بيّنت التطورات في السنتين الأخيرتين أن مسار ملف وحدتنا الترابية تعرف عموما بعض التقهقر على الصعيد الدولي، مما جعل الحل المتوخى ما زال معلقا بين السماء والأرض إلى أجل غير مسمى.
ومن المعلوم أن توسط وزير الخارجية الفرنسي، فابيوس، لدى واشنطن من أجل استضافة المغرب لمؤتمر مجموعة أصدقاء الشعب السوري، استهدفت ضرب عصفورين بحجر واحد. من جهة، التقليل من الاحتقان بين الرباط والبيت الأبيض عقب سحب الثقة من المبعوث الأممي، كريستوفر روس، ومن جهة أخرى التأجيل بذكاء وبطريقة سلسة مؤتمر مجموعة ما يسمى بــ "أصدقاء الشعب الصحراوي" المرتقب في أكتوبر. علما أن زيارة الرئيس الفرنسي الجديد،فرانسوا هولاند، إلى الجزائر في عضون شهر أكتوبر القادم تتزامن مع المؤتمر المذكور سواء بلندن أو بالولايات المتحدة الأمريكية (واشنطن)، في حين تسعى الجزائر حاليا إلى تحويل مقاربة واشنطن إلى ورقة دولية لحل نزاع الصحراء وطي الملف عبر عقد مؤتمر تحضره موسكو.
وقد بدت في الأفق مؤخرا محاولات أكيدة تسعى لفرض ترتيب غير مسبوق، وهو الرامي إلى دعم المفاوضات بين الجانبين من زاوية خاصة، أي من خلال ما يسمى بمجموعة أصدقاء الصحراء، وهذا ما طرحته بريطانيا بوضوح دون لف ولا دوران. في حين اختارت واشنطن الدفاع عن استراتيجيتها، وهي تلك الاستراتيجية التفاوضية التي يعتمدها "كريستوفر روس" والمعتمدة على الخطوات الصغيرة والجولات الغير المباشرة للوصول إلى حلول جزئية متراكمة حسب ما تتيحه الظرفية والواقعية. وهذا منحى يختلف عن المبادرة المغربية "الحكم الذاتي" كحل واقعي فابل للتطبيق.
ومن المعلوم أن إدارة "باراك أوباما" لا تخفي أنها ترغب في نقل السيادة إلى الساكنة بعيدا عن كل من المغرب والبوليساريو وارتكازا على قرارات الأمم المتحدة وهذا منحى بعيد كل البعد عن المقترح المغربي. ويبدو أن هذه الاستراتيجية في عيون واشنطن هي التي يمكنها أن تضمن السلم الإقليمي في ظل المستجدات التي تعرفها المنطقة. لذا يربط البيت الأبيض مقاربته التفاوضية في الصحراء باستمرار وقف إطلاق النار، وبالتالي لن تدعم واشنطن إي حل دون استقرار. في حين أكد , وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مؤخرا في ندوة صحفية نشطها بإقامة سفير فرنسا أن موقف بلاده إزاء مشكل الصحراء هو نفس الموقف الذي تدافع عنه الأمم المتحدة.
وقال البعض لعل هذه الاستراتيجية، من شأنها تفسير تخوف الأمم المتحدة من مطالبة المغرب تغيير الممثل الخاص للأمين العام الأممي "وولف غانغ وايسبرود" ، رئيس بعثة المينورسو بالصحراء في حالة قبولها بتغيير "كريستوفر روس". لكن الإجراءات الأخيرة التي قدم على اتخاذها رئيس البعثة المذكور توشي أن لا مكان لأي تخوف أممي بهذا الخصوص. إذ كشف أكثر من مصدر باشر إجراءاته الإدارية من أجل إعفاء بعض العاملين ضمن بعثة "المينورسو" من الحاملين للجنسية المغربية. ولا يخفى على أحد أن مثل هذه التصرفات في الوقت الراهن قد لا تخلو من كونها ردة فعل على موقفسحب المغرب ثقته من روس كوسيط أممي من أجل تسوية نزاع الصحراء، وهو الموقف الذي اعتبرته الرباط سياديا وتقتضيه السيادة . و أضافت المصادر ذاتها، أن الممثل الخاص للأمين العام الألماني "وولف غانغ وايسبرود ويبر"- القادم من تيمور الشرقية، لخلف المصري هاني عبدالعزيز الذي انتهت مهمته أبريل الماضي- قد إتخذ القرار بإعفاء العاملين بالبعثة الاممية بالعيون و مدن اخرىبالأقاليم الجنوبية ، بدعوى أن بعض الإشخاص، يقومون بعملية تجسس على كل تحركات أعضاء البعثة الاميمة التي دام بقائها بالصحراء أكثر من عقدين من الزمن. ويشتغل غالبية المغاربة في سياقة سيارات البعثة أو مهام النظافة أو البستنة بالإضافة إلى شركة الأمن الخاص. ولم يقف "وولف غانغ وايسبرود" عند هذا الحد وإنما طالب بتنفيذ أمرين لا يخلوان من استفزاز طاهر، أولهما تغيير أرقام سيارات وآليات المينورسو ووضع أرقام أممية عليها بعد أن كانت تحمل ترقيم الهيئات الدبلوماسية المعتمدة في المغرب و ذلك من باب ممارسة المغرب لسيادته على أرضه. أما الأمر الثاني، وهو أكثر استفزازا والرامي إلى المطالبة بتخفيف تواجد الأعلام الوطنية بمقر البعثة في خطوة استفزازية. كما اعتذر عن الإقامة في فيلا كانت تخصصها الدولة لممثلي الأمين العام السابقين متعللا برغبته في الاقامة بفندق "بارادور" الذي تدفع الأمم المتحدة تكلفته.
