مواضيع اليوم

ملف العولمة والهوية الثقافية

بنعبدالعزيز 2emebacsh2

2009-12-31 15:40:39

0

ملفففففففففف العولمة والهوية الثقافية:
تقديييييييييييييييييييييييييييم عاااااااااااااااااام


بسم الله الرحمان الرحييييييييييييييم:

يندرج هدا الملف ضمن دروس مادة الجغرافيا عموما وضمن الملف الدي يتعلق بإشكالية العولمة

والهوية الثقافية.
الفرضية:
أفترض أن هدا الملف سوف يتناول الحديث عن مفاهيم العولمة والهوية والثقافة والعلاقة بين

كل هده المفاهيم وآليات ومظاهر كل واحدة على حدة.

تقديم المحاور:

المحور الأول: محور مفاهيمي:تعريف كل من مفهومي العولمة

الهوية الثقافة.

المحور الثاني: محور علائقي: العلاقة بين كل من العولمة الهوية

الثقافة.

المحور الثالث: الآثار السلبية للعولمة على الهوية وعلى الثقافة.

الخلاصة:

الخاتمة:
أتمنى لكل من قرأ هدا الملف الاستفادة منه فهو رهن إشارة الجميع .


 

 

المحورالاول: تعريف كل من العولمة الهوية و الثقافة:

1- تعريف العولمة:
 

العولمة كظاهرة بدأ انطلاقها في الثمانينات وهي مرتبطة بثلاث أحداث كبرى سياسية،وتقنية، واقتصادية.
1- السياسية: انتهاء المواجهة بين الشرق والغرب، وانهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي.
2- التقنية: وهي الثورة المعلوماتية، فقد شهدت فترة الثمانينات طفرة تقنية هائلة في مجال الاتصالات الإلكترونية وانتقال المعلومات، والثابت أن العولمة ما كان بالإمكان حدوثها بدون الثورة المعلوماتية وتقدم الاتصالات والكمبيوتر والإنترنت.
3- الاقتصادية: ظهور منظمة التجارة العالمية عام 1995م، ومقرها جنيف لتخلف الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية (الجات) وكتتويج لانتشار مذهب التبادل الحر واقتصاد السوق الذي بات أيديولوجية تسيطر على العالم شرقه وغربه، وهو ما وافق عليه قادة العالم عام 1998م، أثناء مشاركتهم في الاحتفال بمرور 50 عاماً على الجات، وظهور الشركات متعددة الجنسيات.
في السابق سيطرت أمم عسكرياً واقتصادياً كالحضارة اليونانية والرومانية والإسلامية وبريطانيا ولكن في الوقت الحاضر اجتمع سيطرة القطب الواحد مع التقدم المذهل في الاتصالات والمواصلات.
تختلف تعاريف العولمة بين المفكرين حيث يركز كثير من الكتاب على الجانب الاقتصادي وينبه على خطورتها من هذا الجانب بزيادة الفقر وتكدس الأموال وخدمة الشركات الكبيرة واضمحلال الصغرى أو إيجابيتها من انفتاح الأسواق وزوال الحواجز عن الأيدي العاملة، ومنهم من يبشر بها باعتبارها تحرر من الدول المغلقة وانطلاق نحو العالمية والتقدم.
ومنهم من يركز على الجانب الثقافي وأضراره، ومنهم من يأخذها بمفهومها الشامل، وهذا الاختلاف بسبب ذكر كل واحد جانباً من الموضوع وهو يذكرنا بمثل الذين دخلوا على الفيل في غرفة مظلمة فكل منهم عرفه بما لمسه منه.
 

2- تعريف الهوية:
 

ما هي الهوية: الهوية مأخوذة من ”هُوَ .. هُوَ“ بمعنى أنها جوهر الشيء، وحقيقته، لذا نجد أن الجرجاني في كتابه الذائع الصيت في التعريفات يقول عنها بأنها الحقيقة المطلقة المشتلمة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب.
فهوية الإنسان .. أو الثقافة... أو الحضارة، هي جوهرها وحقيقتها، ولما كان في كل شيء من الأشياء –إنساناً أو ثقافة أو حضارة- الثوابت والمتغيرات .. فإن هوية الشيء هي ثوابته، التي تتجدد لا تتغير، تتجلى وتفصح عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة.
”إن هوية أية أمة هي صفاتها التي تميزها من باقي الأمم لتعبر عن شخصيتها الحضارية“.
والهوية دائماً جماع ثلاثة عناصر: العقيدة التي توفر رؤية للوجود، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي الطويل المدى.
اللغة:هي التي تلي الدين، كعامل مميز لشعب ثقافة ما عن شعب ثقافة أخرى.
ثم يأتي التاريخ وعناصر الثقافة المختلفة في صنع الهوية.
وأهم عناصر الهوية الدين حيث في الحروب تذوب الهويات متعددة العناصر، وتصبح الهوية الأكثر معنى بالنسبة للصراع هي السائدة، وغالباً ما تتحدد هذه الهوية دائماً بالدين.
وبالنسبة لمن يواجهون احتياجاً لتحديد ”من أنا؟“، ”ولمن أنتمي؟“، يقدم الدين إجابات قوية، وتوفر الجماعات الدينية مجتمعات صغيرة عوضاً عن تلك التي فقدت أثناء عملية التمدين.
والهوية في غاية الأهمية ومنها تنطلق المصالح حيث الناس لا يمكنهم أن يفكروا أو يتصرفوا بعقل في متابعة مصالحهم الخاصة إلا إذا عرفوا أنفسهم، فسياسة المصالح تفترض وجود الهوية.
وإذا كانت هذه هي الهوية وهذه أهميتها لكل أحد فإن الهوية عند المسلمين أكثر أهمية، والإسلام بعقيدته وشريعته وتاريخه وحضارته ولغته هو هوية مشتركة لكل مسلم، كما أن اللغة التي نتكلم بها ليست مجرد أداة تعبير ووسيلة تخاطب، وإنما هي: الفكر والذات والعنوان، بل ولها قداسة المقدس، التي أصبحت لسانه بعد أن نزل بها نبأ السماء العظيم، كما أن العقيدة التي نتدين بها ليست مجرد أيديولوجية وإنما هي: العلم الكلي والشامل والمحيط، ووحي السماء، والميزان المستقيم، والحق المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي منظومة القيم التي تمثل مرجعيتنا في السلوك، فهي ليست نسبية ولا مرحلية.
وقد أدرك الأعداء ذلك حيث أن الصليبية والشيوعية والصهيونية اليوم ترى أن استعادة المسلمين لهويتهم الإسلامية وانتمائهم القرآني هو أكبر الأخطار، ومن ثم فإن كل قوى التغريب والغزو الثقافي ستطلق في هذا الاتجاه، ويقوم الاستشراق والتنصير بدور كبير.
كما أن الغرب أحرص ما يكون على هوياتهم، وعلى ذوبان المسلمين المهاجرين في مجتمعاتهم، بل إن هناك مؤسسات خاصة بذلك والقوى الأوروبية يظهرون صراحة أنهم لا يريدون دولة إسلامية (تركيا) في الاتحاد الأوروبي، ولا يسعدهم أن تكون دولة إسلامية أخرى (البوسنة) أنها حرب هويات كما يقول هنتجنتون حيث نجد تركيا تعيد تأكيد دورها كحامية للبلقان وتدعم البوسنة، في يوغوسلافيا السابقة، وروسيا تساند الصرب الأرثوذوكسية، وألمانيا تساعد كرواتيا الكاثوليكية، والدول الإسلامية تهرع لمساعدة الحكومة البوسنية، والصرب يحاربون الكروات ومسلمي البوسنة ومسلمي ألبانيا.
وأوروبا ترفض تركيا بسبب الهوية ليس إلا، وكما قال الرئيس أوزال في سنة 1992م: سجل تركيا بالنسبة لحقوق الإنسان سبب ملفق لعدم قبول طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، السبب الرئيسي هو أننا مسلمون وهم مسيحيون.
 

3- تعريف الثقافة و المثاقفة :

أ-تعريف الثقافة:
 

معظم الباحثين يعدون الثقافة مجرد مجال من مجالات العولمة شأنها في ذلك شأن السياسة والاقتصاد.
إلا أن نظرة فاحصة لأهداف العولمة وبرامج من يسعون في صبغ العالم بها تؤكد عدم دقة هذه النظرة ذلك أن العولمة الثقافية هي الهدف النهائي, وما العولمة الاقتصادية والسياسية إلا وسائل للوصول إلى هذا الهدف, ومن الشواهد الواضحة على ذلك السعي إلى فرض القيم التي تحملها الثقافة الأمريكية اليوم على الأمم الأخرى, ومنها الأمة المسلمة وما يتبع ذلك من استخدام السياسة والاقتصاد كوسائل لتحقيق هذا الهدف؛ فمنزلة الثقافة من العولمة بمنزلة الرأس من الجسد.
وترجع أهمية الثقافة إلى أنها تعبير عن الهوية المستقلة لمجتمع ما, ولكون العولمة تقتضي الذوبان والتلاشي للهويات المستقلة ليصير العالم واحدًا؛ فلابد إذن من طمس الثقافة المحلية بما تحمله من قيم وأخلاق وعقائد.
وعلى الرغم من ذلك الحشد الهائل من التعريفات للثقافة حيث أحصى: كوبيركهون (164) تعريفًا للثقافة, إلا أن ثمة إجماعًا بين كل هؤلاء المعرفين على إدخال العقائد، والأخلاق، والعلوم، والقيم ضمن معنى الثقافة, ومن بين هذه التعريفات:
1- تعريف المجمع اللغوي: جملة العلوم والمعارف التي يُطلب الحذق بها.
2- تعريف الدكتور عبد الحليم عويس: التراث الحضاري والفكري في جميع جوانبه النظرية والعملية الذي تمتاز به أمة ويُنسب إليها، ويتلقاه الفرد من الميلاد إلى الوفاة من ثمرات الفكر والعلم والفن والقانون والأخلاق.
3- وعند أهل التربية فإن الثقافة هي: "مجموعة الأفكار والمثل والتقاليد والعادات والمهارات وطريقة التفكير وأساليب الحياة والنظام الأسري وتراث الماضي.. ووسائل الانتقال والاتصال وطبيعة المؤسسات الاجتماعية في المجتمع الواحد".
4- تعريف الدكتور برهان غليون:مجموعة المعارف والاعتقادات والقيم والأخلاق والعادات التي يكتسبها من جرَّاء انتمائه لجماعة من الجماعات.
5- تعريف الأمريكي كلبا ترك: كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من مظاهر البيئة الاجتماعية.
6- تعريف الأمريكي تيلر: ذلك الكل المعقد الذي ينطوي على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك.
وقد تعمدت اختيار تعريفات لمعرفين شتى منهم المسلم ومنهم غير المسلم، ومنهم المتخصص في العلوم الشرعية، ومنهم التربوي, ومنهم اللغوي؛ لتأكيد إجماعهم على دخول القيم والعقائد والأخلاق ضمن نطاق الثقافة؛ بل لقد ذهب (إليوت) إلى أن الثقافة ليست إلا تجسيدًا للدين، وأكد "أرنولد" على أن الدين جزء من أجزاء الثقافة.
 

ب - تعريف المثاقفة:
 

إما المثاقفة acculturation الذي ينتمي في أصله إلى حقل مفاهيم علم الاجتماع و الانثروبولوجيا الثقافية.فهو يدل في هدا الحقل على ظاهرة تاثير وتأثر الثقافات البشرية في بعضها البعض نتيجة الاتصال فيما بينها أيا كانت طبيعة هدا الاتصال او مدته .كما يدل على الصيرورة التي بمفعولها تتأثر ثقافة جماعة بشرية معينة وتتكيف جزئيا او كليا مع ثقافة جماعة بشرية أخرى توجد في حالة اتصال بها.وفي عبارة موجزة يمكن القول إن المثاقفة تعني في نهاية المطاف رد فعل كيان ثقافي معين تجاه ضغوط وتاثيرات ثقافية تأتيه من خارجه وتمارس عليه مباشرة او عن طريق غير مباشر علانية او بكيفية خفية تدريجية .انها طريقة للتفاعل والتكيف مع ثقافات الاخرين سواء اضطراريا او إراديا واحيانا لاشعوري ولكن اسباب التغيرات التي تطرأ على كيان ثقافي معين قد لايكون مصدرها دائما هو التاثيرات الخارجية فحسب بل يحدث أحيانا أن تظهر نتيجة لتضافر عوامل خارجية مع تاثير قوى فاعلة في داخل المجتمع المعني بالامر داته .إن التواصل و التفاعل والتبادل بين الثقافات على المستوى العالمي عبر جسور و".
لكن هذا الواقع قد تداعى بزوال الحد الأدنى من التكافؤ المادي بين الأمم وفي أعقاب حدثين عالميين بالذات:
أولهما: "سقوط المعسكر الشرقي الذي اتخذ من سقوط حائط برلين رمزًا له عام 1989م، والذي أنهى فترة من الحرب الباردة بين المعسكرين (وارسو/الأطلسي)...
والثاني: حرب الخليج الثانية في عام 1991م وهي حرب شبه عالمية لكن من طرف واحد ودون تكافؤ في القوى... وهذان الانتصاران أتاحا لأمريكا نوعًا من السيادة العالمية مستغلة تقدمها التقني والاقتصادي وقوتها العسكرية" في تحقيق الجزء الأهم من أهدافها وهو نشر ثقافتها تحت شعار العولمة.
وفي هذا السياق فإن تعريف العولمة الثقافية بـ: محاولة مجتمع تعميم نموذجه الثقافي على المجتمعات بوسائل سياسية, واقتصادية, وثقافية, وتقنية متعددة. ليس تعريفًا دقيقًا؛ لأن جميع المجتمعات تشترك في هذه المحاولة لتعميم نموذجها الثقافي حتى المجتمع المسلم, ومع ذلك فإن ذلك لا يعدُّ عولمة بل عالمية ارتبطت بالثقافة الإسلامية منذ بداياتها.
ومن هنا فإن هذه العالمية لم تدفع الأمة المسلمة إلى فرض ثقافتها بالقوة على الآخرين؛ لأن العالمية "طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي فهي تفتح، أما العولمة فهي اختراق ثقافي بالقوة المادية للقضاء على نواة الثقافة المغايرة فهي احتواء".
هذه النصوص وغيرها تؤكد على أن الثقافة الإسلامية أقرت الخصوصيّة الثقافية لكل مجتمع بشري على الصعيد النظري والعملي، وليس على الصعيد النظري فقط كما هو الحال في الثقافة الغربية المعاصرة.
وعلى الصعيد العملي فقد احتفظت الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين بخصوصيتها الثقافية، وشمل ذلك بالطبع احتفاظها بدينها ومعتقدها كما حصل للنصارى في الشام ومصر والأندلس وتركيا الذين احتفظوا بهويتهم الثقافية المستقلة رغم مرور القرون المتوالية تحت حكم الدول المسلمة، في حين يجاهد المسلمون اليوم في المجتمعات الغربية للاحتفاظ بهويتهم إلى حد أن الحجاب للفتيات المسلمات في فرنسا أضحى رمزًا دينيًّا غير مسموح به في المدارس الحكومية بقانون أقرته أغلبية كبيرة من نواب الشعب.

