تقديم
العولمة في اللغة مأخوذة من
الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع أقوامها وكل من يعيش فيها وتوحيد أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق . ليس هناك تعريف جامع مانع لها ، فهو مصطلح غامض في أذهان كثير من الناس ،ويرجع سبب ذلك إلى أن العولمة ليست مصطلحاً لغوياً قاموسياً جامداً يسهل تفسيرها بشرح المدلولات اللغوية المتصلة بها ، بل هي مفهوم شمولي يذهب عميقاً في جميع الاتجاهات لتوصيف حركة التغيير المتواصلة . ولكن مما يلاحظ من التعريفات التي أوردها الباحثون والمفكرون التركيز الواضح على البعد الاقتصادي لها ، لأن مفهوم العولمة بداية له علاقة وطيدة بالاقتصاد والرأسمالية وهذا ما جعل عدداً من الكتاب يذهبون إلى أن العولمة تعني : تعميم نموذج الحضارة الغربية – خاصة الأمريكية – وأنماطها الفكرية و السياسية والاقتصادية والثقافية على العالم كله .
نشأة العولمة :
شاع هذا المصطلح في التسعينات بعد إنهيار المعسكر الشيوعي ، واستفراد أمريكا بالعالم ، ولا سيما عندما طالبت أمريكا دول العالم بتوقيع اتفاقية التجارة العالمية بقصد سيطرة الشركات العابرة للقارات على الأسواق العالمية . مما يؤكد أن العولمة بثوبها الجديد أمريكية المولد والنشأة .
ويرى الباحثون الذين تحدثوا عن نشأة العولمة أن العولمة عملية تراكمية ، أي أن هناك عولمات صغيره سبقت ومهدت للعولمة التي نشهدها اليوم ، والجديد فيها هو تزايد وتيرة تسارعها في الفترة الأخيرة بفضل تقدم وسائل الإعلام والاتصال ، ووسائل النقل والمواصلات والتقدم العلمي بشكل عام ، ومع ذلك فهي ل
العولمة لغة واصطلاحاً
إن العولمة على ما سبق مشتق من العالم، أي: صرنا عالميين، ومعنى العالمية: أن تتحد كل شعوب العالم في جميع أمورها على نحو واحد وهيئة واحدة في الجملة، فيكونوا كبيت واحد، وأسرة واحدة، فلا يكون هناك شعب فقير وشعب غني، ولا شعب اُمي وشعب مثقّف، ولا شعب تختلف اقتصادياته أو سياسياته أو ثقافياته أو اجتماعياته أو سائر شؤونه ـ كشؤون التربية والسلوك وما أشبه ذلك ـ عن شعب آخر، أي: كما كان عليه الحال قبل الآلة الحديثة، حيث الأسفار البعيدة، والاتصالات المنقطعة أو شبه المنقطعة، وإنما يكون الانتماء للعالم كلّه كالانتماء إلى دولة واحدة كلها، فكما يقال: بغدادي وبصري، يقال: عراقي ومصري، أو شرقي وغربي أو ما شابه ذلك، فإن البلاد وإن كانت مختلفة ولم يتصل بعضها ببعض، لكنّ الفكر يكون واحداً، والاتصال موجوداً، ويبقى الاختلاف قليلا وبشكل جزئي في بعض النقاط وفي المناطق الصغيرة من أطراف العالم.
أما الاختلاف في العالم وعلى نحو عام وكلي فلا يكون، حيث تتداخل السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك بعضها في بعض، وتؤثر جميعاً على حياة الانسان في الأرض أينما كانوا وحيثما حلوا ونزلوا، وذلك من دون اعتداد قابل للذكر بالحدود السياسية لدول ذات السيادة، أو الانتماء إلى وطن محدّد أو لدولة معيّنة، ومن دون حاجة إلى إجراءات حكومية خاصة، ولا إلى تعديل الإجراءات وتوحيدها أو تعديل الحكومات وتوحيدها، لأنها رغم كثرتها وتعددها تكون واحدة من حيث السلوك والأسلوب نوعاً ما، وإذا كان بينها اختلاف يكون الاختلاف عندها من نوع الاختلاف في الولايات، لا كالاختلاف في الدول.
إذن: العولمة التي أصبحت اليوم كلمة شائعة في العلوم الاجتماعية، ومستخدمة كثيراً في الأدب المعاصر، يمكن تعريفها بما يلي: إعطاء الشيء صفة العالمية، من حيث النطاق والتطبيق.
تعريف الهويه :
الهوية هي الذاتية و الخصوصية و هي القيم و المثل و المبادئ التي تشكل الأساس النخاغ للشخصية الفردية أو المجتمع، وهوية الفرد هي عقيدته و لغته و ثقافته و حضارته و تاريخه، وكذلك هوية المجتمع فهي الروح المعنوية و الجوهر الأصيل للكيان الامه . الهوية أيضا هي الوعي بالذات الاجتماعية و الثقافية، وهي ليست ثابتة و إنما تتحول تبعا لتحول الواقع، بل أكثر من ذلك هناك داخل كل هوية هويات متعددة ذوات مستويات مختلفة فهي ليست معطى قبلي، بل إن الإنسان هو الذي يخلقها وفق صيرورة التحول
وإذا كانت الهوية – اصطلاحا- حديثة العهد بالتداول و الاستخدام، لما صارت اليوم مضمونا ذا دلالات عميقة تشمل كل ما يجعل من الفرد و المجتمع شخصية قائمة الذات و على قدر كبير من التميز. و الجدير بالذكر أن مصطلح الهوية لم يكن متداولا في الحياة الثقافية و الفكرية في مطلع هذا القرن فلم تكن الهوية من ألفاظ الثقافية و الفكر و لا من أدبيات العمل السياسي، إنما ترد على أقلام الكتاب ومفكرين و على ألسنة المتحدتين و كانت العبارة التي تدل على هذه المعاني هي الاصالة الوطنية و الشخصية الوطنية بل إن مفهوم نفسه كان ينطوي على هذه المعاني و يعبر عنها أقوى تعبير و أعمق الدلالة.