علما أنه قد سبق لكريستوفر روس، أن وجه الاتهام إلى السلطات المغربية بـ"قطع الاتصالات" بين مقر بعثة المينورسو الأممية في مدينة العيون وبين مقر الأمم المتحدة بنيويورك، والتجسس على البعثة، وهو ما يعني رفع مستوى الأزمة لكي تصبح أزمة بين المغرب والأمم المتحدة، وتوجيه الإدانة إلى الطرف المغربي مباشرة.
من الأكيد أن ما يحدث بشمال مالي له انعكاسات مباشرة على مسار ملف الصحراء في شقيه الدولي والإقليمي. حتى الانفصاليون متوجسون بقوة للتدعيات المحتملة لأن من شأنها أن تلغي أوراقا وتساعد على إشهار أوراق جديدة ظلت مغيبة إلى حد الآن.
وفي هذا المضمار يرى الأستاذ الجامعي عبد الرحيم بوعيدة ، أن سحب الثقة الذي أقدم عليه المغرب في قراءة خاطئة لموازين القوى ومواقف الدول الكبرى باستثناء فرنسا أنتج وضعا قانونيا غريبا،فسحب الثقة كما تردد لدى الساسة المغاربة هو قرار سيادي وبالتالي يقتضي الذهاب به بعيدا والإنسحاب من المفاوضات مادام المبعوث الأممي منحاز وغير حيادي حسب الخارجية المغربية،والعودة لطاولة المفاوضات تعني القبول بالأمر الواقع الذي تم رفضه سابقا وهذه مفارقة غير مقبولة وغير مبررة مادام المغرب قد أكد أكثر من مرة على أن مواقف المبعوث الأممي غير بريئة ومنحازة بشكل لافت للنظر.
ويؤكد عبد الرحيم بوعيدة، أن القرار السيادي الذي أتخذه المغرب في خطوة غير مدروسة ينطلق من معطى قديم تم تأسيس ملف الصحراء عليه منذ البداية وهو أن المغرب يتفاوض دوليا على إقليم يعتبره مغربيا ويمارس عليه سيادته في حين أن واقع الأمر غير ذلك لأن مفهوم السيادة المتحدث عنه لا تعترف به للمغرب لا الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى بما في ذلك فرنسا الحليف التقليدي،فإتفاقية مدريد الشهيرة سلمت بمقتضاها إسبانيا الإدارة للمغرب إلى حين تقرير الشعب الصحراوي لمصيره إما بالإنضمام للمغرب أو الإنفصال عنه وهذا ما لم يتحقق إلى الآن وبالتالي القراءة القانونية المطابقة لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تتحدث عن ضم و ليس إسترجاع جزء من تراب وطني يمكن التصرف فيه بحرية،مما يحيلنا مباشرة على قرار سحب الثقة وكيفية التعاطي معه في ظل تمسك المغرب بموقفه الرافض لهذا المبعوث،هل سيعيد الساسة المغاربة تكرار حادثة أمينتو حيدر التي تم طردها بناءا أيضا على قرار سيادي إتهمها بالخيانة وباركته الأحزاب والمجتمع المدني وفي النهاية تم ضرب السيادة عرض الحائط و دخول السيدة تحت ضغط دولي تفهم أن الأمر يتعلق بنزاع لم يحسم بعد والإقليم الذي تود أمينتو حيدر العودة إليه هو جزء من وطنها الذي لازال معلقا قانونيا من حيث وضعه السياسي، ولا يمكن للمغرب الذي يديره أن يمنع مواطنا من دخول ترابه الأصلي...الآن القصة تتكرر لكن هذه المرة مع مبعوث أممي مجرد التمسك به من طرف الأمين العام للأمم المتحدة يعني أن قراءة المغرب لقرار السحب كان خاطئا ومتسرعا ويعكس عدم قدرته التحكم في المجال الترابي الذي يديره سياسيا لأن خلفيات السحب كان وراءها الخوف من الزيارة المرتقبة للمبعوث الأممي للإقليم وهو خوف يعكس أن 35 سنة لم ينجح المغرب خلالها في تدعيم تواجده إجتماعيا أي ربح معركة الثقة مع ساكنة الصحراء وأن نخبه الإنتخابية والدستورية التي يوظفها في مبادراته داخل الإقليم لا تملك مشروعا قويا قادرا على مجابهة الزحف الحقوقي والإنفصالي داخل الصحراء و الذي غذاه المغرب نفسه من مقارباته الخاطئة التي بنيت أساسا على الولاءات وشراء الذمم.
ويقرّ عبد الرحيم بوعيدة أن الإقليم المتنازع عليه مفتوح الآن على كل الإحتمالات ولم يعد المغرب قادرا في ظل تراكم الأخطاء على التحكم في بوصلة النزاع لأن نخبه أفلست ولازال مصرا على تقديمها كعنوان للمرحلة وخطابه أيضا أفلس.
التعليقات (0)