2- العلاقة بين الهوية و العولمة

 

توجد بين مفهومي الهوية والعولمة وشائج علاقات جدلية فريدة من نوعها في طبيعة العلاقة بين المفاهيم والأشياء .إنهما مفهومان متجاذبان متقاطبان متكاملان في آنٍ واحدٍ . وفي دائرة هذا التجاذب والتقاطب والتكامل ، يأخذ مفهوم الهوية على الغالب " دور الطريدة بينما يأخذ مفهوم العولمة دور الصيّاد "حسب تعبير الدكتور علي وطفة .
فالعولمة تطارد الهوية وتلاحقها وتحاصرها وتُجْهز عليها ثم تتغذّى بها ، وفي دائرة هذه المطاردة تعاند الهوية أسباب الذوبان والفناء وتحتدّ في طلب الأمن والأمان ، وتتشبث بالوجود والديمومة والاستمرار .
إن العولمة تعني ذوبان الخصوصية والانتقال من الخاص إلى العام ، ومن الجزئي إلى الكلّي ، ومن المحدود إلى الشامل .وعلى خلاف ذلك يأخذ مفهوم الهوية اتجاها متقاطبا كليا مع مفهوم الشمولية والعمومية ؛ فالهوية انتقال من العام إلى الخاص ، ومن الشامل إلى المحدود ..إذْ تـبحث عن التمايز والتباين والمشخص والمتفرد والمعيّن ..أما العولمة بحثٌ عن العام والشامل واللامتجانس واللامحدود .
قضية العلاقة بين مفهوم الهوية والعولمة طُرحت على أكثر من صعيد ولا تزال تطرح لكونها من أهمّ القضايا وأكثرها صعوبة وتعقيدا وأقربها حضورا في عمق الجدل الدائر ليس لدى النخبة الثقافية والسياسية فحسب ، بل حتى لدى العديد من الناس العاديين ، ذلك أن انعكاساتها الفكرية والمعنوية ونتاجاتها المادية اقتحمت كل مجالات الحياة .
يذهب بعض المفكرين والباحثين إلى أن العولمة فعْلٌ يقلص امتداد الكون في هوية واحدة متجانسة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا .
المحور الثالث :لآثار السلبية للعولمة على الهوية
انطلاقاً من الفصل الأول من أن العولمة وصف لظواهر متعددة كالتقدم المذهل في وسائل الاتصال والانفتاح المعلوماتي وذهاب الحواجز بين الدول مع سلطة القطب الواحد الذي يسعى للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والثقافية والسياسية.
وهذا ما حدا بالبعض إلى أن يسميها الأمركة، وللأسف إن أمريكا لا تهدف إلى تطبيق قيمها فحسب، بل إنها تنطلق من مصالحها الذرائعية المجردة من المبادئ والتي تكيل بمكيالين والتي تشكل خطورة عظيمة على القيم والأخلاق والهويات لا سيما الإسلامية.
وهذه أمثلة:
يحرم الشيشان من الإنفصال عن روسيا .. ويجبر أهل تيمور على الانفصال من اندونيسيا بتدخل من استراليا ودعم من الغرب ..
وكذلك تنفصل تماماً دول البلطيق وجورجيا من روسيا بينما الدول الإسلامية فاستقلاها غير كامل.
ودية الأفغاني الذين قتلوا في عرس 200 دولار وقد اعترفت أمريكا بالخطأ بينما من قتل في لوكربي 10.000.000 دولار أي 50.000 ضعف.
العولمة أن تُهاجَم دولة ذات سيادة حتى دون إذن من الأمم المتحدة لشبهة أسلحة الدمار الشامل، وتُترَك دولة قريبة منها تمتلك أسلحة دمار شامل وتحتل أرض غيرها مخالفة لقرارات الأمم المتحدة ..
أمريكا تمارس دوراً منفرداً حيث تدعم إسرائيل، وترفع الفيتو بعد الآخر لتتمكن من العدوان، وتعتدي على العراق بحجج واهية وحتى دون موافقة مجلس الأمن التي لها أكبر نفوذ فيه، وتأخذ المعتقلين من أفغانستان إلى قوانتنامو دون محاكمة عادلة، وتحارب الجمعيات الإسلامية وترهبها وتجمد أموال من تريد منها دون أدلة ..
المنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال ارهابية، والمحتل مدافع عن نفسه، والجماعات الإسلامية في أفغانستان المقاومة للاحتلال الأمريكي وحكومته ارهابية، بينما نفس الوضع كان إبان الاحتلال السوفيتي ولكن تلك الجماعات كانت مقاومة مشروعة مدعومة، مما يعني وجود اختلال حاد في موازين العالم تحت إمرة الحضارة الغربية الصليبية الصهيونية.
وهذا صمويل هنتجنتون في صدام الحضارات والذي يدعو للتعصب للحضارة الغربية ومحاربة ما عداها لا سيما الإسلامي، وهو في كتابه مرة بعد مرة يمارس تحريضاً على الإسلام وتخويف الأوروبيين منه، للإنضواء تحت أمريكا والغرب وإشعال فتيل التعصب الديني.
وهذا ما حدا بتوم فريدمان للقول: نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق.
وفي آخر سنة 2003م كانت استطلاعات الرأي في أوروبا أن أمريكا ثم إسرائيل تمثل أكبر خطورة على السلام العالمي.
فالعولمة هجمة صهيونية شرسة لا تتقيد بالمبادئ، وفي أحسن أحوالها أمركة وتغريب ما لم نقم بدور فعال لتخفيف آثارها والتأثير فيها، وهي حتى لكثير من الغربيين ليست خير للعالم حتى في الجانب الاقتصادي الذي يبشر به البعض، حيث نجد أن هانس بيتر مارتين في كتابه الشهير (فخ العولمة) والذي ركز على العولمة الاقتصادية، يؤكد أن العولمة فخ كبير مليء بالأكاذيب وهي في النهاية تزيد الفقراء، ونجد في الفصل الخامس من الكتاب على سبيل المثال عنوان (أكاذيب ترضي الضمير: أسطورة الميزة على استقطاب الاستثمارات وخرافة العولمة العادلة) كما أن الشعوب حتى الغربية تخرج في مظاهرات شعبية عارمة معارضة لكل مؤتمرات العولمة لما يرونه من إضرار بهم.
ونجد أن الغرب لا يسعى لنشر قيمه الاجتماعية فحسب رغم عدم الاقتناع الواسع بها كقيم، بل إنه يفرضها عبر المؤتمرات الدولية والضغط على الدول التي لا تستجيب، حيث توالت مؤتمرات المنظمات الدولية بهذا الخصوص، مثل مؤتمر نيروبي عام 1985م، مؤتمر القاهرة عام 1994م، ومؤتمر بكين عام 1995م، ومؤتمر اسطنبول عام 1996م، ثم مؤتمر نيويورك عام 1999م، ثم مؤتمر بكين، ثم نيويورك أيضاً عام 2000م، ومحور هذه المؤتمرات يدور حول الأسرة والمرأة والطفل، مركزاً على الحقوق الجنسية، والحق في الإنجاب والإجهاض، والشذوذ، وقضية المساواة بين الرجال والنساء، والمساواة في الميراث .. الخ، وكل هذا من منظور الثقافة الغربية العلمانية المادية الإباحية التي تبيح الزنى واللواط وتمنع تعدد الزوجات.
وفي الفصل السابع من وثيقة مؤتمر السكان يتحدث عن هذه الإباحية الجنسية، فيقول: إنها حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، المنطوية على أن يكون الأفراد (لاحظ تعبير الأفراد) من جميع الأعمار أزواجاً وأفراداً (كذا) فتياناً وفتيات، مراهقين ومراهقات، قادرين على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة (لاحظ عدم اشتراط الحلال والشرعية) هي كالغذاء، حق للجميع، ينبغي أن تسعى جميع البلدان لتوفيره في أسرع وقت ممكن، في موعد لا تجاوز عام 2015م. أي أنه أكثر من مباح، فالسعي لتحقيقه بجميع البلدان في أسرع وقت ممكن، وقبل سنة 2015م، واجب على جميع البلدان بل ولا تكتفي هذه الوثيقة بذلك، وإنما تتجاوز إباحة هذه الإباحية إلى حيث تدعو للتدريب والترويج والتعزيز لهذا السلوك الجنسي المأمون والمسئول.
بل ونجد ممارسات منفردة، حيث نجد أن أمريكا تضغط عبر أولبرايت ورايس على حقوق المرأة في الترشيح والانتخاب والسفور وعظائم الأمور، ومن نتائج ذلك أن وافقت دول وتحمست للبدء لأول مرة دفعة واحدة في ترشيح المرأة وانتخابها، ولم تنجح أي امرأة في الانتخابات لا بتصويت الرجال أو النساء، واستنكر المجتمع حتى بعديد من نسائه ذلك.
والحرية والديمقراطية الغربية والقانون الدستوري جعل الغرب يسقط نتائج الانتخابات في تركيا والجزائر ونيجيريا (مشهود أبيولا) لأن الناجحين إسلاميين!!
للأسف أن الغرب حريص على فرض قيمه الاجتماعية والثقافية وعولمتها والتي تمثل أسوأ ما عنده بينما لا يسعى إلى عولمة العلم والتقدم حيث يجب الاحتفاظ به.
إن مما يزيد خطورة العولمة ضعف العالم الإسلامي وهزيمته أمام الغرب وهذا ما يزيد اختراق العولمة الثقافية للهوية، كما قال ابن خلدون ”المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه وسائر أحواله وعوائده“.
فضلاً أن العولمة تحمل فكرة استبداد القوي الذي يسخر إرادات الشعوب الضعيفة لصالحه، وتكمن في فكرة سيطرة المهيمن على الاقتصاد العالمي والقوة العسكرية والإدارة السياسية على شعوب العالم الفقيرة، بل والسعي لإفقار ما ليست فقيرة، وتكمن كذلك في فكرة الإذابة التي يقوى عليها من يمتلك أدوات الاتصال والتحكم بها، وبالمعلومات وبإنتاجها، وتدفقها دونما مراعاة لثقافات الشعوب وحاجاتها وخصوصياتها وإمكاناتها.
كما أن مما يزيد خطورة العولمة ذراعها الإعلامي الخاضع للسيطرة الصهيونية والتي تمسك بخيوطها، تسير هذه القوة في السيطرة مع القوة الغاشمة العسكرية في فرض العولمة على الآخرين، فوظيفة المنظومة الإعلامية هي أن تتسلى وتتلهى وتعلم وترسخ القيم والمفاهيم والمعتقدات وأنماط السلوك الأمريكي على الآخرين، كما يرى أحد الخبراء الأمريكين، ولتحقيق ذلك صارت ميزانية الإعلام موازية تماماً لميزانية الدفاع في بعض الدول، فإحصاءات عام 1986م تقول إنه بلغ رقم اقتصاد الإعلام في الغرب والاتصالات مبلغ (1175) بليون دولار تقريباً منها (505) بلايين للولايات المتحـدة الأمريكيــة، و (267) بليونــاً للجماعة الأوروبية، و (253) بليونــاً لليابــــان، و (150) بليوناً فقط للآخرين في العالم .. هذه الميزانيات الضخمة للإعلام في الشمال جعلته يتحكم بقوة في الإعلام المتدفق، في اتجاه الجنوب الأمر الذي أحدث خللاً في المنظومة الإعلامية، وقد فشلت جميع الجهود والمبادرات التي بذلت في إطار الأمم المتحدة لوضع أسس لقيام نظام إعلامي جديد يحقق التوازن بين الشمال والجنوب.
وإذا كانت بعض دول الغرب نفسه أو من هو قريب منها يشكو من عولمة الثقافة على الهوية، حيث نجد أن هناك دراسة في استراليا وهي بلد غربي نصراني يتحدث الإنجليزية أي مشارك للولايات المتحدة في الهوية تقريباً يشكو من مواد التلفزة الأمريكية على الأطفال، لأنها تؤدي إلى فقدان الانتماء وإلى أزمة أخلاقية وغربة ثقافية، وكذلك كندا حيث عبرت وزيرة الثقافة الكندية شيلا كوبي عن انزعاجها من الهيمنة الثقافية الأمريكية، وتدخلها قائلة: من حق الأطفال في كندا أن يستمتعوا بحكايات جداتهم، ومن غير المعقول والمقبول أن تصبح (60%) من برامج التلفزيون الكندي مستوردة، وأن يكون (70%) من موسيقانا أجنبية، وأن يكون (95%) من أخلاقنا ليست كندية.
وكذلك فرنسا مع أنها غربية نصرانية، ولكن بسبب اختلاف اللغة فإنها أكثر الدول الغربية تشكو من عولمة الثقافة ومن هيمنة اللغة الإنجليزية، والخوف على الهوية الفرنسية ولذلك لجأ الفرنسيون إلى وضع الثقافة في خانة الاستثناء، لأنهم تنبهوا إلى أن قوة الإنتاج الثقافي الأمريكي تؤدي إلى التغيير التدريجي في معايير السلوك وأنماط الحياة.
كما أننا نجد دولاً كالفلبين وهي دولة تصنف أنها نصرانية سائرة في الفلك الأمريكي حيث نجد في دراسة أجريت على (255) طالباً فلبينياً وجد أن التعرض للمواد التلفزيونية الأمريكية قد ارتبط إيجابياً بتأكيد هؤلاء الطلاب على قيمتي: ”المنفعة والمادية“، باعتبارهما القيمتين الأكثر أهمية في حياتهم، في حين تدنت لديهم قيم فلبينية أصيلة مثل: الصفح، والتسامح، والتضحية، والحكمة.
هذا فضلاً عن الدراسات الكثيرة التي تبين معاناة شعوب شرقية (ليست إسلامية) وسائرة في الفلك الغربي كاليابان وكوريا الجنوبية من العولمة ومن الدراسات الميدانية التي تمت لمعرفة تأثير المواد التلفزيونية الأمريكية على الشباب الكوري الجنوبي قام بها Kang & Morgan ومن نتائج هذه الدراسة أن هذه المواد أدت إلى تأثير بالغ على القيم التقليدية الكورية، فأصبحت الفتيات الكوريات أكثر تحرراً من القيم الأسرية والأخلاقية، ويعتقدن أنه لا حرج من الممارسة الجنسية خارج الزواج، وأن ذلك من قبيل الحرية الجنسية، وأصبحن يرتدين الملابس الأمريكية، ويحتقرن العقيدة الكونفوشيوسية.
وهذه الأمثال توفرها مئات الدراسات في أنحاء العالم من خوف المثقفين على هوية شعوبهم من العولمة الأمريكية، ألا يحق لنا كمسلمين ونحن نحمل أعظم عقيدة وخير لسان نزل به القرآن، وأعظم تاريخ بالإضافة إلى القيم الحضارية العالية أن نخشى على تلك الجواهر من أثر العولمة على الهوية إن أخطر ما تحمله العولمة تهديدها لأصل العقيدة الإسلامية، لما تدعو له من وحدة الأديان، وهي دعوة تنقض عقيدة الإسلام من أساسها، وتهدمها من أصلها،لأن دين الإسلام قائم على حقيقة أنه الرسالة الخاتمة من الله تعالى للبشرية، الناسخة لكل الأديان السابقة التي نزلت من السماء، ثم أصابها التحريف والتغيير، ودخل على أتباعها الانحراف العقائدي. ”كما أن العولمة تسعى لإعادة تشكيل المفاهيم الأساسية عن الكون والإنسان والحياة عند المسلمين، والاستعاضة عنها بالمفاهيم التي يروج لها الغرب ثقافياً وفكرياً، فالكون في نظر العولمة الثقافية والفكرية لم يخلق تسخيراً للإنسان، ليكون ميدان امتحان للناس لابتلائهم أيهم أحسن عملاً!!، والإنسان لم يخلق لهدف عبادة الله تعالى !! وهذه المفاهيم الأساسية للعقيدة الإسلامية، ليست في نظر العولمة الفكرية والثقافية سوى خرافة“.
إن هذا العالم المادي لا يعرف المقدسات أو المطلقات أو الغائيات، وهدف الإنسان من الكون هو عملية التراكم والتحكم هذه، التي ستؤدي في نهاية الأمر إلى السيطرة على الأرض وهزيمة الطبيعة.
إن المنظومة المعرفية الغربية المادية الحديثة بدأت بإعلان موت الإله باسم مركزية الإنسان، وانتهت بإعلان موت الإنسان باسم الطبيعة، والحقيقة المادية، وهذه هي الواحدية المادية: أن تصبح كل المخلوقات خاضعة تماماً لنفس القانون المادي الصارم وأن يسود منطق الأشياء على الأشياء وعلى الإنسان، وهذا هو حجر الزاوية في المشروع المعرفي الغربي، ثمة قانون واحد وثقافة واحدة وإنسانية واحدة تكتسب وحدتها من كونها جزءاً من النظام الطبيعي، ولذا فإن ثمة نموذجاً واحداً للتطور، ويلاحظ أن حركة البناء الفكري المادي تتجه دائماً نحو تصفية الثنائيات التي نجمت عن الثنائية الدينية (الخالق / المخلوق) وعن الثنائية الهيومانية (الإنسان / الطبيعة).
وإذا انتقلنا من العقائد التي هي أصل الهوية إلى اللسان واللغة التي هي أداة التفاهم والتواصل، وهي وعاء الفكر وقالبه الحي، وما نراه اليوم من طغيان الثقافة الغربية، حيث تشكل اللغة نسبة عالية من الإسهام في نقلها، ولا أدل على ذلك من أن (88%) من معطيات الأنترنت باللغة الإنجليزية، و(9%) بالألمانية، و(2%) بالفرنسية، و(1%) يوزع على باقي اللغات.
ويبين هنتجنتون في كتابه صدام الحضارات أهمية اللغة في الصراع حيث أن توزع اللغات في العالم عبر التاريخ يعكس توزع القوة العالمية فاللغات الأوسع انتشاراً: الإنجليزية، الماندارين، الأسبانية، الفرنسية، العربية، الروسية. إما أنها أو كانت لغات دول إمبراطورية جعلت شعوباً أخرى تستخدم لغتها. كما أن التحولات في توزع القوة، تؤدي إلى تحولات في استخدام اللغات، حيث قرنان من القوة البريطانية والأمريكية الاستعمارية والتجارية والصناعية والعلمية والمالية، تركا ميراثاً ضخماً في التعليم العالي والتجارة والتقنية في أنحاء العالم.
أن إحصاءات منظمة اليونسكو عن الوطن العربي تشير إلى أن شبكات التلفزيون العربية تستورد ما بين ثلث إجمالي البث كما في سوريا ومصر، ونصف هذا الإجمالي كما في تونس والجزائر، أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد على نصف إجمالي المواد المبثة إذ تبلغ (58.2%). ومعلوم أثر هذه البرامج على اللغة وما تحمله من عقائد وقيم وأخلاق وعادات.
أما إذا انتقلنا إلى السلوك والأخلاق فإن المبادئ الأخلاقية التي تتهاوى في الغرب يوماً بعد يوم حيث سيادة المصالح والمنفعة واللذة و تعظيم الإنتاج والاستهلاك.
هذه الحضارة ابتداءً من حربيها العالميتين (أي الغربيتين) وانتهاءً بمشاكلها المتنوعة الكثيرة مثل تآكل مؤسسة الأسرة، وانتشار الإيدز والمخدرات، وتراكم أسلحة الدمار الكوني، والأزمة البيئية، وتزايد اغتراب الإنسان الغربي عن ذاته وعن بيئته.
كما تسوق العولمة لوهم المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة. ”ومن خلال العولمة يروج للشذوذ الجنسي، ويحاول الغرب استصدار قوانين لحماية الشذوذ الجنسي في العالم، ومن أحدث محاولات العولمة: محاولة فرض مصطلح جديد يطلق عليه Gender بدل كلمة Sex“.
والتأثير الأخلاقي هو أسرع من غيره، وقد أشارت دراسة في السعودية (لناصر الحميدي) إلى أن التأثير على الجوانب الأخلاقية يأتي في الدرجة الأولى، مثل: الترويج للإباحية، والاختلاط، وما إلى ذلك مما يخالف القيم الإسلامية، وإغراء النساء بتقليد الأزياء الغربية وأدوات الزينة، وكذلك التأثير على الروابط الأسرية.
علماً أن العرب هم أكثر الشعوب مشاهدة للتلفاز.
بل حتى في الجانب الاقتصادي فالإنسان الغربي الذي لا يشكل سوى نسبة ضئيلة من سكان الكرة الأرضية (20%) يستهلك ما يزيد على (80%) من مواردها اليات المتاقفة اصبح يساهم فعليا في نسج علاقات ثقافية متداخلة بين الشعوب,وفي تنقل قيم وافكار ومفاهيم وعادات وأساليب الحياة وانماط السلوك ,خاصة بنظام ثقافي معين,إلى نظام او عدة أنظمة ثقافية أخرى .وواهم من لا يزال يعتقد اليوم في امكانية وجود حواجز سياسية او إستراتيجية,قادرة على الصمود طويلا أمام سرعة انتقال لمعرفة والمعلومات والأفكار,والقيم والمكتسبات الانسانية الراهنة. وفي عصرنا الحالي ,وخاصة في هده المطالع الأولى من الألفية الثالثة التي تدشن عهدا ازدهر فيه الخطاب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان,وعن الحقوق الثقافية للشعوب,وعن فضائل التعددية الثقافية بشكل لم يسبق له نظير في هدا العصر بالذات اصبح العالم اجمع معرضا لجموح ثقافة بشرية واحدة إلى الهيمنة على جميع الثقافات البشرية الأخرى,وبالتالي لنوع كاسح من التنميط والتجانس الثقافي مفروض عليه من طرف ما يقدم على انه ثقافة إنسانية كونية تجسدها روح ثقافة العولمة .وهده الثقافة تبسط هيمنتها حاليا وبكيفية تدريجية,تحت مظلة القدرة الأمريكية الهائلة الاقتصادية والسياسية والمالية والتكنولوجية والعسكرية,التي تسمح لها بالسيطرة الفعلية على أجزاء كثيرة من العالم,وعلى المؤسسات الدولية المؤهلة لاتخاذ القرارات السياسية والإستراتيجية العامة,وعلى القسم الأعظم من وسائل الاتصال والإعلام الكبرى,إلى حد لم تعد تلوح فيه في الأفق القريب,أية مؤشرات تنبئ بإمكانية وجود خصم او ند في مقامها ومقاسها,يمكن أن يلجم جموحها او باحتمال ظهور بديل قادر على الصمود والتجزؤ على خوض منافسة فعلية مع نموذجها الثقافي المهيمن على العالم اجمع,من منطلق عقدة التفوق والاعتلاء واحتكار الصفة الكونية.
 