و يشير لفظ الهوية إلى عدة معان و يعود بنا إلى عدة مجالات من التفكير منها الفلسفة و الميثافزقيا ثم المنطق، و العلوم النفسية و الاجتماعية، كما أن لهذا اللفظ باللغات الأوروبية معاني لا تطابق تمام المطابقة مع ماهو مقصود منه باللغة العربية. و إذا أخدنا لفظ الهوية من حيت اللفظ العربي الذي يقابل اللفظ الأوروبي "Identité " فسيكون المعنى الأساسي الذي يتضمنه هو المطابقة، إذ نعلم أننا عندما نقول شيئين أنهما متماثلان أو متطابقان نستخدم النعت " Identique" فهذا النعت يعني التماهي بين الشيئيين أي تطابق هوتيهما. عندما نستخدم عبارة هوية باللغة العربية نقصد هذا المعنى جزئيا لا كليا، فالهوية تعني المطابقة حقا، غير أن المطابقة فيها لا تكون مع شيء أخر بل تكون أساسا بين الشيء و ذاته فهوية الشيء هي ما يكون به مطابقا بذاته و يستمر به كذلك في وجوده. هوية الشيء هي ما يكون به الشيء هو ذاته متمايزا عن غيره، وأم ماثله في بعض الخصائص أو اشترك معه فيها. إن ما يشير إليه لفظ هوية هو وحدة الذات عبر التطورات و المظاهر المختلفة، أي أن الهوية هي ما يكون به الشيء أو الشخص مطابق لذاته رغم التغيرات و التطورات، يكون اقرب لفظ فلسفي إلى الهوية بهذا المعنى هو الماهية، فهوية الشيء هي ماهيته أي حقيقته الخاصة به، فماهية الشيء كما يعرفها الجرجاني في كتابه "التعريفات" فيقول " الماهية مثل الهوية هو جواب عن السؤال ما هو ؟" و يتابع الجرجاني تعريفه للماهية قائلا " إنها إدا وصفنا الإنسان مثلا بكونه عاقلا جاعلين من ذلك ماهيته، فان هذا القول من حيث انه مقول في جواب "ماهو" يسمى ماهية و من حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة و من حيث امتيازه عن الغير هوية و من حيث حمل اللوازم له ذاتا " و مفهوم الهوية يحيلنا أيضا إلى تعبير أخر هو الجوهر فهوية الشيء أو الشخص هي ما يشكل جوهر كينونته في مقابل ما يمكن أن نعتبره خصائص عرضية قابلة للتغير و يبدوا بهذا المعنى أننا نعتبر ما يتغير عرضيا بالنسبة للهوية، و يبدوا كذلك أننا عندما نستخدم لفظ الهوية و نسترشد به في تفكيرنا نقصد أن نبحث عن ماهو ثابت، و عن ما نرغب في الحفاظ عليه و عن ما نظن انه يبقى رغم كل مظاهر التغير و التطور.
و الهوية المبحوث عنها في هذا السياق تهم المجال الثقافي و الاجتماعي و السياسي بالمعنى الواسع لهذه الكلمات أي كلما يكون به مجتمع ما مطابقا لذاته، رغم التبادلات و التطورات أو هو ما تكون به حضارة ما مطابقة لذاثها و مغايرة لغيرها، الهوية بهذا المعنى هي نسق من الموروثات الحضارية و من الأسئلة و الأجوبة المتعلقة بالكون و السلوك الإنساني من المعايير الأخلاقية ومن العقائد الدينية و هي كذلك ما يعبر عن ذلك و يرتبط به من أعراف وعادات و تقاليد و هي كذلك مجموع التراث الثقافي و الحضاري الذي ترثه جماعة ما عن ماضيها أو يساهم في تشكيل كيانها، و حيث أن كل هوية تتشكل عند الجماعة أو الحضارة عبر تاريخ طويل فإننا نقول أيضا أن الهوية هي وعي الجماعة بتاريخها و تعرفها على ذاتها من خلاله و إذا كنا قد قلنا من جهة أن الهوية هي مطابقة ألذات لذاتها و تعرفها لذاتها، وهي ذات مكونات خاصة متمايزة عن ما للغير فإننا نقول أيضا أن الهوية هي هذا الشعور الذي يكون لجماعة ما بتاريخها بوصفه تاريخا خاصا تشكلت عبره مكوناتها الذاتية المميز لها4. كل جماعة و كل شعب أو حضارة تتماشى مع تاريخها الخاص. و تتعرف على ذاتها من خلاله و من خلال مجموع مكونات التي تشكلت لها عبر مداه و هذا الشعور الذي هو وعي من الذات الفردية أو الجماعية أو حضارية بما هو في الوقت ذاته شعور بالمغايرة و التماهي و نجد هنا الدكتور محمد عبد الباقي الهرماسي يميز بين الهوية الفردية، وهي مجموع الخصائص الجسدية و النفسية التي يتميز بها كل إنسان بين أقرانه، و بين هوية الأمة التي ينتمي إليها الفرد أي الهوية القومية و هي مجموع الصفات أو السمات الثقافية العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الذين ينتمون إليها و التي تجعلهم يتميزون بصفاتهم تلك عن ما سوا هم من أفراد الأمم الأخرى. هنا يمكن أن نتساءل عن ما إذا كان خطاب الهوية الوريث التاريخي للخطاب القومي أم لا ؟.
إن الثقافة لا ترث القومية و لا تحل محلها، و ما يحدث في حالتنا العربية الراهنة هو أن القومية العربية تستنفر كل قواها و لاسيما الثقافية منها في مواجهة الغزو الثقافي الجديد الذي يستهدف ثقافتنا من خلال تذويب هويتها.
و إذا ما دققنا أكتر في مفهوم الهوية نجد أنها استعملت كمصطلح في المنطق و الفلسفة و علم الاجتماع و غيرها من العلوم الأدبية والعلمية و قد تجلى هذا في الفلاسفة القدماء الذين اختاروا في التعبير عن اللفظ الأعجمي اللاتيني "Identité " لفظ الهوية، حيث صنعوه من اللفظ الضمير "هو" بزيادة ياء النسب و تاء المصدرية و هذا الضمير يذل على الغائب و تستعمل لربط بين الموضوع و أخر في لغة المناطق فكأن الهوية المشتقة منه هي إثبات شيء غائب عن الحس شاخص لمظاهره فقط و هذا ملحظ دقيق و قد وجدوا فيه التعبير الأنسب عن كنه الذات الإلهية فالهوية بهذا المعنى اللغوي ليست سوى تشخيص ظاهر الباطن و دليل شاهد على غائب ، و هكذا تظل الهوية مهما قلنا عنها مجرد وجود اعتباري تشخصه أثار و أحداث و أفعال، وقد كان علماءنا في بحث مستمر عن معنى أوضح للهوية فقالوا " الأمر المتعلق من حيث انه معقول في جواب ما هو؟ يسمى ماهية و من حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة و من حيث امتيازه على الغير يسمى هوية ومن حيث حمل اللوازم عليه يسمى ذاتا و لدلك نشرع لأنفسنا أن نطلق على ذلك الوجود الثابت في حكم العقل اسم الذات"5.
إن العقل كما يرى الفيلسوف إميل ما يرسون لا يستطيع أن يدرك من الواقع إلا ما يمكن رده إلى الهوية فالعقل حينما يواجه التنوع و الاختلاف في ذوات العالم و موضوعاته إما أن يفترض انه يستطيع اكتشاف الوحدة داخل التغير فيكون له هدف و معنى ، إما إن يفترض إن لا هوية لاشيء إلا في لحظة عابرة في سياق جدلية لا تنتهي، فيكون حينئذ كمن يبحث في العدم و عليه أن يكف عن استنتاج القانون لأي ظاهرة إلا ظاهرة التغير و الواقع أننا نقف من العالم موقفا مغايرا لهذه النزعة الموغلة في فهم جدلية التغير .
