بين 28 ماي 1957 و14 ماي 2010، مسافة 53 سنة كاملة في الزمن لكن المكان واحد وهو ملوزة التي صنعت الحدث هذا الأسبوع كما لم تصنعه طيلة تلك السنين الفاصلة بين تاريخين، وذلك المكان الذي شهد مساء أول أمس زلزالا طبيعيا بقوة 5,2 على سلم ريشتر وذهب ضحيته شخصان، كان قبل 53 سنة قد ضربه زلزال "بشري" حيث أودى بحياة أكثر من 300 شخص بما فيهم الرضع والشيوخ العاجزون ذبحا بالسكاكين، في واحدة من أبشع المجازر التي عرفتها الجزائر قبل "عصر" بن طلحة والرايس وسيدي حماد في تسعينيات القرن الماضي، عندما أصبح الموت ذبحا بالسكين وبالمنشار وقتلا بالمطرقة "ثقافة" تلك المرحلة.
في ملوزة الزمن الأول، فاجأ الموت سكان تلك المنطقة القروية المعزولة التي احتلت في الأيام الموالية الصفحات الأولى للجرائد الفرنسية والعالمية في محاولة من الاستعمار حينها تحويل الرأي العام عن الجرائم الكبرى التي ارتكبها جنوده في عز اشتعال الثورة التحريرية، ولم يكن الكثير من الجزائريين وأنصار الثورة يتوقعون أن تكون تلك الجريمة من توقيع جزائريين أنفسهم، لكن الحقيقة تأكدت بعد ذلك وتبين أن التهمة الوحيدة التي ذبح جراءها العشرات من تلك القرية المعزولة هي تعاطفهم مع الحركة الوطنية الجزائرية بقيادة مصالي الحاج حينها وتعاونهم مع جيش بلونيس، مع أن الكثير من سكان المنطقة على غرار معظم الجزائريين حينها لا يعرون تفاصيل تلك الانتماءات ويختصرون الحرب في مواجهة الجزائريين للمستعمرين الأجانب، وكان ثمن المعرفة باهظا جدا هو تلك المجزرة التي وضعت في أذهان الجزائريين حدودا بين ماهو "جبهوي" وما هو "مصالي"، وكان على تلك المجزرة الفظيعة أن تبقى طي النسيان في سجل التاريخ الرسمي الذي يبحث عن الصفحات البيضاء في الماضي ويجمّل التي بها شوائب ويتغاضى عن تلك الفضائع التي من شدة نكرانها تكررت بأشكال أخرى في مناطق أخرى من البلاد وفي أزمنة أخرى وستتكرر في التاريخ اللاحق طالما أن مسبباتها تبقى بعيدا عن أي دراسة جادة.
وكان على ملوزة نفسها أن تبقى منطقة منسية، ولا يلتفت إليها إلا عندما ضربها هذا الزلزال الطبيعي الذي أعادها إلى دائرة الضوء ولم يقتل إلا جزء بسيطا مما ارتكبه الغنسان ضد أخيه الإنسان.
التعليقات (0)