المحور الثاني:العلاقة بين العولمة والهوية والثقافة:

 

1-العلاقة بين الثقافة والعولمة:
 

ويلاحظ بأن بعض التعريفات يقصر الثقافة على الإنتاج الذهني العقلي العالي المستوى المعترف به من المختصين, وبعضهم يتجوز فيوسع الدائرة قليلاً لتشمل كل النشاطات الذهنية الحية والموروثة, وبعضهم يزيد الدائرة اتساعًا فيدخل النشاطات الجسدية التي تصنع لدى جماعة معينة طريقة مميزة في السلوك والحياة.
وأيًّا ما كان الأمر فإن صهر كل الثقافات في ثقافة واحدة بفعل العولمة يقتضي بالضرورة محاربة الثقافة القوية بأدواتها المادية للثقافات الأخرى التي تعاني من ضعف القوة المادية.
ويوم إن كان هناك حد أدنى من التكافؤ المادي لم تنجح محاولات صبغ العالم بصبغة ثقافية واحدة على الرغم من كون العولمة مصطلحًا حادثًا؛ إلا أن مفهوم العولمة ليس بحادث, فلقد كان الاستعمار في مفهومه محاولة لفرض هيمنة الثقافة والاقتصاد الغربي على الأمم الأخرى؛ بل إن منظمة (اليونسكو) بذاتها إنما أنشئت كما يقول أول مدير عام لها جوليان هكسلي: "لكي تُساعد في خلق ثقافة عالمية موحدة تنطوي على تصور فلسفي خاص وخلفية معينة من الأفكار وخطط طموحة، فهي تهدف إلى بلورة أيد لوجيه عالمية".
لكن هذا الواقع قد تداعى بزوال الحد الأدنى من التكافؤ المادي بين الأمم وفي أعقاب حدثين عالميين بالذات:
أولهما: "سقوط المعسكر الشرقي الذي اتخذ من سقوط حائط برلين رمزًا له عام 1989م، والذي أنهى فترة من الحرب الباردة بين المعسكرين (وارسو/الأطلسي)...
والثاني: حرب الخليج الثانية في عام 1991م وهي حرب شبه عالمية لكن من طرف واحد ودون تكافؤ في القوى... وهذان الانتصاران أتاحا لأمريكا نوعًا من السيادة العالمية مستغلة تقدمها التقني والاقتصادي وقوتها العسكرية" في تحقيق الجزء الأهم من أهدافها وهو نشر ثقافتها تحت شعار العولمة.
وفي هذا السياق فإن تعريف العولمة الثقافية بـ: محاولة مجتمع تعميم نموذجه الثقافي على المجتمعات بوسائل سياسية, واقتصادية, وثقافية, وتقنية متعددة. ليس تعريفًا دقيقًا؛ لأن جميع المجتمعات تشترك في هذه المحاولة لتعميم نموذجها الثقافي حتى المجتمع المسلم, ومع ذلك فإن ذلك لا يعدُّ عولمة بل عالمية ارتبطت بالثقافة الإسلامية منذ بداياتها.
ومن هنا فإن هذه العالمية لم تدفع الأمة المسلمة إلى فرض ثقافتها بالقوة على الآخرين؛ لأن العالمية "طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي فهي تفتح، أما العولمة فهي اختراق ثقافي بالقوة المادية للقضاء على نواة الثقافة المغايرة فهي احتواء".
هذه النصوص وغيرها تؤكد على أن الثقافة الإسلامية أقرت الخصوصيّة الثقافية لكل مجتمع بشري على الصعيد النظري والعملي، وليس على الصعيد النظري فقط كما هو الحال في الثقافة الغربية المعاصرة.
وعلى الصعيد العملي فقد احتفظت الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين بخصوصيتها الثقافية، وشمل ذلك بالطبع احتفاظها بدينها ومعتقدها كما حصل للنصارى في الشام ومصر والأندلس وتركيا الذين احتفظوا بهويتهم الثقافية المستقلة رغم مرور القرون المتوالية تحت حكم الدول المسلمة، في حين يجاهد المسلمون اليوم في المجتمعات الغربية للاحتفاظ بهويتهم إلى حد أن الحجاب للفتيات المسلمات في فرنسا أضحى رمزًا دينيًّا غير مسموح به في المدارس الحكومية بقانون أقرته أغلبية كبيرة من نواب الشعب.
 

2- العلاقة بين الهوية و العولمة
 

 

توجد بين مفهومي الهوية والعولمة وشائج علاقات جدلية فريدة من نوعها في طبيعة العلاقة بين المفاهيم والأشياء .إنهما مفهومان متجاذبان متقاطبان متكاملان في آنٍ واحدٍ . وفي دائرة هذا التجاذب والتقاطب والتكامل ، يأخذ مفهوم الهوية على الغالب " دور الطريدة بينما يأخذ مفهوم العولمة دور الصيّاد "حسب تعبير الدكتور علي وطفة .
فالعولمة تطارد الهوية وتلاحقها وتحاصرها وتُجْهز عليها ثم تتغذّى بها ، وفي دائرة هذه المطاردة تعاند الهوية أسباب الذوبان والفناء وتحتدّ في طلب الأمن والأمان ، وتتشبث بالوجود والديمومة والاستمرار .
إن العولمة تعني ذوبان الخصوصية والانتقال من الخاص إلى العام ، ومن الجزئي إلى الكلّي ، ومن المحدود إلى الشامل .وعلى خلاف ذلك يأخذ مفهوم الهوية اتجاها متقاطبا كليا مع مفهوم الشمولية والعمومية ؛ فالهوية انتقال من العام إلى الخاص ، ومن الشامل إلى المحدود ..إذْ تـبحث عن التمايز والتباين والمشخص والمتفرد والمعيّن ..أما العولمة بحثٌ عن العام والشامل واللامتجانس واللامحدود .
قضية العلاقة بين مفهوم الهوية والعولمة طُرحت على أكثر من صعيد ولا تزال تطرح لكونها من أهمّ القضايا وأكثرها صعوبة وتعقيدا وأقربها حضورا في عمق الجدل الدائر ليس لدى النخبة الثقافية والسياسية فحسب ، بل حتى لدى العديد من الناس العاديين ، ذلك أن انعكاساتها الفكرية والمعنوية ونتاجاتها المادية اقتحمت كل مجالات الحياة .
يذهب بعض المفكرين والباحثين إلى أن العولمة فعْلٌ يقلص امتداد الكون في هوية واحدة متجانسة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا .
المحور الثالث :لآثار السلبية للعولمة على الهوية
انطلاقاً من الفصل الأول من أن العولمة وصف لظواهر متعددة كالتقدم المذهل في وسائل الاتصال والانفتاح المعلوماتي وذهاب الحواجز بين الدول مع سلطة القطب الواحد الذي يسعى للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والثقافية والسياسية.
وهذا ما حدا بالبعض إلى أن يسميها الأمركة، وللأسف إن أمريكا لا تهدف إلى تطبيق قيمها فحسب، بل إنها تنطلق من مصالحها الذرائعية المجردة من المبادئ والتي تكيل بمكيالين والتي تشكل خطورة عظيمة على القيم والأخلاق والهويات لا سيما الإسلامية.
وهذه أمثلة:
يحرم الشيشان من الإنفصال عن روسيا .. ويجبر أهل تيمور على الانفصال من اندونيسيا بتدخل من استراليا ودعم من الغرب ..
وكذلك تنفصل تماماً دول البلطيق وجورجيا من روسيا بينما الدول الإسلامية فاستقلاها غير كامل.
ودية الأفغاني الذين قتلوا في عرس 200 دولار وقد اعترفت أمريكا بالخطأ بينما من قتل في لوكربي 10.000.000 دولار أي 50.000 ضعف.
العولمة أن تُهاجَم دولة ذات سيادة حتى دون إذن من الأمم المتحدة لشبهة أسلحة الدمار الشامل، وتُترَك دولة قريبة منها تمتلك أسلحة دمار شامل وتحتل أرض غيرها مخالفة لقرارات الأمم المتحدة ..
أمريكا تمارس دوراً منفرداً حيث تدعم إسرائيل، وترفع الفيتو بعد الآخر لتتمكن من العدوان، وتعتدي على العراق بحجج واهية وحتى دون موافقة مجلس الأمن التي لها أكبر نفوذ فيه، وتأخذ المعتقلين من أفغانستان إلى قوانتنامو دون محاكمة عادلة، وتحارب الجمعيات الإسلامية وترهبها وتجمد أموال من تريد منها دون أدلة ..
المنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال ارهابية، والمحتل مدافع عن نفسه، والجماعات الإسلامية في أفغانستان المقاومة للاحتلال الأمريكي وحكومته ارهابية، بينما نفس الوضع كان إبان الاحتلال السوفيتي ولكن تلك الجماعات كانت مقاومة مشروعة مدعومة، مما يعني وجود اختلال حاد في موازين العالم تحت إمرة الحضارة الغربية الصليبية الصهيونية.
وهذا صمويل هنتجنتون في صدام الحضارات والذي يدعو للتعصب للحضارة الغربية ومحاربة ما عداها لا سيما الإسلامي، وهو في كتابه مرة بعد مرة يمارس تحريضاً على الإسلام وتخويف الأوروبيين منه، للإنضواء تحت أمريكا والغرب وإشعال فتيل التعصب الديني.
وهذا ما حدا بتوم فريدمان للقول: نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق.
وفي آخر سنة 2003م كانت استطلاعات الرأي في أوروبا أن أمريكا ثم إسرائيل تمثل أكبر خطورة على السلام العالمي.
فالعولمة هجمة صهيونية شرسة لا تتقيد بالمبادئ، وفي أحسن أحوالها أمركة وتغريب ما لم نقم بدور فعال لتخفيف آثارها والتأثير فيها، وهي حتى لكثير من الغربيين ليست خير للعالم حتى في الجانب الاقتصادي الذي يبشر به البعض، حيث نجد أن هانس بيتر مارتين في كتابه الشهير (فخ العولمة) والذي ركز على العولمة الاقتصادية، يؤكد أن العولمة فخ كبير مليء بالأكاذيب وهي في النهاية تزيد الفقراء، ونجد في الفصل الخامس من الكتاب على سبيل المثال عنوان (أكاذيب ترضي الضمير: أسطورة الميزة على استقطاب الاستثمارات وخرافة العولمة العادلة) كما أن الشعوب حتى الغربية تخرج في مظاهرات شعبية عارمة معارضة لكل مؤتمرات العولمة لما يرونه من إضرار بهم.
ونجد أن الغرب لا يسعى لنشر قيمه الاجتماعية فحسب رغم عدم الاقتناع الواسع بها كقيم، بل إنه يفرضها عبر المؤتمرات الدولية والضغط على الدول التي لا تستجيب، حيث توالت مؤتمرات المنظمات الدولية بهذا الخصوص، مثل مؤتمر نيروبي عام 1985م، مؤتمر القاهرة عام 1994م، ومؤتمر بكين عام 1995م، ومؤتمر اسطنبول عام 1996م، ثم مؤتمر نيويورك عام 1999م، ثم مؤتمر بكين، ثم نيويورك أيضاً عام 2000م، ومحور هذه المؤتمرات يدور حول الأسرة والمرأة والطفل، مركزاً على الحقوق الجنسية، والحق في الإنجاب والإجهاض، والشذوذ، وقضية المساواة بين الرجال والنساء، والمساواة في الميراث .. الخ، وكل هذا من منظور الثقافة الغربية العلمانية المادية الإباحية التي تبيح الزنى واللواط وتمنع تعدد الزوجات.
وفي الفصل السابع من وثيقة مؤتمر السكان يتحدث عن هذه الإباحية الجنسية، فيقول: إنها حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، المنطوية على أن يكون الأفراد (لاحظ تعبير الأفراد) من جميع الأعمار أزواجاً وأفراداً (كذا) فتياناً وفتيات، مراهقين ومراهقات، قادرين على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة (لاحظ عدم اشتراط الحلال والشرعية) هي كالغذاء، حق للجميع، ينبغي أن تسعى جميع البلدان لتوفيره في أسرع وقت ممكن، في موعد لا تجاوز عام 2015م. أي أنه أكثر من مباح، فالسعي لتحقيقه بجميع البلدان في أسرع وقت ممكن، وقبل سنة 2015م، واجب على جميع البلدان بل ولا تكتفي هذه الوثيقة بذلك، وإنما تتجاوز إباحة هذه الإباحية إلى حيث تدعو للتدريب والترويج والتعزيز لهذا السلوك الجنسي المأمون والمسئول.
بل ونجد ممارسات منفردة، حيث نجد أن أمريكا تضغط عبر أولبرايت ورايس على حقوق المرأة في الترشيح والانتخاب والسفور وعظائم الأمور، ومن نتائج ذلك أن وافقت دول وتحمست للبدء لأول مرة دفعة واحدة في ترشيح المرأة وانتخابها، ولم تنجح أي امرأة في الانتخابات لا بتصويت الرجال أو النساء، واستنكر المجتمع حتى بعديد من نسائه ذلك.
والحرية والديمقراطية الغربية والقانون الدستوري جعل الغرب يسقط نتائج الانتخابات في تركيا والجزائر ونيجيريا (مشهود أبيولا) لأن الناجحين إسلاميين!!
للأسف أن الغرب حريص على فرض قيمه الاجتماعية والثقافية وعولمتها والتي تمثل أسوأ ما عنده بينما لا يسعى إلى عولمة العلم والتقدم حيث يجب الاحتفاظ به.
إن مما يزيد خطورة العولمة ضعف العالم الإسلامي وهزيمته أمام الغرب وهذا ما يزيد اختراق العولمة الثقافية للهوية، كما قال ابن خلدون ”المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه وسائر أحواله وعوائده“.
فضلاً أن العولمة تحمل فكرة استبداد القوي الذي يسخر إرادات الشعوب الضعيفة لصالحه، وتكمن في فكرة سيطرة المهيمن على الاقتصاد العالمي والقوة العسكرية والإدارة السياسية على شعوب العالم الفقيرة، بل والسعي لإفقار ما ليست فقيرة، وتكمن كذلك في فكرة الإذابة التي يقوى عليها من يمتلك أدوات الاتصال والتحكم بها، وبالمعلومات وبإنتاجها، وتدفقها دونما مراعاة لثقافات الشعوب وحاجاتها وخصوصياتها وإمكاناتها.
كما أن مما يزيد خطورة العولمة ذراعها الإعلامي الخاضع للسيطرة الصهيونية والتي تمسك بخيوطها، تسير هذه القوة في السيطرة مع القوة الغاشمة العسكرية في فرض العولمة على الآخرين، فوظيفة المنظومة الإعلامية هي أن تتسلى وتتلهى وتعلم وترسخ القيم والمفاهيم والمعتقدات وأنماط السلوك الأمريكي على الآخرين، كما يرى أحد الخبراء الأمريكين، ولتحقيق ذلك صارت ميزانية الإعلام موازية تماماً لميزانية الدفاع في بعض الدول، فإحصاءات عام 1986م تقول إنه بلغ رقم اقتصاد الإعلام في الغرب والاتصالات مبلغ (1175) بليون دولار تقريباً منها (505) بلايين للولايات المتحـدة الأمريكيــة، و (267) بليونــاً للجماعة الأوروبية، و (253) بليونــاً لليابــــان، و (150) بليوناً فقط للآخرين في العالم .. هذه الميزانيات الضخمة للإعلام في الشمال جعلته يتحكم بقوة في الإعلام المتدفق، في اتجاه الجنوب الأمر الذي أحدث خللاً في المنظومة الإعلامية، وقد فشلت جميع الجهود والمبادرات التي بذلت في إطار الأمم المتحدة لوضع أسس لقيام نظام إعلامي جديد يحقق التوازن بين الشمال والجنوب.
وإذا كانت بعض دول الغرب نفسه أو من هو قريب منها يشكو من عولمة الثقافة على الهوية، حيث نجد أن هناك دراسة في استراليا وهي بلد غربي نصراني يتحدث الإنجليزية أي مشارك للولايات المتحدة في الهوية تقريباً يشكو من مواد التلفزة الأمريكية على الأطفال، لأنها تؤدي إلى فقدان الانتماء وإلى أزمة أخلاقية وغربة ثقافية، وكذلك كندا حيث عبرت وزيرة الثقافة الكندية شيلا كوبي عن انزعاجها من الهيمنة الثقافية الأمريكية، وتدخلها قائلة: من حق الأطفال في كندا أن يستمتعوا بحكايات جداتهم، ومن غير المعقول والمقبول أن تصبح (60%) من برامج التلفزيون الكندي مستوردة، وأن يكون (70%) من موسيقانا أجنبية، وأن يكون (95%) من أخلاقنا ليست كندية.
وكذلك فرنسا مع أنها غربية نصرانية، ولكن بسبب اختلاف اللغة فإنها أكثر الدول الغربية تشكو من عولمة الثقافة ومن هيمنة اللغة الإنجليزية، والخوف على الهوية الفرنسية ولذلك لجأ الفرنسيون إلى وضع الثقافة في خانة الاستثناء، لأنهم تنبهوا إلى أن قوة الإنتاج الثقافي الأمريكي تؤدي إلى التغيير التدريجي في معايير السلوك وأنماط الحياة.
كما أننا نجد دولاً كالفلبين وهي دولة تصنف أنها نصرانية سائرة في الفلك الأمريكي حيث نجد في دراسة أجريت على (255) طالباً فلبينياً وجد أن التعرض للمواد التلفزيونية الأمريكية قد ارتبط إيجابياً بتأكيد هؤلاء الطلاب على قيمتي: ”المنفعة والمادية“، باعتبارهما القيمتين الأكثر أهمية في حياتهم، في حين تدنت لديهم قيم فلبينية أصيلة مثل: الصفح، والتسامح، والتضحية، والحكمة.
هذا فضلاً عن الدراسات الكثيرة التي تبين معاناة شعوب شرقية (ليست إسلامية) وسائرة في الفلك الغربي كاليابان وكوريا الجنوبية من العولمة ومن الدراسات الميدانية التي تمت لمعرفة تأثير المواد التلفزيونية الأمريكية على الشباب الكوري الجنوبي قام بها Kang & Morgan ومن نتائج هذه الدراسة أن هذه المواد أدت إلى تأثير بالغ على القيم التقليدية الكورية، فأصبحت الفتيات الكوريات أكثر تحرراً من القيم الأسرية والأخلاقية، ويعتقدن أنه لا حرج من الممارسة الجنسية خارج الزواج، وأن ذلك من قبيل الحرية الجنسية، وأصبحن يرتدين الملابس الأمريكية، ويحتقرن العقيدة الكونفوشيوسية.
وهذه الأمثال توفرها مئات الدراسات في أنحاء العالم من خوف المثقفين على هوية شعوبهم من العولمة الأمريكية، ألا يحق لنا كمسلمين ونحن نحمل أعظم عقيدة وخير لسان نزل به القرآن، وأعظم تاريخ بالإضافة إلى القيم الحضارية العالية أن نخشى على تلك الجواهر من أثر العولمة على الهوية إن أخطر ما تحمله العولمة تهديدها لأصل العقيدة الإسلامية، لما تدعو له من وحدة الأديان، وهي دعوة تنقض عقيدة الإسلام من أساسها، وتهدمها من أصلها،لأن دين الإسلام قائم على حقيقة أنه الرسالة الخاتمة من الله تعالى للبشرية، الناسخة لكل الأديان السابقة التي نزلت من السماء، ثم أصابها التحريف والتغيير، ودخل على أتباعها الانحراف العقائدي. ”كما أن العولمة تسعى لإعادة تشكيل المفاهيم الأساسية عن الكون والإنسان والحياة عند المسلمين، والاستعاضة عنها بالمفاهيم التي يروج لها الغرب ثقافياً وفكرياً، فالكون في نظر العولمة الثقافية والفكرية لم يخلق تسخيراً للإنسان، ليكون ميدان امتحان للناس لابتلائهم أيهم أحسن عملاً!!، والإنسان لم يخلق لهدف عبادة الله تعالى !! وهذه المفاهيم الأساسية للعقيدة الإسلامية، ليست في نظر العولمة الفكرية والثقافية سوى خرافة“.
إن هذا العالم المادي لا يعرف المقدسات أو المطلقات أو الغائيات، وهدف الإنسان من الكون هو عملية التراكم والتحكم هذه، التي ستؤدي في نهاية الأمر إلى السيطرة على الأرض وهزيمة الطبيعة.
إن المنظومة المعرفية الغربية المادية الحديثة بدأت بإعلان موت الإله باسم مركزية الإنسان، وانتهت بإعلان موت الإنسان باسم الطبيعة، والحقيقة المادية، وهذه هي الواحدية المادية: أن تصبح كل المخلوقات خاضعة تماماً لنفس القانون المادي الصارم وأن يسود منطق الأشياء على الأشياء وعلى الإنسان، وهذا هو حجر الزاوية في المشروع المعرفي الغربي، ثمة قانون واحد وثقافة واحدة وإنسانية واحدة تكتسب وحدتها من كونها جزءاً من النظام الطبيعي، ولذا فإن ثمة نموذجاً واحداً للتطور، ويلاحظ أن حركة البناء الفكري المادي تتجه دائماً نحو تصفية الثنائيات التي نجمت عن الثنائية الدينية (الخالق / المخلوق) وعن الثنائية الهيومانية (الإنسان / الطبيعة).
وإذا انتقلنا من العقائد التي هي أصل الهوية إلى اللسان واللغة التي هي أداة التفاهم والتواصل، وهي وعاء الفكر وقالبه الحي، وما نراه اليوم من طغيان الثقافة الغربية، حيث تشكل اللغة نسبة عالية من الإسهام في نقلها، ولا أدل على ذلك من أن (88%) من معطيات الأنترنت باللغة الإنجليزية، و(9%) بالألمانية، و(2%) بالفرنسية، و(1%) يوزع على باقي اللغات.
ويبين هنتجنتون في كتابه صدام الحضارات أهمية اللغة في الصراع حيث أن توزع اللغات في العالم عبر التاريخ يعكس توزع القوة العالمية فاللغات الأوسع انتشاراً: الإنجليزية، الماندارين، الأسبانية، الفرنسية، العربية، الروسية. إما أنها أو كانت لغات دول إمبراطورية جعلت شعوباً أخرى تستخدم لغتها. كما أن التحولات في توزع القوة، تؤدي إلى تحولات في استخدام اللغات، حيث قرنان من القوة البريطانية والأمريكية الاستعمارية والتجارية والصناعية والعلمية والمالية، تركا ميراثاً ضخماً في التعليم العالي والتجارة والتقنية في أنحاء العالم.
أن إحصاءات منظمة اليونسكو عن الوطن العربي تشير إلى أن شبكات التلفزيون العربية تستورد ما بين ثلث إجمالي البث كما في سوريا ومصر، ونصف هذا الإجمالي كما في تونس والجزائر، أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد على نصف إجمالي المواد المبثة إذ تبلغ (58.2%). ومعلوم أثر هذه البرامج على اللغة وما تحمله من عقائد وقيم وأخلاق وعادات.
أما إذا انتقلنا إلى السلوك والأخلاق فإن المبادئ الأخلاقية التي تتهاوى في الغرب يوماً بعد يوم حيث سيادة المصالح والمنفعة واللذة و تعظيم الإنتاج والاستهلاك.
هذه الحضارة ابتداءً من حربيها العالميتين (أي الغربيتين) وانتهاءً بمشاكلها المتنوعة الكثيرة مثل تآكل مؤسسة الأسرة، وانتشار الإيدز والمخدرات، وتراكم أسلحة الدمار الكوني، والأزمة البيئية، وتزايد اغتراب الإنسان الغربي عن ذاته وعن بيئته.
كما تسوق العولمة لوهم المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة. ”ومن خلال العولمة يروج للشذوذ الجنسي، ويحاول الغرب استصدار قوانين لحماية الشذوذ الجنسي في العالم، ومن أحدث محاولات العولمة: محاولة فرض مصطلح جديد يطلق عليه Gender بدل كلمة Sex“.
والتأثير الأخلاقي هو أسرع من غيره، وقد أشارت دراسة في السعودية (لناصر الحميدي) إلى أن التأثير على الجوانب الأخلاقية يأتي في الدرجة الأولى، مثل: الترويج للإباحية، والاختلاط، وما إلى ذلك مما يخالف القيم الإسلامية، وإغراء النساء بتقليد الأزياء الغربية وأدوات الزينة، وكذلك التأثير على الروابط الأسرية.
علماً أن العرب هم أكثر الشعوب مشاهدة للتلفاز.
بل حتى في الجانب الاقتصادي فالإنسان الغربي الذي لا يشكل سوى نسبة ضئيلة من سكان الكرة الأرضية (20%) يستهلك ما يزيد على (80%) من مواردها الطبيعية.
السبل لمقاومة الآثار السلبية
مقاومة الآثار السلبية للعولمة على الهوية يأخذ أبعاداً متنوعة:
أولها: تعزيز الهوية بأقوى عناصرها، وهو العودة إلى الإسلام، وتربية الأمة عليه بعقيدتــه القائمة على توحيــد الله سبحانه، والتي تجعل المسلم في عـزة معنويــة عاليــة، وبشريعته السمحة وأخلاقه وقيمه الروحية وتقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى واليقين بنصره وتمكينه للمؤمنين إذا استجابوا لربهم وقاموا بأسباب النصر، فالهزيمة الحقيقية هي الهزيمة النفسية من الداخل حيث يتشرب المنهزم كل ما يأتيه من المنتصر، أما إذا عززت الهوية ولم تستسلم من الداخل فإنها تستعصي ولا تقبل الذوبان.
ثانيها: العناية باللغة العربية في وسائل الإعلام ومناهج التعليم وتسهيل تدريسها وتحبيبها للطلاب، ومن العناية باللغة العربية تفعيل التعريب والترجمة والتقليص من التعلق باللغات الأخرى إلا في حدود الحاجة اللازمة.
ثالثها: إبراز إيجابيات الإسلام وعالميته وعدالته وحضارته وثقافته وتاريخه للمسلمين قبل غيرهم، ليستلهموا أمجادهم ويعتزوا بهويتهم.
”إن الرد الحقيقي على الطاغوت الحالي الذي يسمى العولمة، هو إبراز النموذج الصحيح الذي يجب أن يكون عليه الإنسان، لكي يصدق الناس –في عالم الواقع- أنه يمكن أن يتقدم الإنسان علمياً وتكنولوجياً واقتصادياً وحربياً وسياسياً وهو محافظ على إنسانيته، محافظ على نظافته، مترفع عن الدنايا، متطهر من الرجس، قائم بالقسط، معتدل الميزان“.
أن العولمة يجب أن تكون -من أجل الإنسان- في العلوم والتقنيات والتعامل والتعاون الذي يحترم فيه البشر بعضهم، أما الديانات والثقافات والتقاليد فهي حضارات الشعوب ملك لهم تشكل تنوعاً غير ممل بشرط ألا يتعدى أحد على الآخر.
وأن نعلم أن هويتنا وذاتيتنا بعمقها الديني والحضاري لا بديل لها من أية حضارة أخرى مهما بدا في زينتها. فثقافتنا عالمية، أبدعت وأضافت وأعطت، ورغم خصوصيتها كانت إنسانية شاملة، لا بتراثها الإسلامي –وهو ذروة عطائها- ولكن بما تجاوزته من عناصر الحضارات الأخرى، وبلغتها العربية وفنونها وآدابها. وكما صنعت الأمة ثقافتها، صنعتها ثقافتها، وحافظت على هويتها عبر أداتها التعبيرية لغة القرآن، فلا تكاد تملك لغة من اللغات ما تملكه اللغة العربية من تراث فكري مكتوب، لا في الكم، ولا في النوع، ولا في النسق اللغوي المتماسك.
رابعها: العمل على نهوض الأمة في شتى الميادين دينياً وثقافياً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتقنياً، ومحاربة أسباب التخلف والفساد، نغير ما بأنفسنا من تخلف وتقاعس، فإن من سنن الله سبحانه وتعالى التغيير .
خامسها: مواجهة العولمة بالتعليم والتدريب والتثقيف والتحصين ورفع الكفاءة وزيادة الإنتاج ومحاربة الجهل وخفض معدلات الأمية المرتفعة عند المسلمين.
سادسها: تقليص الخلافات بين المسلمين حكومات وشعوب وجماعات بالاعتصام بكتاب الله عز وجل. ثم التعامل معها إن وجدت بثقافة إيجابية فاعلة ناصحة حتى لا يجد الأعداء ثغرة من خلالها.
سابعها: ضمان الحرية الثقافية وتدعيمها، حيث أن حرية الثقافة، وإن كانت تنبع من العدالة في توزيع الإمكانات والإبداعات الإنسانية على الأفراد، فإنها في الوقت نفسه عامل أساسي في إغناء الحياة الثقافية وزيادة عطائها. ولكن لا يجوز فهم الحرية على أنها فتح للباب أمام كل تعبير، وقبول كل فكر، ولكن الحرية المقصودة هي الحرية المنضبطة بضوابط.
ثامنها: أن نتعرف على العولمة الثقافية، والكشف على مواطن القوة والضعف فيها، ودراسة سلبياتها وإيجابياتها برؤية إسلامية متفتحة، غايتها البحث والدراسة العلمية، وإدراك وفهم التناقضات التي تكتنف فكرة العولمة وكشف الزيف الذي تتستر قواها خلفه.
ولكن لابد أن يواكب عملية النقد الكلية للحضارة الغربية، عملية أخرى هي عملية التخلص من الإحساس بمركزية الغرب ونزع صفة العالمية والعلمية والمطلقية عن حضارته وتوضيح أن كثيراً من القوانين العلمية التي يدافع عنها دعاة التغريب باعتبارها تصلح لكل زمان ومكان هي في واقع الأمر نتيجة تطور تاريخي وحضاري محدد وثمرة تضافر ظروف فريدة في لحظة فريدة، فإذا كان الغرب قد تحول إلى مطلق، فإنه يجب أن يستعيد نسبيته، وإذا كان يشغل المركز فإنه يجب أن يصبح مرة أخرى عنصراً واحداً ضمن عناصر أخرى تكِّون عالم الإنسان.
تاسعها: التنسيق والتعاون بصورة متكاملة في وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي والثقافة والإعلام، و الأوقاف والشئون الإسلامية، والعدل، للمحافظة على الهوية الإسلامية من أي مؤثرات سلبية عليها.
عاشرها: أن تقوم وسائل الإعلام بواجباتها في الحفاظ على الهوية ودعمها، فضلاً عن استيراد البرامج التي تهدم الهوية دون نظر أو تحميص، كما أن على الدول والعلماء وقادة الرأي ورجال الأعمال الضغط على وسائل الإعلام الخاصة كل بما يستطيع لمراعاة هوية الأمة وقيمها.
حادي عشر: أن يقوم التعليم بتعزيز الهوية وكشف العولمة ومضارها، ويتحتم على الإعلام التربوي استخدام كافة الوسائل والأساليب والطرق المتاحة كي ينجح في تأصيل القيم والمهارات والمعارف والمعلومات في مؤسسات المجتمع ومنظماته، وبما أن البث المباشر يهدد هويتنا بتنشئة صغارنا على قيم وعادات تخالف فكر أمتهم وثقافتها فإن التربويين والإعلاميين مطالبين بتحصين الأطفال ضد ثقافة الاستهلاك والتغريب، ونحن نريد من الإعلام التربوي أن يتحدث عن المسائل التربوية المهمة واللصيقة بحياة المجتمع، كما نريد منه تقديم مادة غنية ثرية تحدث أثراً إيجابياً، وتترك صدى قوياً بنفس الصغير والتلميذ والطالب والشاب وتساعد على اكتشاف ما يملك من طاقات ومهارات.
ثاني عشر: تنشيط التفاعل والحوار الثقافي العربي مع ثقافات الأمم الأخرى. وأن نثري ثقافتنا العربية الإسلامية بما نراه ينفعنا ولا يضرنا من الثقافات الكونية الأخرى، وفي الوقت نفسه نعرف تلك الثقافات العالمية بما لنا من تراث وتقاليد وقيم اجتماعية عريقة.
وفي دراسة علمية عن العولمة في ضوء العقيدة الإسلامي كان من التوصيات:
- ضرورة الانفتاح على الآخرين والاستفادة من فرص العولمة والتقدم العلمي والتقني، وتطوير ثقافتنا وتحسين أوضاعنا.
- أن من أهم التحصينات الثقافية لأمتنا قيم الانفتاح والتسامح والعدل والشورى.
- تطوير مشروع الإسلام الحضاري المتكامل.
- إعادة بناء الوحدة الإسلامية على أساس شرع الله تعالى.
- إنشاء السوق الإسلامية المشتركة.
- إعادة بناء وصياغة النظم التعليمية والتعاون في التعليم.
- الاهتمام بالإعلام.
ثالث عشر: تشجيع المؤسسات الدعوية داخل البلاد الإسلامية وخارجها على ممارسة عملها ودعمها بكل طريق مادياً ومعنوياً وتوجيهياً، وعدم السقوط في فخ الأعداء بتصيد أخطاءها وتشويه سمعتها عند حدوث خطأ ما، وإنما بالنصيحة الإيجابية الفاعلة، وما نراه بفضل الله تعالى من مؤسسات إسلامية ودعوية مساعدة للمسلمين للحفاظ على هويتهم لا سيما خارج الدول الإسلامية، سواء كانت مراكز أو مدارس إسلامية أو وسائل إعلامية، كمواقع الإنترنت أو شركات الإنتاج أو إذاعات القرآن الكريم، أو مكاتب دعوة الجاليات التي تتميز بها المملكة العربية السعودية، وأثمرت آلاف المسلمين الجدد كل عام، أو مدارس تحفيظ القرآن الكريم، إلى غير ذلك من هذه المؤسسات، لتسهم ضد تأثيرات العولمة على الهوية، لذا لا نستعجب من أن تكون هذه المؤسسات الخيرية أحد استهدافات العولمة، ومحاولة لرميها بالإرهاب بكل طريق بمحاربة أنشطتها وتشويه سمتعتها وتجفيف مواردها.
هذه بعض الأفكار وغيرها كثير في سبيل مواجهة العولمة وهي وإن فرضت علينا واقعاً ليس من اختيارنا، لكنها لا تستطيع منعنا من الاختيار.
والطريف المضحك المبكي أن يتحدث هذا النفر من مثقفينا عن العولمة، كقضاء وقدر، يجب إسلام الذات الثقافية له، في ذات الوقت الذي يتمردون فيه على القضاء والقدر، إذا كانا من الله، ولقد كتب أحدهم في أحد المؤتمرات التي عقدت عن العولمة يقول: إن العولمة هي ظاهرة التوحيد الثقافي والاقتصادي، التي يشهدها العالم اليوم، مع عدم إغفال النواحي السياسية والاجتماعية، وإن الحداثة الغربية عموماً والعولمة المعاصرة خصوصاً، وما أفرزت من ثقافة في طريقها إلى أن تصبح ثقافة عالمية أو كونية شاملة بكل ما في الكلمة من معنى، فلا شيء قادر على الوقوف في طريقها، ولن تستطيع الثقافات التقليدية أن تصنع شيئاً أمام ثقافة العولمة التي لا تصدها الحدود، أحببنا ذلك أو كرهنا، وافقنا أو رفضنا.
وأخيراً مادمنا مقاومين فاعلين قائمين بما أمرنا الله به فإننا موقنين ليس بحماية هويتنا فحسب، بل حتى في التأثير على غيرنا بنفس وسائل العولمة، وهذا هو الفصل القادم.

سبل الاستفادة من العولمة في الحفاظ على الهوية
 

هل العولمة شر محض فنحصر أمورنا في الوقاية منها ومقاومتها؟ أم أنه يمكن التأثير من خلال العولمة، إن موقف الرفض لا يعني حرمان النفس من إمكانيات الاستفادة من الفرص التي يتيحها نظام الهيمنة الجديد فحسب، مع أن النظام القادم ربما يكون أسوأ ويزيد من مخاطر السقوط في الهرم والرثاثة.
وإذا كان البعض يشبه العولمة بالقطار إما أن تركب إذا أردت التقدم والوصول أو البقاء في المكان مع التعرض للمخاطر ويفوتك الركب، والقطار يسير إلى قدر محتوم معلوم كما ذكره فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ وتأثر به كثير من الكتاب فإن هذا المثال غير صحيح لأن العولمة تتجاذبها قوى متعددة يمكن التأثير فيها.
وسنضرب بعض الأمثلة:
أولاً: إن من مظاهر العولمة وسائل الاتصال من الإنترنت والفضائيات وأن هذه الوسائل من الممكن تسخيرها لخدمة البشرية عبر نشر الحقائق الإسلامية فالأمة العربية والإسلامية تملك أعظم مشروع حضاري .. إنها تملك الوحي الإلهي المعصوم، الذي ينظم العلاقة بين العباد وخالقهم ، وبين العباد بعضهم وبعض، ومع سائر المخلوقات، وهو في النهاية يؤدي إلى السعادة الدنيوية والأخروية للعالم، هذه الرسالة العظيمة يجب أن تحملها البشرية وأن تستثمر كل أدوات العولمة لإيصال رسالتن.
وثقافتنا وهويتنا قابلة للنمو والاعتناء أكثر من الإذابة والتبعية، لذا نؤمن بالتفاعل والتبادل الذي يتيح لثقافتنا فرصة النمو والاعتناء لا الإذابة والتبعية.
بل إن الإسلام بعقائده الفطرية وشريعته العادلة القائمة على المساواة هو أكثر المستفيدين من العولمة إذا تساوت الفرص وخدمه أبنائه فالإسلام بقيمه العالمية بخلاف العولمة التي هي فرض قيم وحضارة خاصة، بينما (الإسلام يتجه نحو العالمية منذ نزوله، ويحث على التعايش والسلم، وعايش فعلاً في تاريخه مختلف الديانات وتسامح معها تسامحاً واضحاً عند المؤرخين وغيرهم، فإنه مؤهل بتعاليمه الأخلاقية أن يشارك في وضع أخلاق جديدة لهذه العولمة المنفلتة لحد الآن، وهو يعترف بالقيم المشتركة بين الحضارات، ولا شك أن الدعوة إلى الفهم المتبادل للقيم الحضارية الشرقية والغربية من سمات الإسلام الرئيسية، فقد دعا إلى الحوار مع ديانات أخرى، منذ نزول القرآن، ونادى بالحوار بين الأديان وأزاح الغبار عما طرأ على بعض الديانات من خرافات وتحريفات، ودعا إلى الأصل المشترك بينها جميعاً، فعلى المسلم اليوم أن يحدد رسالته نحو العولمة ويبني موقفه على الفهم الصحيح للإسلام، وأن ميزانه ميزان أخلاقي (التقوى) حيث يتحاور ويتعاون مع البشرية في العالم إذا ألغي ميزان العصبية واللون، والطبقة والثروة، وجعل عمارة الكون والإحسان إلى العالمين من مبادئه ومقاصده، وكذلك المشاركة في توفير الخير للناس، وحفظ الحقوق، ومنع الظلم وإن كان مع عدو أو مخالف في الدين،وعد القرآن الكريم اختلاف اللغات والألوان من آياته سبحانه:
فإنتاج البرامج التلفزيونية للتعريف بالإسلام وكذلك المواقع في الإنترنت، ونشر الحقائق الإسلامية وبيان دين الإسلام، والرد على الشبهات المثارة، فتلك الوسائل يستفيد منها بالدرجة الأولى أهل الحق، فهي فرصة لكشف فريق الباطل.
وكذلك الاستفادة من السياحة في منطقتنا الإسلامية لاطلاع القادمين على ديننا وثقافتنا وتاريخنا، وكما أن المؤسسات الخيرية والدعوية الإسلامية التي تعاني الآن من هجمة العولمة واتهامها بدعم الإرهاب لها فرصة الاستفادة من وسائل العولمة لنشر الإسلام.
ثانياً: إن أدوات العولمة ربما ساعدت في الحفاظ على الهوية حيث يتاح للمسلم في الغرب الحفاظ على هويته وتقويتها عبر مواقع الإنترنت الإسلامية بل ويتفاعل معها وكذلك الفضائيات، وقد نشاهد جماعة من المهاجرين الأتراك مثلاً في ألمانيا يقتصرون على مشاهدة الأفلام التركية وهم مقيمون في ألمانيا، ينقلون هويتهم معهم، ولا تنقطع الصلة بينهم وبين مجتمعهم الأصلي، وكذلك يفعل المهاجرون المسلمون في فرنسا، والأكراد في ألمانيا، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى ظهور الأقليات العرقية وسلوكها العنيف مما يهدد السيادة الوطنية لبلد ما من البلدان، ويمزق وحدتها الثقافية السائدة، وعقيدتها الدينية، وهذا التهديد الثقافي والديني قد يؤدي أيضاً إلى فرار الناس إلى الدين، يلوذون به، ويحتمون بعقائدهم لدرجة التعصب والعنف والقتال، لأنهم يشعرون أنهم مهددون في أعز شيء عندهم، ولشدة خوفهم من الاستئصال والانسلاخ قصراً عن معتقداتهم، لأن الصراع يسهل أن ينشأ عندما يشعر الإنسان أنه مهدد في جانب من ذاتيته.
ثالثاً: العولمة المعاصرة أشعر المسملين بالخطر مما جعلهم يعودون إلى أنفسهم، يقول برنارد لويس: ”في العالم الإسلامي يوجد ميل متواتر لدى المسلمين في أوقات الأزمة، لأن يبحثوا عن هويتهم الأساسية وانتمائهم في المجتمع الإسلامي“.
يقول هنتجنتون: في عالم اليوم أدى التحسن الذي حدث في مجالات الانتقال والاتصال إلى تفاعلات وعلاقات أكثر تكراراً واتساعاً وتناسقاً وشمولاً بين شعوب من حضارات مختلفة، ونتيجة لذلك أصبحت هوياتهم الحضارية أكثر بروزاً. الفرنسيون والألمان والبلجيك والهولنديون يتزايد تفكيرهم في أنفسهم كأوروبيين، مسلمو الشرق الأوسط يتوحدون ويهرعون لمساعدة البوسنيين والشيشان، الصينيون في آسيا كلها يوحدون مصالحهم مع مصالح البر الرئيسي، الروس يتوحدون مع الصرب والشعوب الأرثوذوكسية الأخرى ويدعمونها، هذه الحدود الأوسع للهوية الحضارية تعني وعياً أعمق بالاختلافات الحضارية والحاجة إلى حماية ما يميز ”نحن“ عن ”هم“.
رابعاً: إن من إيجابيات العولمة العودة إلى الهوية، والقضاء على الحداثة بمعناها المعادي لكل ما هو قديم، وذلك هو مأزق الحداثة الفاضح عربياً، إنه مأزق مثلث الوجوه: الوجه الأول: أنه بعد عقود من مساعي الحداثيين إلى علمنة الثقافة والمجتمع، تكتسح الأصوليات الدينية ساحة الفكر والعمل في غير بلد عربي، الوجه الثاني: أنه فيما يصر أهل الحداثة على إحداث ثورة في الفكر الديني أو في العقل اللاهوتي، على غرار ثورة لوثر أو فولتير أو كنط، توضع الحداثة غربياً على مشرحة النقد والتفكيك بكل عناوينها ومسلماتها، بعد أن شهدت انفجاراتها المفهومية في أكثر فروع المعرفة والثقافة، من الرسم إلى العمارة، ومن الفيزياء إلى الفلسفة، ومن الرياضيات إلى النقد الأدبي. والوجه الأخير هو أن الحداثيين العرب، فيما يطالبون الآن باحتذاء نماذج الحداثة في التصنيع والتنمية، تنفجر ثورة المعلومات على نحو يجعل النماذج الحديثة في العمل الحضاري والتنموي ذات آفاق تنموية، ذلك أن ما جعل الحداثة ممكنة هو العلاقة النقدية بين الفكر وما ينتجه من الأنساق والنماذج.
وسائل فرض العولمة الثقافية وآثارها
تساءل الدكتور/ محمد الحاجي عن علاقة العولمة بالثقافة:
أهي "عولمة ثقافية أم اختراق ثقافي وفي حين أن الباحث عبد الله أبو راشد يرى أن العولمة الثقافية هي "محاولة مجتمع ما تعميم نموذجه الثقافي على المجتمعات الأخرى.. من خلال الاختراق الثقافي واستعمال العقول واحتواء الخبراء".
فإن "جوزيف. س. ناي" وجون. د. دوناهيو" يعبران عن هذا الاختراق بـ "القوة اللينة للثقافة الشعبية الأمريكية.
ويصرح "توماس فريدمان" بأن: "العولمة من الناحية الثقافية هي إلى حد بعيد ولكن ليس بصورة شاملة انتشار للأمركة.. على نطاق يشمل العالم".
ولابد هنا من التفريق بين نشر الشيء وانتشاره على نطاق واسع كما عبر فريدمان وغيره وبين فرض الشيء وإلزام الآخرين به حيث سلك تيار العولمة الثقافية المعاصر سبيل الفرض والإلزام من خلال الضغط المستمر لتغيير الثقافات المحلية واستبدالها بالثقافة الغربية وتحديدًا الأمريكية تحت طائلة الجزاء والعقوبة الإعلامية والاقتصادية والسياسية، بل وفي بعض الأحيان العسكرية.
ومع أن جذور الدعوة إلى عولمة الثقافة والفكر وتأثر بعض المثقفين المنتسبين إلى الأمة الإسلامية بهذه الدعوات ليس أمرًا جديدًا طارئًا إلى حد أن عبد العزيز الثعالبي ألف كتابًا قبل مائة سنة تقريبًا أي في عام 1905م أسماه "روح التحرر في القرآن" دعا فيه إلى تأويل القرآن تأويلاً صحيحًا وحقيقيًّا وإنسانيًّا واجتماعيًّا "أي باختصار تأويلاً مطابقًا لمبادئ الثورة الفرنسية التي هي نفس المبادئ التي جاء بها القرآن" ودعا فرنسا "التي أعلنت مبادئ الثورة وحقوق الإنسان والمواطن والتي يرجع إليها أول سبب من أسباب ما تشهده مصر اليوم( ) من نهضة ورقي وتقدم حضاري باهر" إلى المبادرة ببعث تلك الحركة السخية – حركة النهضة – ومنح المسلمين ما يستحقونه من كرامة.. بتخليص العقلية الإسلامية من شوائب الجهل والأوهام والتعصب" وهي دعوة مبكرة إلى عولمة الثقافة لكن فرنسا التي كانت تتبع المثل الإنجليزي الشهير (بطيء لكنه أكيد) لم تُبد حماسًا للتجاوب مع هذه الدعوة؛ إلا أن وريثة الحضارة الغربية المعاصرة وهي الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تطيق في عصر السرعة تطبيق هذا المثل واعتمدت سياسة حرق المراحل وفرض ثقافتها بالقوة اللينة كما عبر" ناي ودو ناهيو" حينًا وبالقوة المباشرة حينًا آخر وهو ما دعا الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون إلى أن يقول: "إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزامًا مقدسًا لتحويل العالم إلى صورتنا" وقد تمت ترجمة هذا الالتزام المقدس بنقل القيم الأمريكية وهي من صميم الثقافة كما لا يخفى إلى المجتمعات البشرية عبر وسائل متعددة منها:
أولاً: الإعلام الموجه:
في دراسة أجراها مالك الأحمد عن عولمة الإعلام توصل الباحث إلى أن ست شركات عملاقة فقط تهيمن على وسائل الإعلام العالمي وبالذات القنوات الفضائية التلفزيونية وذلك حسب الترتيب التالي:
1- مجموعة تايم ورنر (time warner):
أكبر شركة إعلامية في العالم تفوق مبيعاتها 25مليار دولار في السنة، وتملك بعض القنوات التلفزيونية المؤثرة أشهرها CNN التي بلغ من قوة تأثيرها في صياغة الرأي العام العالمي في الثقافة والسياسة إلى حد جعل الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي يعدها العضو رقم 16 في مجلس الأمن.
2- مجموعة برتلزمان (Bertels man):
أكبر مجموعة إعلامية في أوربا تفوق مبيعاتها السنوية 15 مليار دولار, وتمتلك عدة قنوات تلفزيونية في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى 45 دار نشر وأكثر من 100 مجلة.
3- مجموعة فيا كم (Viacom):
مجموعة أمريكية قوية دخلها السنوي يبلغ 13 مليار دولار وتمتلك 13 محطة تلفزيونية أمريكا ومنها: شو تايم التي تعتمد الانحلال والتعري جزءًا رئيسيًّا من سياستها في عولمة الثقافة الأمريكية.
4- مجموعة دزني (Disny):