لقد حاول علماء الاجتماع الغربيين إثبات الهوية الاجتماعية و القومية إلى الشعب من الشعوب عن طريق ملاحظة الظواهر الملازمة لحياتها و عبروا عن ذاتية الشعب حين تبلغ أعلى صورة نماثلها بلفظ "الأمة" و هو المعنى السياسي و الاجتماعي لكل شعب ذي مقومات متميزة، وقد يقال في هذا السياق إن تصور هوية ما لمجتمع ما يتعين علينا أن نثبت أولا وجود هويته ، من الطبيعي حينئذ إن نتساءل بأي معنى نضفي الهوية على الأمة أو الشعب أو المجتمع يتكون من ملاين الأفراد المختلفين في أفكارهم و نزاعاتهم و سلوكهم اليومي و معتقداتهم.
إن أول مل يتصوره الفكر عن هذه الهوية أن وراءها جوهرا ثابتا أو مقومات ثابتة و خيط ناظم لكل مظاهر الاختلاف و استمرارا للخصائص التي تميزها، باعتبارها خصائص يلاحظها الملاحظ في سياقها التاريخي، وان تغيرت الأطوار و اختلفت الأحوال من هنا نستطيع أن ندرك هذه المميزات للهوية التاريخية و الاجتماعية عن غيرها من الهويات.
تعريف الثقافة
إن مفهوم "الثقافة" في اللغة العربية ينبع من الذات الإنسانية ولا يُغرس فيها من الخارج. ويعني ذلك أن الثقافة تتفق مع الفطرة، وأن ما يخالف الفطرة يجب تهذيبه، فالأمر ليس مرده أن يحمل الإنسان قيمًا-تنعت بالثقافة- بل مرده أن يتفق مضمون هذه القيم مع الفطرة البشرية. 2 - إن مفهوم "الثقافة" في اللغة العربية يعني البحث والتنقيب والظفر بمعاني الحق والخير والعدل، وكل القيم التي تُصلح الوجود الإنساني، ولا يدخل فيه تلك المعارف التي تفسد وجود الإنسان، وبالتالي ليست أي قيم وإنما القيم الفاضلة. أي أن من يحمل قيمًا لا تنتمي لجذور ثقافته الحقيقية فهذه ليست بثقافة وإنما استعمار وتماهٍ في قيم الآخر. 3 - أنه يركز في المعرفة على ما يحتاج الإنسان إليه طبقًا لظروف بيئته ومجتمعه، وليس على مطلق أنواع المعارف والعلوم، ويبرز الاختلاف الواضح بين مفهوم الثقافة في اللغة العربية ومفهوم "Culture" في اللغة الإنجليزية، حيث يربط المفهوم العربي الإنسان بالنمط المجتمعي المعاش، وليس بأي مقياس آخر يقيس الثقافات قياسًا على ثقافة معينة مثل المفهوم الإنجليزي القائم على الغرس والنقل. وبذلك فإنه في حين أن الثقافة في الفكر العربي تتأسس على الذات والفطرة والقيم الإيجابية، فإنها في الوقت ذاته تحترم خصوصية ثقافات المجتمعات، وقد أثبت الإسلام ذلك حين فتح المسلمون بلادًا مختلفة فنشروا القيم الإسلامية المتسقة مع الفطرة واحترموا القيم الاجتماعية الإيجابية. 4 - أنها عملية متجددة دائمًا لا تنتهي أبدًا، وبذلك تنفي تحصيل مجتمع ما العلوم التي تجعله على قمة السلم الثقافي؛ فكل المجتمعات إذا استوفت مجموعة من القيم الإيجابية التي تحترم الإنسان والمجتمع، فهي ذات ثقافة تستحق الحفاظ عليها أيَّا كانت درجة تطورها في السلم الاقتصادي فلا يجب النظر للمجتمعات الزراعية نظرة دونية، وأن تُحترم ثقافتها وعاداتها. إن الثقافة يجب أن تنظر نظرة أفقية تركيبية وليست نظرة رأسية اختزالية؛ تقدم وفق المعيار الاقتصادي -وحده- مجتمع على آخر أو تجعل مجتمع ما نتيجة لتطوره المادي على رأس سلم الحضارة. وقد أدت علمنة مفهوم الثقافة بنقل مضمون والمحتوى الغربي وفصله عن الجذر العربي والقرآني إلى تفريغ مفهوم الثقافة من الدين وفك الارتباط بينهما. وفي الاستخدام الحديث صار المثقف هو الشخص الذي يمتلك المعارف الحديثة ويطالع أدب وفكر وفلسفة الآخر، ولا يجذر فكره بالضرورة في عقيدته الإسلامية إن لم يكن العكس تمامًا. ووضع المثقف كرمز "تنويري" بالفهم الغربي في مواجهة الفقيه، ففي حين ينظر للأخير بأنه يرتبط بالماضي والتراث والنص المقدس، ينظر للأول -المثقف- بأنه هو الذي ينظر للمستقبل ويتابع متغيرات الواقع ويحمل رسالة النهضة، وبذلك تم توظيف المفهوم كأداة لتكريس الفكر العلماني بمفاهيم تبدوا إيجابية، ونعت الفكر الديني -ضمنًا- بالعكس. وهو ما نراه واضحًا في استخدام كلمة الثقافة الشائع في المجال الفكري والأدبي في بلادنا العربية والإسلامية؛ وهو ما يتوافق مع نظرة علم الاجتماع وعلم الاجتماع الديني وعلم الأنثروبولوجيا إلى الدين باعتباره صناعة إنسانية وليس وحيا منزلاً، وأنه مع التطور الإنساني والتنوير سيتم تجاوز الدين..والخرافة!! أما في المنظور الإسلامي فمثقف الأمة هو المُلمُّ بأصولها وتراثها. وعبر التاريخ حمل لواء الثقافة فقهاء الأمة وكان مثقفوها فقهاء.. وهو ما يستلزم تحرير المفهوم مما تم تلبيسه به من منظور يمكن فيه معاداة الدين أو على أقل تقدير النظر إليه بتوجس كي تعود الثقافة في الاستخدام قرينة التنوير الإسلامي الحقيقي، وليس تنوير الغرب المعادي للإله، والذي أعلن على لسان نيتشه موت الإله فأدى فيما بعد الحداثة
إلى موت المطلق وتشيؤ الإنسان.
المثاقفة من المفردات التي تعبر عن أوجه التبادل الثقافي (الأخذ والعطاء) بين الحضارات البشرية المتعددة. وهو اتجاه يسعى أن يكون وسطا بين الانفتاح المطلق الذي يؤول إلى الانصهار في ثقافة الآخر وبين الانغلاق المطلق الذي يؤول إلى الانعزال تماماً عن الآخر والعالم بأسره. وبهذا المعنى تعد المثاقفة رافداً مهما تسعى كل أمةٍ من خلاله إلى معرفة الآخر واستثمار ما لديه من قيم ومعطيات إنسانية وحضارية، وإلى تنمية كيانها الثقافي بشكل خلاق وغير مضر بمقومات الهوية وثوابتها. كما أن مفهوم المثاقفة يصلح أن يكون بديلاً عن مفهوم الغزو الثقافي الذي يتضمن في طياته الرغبة في محو الهوية وإلحاقه بالآخر وفرض التبعية عليه، ومعاملته بنظرة فوقية احتقارية متغطرسة. هكذا تقدم المثاقفة في الفكر العربي المعاصر؛ حالةٌ من الاعتدال بين الذوبان والتصلب في التعاطي مع ثقافة الآخر.
