مواضيع اليوم

مملكة الضفادع

عبد الهادي فنجان الساعدي


لقد مرت أحداث 11 أيلول على الولايات المتحدة ولكنها لم تخلف ما خلفته الهجمات الإرهابية في العراق من إجراءات غبية عكست كل تخلفها على حياة الناس فجعلت منها معاناة مركبة ومدنا ساخنة تشبه الى حد بعيد محميات الحيوانات في أفريقيا إذ تسيج معظم هذه المدن الملتهبة بمشبك حديد (بي . آر. سي) (B.R.C) او كتل كونكريتية دون العودة الى الاسباب والموجبات والنتائج ودون النظر الى الانسان ككائن متميز يحتاج الى قوانين خاصة تختلف تماما عن قوانين الكائنات الاخرى لأنه كائن من نوع خاص ، قسم منه يعيش (خلف السدة) ضمن قوانين ومعطيات حضارية متقدمة ، وكائن اخر يعيش (داخل السدة) ويعاني الامرين نتيجة اخطاء متكررة واعتقاد ساذج بان البطل قادم وهو مازال منذ 1400 سنة ينتظر هذه الاشراقة الأبدية دون ان يعمل شيئا لاستقبال هذا البطل او شيئا يعجل بظهوره يميز هذه الشرائح المنتظرة بالحكمة او بالشرف على اقل الفروض . لقد ظهر ابطال كثيرون في هذه الامة ولكنهم خيبوا كل سنوات الانتظار ، وما زلنا مع كل بارقة نفتح اعيننا لنرى القادم دون ان نتحرك او ان نوقظ الفكر بعد أن بقي كل هذه القرون دون استعمال .
في العودة الى المشهد (خلف السدة) نقل لي ولدي على تقريرا علميا بثته احدى القنوات الفضائية حول حالة غريبة رصدتها اجهزة منظمات البيئة في الاتحاد الاوربي وهو ندرة الضفادع حتى تكاد تنقرض من قارة اوربا ، فاصدر الاتحاد الاوربي من خلال منظماته التي تعمل على الحفاظ على البيئة والتوازن البيئي تعليمات الى كافة الدول الاوربية تحثها فيها على ايجاد البيئات الملائمة للاكثار من الضفادع التي بدأت بالانقراض نتيجة تحويل المستنقعات والبرك المائية الى بساتين اشجار وحدائق عامة فضلا عن المعسكرات التي تشغل مساحات واسعة جرداء ولا توجد فيها مساحة تشكل بيئة مناسبة لعيش هذه الاحياء البرمائية .
لقد كانت الاستجابات واسعة وكبيرة اذ تم احياء بيئة تستطيع هذه الضفادع والاحياء البرمائية من العيش فيها ، ومن الملاحظات الخطيرة التي رأتها الجهات القائمة على هذه الاجراءات هي أن الشوارع تقطع بعض هذه المستنقعات المائية مما يدفع الضفادع الى عبور هذه الشوارع فتتعرض بذلك الى خطر الدعس من قبل السيارات والحافلات التي تسير على هذه الشوارع فاضطرت بعض هذه الجهات الى وضع قنوات تحت الشوارع تربط جانبي المستنقعات لكي تنتقل الضفادع بامان . اما الدول الاخرى فقد وضعت اسيجة خاصة على جانبي تلك الشوارع لكي تحد من خطر دعس هذه الضفادع وتقوم مجموعة من المهتمين بهذه الاحياء البرمائية بنقلها في حاويات الى الجهة الثانية من المستنقع وتقوم الطائرات والاقمار الصناعية بمراقبة المستنقعات التي تنشا في هذه الاراضي الشاسعة والمعسكرات وهل هي فعلا البيئة الملائمة لهذه الاحياء .
أما عند العودة الى داخل السدة فقد قرأنا بان احدى المنظمات التي تهتم بحقوق الانسان قد اصدرت احصائية عن الاطفال اليتامى في العراق فكانت النتيجة هي خمسة ملايين طفل يتيم في العراق حاليا وبالتاكيد فان حصيلة السنوات الاربع الاخيرة كانت الاخطر في هذا الجانب حيث الاحداث الدامية التي اوصلت العراق الى هذه النتيجة . وفي دراسة لهذه الحالة .. أي بقراءة هذه النتيجة بشكل اخر نجد ان هناك مليون شخص قتلوا بحساب ان معدل اطفال كل عائلة هي خمسة اطفال ، وكذلك مليون ارملة بنفس عملية الحساب السابقة ولا نقول بان المليون قتيل هم نتيجة الاحداث للسنوات الاربع الاخيرة فقط ولكنها بالتاكيد نتيجة السير الى الخلف منذ بدء ازدهار الدكتاتورية وحكومات العسكرتاريا في سنوات الستينيات .