دخلها يفوق 24 مليار دولار، وهي أكبر منتج لمواد الأطفال في العالم وتملك شبكة ABC التلفزيونية إضافة إلى مجموعة من القنوات الفضائية.
5- مجموعة نيوز كور بريشن (News Corporation):
تعد اليوم أكبر لاعب دولي في مجال الإعلام حول العالم، وتملك شركة فوكس للإنتاج السينمائي والبث التلفزيوني وشبكتي ستار وسكاي إضافة إلى 22 محطة تلفزيونية و132 صحيفة و25 مجلة، وتزداد خطورة بثها في انتهاجها سياسة بث البرامج بلغات البلدان المختلفة.
6- مجموعة (T.C.T):
مجموعة متخصصة بالبث التلفزيوني عبر الكابل المدفوع بالاشتراكات، وتملك قمرين صناعيين للبث حول العالم.
والسؤال هنا: ما هو المضمون الذي تبثه هذه المجموعات الإعلامية العملاقة وتسهم في فرضه على العالم؟ أكثر الأجوبة دقة واختصارًا هو: الثقافة الأمريكية إلى درجة أن وزيري الثقافة: الفرنسي واليوناني نددا في المؤتمر الدولي للسياسات الثقافية الذي نظمته اليونسكو في المكسيك بمواقف الولايات المتحدة الأمريكية التي تستعمل وسائل الإعلام لفرض الثقافة الأمريكية التي تهدد البنية الثقافية الوطنية ومنظومة القيم في بلديهما".
فكيف يكون الحال بالنسبة للثقافة الإسلامية التي لا تلتقي مع الثقافة الأمريكية في جذورها وكثير من مبادئها كما هو الحال مع الثقافتين الفرنسية واليونانية؟
فإذا أضيف إلى طوفان البث الإعلامي الفضائي ثورة الاتصالات الحديثة المتمثلة في شبكة الإنترنت وما تبثه القوى المسيطرة عليها من قيم ثقافية ومفاهيم عقدية وانحرافات سلوكية بطريقة مبهرة ملحة مستمرة؛ فإن العولمة الثقافية تتحول إلى نوعٍ من الفرض الواضح لثقافة واحدة وليس مجرد النشر الاختياري لها، فالأمر أشبه ما يكون بغسيل الدماغ الذي ذكره (براون) أثناء حديثه عن دور الدعاية حيث قال: "إنها استخدام رموز معينة استخدامًا مدروسًا ومنظمًا بدرجات متفاوتة يعتمد فيه بالدرجة الأولى على الإيحاء وما يتصل به من وسائل نفسية ويقصد منه تغيير الآراء والأفكار والقيم والتحكم فيها، ثم في النتيجة تغيير الأفعال الظاهرة حسب خطط مرسومة مسبقًا".
"وهذا بالضبط ما تقوم به شركات الاتصال فكثرة ترويج المعلومة وبثها في أكثر من موقع.. يحدث لها في نهاية المطاف تجاوبًا ملموسًا ومشاهدًا في سلوك الناس".
ثانيًا: المؤتمرات والاتفاقيات الدولية:
استخدم مسيرو العولمة الثقافية المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي يتم عقدها تحت مظلة الأمم المتحدة وسيلة لفرض ثقافة المجتمع الغربي المعاصر على المجتمعات الأخرى وهو أمر أشار إليه الدكتور محمد عمارة بقوله:
"في ظل هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي الذي أصبح شبيهًا بمجلس الأمن القومي الأمريكي أخذ الغرب يقنن منظومة قيمه في مواثيق يسميها دولية؛ ليفرضها باسم الأمم المتحدة على العالم بأسره".
ويلاحظ بأن هذه المؤتمرات لا تقيم وزنًا للخصوصية الدينية والثقافية للمجتمعات المختلفة وتتخذ قرارات هذه المؤتمرات صفة شبه إلزامية من منطلق الخضوع لظاهرة العولمة الثقافية التي تؤكد على معنى التجانس البشري في سائر المجالات وفي هذا تحدٍّ للسيادة الوطنية لكل دولة على أراضيها وهو بند مهم من بنود ميثاق الأمم المتحدة ذاتها ولكن لأنه لا ينسجم مع منطق العولمة الثقافية المعاصرة؛ فقد تم إعادة صياغته وتفسيره حيث أشار الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان) خلال افتتاح أعمال الدورة الخامسة والأربعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى: "أن المفهوم التقليدي للسيادة بات غير محقق لتطلعات الشعوب في التمتع بحرياتها الأساسية".
وقد استخدمت هيئة الأمم المتحدة كغطاء ظاهر يختفي وراءه الصانع الأساسي للعولمة الثقافية وهو الطرف الأمريكي بغيةَ الإيحاء للشعوب بأن ما يصدر من قرارات عن هذا المؤتمرات إنما هو مطلب دولي عالمي وليس مطلب قطب أحادي واحد.
ومن أبرز هذه المؤتمرات والاتفاقيات:
1- اليوم العالمي للشباب وهو تجمع حاشد للتنصير في الفترة من 15 – 20 أغسطس عام 2000م ألقى فيه البابا "يوحنا بولس الثاني" كلمة في حوالي مليون شاب وفتاة قدموا من معظم بلدان العالم جاء فيها: "ليكن عندك طموح لتصبح قديسًا كما أن عيسى قديس، يا شباب العالم في كل قارة لا تخشوا أن تصبحوا قديسي هذه الألفية".
وهو بهذا يشير إلى كلمة وردت في الإنجيل هي: فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس".
وهذه دعوة صريحة إلى العولمة الدينية الثقافية على طريقة الكنيسة النصرانية.
2- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
على الرغم من إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الإعلان عام 1948م في باريس إلا أن تطبيقه بقي راجعًا لما تراه كل دولة صالحًا لها من بنوده الثلاثين، وكان في ذلك سعة للدول الإسلامية التي ترى في جل بنود هذا الإعلان مخالفة لحقوق الإنسان التي جاءت بها الشريعة الإسلامية والتي تعد أهم مقومات الثقافة الإسلامية؛ إلا أن رياح العولمة الثقافية هبت على هذا الميثاق لاستغلاله في عام 1992م حيث طلب الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش الأب) تعديل ميثاق الأمم المتحدة بحيث تصبح حقوق الإنسان من اختصاص الأمم المتحدة وليس لكل دولة على حدة فوافقت جميع دول قمة أعضاء مجلس الأمن ما عدا الصين. وهكذا بدأت الولايات المتحدة تضغط باسم الأمم المتحدة باتجاه تفعيل تطبيق الميثاق بما يتضمنه من مبادئ وقيم تتصل بالثقافة بشكل مباشر.
3- المؤتمر الدولي للسكان:
الذي انعقد بالقاهرة في شهر سبتمبر من عام 1994م، وتركز البحث فيه حول الربط بين زيادة السكان وبين الفقر واستحالة التنمية وأن الحدّ من النمو السكاني هو الطريق الأمثل للتنمية" وفي هذا السياق رأى المؤتمر ما يلي:
أ- إباحة إنهاء الحمل غير المرغوب فيه، وتخفيف عواقب الإجهاض.
ب- إباحة الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وحق المراهقين والمراهقات في سرية العلاقة الجنسية وعدم انتهاكها من الأسرة.
ج- ممارسة الجنس والإنجاب حرية شخصية وليست مسؤولية جماعية.
والبعد الثقافي واضح في هذه البنود من خلال إباحة الانحراف العقدي والأخلاقي وتسويغه في المجتمعات المختلفة.
4- المؤتمر العالمي الرابع للمرأة:
الذي انعقد في بكين، وقد استغل المؤتمر لترسيخ نظرة الثقافة الغربية المعاصرة إلى المرأة وما يزعم لها من حقوق مخالفة لفطرتها ودينها وثقافتها التي تنتمي إليها في كل المجتمعات البشرية ماعدا المجتمع الغربي المعاصر، وكان من أبرز ما جاء في هذا المؤتمر من توجيهات ما يلي:
1- التأكيد على التعليم المختلط للجنسين.
2- التشديد على الحرية الجنسية للمرأة وإتاحة موانع الحمل وتشريع الإجهاض.
3- استبدال وصف الذكورة والأنوثة في تكوين الأسرة بوصف النوع (جندر) الذي يتناول الجنس البشري عامة، وهي خطوة في طريق إباحة تكوين الأسرة المثلية المكونة من رجلين أو من امرأتين. واللافت للنظر أن الدول التي قاطعت هذا المؤتمر صنفت ضمن قائمة الدول المتخلفة الراديكالية الرجعية وتم وصفها بممارسة الإرهاب الفكري وحرمان المرأة من حقوقها, وربما تعرضت نتيجة لذلك إلى حصار فكري وضغط متواصل للقبول بما يحمله ذلك المؤتمر من ثقافة عولمية جديدة يراد لها أن تسود.
ثالثًا: الضغط الاقتصادي:
ويقوم على فكرة وحدة السوق، وإزالة العوائق أمام حركة رأس المال، وتحويل العالم إلى مجتمعات منتجة هي مجتمعات الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومجتمعات مستهلكة هي مجتمعات الدول الأخرى.
ولابد للمستهلك من الخضوع بطريقة أو أخرى للمنتجِ وهي حقيقة يدركها الجميع، ومادام أن المنتج يحمل هم نشر ثقافته وقيمه باعتبارها الوحيدة التي بإمكانها إصلاح أحوال البشر فلا شك أنه والحالة هذه سيستغل الجانب الاقتصادي وعلاقته الفوقية بالمستهلكين في سبيل فرض ثقافته المحلية وجعلها طابعًا عالميًّا باستخدام مجموعة من الوسائل والآليات الاقتصادية ومنها:
1- صندوق النقد الدولي: ويقوم على ضبط النقد الدولي واستقراره.
2- البنك الدولي: ويقوم على الإقراض ودراسات الجدوى في مجال الإنشاء والتعمير للدول المتضررة من الحروب والدول الفقيرة.
3- منظمة التجارة العالمية: التي تعني بحرية انتقال السلع والخدمات أيًّا كانت بين الدول، وحماية حقوق الملكية الفكرية.
واللافت للنظر أن هذه المؤسسات الثلاث تشترط على الدول الراغبة في الاستفادة من مزاياها الاقتصادية شروطًا لا يمكن تصنيفها إلا في الإطار الثقافي والفكري مما يؤكد على كون العولمة الثقافية هدفًا، وأن هذه المؤسسات الاقتصادية تستخدم كوسائل لفرضها على المجتمعات.
4- الشركات العملاقة متعددة الجنسيات:
وهي غول كبير نجح في ابتلاع العديد من الأسواق وفرض منتجاته وخدماته وأسعاره التي يراها مناسبة له "ويكفي أن نعلم أن رأس مال الشركات المندمجة في مجال الحاسبات فقط على مستوى العالم قد قفز إلى 426 مليار دولار عام 1999م بينما كان 21 مليارًا عام 1988م.
وقد أصبح لرؤساء هذه الشركات من النفوذ والتأثير ما يوازي وربما يفوق تأثير رؤساء الدول، ولا يتأخر هؤلاء عادة في نشر القيم الثقافية التي يؤمنون بها؛ بل ومعاقبة من يخالفها عبر تسليط ذلك الغول الذي يقفون على رأسه المسمى بالشركات العملاقة وهو ما دفع جيمس كارفيل مستشار الرئيس الأمريكي السابق كلينتون إلى القول: "في السابق كنت أمني نفسًا أن أكون رئيسًا أو بابا، أما الآن فإني أود أن أكون سوق المال إذ سيكون بإمكاني أن أهدد من أشاء".
وقد رصد مؤلفا كتاب فخ العولمة مجموعة من الشواهد على قوة النفوذ لأصحاب رؤوس الأموال إلى حد إخافة الدول ورؤسائها والتأثير على مخالفي توجيهات رؤساء هذه الشركات، ومن ذلك اعتراف مدير صندوق النقد الدولي ميشال كامد يسو أيام الأزمة المالية المكسيكية عام 1994م بأن "العالم أصبح في قبضة هؤلاء الصبيان" ويعني بهم المتاجرين بالعملة على المستوى الدولي الذين وصفهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك بـ: "وباء الإيدز في الاقتصاد العالمي" أما في روسيا فإنهم يسمون بـ: "حيتان المال" ومن هنا فإن مستثمرًا واحدًا في العملة هو جورج سورس استطاع أن يملي أوامره على روسيا حيث كتب مقالاً في جريدة التايمز اللندنية في 12/8/1998م طالب فيه بتخفيف قيمة الروبل بنسبة لا تقل عن 15% ولا تزيد عن 25% ولم تمض خمسة أيام فقط على هذه المطالبة حتى قررت الحكومة الروسية تنفيذها.
وقد لخص رئيس المصرف المركزي الألماني تيتمار طبيعة العلاقة بين السياسيين والمسيطرين على أسواق المال بقوله: "إن غالبية السياسيين لا يزالون غير مدركين أنهم قد صاروا الآن يخضعون لرقابة أسواق المال لا بل إنهم قد صاروا يخضعون لسيطرتها وهيمنتها".
 

