيز بفخ الأيدلوجيا ليس مستغرباً فجميع مؤسساتنا التعليمية والأكاديمية مؤسسات مؤدلجة تٌكرر الايدلوجيا وتٌعيد إنتاجها حتى وإن غطت تلك المؤسسات وجهها بمساحيق المعرفة والتنوير ؟
التعليقات (0)