يقول الفيلسوف الفرنسي فلوبير (لم ار من لم يشكل حكومة) نحن لا نريد ان نشكل حكومة او نفرض جدلنا على الحكومة ولكن نريد ان نؤكد بان حكومة الثقة تختلف تماما عن حكومة الكفاءات ودولة المؤسسات تختلف عن مؤسسات الدولة وقد كفانا العيش تحت ظل الحكومات التي تعتمد على الثقة والايديولوجيات الابدية .
إن جولة في مدن وأحياء الصفيح (التنك) التي تحمل اسماء (طارق) (الحسينية) (النصر) (الشيشان) والاحياء التي لا تحمل أي اسم انما هي مجرد تجمعات عشوائية وكذلك الاحياء المحيطة بمعامل الطابوق وفي المعسكرات تعيدنا الى قرون البدائية الأولى حيث تخلو هذه الاحياء من أي شيء عدا العلاقات الانسانية البسيطة والعودة الى تقاليد العشائر في العشرينيات من القرن الماضي والتجمعات التي كانت حول مستنقعات (شطيط) والانهار البائسة ، مناطق الميزرة والعاصمة والصنم والشاكرية والوشاش.
قال لي صديقي ونحن نزور مدينة النجف: تصور، النجف من كبريات مدن العراق ومن اعرق المحافظات بكوفتها ذات التاريخ الساخن تحولت الى مدينة اموات ومقابر حيث ان المقابر تحتل من المساحة اكثر مما تحتله مساكن الاحياء .
هذه هي مدن الحضارة .. مدن التاريخ الساخن التي كانت تغير كل الموازين عند حراكها ، هذه هي المدن التي نراها ، اما المدن التي تغفو بعيدا على حافة الصحراء او على ضفاف الانهار البعيدة فهي مدن اخرى فقدت كل مواصفات المدن التي تنتمي الى العصر الحاضر .
أما مدن كوردستان المحاصرة باللعنة والزيف فهي مدن تخلو من رائحة الماضي ولا ترتبط بالمستقبل باي رباط عدا انها تعيش اليوم بكل معاناته واسعاره التي يعاني منها الانسان الكوردي البسيط . ولم ار مواطنا عربيا يعيش في هذه الجنة ولا يريد الخروج منها سالما دون وداع .
اية احتفالية يحملها العام الجديد بملياراته البائسة التي تصرف على سفرات الحج المبرور والذنب المغفور وسيارات دول الجوار الرديئة .
قال احد الحجاج بانه الوحيد من عشرة حجاج عرفهم في رحلته. سافر على حسابه الخاص اما البقية فقد كانت سفرتهم على حساب الدولة اضافة الى المخصصات. قلنا سابقا بان الياس قناعة والقناعة كنز لا يفنى.
أحد الاصدقاء قال لي بان وزير المالية لا يمتلك اية صلاحية لتغيير الواقع المالي لاية شريحة من شرائح المجتمع ، وانا بالتاكيد اعرف باننا خرجنا من النظام الاشتراكي الذي دخلناه ايديولوجيا والان نحن في ذمة صندوق النقد الدولي ونادي باريس حيث الشروط المسبقة لرفع الديون ومنح القروض وحيث لا اعانات ولا اسعار مدعومة ولنضع الناس بمواجهة مصيرهم وهذا يعني بلغة الرؤية المستقبلية ان رواتب المتقاعدين لن تتحسن بالشكل الطوباوي الذي قسمته الصحف بحسب جداول خيالية لغرض بيع اكبر كمية من الصحيفة . وليس هناك تحسن في الحصة التموينية انما هناك الغاء كامل بعد مسيرة التقليل من المواد كما ان اسعار الوقود المدعومة سوف تودع الامس لتغرق الناس بسيل من الزيادات التي تتخذ بحياء .
كل ذلك ونحن بانتظار البطل وقد دخلنا القرن الخامس عشر الهجري من دون ان نمسح عن عيوننا الغبش لنرى أي كارثة تنتظرنا في غدٍ ليس فيه غير الغباء واللعنة وليتنا عشنا في مملكة الضفادع لنجد البيئة المناسبة للعيش دون التفكير بما يحمله الغد من كوارث والام .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !