ملكية الإنسان لجسده ... إلى أي مدى؟
هل من حق الإنسان رجلا كان أم إمرأة أن يفعل بجسده ما يشاء دون أن يكون مؤاخذا على ذلك؟
وفي هذا السياق هل من حق الإنسان رجلا كان أم إمرأة أن يزني ويتعرى كما يشاء من منطلق الحرية الشخصية؟
وفي الوقت الذي حسمت فيه الرسالات السماوية والأديان الأرضية هذه المسألة بالتأكيد على عدم حرية الإنسان في التصرف بجسده كما يشاء ويحلو له دون ضوابط . فلماذا تخرج علينا العلمانية الجديدة بمزاعم حول إطلاق حرية الإنسان في التصرف بجسده وحياته كما يشاء طالما كان ذلك لا يضر بالآخرين؟ .... ومن هذه التصرفات على سبيل المثال الإنتحار خلف ستار ما بات يسمى بالقتل الرحيم . وبيع الأعضاء للتكسب ، وممارسة الجنس دون رابطة زواج شرعي ...
أبحث عن شيطان العلمانية:
العلمانية (Secularism) تعني بفصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة ..... وهي وإن كانت قد سجلت نجاحات باهرة في مجال الحرية الجنسية وتعري المرأة بنحو خاص ؛ إلا أنها وفي إطارها الفكري السياسي العملي التطبيقي تواجه صعوبات جمة في داخل قلاعها الأوروبية الغربية نفسها حيث يعتبر الإنتماء الديني والطائفي عامل أساسي في تولي منصب رئيس الجمهورية ورئاسة الوزارة وتقلد الوظائف العامة العليا بوجه عام...... وحيث لا تزال مباركة الكنيسة الوطنية ، وتسجيل المرشح زيارة خاطفة إلى مقـر بابا الفاتيكان عامل أساسي من عوامل كسب رضا الناخبين من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا جنوبا إلى السويد شمالا ......
وعلى أية حال فإنه ومع تسلل أفكار العلمانية إلى المجتمع الغربي جاءت معها أفكار تنادي بحرية الإنسان الكاملة للتصرف في جسده كيفما شاء .. ولكن هذه الأفكار أعتبرت ولا تزال راديكالية مفرطة لا يعقل الأخذ بها جميعها نظرا لما يعنيه ذلك من خلط لكافة القوانين والموازين وأمن وسلامة المجتمع وعلى نحو لايمكن وضع تصور لسلبياته .. ومن ثم فقد إقتصرت الحرية التي تنادي بها العلمانية عقب الثورة الفرنسية (وحتى مدى آخر) إلى إحترام الرأي الآخر وحرية الفكر والإنتماء والممارسة السياسية ...
وبعد الحرب العالمية الأولى ونتيجة لغياب العديد من الرجال في أرض المعارك أو لمقتلهم ، فقـد وجدتها العلمانية فرصة سانحة للدعوة إلى خروج المرأة للعمل وخلع ما تستتر به من أمتار الأقمشة الكتانية والصوفية ...... ثم أفلحت بعد الحرب العالمية الثانية في تكريس حرية الإنسان (خاصة الأنثى) في ممارسة الجنس كما تشاء ومع من تشاء بشرط عدم التكسب من وراء ذلك.
ثم مالبثت العلمانية أن عملت وضغطت بقوة لأضافة العديد من القوانين والتشريعات التي تبيح الإجهاض حتى تتخلص الفتيات قبل المتزوجات من "أخطاء" و " ثمار" الحرية الجنسية التي قضت على الأخضر واليابس من المثل والأخلاقيات في الغرب وحولته إلى مجرد قطيع ولبانة بين أصابع المصالح الإقتصادية وألاعيب الساسة وأبواق الدعاية الراسمالية الجوفاء.
ثم رويدا رويدا جرى السم العلماني في شرايين الغرب وتغلغل في جسده فصدرت العديد من القوانين التي تبيح تناول المخدرات دون مساءلة ... ثم ما لبثت العلمانية أن أفلحت في إضافة حرية الإنسان في الخلاص من حياته تحت مسمى "القتل الرحيم" في حالة إصابته بمرض عضال.