لكن إذا عدنا إلى مفهوم المثافقة في الفكر الغربي (Acculturation) فإننا سنجده مختلفاً تماماً عما يطرح في محيطنا الثقافي، حيث تطرح المثاقفة على أنها "علاقة بين متفوقة وثقافة متخلفة"(1)، بمعنى آخر كما يقول حسن حنفي " أن المثاقفة التي يوهم الغرب بأنها تعني الحوار الثقافي والتبادل الثقافي؛ هي في الحقيقة تعني القضاء على الثقافات المحلية من أجل انتشار الثقافة الغربية خارج حدودها، وهيمنتها على غيرها، واعتبار الغرب النمط الأوحد لكل تقدم حضاري، ولا نمط سواه، وعلى كل الشعوب تقليده، والسير على منواله، واحتكار الغرب وحده حق إبداع التجارب بالجديدة والأنماط الأخرى للتقدم"(2). هذا من جهة المفهوم وأما من جهة الواقع والممارسة، فأغلب النتاج الثقافي في محيطنا العربي بكل أشكاله وأنواعه؛ لا يخرج عن سياق المفهوم الغربي للمثاقفة. فكثير من مثقفينا (والمستغربين منهم على وجه الخصوص) قد وصل بهم المطاف من خلال هذه المثاقفة إلى حالةٍ لم يعد الواحد منهم قادراً على الإبداع قولاً أو فعلاً إلا إذا تمت إحالة إبداعه إلى مصادره الخارجية في الحضارة الغربية: ماركسية أو وجودية أو وضعية أو بنيوية أو تفكيكية أو أي شيء آخر، المهم أن يكون النموذج الغربي هو المنطلق. وبعبارة أخرى: أصبح الغرب من خلال هذه المثاقفة هو الإطار المرجعي الأول والأخير لكل إبداع ذاتي عربي. وكما يعترف حسن حنفي (وأنا استشهد به هنا لكونه يعد من أكبر من مارس المثاقفة مع الفكر الغربي) يقول: "منذ أكثر من قرنين من الزمان نترجم، ونعرض، ونشرح، ونفسر التراث الغربي دون أن نأخذ منه موقفاً صريحاً واضحاً. مازال موقفنا موقف الناقل، عصر الترجمة لدينا لم يتوقف بعد .
خصائص كل من العولمة والهوية الثقافية
تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي وموحد لايقبل التمايزات ولا الخصوصيات.مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي.بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص التفرد والتعدد والاختلاف .فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية:هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب...تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي .ثم هناك هوية جماعية تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة وان اختلفت عن باقي الجماعات الأخرى.ثم هناك الهوية الثقافية القومية أو الوطنية تفتخر بعناصرها الحضارية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى.
العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية.
· تسعى العولمة نحو الوحدة والنمطية، بينما تدافع الهوية عن التنوع والتعدد. خصائص كل من العولمة والهوية الثقافية.
تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي وموحد لايقبل التمايزات ولا الخصوصيات.مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي.بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص التفرد والتعدد والاختلاف .فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية:هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب...تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي .ثم هناك هوية جماعية تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة وان اختلفت عن باقي الجماعات الأخرى.ثم هناك الهوية الثقافية القومية أو الوطنية تفتخر بعناصرها الحضارية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى.
العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية.
· تسعى العولمة نحو الوحدة والنمطية، بينما تدافع الهوية عن التنوع والتعدد.
· تهدف العولمة إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة بينما تسعى الهوية الى الاعتراف بعالم الاختلافات وترفض الذوبان .
· الهوية هي انتقال من العام إلى الخاص ومن الشامل إلى المحدود بينما تبحث العولمة عن العام والشامل واللامحدود واللا تجانس .
انها علاقة صراعية تصادمية بين العولمة والهوية الثقافية.فالعولمة تشبه القناص والهوية تشبه الطريدة .ملاحقة ومطاردة.فهل ستنجو الطريدة وتحافظ على بقائها ؟؟؟الواقع وانتظارات المستقبل ستجيب.ولكن ماهي فرص نجاة الهوية من العولمة في ظل سيادة وسائل وأدوات تحاول سحق الهويات والخصوصيات؟؟؟؟؟
وسائل وأدوات انتشار العولمة في المجال الثقافي.
· وسائل الاتصال والإعلام: تتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الانترنيت والجرائد والصحف والمجلات والأقراص المدمجة و الهاتف...
· الوسائل الفنية:الموسيقى والمسرح والسينما والرسوم المتحركة...
· الأدوات اللغوية: تتمثل في استعمال اللغة الانجليزية والفرنسية في التواصل والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة.فاللغة حاملة للثقافة والحضارة الانجليزية والفرنسية .
جوانب تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى.
· التأثير اللغوي: استعمال اللغة الفرنسية والانجليزية في الإدارة والاقتصاد والاتصال وفي المقررات الدراسية وفي التواصل اليومي بين الفئات الاجتماعية في البيت والشارع ....
· التأثير الخلقي: يتجلى في انتشار سلوكات العنف والجنس في وسائل الإعلام والسينما والانترنيت بشكل اباحي يتناقض مع الحشمة والعفة التي لا تزال تتشبث بها المجتمعات المحافظة.
· التأثير القيمي: تتزايد محاولات نشر قيم واحدة على الصعيد العالمي في الموسيقى والملبس والمأكل- الهامبورغر والماكدولندز-والعلاقات الأسرية المتجهة نحو طغيان الفر دانية ...وطغيان ثقافة الاستهلاك الرأسمالي الذي يتواصل في تجدده وتنوعه وإغراءاته.
عولمة التقافة
في الحقيقة يمكن القول بأن عولمة الثقافة أو العولمة الثقافية، بوصفها آلية ونتيجة في ذات الوقت، هي مزيج من هذه السياسات والآثار التي يمكن أن تتمخض عن الاتصال الثقافي (والاجتماعي) غير المتكافئ بين ثقافات أو مجتمعات (أو ثقافات ومؤسسات عملاقة) مختلفة، مع إضافة حقنٍ جديدة تتلاءم وأهداف العولمة وديناميكياتها.
ويجب التسجيل بأن العولمة لا تنطوي على ثقافة خاصة، وهي التي أطلق عليها سمير أمين ثقافة العولمة، وهي حسب رأيه ثقافة الرأسمالية السائدة عالميا التي تعيد تكوين الخصوصيات المحلية، ومن هنا كانت دعوته إلى عولمة بديلة في المجال الثقافي بإمكانها أن تنتج ثقافة عالمية، وقد أطلق على هذا الجهد أو النضال عولمة الثقافة، والتي تزدهر فيها الخصوصيـة في إطار من المنظومة الكليـة
وعلى أية حال يمكن الجزم بأن العولمة لا تتجه لتفرز ثقافةً واحدة إنسانية تنصهر في بوتقتها الخصوصيات الثقافية، وتنسجم وفق نسق موحّد يسمح لها بالرقي والتطور، فهذا مستحيل من أوجه كثيرة:
أولا: لأن ذلك لا يتفق وطابع الهيمنة واللاتكافؤ المصاحب لصيرورة العولمة، ففي هذا الإطار لا تختلف العولمة الثقافية عن العولمة التقنية من جهة أنها تريد احتكار السوق ونشر منتجاتها دون أن يعني ذلك عملية تحويل للمعرفة بهذه التقنية وتعميم للقدرة على الخلق و الإنتاج. وحتى وإن رفعت الاحتكار عن هذه المعرفة أو فشلت في حماية أسرار صناعتها أمام جواسيس الصناعة فإن تكلفتها العالية تنوء بتحمُّلها الدول أو المؤسسات الضعيفة.
ثانيا: لأن الخصوصيات الثقافية، التي لم تغب معانيها عن العلماء كما سبق الذكر، ستحول دون انخراط كافة الهويات والشعوب في بوتقة ثقافية واحدة. وكما يبدو فنحن نشهد انبعاث ثقافات متعددة، وانتعاش كيانات ثقافية جديدة، بعضها فاعل ومهيمن في التفاعلات الدولية، كما هو الشأن بالنسبة للحضارة الإسلامية، كما لاحظ صمويل هنتغتون ، وذلك لأن الإسلام في حدّ ذاته بحكم حيويتها وسمو تعاليمه وعالميتها، وكذا بسبب تأييده المطلق للمقهورين والمظلومين سيكون أكثر جاذبية، فكما لاحظ مؤلفي فخ العولمة فإن" هذا الدّين المطرد الانتشار على المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة" (13: 64)
ثالثا: عجز الغرب، بوصفه القائد في الوقت الراهن، عن تقديم بديل ثقافي عالمي يحترم آدمية الإنسان، ويحترم سنن المجتمعات والطبيعة والكون، فالثقافة الغربية -كما يقول أيضا هنتغتون- فريدة وليست كونية، فهي فريدة لكونها تتسم بمكونات جوهرية خاصة بها، تتمثل في التراث التقليدي: المسيحية الغربية، اللغات الأوروبية، الفصل بين السلطة الروحية والزمنية، سيادة القانون، التعددية الاجتماعية، المجتمع المدني، المؤسسات التمثيلية والفردانية، في حين أن الحضارات الأخرى لها مكونات خاصة بها ( 22: 56-66).
رابعا: لا ينبغي اختزال التأثير على الثقافات الأخرى من خلال التدليل على انتشار وتحبيذ نمط الاستهلاك الغربي أو المنتجات الغربية، وفي هذا الصدد يرد هنتغتون على الأطروحات التي تعتبر ثقافة الغرب هي ثقافة العالم، مثل " أطروحة استعمار الكوكا " التي ترى بأن الثقافة الغربية ستكتسح العالم بأكله، مستدلين في ذلك بتلقي المأكولات، الألبسة والسلع الاستهلاكية الغربية للقبول الواسع، فهذه الأطروحة تختزل مجال الثقافة باستهلاك السلع المادية، في حين أن روح الثقافة تشمل اللغة، الدين، القيم و العادات، كما أن انتقال السلع الغربية لا يعني بالضرورة انسلاخ المستهلكين عن ثقافتهم.
خامسا: بالرغم من انحسار الحديث عن التنمية المستقلة والموجهة في ظل التسليم المطلق، والخنوع "الإرادي" للسيطرة الخارجية باسم العولمة واقتصاد السوق، فإن ذلك لا يعني أن البلدان والشعوب النامية سينتهي دورها، فقد انتهى عصر الحتميات منذ بدأت الشعوب ، ولو باستحياء ، تفرض وجودها في معادلة تقرير المصير الاقتصادي والتربوي والسياسي. فالتحديث في ظل العولمة لا يمكن أن يكون حتما بداية لانتهاء الاستقلالية والخصوصية، فهذه الأطروحة خاطئة - كما يرى هنتغتون- لأن التحديث الاقتصادي لا يعني بالضرورة التغريب الثقافي، بل قد يؤدي إلى مزيد من التمسك والالتزام بالثقافات الأصلية لدى مختلف الشعوب (22: 56-66).
سادسا: لن يكلّل سعي العولمة لصب الثقافات في بوتقة واحدة بالنجاح وذلك بسبب الآثار العكسية التي لم يتفطنوا إليها ، والتي من بينها قيام أجهزة الإعلام المختلفة والمحطات الكبرى- التي أصبحت تصل إلى أبعد الأصقاع- بلفت انتباه الأقليات والهويات الثانوية إلى خصوصياتها الثقافية وتاريخها الفريد. والأغرب من ذلك فإن الولايات المتحدة في حد ذاتها، التي كان مفكِّروها ينتقدون المجتمعات المتأخرة التي تعرف موزاييك ثقافي وإثني، لم تسلم من تأثير هذا الانتعاش الذي هز مشاعر الأقليات، فكانت النتيجة تنازل أمريكا عن أهم قواعد فكرها السياسي الرامية إلى صهر الهويات والأقليات في بوتقة الهوية الأمريكية والنسق الأمريكي، وهكذا اضطرت اليوم للإيمان بالتعددية الثقافية أو الحضارية (17: 8) وهي –كما سلف- السمة (أي التعددية الثقافية..) التي وُصِفت بها من قبل الدول المتخلفة، التي تعجز عن جمع أشلاء هوياتها وأقلياتها في مشروع وطني ثقافي وسياسي موحّد.
غير أن استحالة تعميم ثقافة ما لا يعني عدم إمكـان وجود تأثير للعولمة على الصعيد الثقافي:
أولا - فالعولمة تقتضي وجود آليات تعمل على إضعاف الثقافات المحلية، أو محاولات خلق أزمة هوية، خاصة في البلدان الممزقة، فالتكنولوجيا الحديثة والتي تعتبر من أهم محركات العولمة تمثل أداة قهر، ذات تأثير على فردية الفرد وهوية الأمة، فهي تنطوي على زيادة درجة النمطية "Standardization" في عملية الإنتاج وبالتالي الاستهلاك.. والنمطية نقيض للتفرد والهوية ، والتي معناها في الأساس التفرد والهوية الثقافية هي التفرد الثقافي، ومن جهة أخرى فكما خلبت التكنولوجية الحديثة المستهلك الفرد حتى استلم لها، فقد خلبت لب الأمم فضحّت تباعا بجزء بعد آخر من استقلالها الثقافي (1 : 53/ 59)
ثانيا - قد تنجح العولمة في بعض المجالات الثقافية إلى فرض النموذج الغربي للحياة والاستهلاك والتصور، خاصة النموذج الأمريكي، مما ينعكس سلبا على روح الإبداع والابتكار الذاتي. ويمكن تتبع هذا التأثير في مجال ذي تأثير كبير اليوم على مختلف الأعمار وهو مجال السينما ، فقد نجحت السينما الأمريكية، إلى حد كبير، في استمالة العقول وتعويدها على تحبيذ نمط الحياة والاستهلاك على الطريقة الأمريكية، وبات "غزو الصور" يُغطي الكوكب كلّه، وأصبح يعصف بالحياة الاجتماعية الهادئة، ولم تسلم من تأثيره حتى الدول الكبرى، حتى أن أحد الخبراء أشار إلى أن أطفال كندا أصبحوا لا يدركون أنهم كنديون من فرط الغزو الإعلامي الأمريكي (32: 20).
ثالثا – ومن هنا تأتي خطورة ما يسميه العلماء الصناعة الثقافية "L’industrie culturelle"، وهو المفهوم الذي استعمله أول مرة في سنة 1947 عَلَمين من أعلام مدرسة فرانكفورت وهما تيـودور أدورنـو (Theodor Adorno ) وماكس هوركهيمر (Max Horkheimer) ، وهو يشير إلى:" الأنشطة الصناعية التي تنتج وتسوِّق الخطابات، الأصوات، الصور، الفنون و" كل القدرات الأخرى والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضو في مجتمع" والتي تمتلك وبدرجات مختلفة خصائص الثقافة"
(15/16 : 44)
ويرى البعض أن الصناعة الثقافية تمثل تهديدا معتبرا على الثقافات التقليدية، بفضل ما تتمتع به من قدرة على الانتشار والاختراق(39-38:44) ولذلك أصبحت بعض الدول الغربية تعبِّر عن تخوفها من هذه الصناعة الثقافية، خاصة منها الأمريكية التي غزت أسواقها، بحكم امتلاكها لإمكانيات هائلة، تجعلها تستبعد أي منافسة في الأجل المنظور، فهي على سبيل المثال تُنفق في صناعة الأفلام الأمريكية بالمتوسط 59 مليون دولار على الفيلم الواحد، وهو المبلغ الذي لا يمكن حتى أن يخطر على بال الأوروبيين أو الهنود (13: 48).
رابعا- علاوة على ما سبق ، فيمكن القول عند تحليل أثر العولمة على الصعيد الثقافي أن الخطر بالنسبة للبلدان النامية قادم من سلوك النخب المسيطرة، فهي في مجملها تعيش حالة اغتراب ثقافي، فبحكم ثقافتها المترفة، المبتورة عن جذورها التاريخية والواقعية تعيش حالة انسحاق ثقافي، وتستشعر قابلية مطلقة للرضوخ للتدفق الإعلامي والثقافي الغربي العابر للقوميات، ولذلك فهي لا تملك أي خطة أو نيّة لمواجهة التدفق الإعلامي الغربي ، بل قد تتزاحم لاستيراد المواد الإعلامية والترفيهية والثقافية من الدول والوكالات الغربية، بدل أن تسعى لتطوير الرصيد الثقافي لأمتها. وقد تفطنت القوى الكبرى لهذه الحقيقة ولذلك فهي تراهن على هذه النخب ، وتحاول من خلال إغرائها بنمط متميز من الحياة أن تفصلها عن الكتلة الرئيسية من السكان، تمهيدا لدمجها، غير أن دمج هذه النخب، كما يوضح برهان غليون، لا يعني دمجها في ثقافة النخبة العالمية، ولكن يعني شيئا واحدا وهو خفض الثقافات الوطنية إلى مستوى الثقافات الشعبية، ونزع سلطتها الرمزية، وفصلها عن منظومة التوجيه من خلال هذه النخب ( 30 : 40)
خامسا - فضلا عما سبق ذكره ، فإن العولمة وإنْ لن تنجح في نشر ثقافة عالمية شاملة، فهي بحكم طبيعتها، تحمل ثقافة الاختراق، لأسباب ترجع إلى طبيعتها كما قلنا، ولأنها أيضا تقوم على جملة أوهام تهدف إلى الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري، وقيامها بتسطيح الوعي، واختراق الهوية الثقافية للأفراد والأقوام والأمم، من خلال غرس "وهم الفردية" لتضيق خناق الفرد داخل أسوار نفسه، وغرس "وهم الخيار الشخصي" لتكريس النزعة الأنانية، غرس وهم الحياد " لتكريس التحلل وعدم الارتباط بأي قضية وهي كلها أوهام تجعل الفرد قابلا للاستعمار كما يقول مالك بن نبي، كما أنها تعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، وتدفع إلى التفتيت والتشتيت لتربط الناس بعالم اللاوطـن واللاأمـة واللادولـة (11: 18-19).
سادسا- ومن الآثار السلبية للعولمة الثقافية أن الانتعاش الثقافي الذي يترجم اليوم إلى ظاهرة انبعاث الهويات، يحمل مخاطر كثيرة بفعل حدوثه على شكل حركة تفكيكية من داخل الدولة والمجتمع ، مما يجعله ( أي الانتعاش الثقافي) أحيانا يفقد إيجابياته، ويُصبح لا يعني ازدهار الخصوصيات الثقافية في مواجهة ثقافة الاختراق، بل قد يُصبح وبالا على المجتمعات، عندما يصبح من مرادفات الاعتراف بالهويات الثقافية الانقسامات الإثنية، وعندما يفضي ذلك إلى هز أركان الدولة، وإضعاف سلطاتها وقدرتها على التوجيه وقيادة التربية، مما يجعلها تستسلم وتسلّم لُقمـة سائغة لصانعي الإشهار والقرار : العالميون.
سابعا- لن يكون استمرار سيرورة التفكك فـي صالح أي بلد على وجه الأرض، لأنه سيخلق بؤر توتر تشكل تهديدا مستمرا للرأسمال والاستثمارات الأجنبية، وقد سبق و أن شدّد الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غـالي بوضـوح على حجم هذا الخطـر الذي يتهدد البشرية قاطبة حينما قال:"إن كوكبنا يخضع لضغط تفرزه قوتان عظيمتان متضادتان:إنهما العولمة والتفكك" (13: 68). وقد طال التفكك الذي يعتمل اليوم في أحشاء العولمة الأفراد والمجتمعات.
حيث صاحبه تفكيك للفرد من أسرته وأمته وذاته، كما يصاحبه محاولات حثيثة لإثارة أزمات داخل مركب الهوية الوطنية القائمة، مما ينجر عنه ربما في الأمد البعيد، حروبا أهلية وفوضى عارمة في البلدان التي لم يلتئم بعد شملها الثقافي، ويُخشى أن تصبح العناصر السطحية والقيم الضعيفة أو المقطوعة الصلة بالهوية الحقيقية، والمجافية للواقع والتاريخ القاسم المشترك بين جماعات مختلة، مما يؤدي لا محالة إلى مزيد من التشرذم والاستلاب الثقافي، ومن هنا، وكما يقول جلال أمين فإن : " تفكيك الإنسـان على هذا النحو ينطوي على عملية أشبه بالقتل .." ( 1: 41)
هذا، ولن يقتصر التفكك على البلدان النامية فحسب ، فحتى البلدان الكبرى لن يسلم أفرادها ومجتمعاتها من هذا التهديد ، فبعضها معنـيُُ أيضا بإضافة أسماء دول جديدة من لدنـها لصالح الحظيرة الدولية، فها هي إيطاليا، بل حتى سويسرا نفسها، صارت تخشى من تفكك وحدة ترابها الوطني، بعد ظهور دعوات لإقامة دولة مستقلة في شمال في الداخل (13: 62).