الآن بدأت الحملات العلمانية الجنسية تتوجه بقدراتها الإعلامية وأموالها السخية ومصالحها المتشابكة نحو آخر المعاقل الأخلاقية من وجهة نظرها ، والمتمثلة في الشعوب العربية والإسلامية التي لا تزال تتمسك بالفضيلة كأساس جوهري في علاقاتها الإجتماعية ومسيرة الفرد ... وحيث تحرص قناعات هذه الفضيلة بوجه خاص على أن الإنسان ليس له مطلق الحرية في التصرف بجسده شرعا وقانونا في الخفاء أو العلن. وأن هناك ضوابط منطقية منهجية يعمل بها في هذه الحالة وأهمها :
1) تحريم الإنتحار.
2) تحريم الوشم وتشويه الجسد ووصل الشعر والنمص وتفليج الأسنان .. إلخ من تغيير لخلقة الله ، (فيما عدا عمليات الجراحة التجميلية لأغراض علاجية بعد التعرض لحوادث مرورية أو الحريق على سبيل المثال فهذه مباحة).
3) تحريم ممارسة الجنس سوى مع الزوجة الشرعية .
4) تحريم ممارسة الجنس مع الزوجة في غير موضع الولد.
5) تحريم التعري خلا للزوج والزوجة داخل مخدع الزوجية.
ولا ننكر أن العلمانية قد أفلحت برغم ذلك في تمرير أفكار باتت تروق لبعض الشباب العربي والمسلم ، متعلقة بحرية الإنسان في التصرف بجسده فيما يتعلق بالتعري وممارسة الجنس وفق ما يرغب طالما كان هو والطرف الآخر على تراضي.
باتت تطفو إلى السطح مؤخرا رؤى تجهر بها فتيات مندهشات مخدوعات تنادي بأن حسد الفتاة ملك لها وحدها وليس ملك لأحد غيرها .... وبالتالي فإنه ليس من حق أبيها أو أهلها أن يحجروا على جسدها ومنعها من منحه لمن تشاء وقت ما تشاء وبالكيفية التي تشاء.
بتنا نرى بعض الفتيات اللائي لا يزلن في مدارج الدراسة الجامعية يمارسن الزنا المكشوف تحت ستار ما يعرف بالزواج العرفي . على الرغم من إجماع فقهاء الدين الإسلامي على تحريمه ، وعدم إعتراف الدولة والمجتمع بثمراته وتبعاته الإجتماعية وأهمها الأبناء والإرث ......
للأسف ؛ لم تعد بعض الفتيات يدركن ويتفهمن أن الزواج هو في حقيقته مؤسسة إجتماعية لا يمكن أن يكتب لها الإستمرار والنجاح المثمر والرسوخ دون أن تكون متسقة مع القناعات والمثل والتقاليد الجمعية للمجتمع الذي تنشأ فيه.
لا نريد أن نذهب إلى أضابير المؤامرة فندعي (كما يردد البعض) أن اليهود هم وراء هذه الأفكار المتعلقة بالحرية الجنسية ... فهذا يرفع من شأن اليهود على أقل تقدير ويمنحهم الكثير الذي لا يستحقونه .. ولكننا نستطيع دون أدنى مواربة الظن (والظن في اللغة العربية تأكيد وليس شك) .... نستطيع الظن بأن القوى العلمانية بكافة توجهاتها وأسلحتها الفكرية والإعلامية والمالية ومصالحها الإقتصلدية والسياسية المتشابكة داخل جسد الغرب الصليبي (ولا نقول المسيحي) هي التي تقف بقوة وراء نفث وتكريس مثل هذه الأفكار التي إستطاعت بالفعل تمرير أجندتها الخفية ورقة إثر ورقة ..... ثم ولتلتقمها أفواه معظم الشعوب الغير إسلامية وجبة إثر وجبة جراء إنشغالها في حروب أهلية أو خلافات سياسية ونزاعات عرقية وجهوية لا تغني ولا تسمن من جوع .....
التعليقات (0)