وخلاصة القول، فإن هذا المصير ليس قدرا مقسوما وقضاءاً محتوما، فبإمكان الإنسانية أن تجعل التقدم في ظل العولمة ممكنا، إذا ما اجتمعت الإرادة حول رفض القابلية للسيطرة، وإذا توحّدت التصورات والأفكار والممارسات حول تصور بنّاء وثري للهوية والتنمية والشرعية، فقد تفتح العولمة فرصا هائلـة لتحرر الإنسانية << فالتدفق الحر للقيم والمنتجات والمعلومات والأفكار والمخترعات يقدِّم لكل فرد على مستوى الكرة الأرضية فرصا استثنائية للتقدم والازدهار المادي والنفسي >> (30: 31) فالفرصة مواتية لرفع الكثير من الأغلال الفيزيقية والمعنوية عن الشعوب والمفكرين والمبدعين ليتجاوزوا أوضاعهم المزرية، ويصنعوا لأنفسهم مكانة مثلى في المنظومة الاقتصادية والثقافية العالمية.
تعتمد العولمة على آليات اقتصادية وتقنية :
الآليات الاقتصادية:
- في المجال المالي: اعتماد الدولار الأمريكي أو الأورو الأوربي قاعدة في المعاملات النقدية الدولية، وتحرير أسعار
صرف العملات الوطنية، وتحرير سعر فائدة السلف، وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وتدخل
المؤسسات المالية الدولية في برامج الإصلاح الاقتصادي
للبلدان النامية.
- في المجال الاقتصادي : التخلي عن سياسة التأميم والاقتصاد الموجه ، والأخذ بسياسة الخوصصة والحرية الاقتصادية .
- في المجال التجاري : تخفيض أو إلغاء القيود الجمركية.
الآليات التقنية:
- تقدم تقني كبير في وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية.
- ثورة تكنولوجية هائلة في وسائل الاتصال خاصة الإنترنيت والفاكس والأقمار الاصطناعية.
- ثورة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية
العولمة: من الغزو إلى الاختراق الثقافي
قبل سنوات عدة كان الحديث منصبا بشكل كبير حول تداعيات الغزو الثقافي و ما يسببه من تحديات حضارية شاملة، وتأثيرات سلبية على المجال الثقافي خاصة داخل العالم العربي و الإسلامي.
و خلال تلك الموجات المتتالية لما اطلق عليه (غزو ثقافي) تحركت اقلام المثقفين العرب و الاسلاميين معادية بالوقوف في وجه هذا الغزو المنظم الذي يهدد الهوية الحضارية للامة العربية و الاسلامية، و يعمق حالة الاستيلاب الثقافي و على الرغم من تلك المناداة و نواقيس الخطر التي دقت، و الاتهامات التي وجهت لعدد من المؤسسات الحكومية و الاهلية، وكذا النخب المتغربة، باعتبارها تشجع هذا الغزو الثقافي وتعمقه بطرق غير مباشرة و ذلك باهمال اتخاذ التدابير الوقائية من جهة و مباشرة في بعض الاحيان، خصوصا ما تقوم به النخب المتغربة التي تبشر و تنشر عددا من النظريات و القيم التي تقوم عليهاالحضارة الغربية، على أنها قيم انسانية توصل إليها الإنسان الغربي عن طريق التطور التاريخي الحتمي.
و بالتالي فقد تُعومِلَ مع هذا الغزو الفكري و القيمي الغربي، على أنه إحدى موجات الحداثة الفكرية التي يجب على العالم العربي و الإسلامي أن ينخرط فيها و يستوعب معطياتها إن أراد أن يواكب العصر و يساير التطور الحضاري الإنساني.
لكن بالرغم من كثافة هذا الغزو الفكري الغربي، و الشتجيع المباشر وغير المباشر الذي يلقاه داخل العالمين العربي و الإسلامي، من طرف المؤسسات أو النخب إلا شرائح عريضة من المجتمع و من بينها قطاعات نخبوية لم يؤثر فيها هذا الغزو بـــمقدار تنبيهها لخطورته، و ضرورة إيجاد ردات فـــعل، تبلورت فعلا في محاولات حيثيثة للبحث عن وسائل و آليات تدعم الممانعة الثقافية و الحضارية بشكل عام.
و قد أدت ردود الفعل هذه، و الحديث عن بلورة آليات للممانعة إلى انفجار النقاش حول جدوائية الانفتاح على قيم الغرب و ثقافته و هل يعتبر ذلك ضروريا بحكم الغلبة الحضارية، و أن كان كذلك فما مقدار هذا الانفتاح و ما هي حدوده القصوى؟
كما تناولت الاقلام التداعيات السلبية للتغريب و الاستيلاب الثقافي، باعتبار أن النهضة العربية و الإسلامية المنشودة لن تقوم على قاعدة جماهيرية مستلبة، و مشوهة الهوية، و مهجنة فكريا و ثقافيا.
و قد ساهم الصراع الأيديلوجي يبن الشرق و الغرب، و انقسام دول العالم الثالث ـ و من بينهما الدول العربية و الإسلامية ـ بين مناصر أو مناهض للشرق أو الغرب، في دعم الجهود التي كانت تبذل لمواجهة و مقاومة بعض عناصر الغزو الثقافي، لان ذلك كان يصب في دعم الدولة الوطنية و اختياراتها الإيديولوجية في السياسة و الاقتصاد خصوصا. و بالتالي فقد كانت بعض العناصر التي تعتبرها مئات من النخب ـ الاسلاميون خصوصا ـ غزوا فكريا و قيمياً غربيا ـ الغرب هنا بشقيه ـ الرأسمالي و الاشتراكي ـ اختياراً إيديولوجيا للدولة أو الحزب الحاكم. لذلك فقد كان الصراع الفكري داخل الدول العربية و الإسلامية بين النخب، يدور حول تحديد مفهوم هذه الاختيارات الإيديولوجية، و هل يمكن اعتبارها من قبيل الغزو الفكري الذي يمس الهوية الفكرية و الحضارية للأمة. أم يندرج ضمن التطور السياسي و الاقتصادي و الفكري، الذي جاء كنتيجة طبيعية للتطور الحضاري الذي تعرفه الإنسانية، و استجابة ضرورية للاحتكاك الحضاري الذي نعيشه، و الذي لا يمكننا تجنبه بحال من الاحوال.
إلا أن في هذه المرحلة التي كثر الحديث فيها حول الغزو الثقافي و تداعياته السلبية، لم تكن وسائل الإعلام و وسائط الاتصال قد بلغت من التطور و الانتشار ما وصلته الآن و هذا التطور الثقافي في وسائل الإعلام، واكبته احداث سياسية و اقتصادية مهمة عرفتها الساحة العالمية. فالمعسكر الاشتراكي تعرض للانقسام السياسي و التجزء، بفعل الأزمات الاقتصادية الخانقة التي عرفتها دوله خلال السنوات الأخيرة، مما عجل بسقوطه و تفكك كتلته السياسية و الاقتصادية و الإيديولوجية، في المقابل نجدان المعسكر الغربي و الرأسمالي يعتبر هذا التفكك و الانهيار انتصارا له و لأيديولوجيته السياسية و الاقتصادية. و من ثم انطلق الحديث داخل أوساطه الفكرية، حول انتصار النموذج الغربي الليبرالي و أنه النموذج السياسي و الاقتصادي الأخير و الأفضل الذي وصل إليه تطور البشرية، و أن على الدول التي كانت تقف البارحة منه موقف المعارض و الرافض، عليها ان تسرع لركوب قطاره و سلوك طريقه، و بدأ الحديث عن القطب الواحد الذي يتحكم في تسيـــير دواليب الاقــتصاد العالمي، حيث العمل على قدم و ساق لتحرير الاسواق العالمية و إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول لاستقبال السلع. يرافق ذلك دعاية واسعة النطاق للترويج لقضايا حقوق الإنسان و الديمقراطية، و ضرورة تبني الإيديولوجية الليبرالية جملة و تفصيلا.
و هكذا فبين عشية و ضحاها بدأت عناصر الإيديولوجية الغربية الليبرالية تعرف طريقها نحو أوسع انتشار تعرفه عبر العالم، مستفيدة من قوتها الاقتصادية و العسكرية التي تمتلكها بالدرجة الاولى و مستغلة وسائل الاعلام المتطورة جدا للتسويق و التبشير بهذه الإيديولوجية و فعلا فقد بدأ الحديث عن العولمة الاقتصادية كظاهرة ملموسة، تتبلور كل يوم لتشمل جميع القطاعات الاقتصادية داخل العالم الثالث، فليس هناك الآن حديث الا عن الخصخصة، و تقليص دور الدولة في تسيير الاقتصاد الوطني، و تحرير الأسواق المحلية و فتحها أمام الانتاج العالمي، و ربطها بالتالي بعجلة الاقتصاد العالمي الذي تتحكم فيه بالطبع الشركات العابرة للقارات و المؤسسات المالية و التمويلية الغربية العملاقة. و عليه يمكن أن نقول بأن العالم في طريقه ليصبح سوقا واحدة مفتوحة على جميع الأسواق و الاقتصاديات تتحكم فيه إلى جانب رؤوس الاموال الغربية، قوانين الاقتصاد الليبرالي المعمول بها في الغرب بشقيه الأوربي و الامريكي. و بالتالي بدأ الحديث عن العولمة كظاهرة جديدة برزت على السطح. فانطلقت الاقلام و عقدت المؤتمرات و الندوات لعلاجها و مناقشة أبعادها و تداعياتها الايجابية و السلبية، ليس فقط على المستويين الاقتصادي و السياسي و انما على المستوى الثقافي. لان العولمة الثقافية بالخصوص بدت و كأنها كاسحة ستجرف و ستقضي على جميع الخصوصيات الحضارية لجميع الشعوب غير الغربية. بل إن شعوبا أوربية شعرت بمخاطر هذه العولمة لانها في حقيقة الأمر، عولمة تحمل في طياتها مشروعا لأمركة العالم. لان القيم النفسية و السلوكية و العقائدية الامريكية هي المهيمنة على هذه العولمة الثقافية. فالولايات المتحدة الأمريكية تهيمن و تمتلك النخبة الأكبر من وسائل الاعلام العالمية، و بالتالي فهيمنتها ليست اقتصادية فحسب و انما ثقافية كذلك، و هذا أخطر ما في هذه العولمة أو الأمركة. لان الذوق و السلوك و العرف الأمريكي، سيعرف طريقه نحو العالمية، مشكلا ضغطا و تحديا لباقي الأذواق و السلوكيات و الأعراف التي تشكل بالاضافة إلى الأديان و العقائد المنظومة المتكاملة للخصوصية الحضارية لباقي الشعوب في العالم.
و بما أن أجهزة الاستقبال و إلتقاط البث الإذاعي و التلفزيوني الفضائي قد استطاعت في الآونة الأخيرة الدخول إلى مجمل المنازل و البيوت، بسبب انتشارها و كثافة تسويقها العالمي و رخصها كذلك، فإن المادة الإعلامية الغربية و الأمريكية بدأت فعلا تصل إلى المتلقي في العالمين العربي و الإسلامي دون حواجز تذكر. بل بسهولة و يسر، و هذا ما جعل الحديث عن الاختراق الثقافي يحل محل الحديث السابق عن الغزو الثقافي، لأن وسائل مقاومة الغزو كانت متيسرة و أكثر فاعلية. بحيث كان بمقدور المؤسسات الحكومية و الأهلية أن تقاوم هذا الغزو أو تقف في وجهه أو على الاقل تخفف من آثاره السلبية، كما كان بامكانها في بعض المجالات أن تصد هذا الغزو. إلا أن الوضع الآن قد اختلف كثيرا. فلم يعد بامكان المؤسسات الحكومية أو الأهلية أن تقوم بالدور نفسه. و مما يزيد الوضع خطورة، ارتباط هذا الاختراق أو العولمة الثقافية بتبني الخيارات الاقتصادية و السياسية الغربية. و مما لا شك فيه أن وسائل الاعلام الغربية و الامريكية تؤكد على ترابط هذه الخيارات في المجالين الاقتصادي و السياسي مع ما تروج له من قيم ثقافية و سلوكيات و أنماط عيش غربية، و اذواق في الملبس و المأكل وصولا إلى صياغة تفاصيل الحياة اليومية و كل ما يتعلق بها من شؤون تخص الفرد أو الاسرة أو المجتمع.
و هنا تكمن الخطورة فعلا، لان وسائل الاعلام و خصوصا الانتاج السينمائي الهوليودي يسعى بجد و قوة لنشر و ترويج قيم المنافسة و تمجيد القوة، و التأكيد على الفردانية، و نشر ثقافة الاستهلاك، و الدعوة إلى تحرير الرغبة الإنسانية من كل القيود، و ابعاد كل ما هو غيبي عن حياة الإنسان. و بالتالي تقدم للانسان أهدافا جديدة، تتمحور حول السعي الحثيث لتحقيق الرغبات الشخصية دون اعتبار لقيم الحق أو العدل كما بشرت بها الأديان.
و بما أن هذه المادة الإعلامية بدأت تطرق باب الإنسان و تشاركه خلواته دون رقابة أو تمحيص، فإن آثارها المدمرة قد بدأت تظهر و تنتشر داخل الأوساط الاجتماعية فعلا. فظواهر التفسخ الأخلاقي و التفكك الأسري، و ظهور جرائم لم يكن المجتمع العربي و الإسلامي يعرفها و غيرها من الظواهر الغربية، دليل على أن هذا الاختراق بدأ يؤتي أكله.
و بما أن الإجراءات لوقف هذا الاختراق أو مواجهته، اكثر صعوبة و أشد تعقيدا، فإن المادة الإعلامية و الثقافية الغربية لا تجد لحد الآن صعوبة للوصول إلى عقل المتلقي في العالمين العربي و الاسلامي و قد بدأت فعلا صياغة الأذواق و الاهتمامات و الأهداف، و بالتالي فنحن أمام عولمة أو أمركة حقيقية في طريقها للتوسع و التغلغل و الانتشار، و لا أحد يعرف إلى أين ستصل، و ما هو الحجم الحقيقي الذي ستأخذه تداعياتها السلبية على الهوية الحضارية للامة العربية و الإسلامية
التعليقات (0)