 

الآثار السلبية للعولمة الثقافية:
 

 

يمكن القول بأن الآثار السلبية للعولمة الثقافية على الأمة الإسلامية تفوق من حيث العدد والخطورة الآثار الإيجابية لها، وبشيء من التلخيص المركز يمكن الوقوف عند الآثار السلبية التالية:
1- ادعاء أفضلية الثقافة الغربية على الثقافة الإسلاميّة:
وهذا الادعاء يحمل انتقاصًا مباشرًا للمعتقد والدين الذي تمثله هذه الثقافة الإسلاميّة ذات المصدر الرباني الذي كفل لها العصمة من التناقض والبراءة من التحيز والتحرر من عبودية البشر وأفكارهم، والاحترام وسهولة التطبيق لمبادئ تلك الثقافة.
والسماح لهذا الادعاء بالانتشار له تأثير سلبي مباشر على المنتسبين للدين الإسلامي وعلى بقية المجتمعات التي تبحث عن الثقافة الأصلح فتجد التشويه المتعمد للثقافة الإسلامية وفي المقابل الادعاء المستمر بأفضلية النظام الأمريكي الثقافي والسياسي والاقتصادي وهو جوهر نظر: فوكو ياما المتعلقة بنهاية التاريخ؛ لأن نهاية عصر الأيدلوجيات عنده إنما يعني حلول الأيدلوجية الأمريكية محل الأيدلوجيات الأخرى. أما الوسيلة الموصلة إلى هذا الهدف فقد عبر عنها: صموئيل هنتنجتون من خلال نظرية: صراح الحضارات.
2- إهمال الأساسيات الدينية ولا سيما في مجال العقائد تحت وطأة النمط الثقافي الغربي الذي لا يقيم وزنًا لهذه القضايا:
إن من أهم الأسس التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية الإيمان بالغيب الذي يرد الخبر به عن الله تعالى، وبدون ذلك لا يصح وصف الإنسان بالإيمان، والغيب يشمل الوحي باعتباره مصدر المعرفة الصحيحة وأمور الآخرة من بعث وحشر وجنة ونار، والإيمان بالقضاء والقدر، ومفهوم التوكل على الله، وكل هذه القضايا لا مكان لها في عالم العولمة الثقافية وهو مصدر اختلاف كبير بين الثقافتين الإسلامية والغربية، وقد أشار لهذا الدكتور محمد الجليند بقوله:"إن الموقف المعرفي كله تختلف فلسفته في الحضارة الإسلاميّة عنها في الحضارة الغربية من ناحية الأهداف والمقاصد، وكذلك من ناحية الوسائل والمناهج".
3- تذويب الانتماء إلى الدين والمعتقد وإضعاف علاقة الفرد بأمته ومسخ شخصيته المستقلة؛ ليذوب في منظومة العولمة الثقافية:
يعيش المسلمون اليوم في أكثر من 120 مجتمعًا بشريًّا وعدد الدول الإسلامية يبلغ 54 دولة وعددهم يزيد عن 1300 مليون أي ما يقارب 23% من عدد سكان العالم.
ولا شيء أخطر على الثقافة الغربية اليوم من شعور هؤلاء جميعًا بالانتماء الحقيقي إلى دينهم ومعتقدهم وثقافتهم.
ولهذا فقد عد هنتنجتنون اقتناع أصحاب الثقافة الإسلامية بتفوق ثقافتهم مشكلة الغرب الخطيرة وبالتالي فمعالجة هذه المشكلة يقتضي تذويب هذا الانتماء ومسخ الشخصية المستقلة التي تميز المسلم عن غيره وهذا ما يفسِّر الحملة الشرسة المركزة على مفهوم الولاء والبراء في الإسلام باعتباره الأساس في إحساس الفرد بهويته الثقافية المستقلة.
4- إهمال الآخرة تمامًا والتركيز على الحياة الدنيا فقط متابعة للمفهوم الثقافي الغربي العلماني:
ويتبع ذلك التقصير الشديد في أداء العبادات؛ كالصلاة والصيام والزكاة, والسعار المادي المستمر؛ لأن المنفعة المادية العاجلة تصبح الهم الأكبر المسيطر على الإنسان (المعولم ثقافيًّا) مما يجعله يضحي بكثير من قناعاته ومبادئه في سبيل المصلحة المادية التي تجلب له المنفعة واللذة وهي القيمة المطلقة التي تدعو إليها(العولمة الثقافية) وهذا الواقع يشيع الخواء الروحي ويُفقد الفرد توازنه النفسي ويزيده قلقًا واكتئابًا وشعورًا بأنه مجرد ترس صغير في آلة كبيرة تدور باستمرار لكسب المال المحقق للمطالب الدنيوية البحتة.
والقاعدة في الإسلام أن يركز المسلم على ما فيه سعادته الأخروية أولاً، ولا ينسى ما يحقق له سعادته الدنيوية بما لا يتعارض مع الحدود الشرعية.
5- الإكراه الثقافي والإرهاب الفكري الواقع على شعوب العالم:
بحيث لا يترك لها حرية الاختيار بين الدخول في العولمة الثقافية وبين التمسك بثقافتها الخاصة، وقد عبر توماس فريد مان عن ذلك بقوله: "العولمة أمر واقع وعلى اللاعبين العالميين إما الانسجام معه واستيعابه أو الإصرار على العيش في الماضي وبالتالي خسارة كل شيء ولا بد من قبول الأمر الواقع" ويقول وزير المالية الأمريكي الأسبق روبرت روين في رد ساخر على مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق حينما انتقد شرور العولمة: "اعذرني محمد ولكن على أي كوكب أنت تعيش إنك تتكلم عن المشاركة في العولمة كأن ذلك يتضمن خيارًا متاحًا لك, العولمة ليست خيارًا وإنما حقيقة واقعة" وهذا الإكراه ظلم صارخ ينتهك حقوق المجتمعات في المحافظة على الثقافة المحلية وينذر بردات فعل غير محسوبة قد تفوق كل توقع، وما صيحات مناهضي العولمة واحتجاجاتهم المستمرة والمواجهات الدموية مع كبار مسيري العولمة إلا إرهاصات أولية لما يحتمل حدوثه في المستقبل إذا استمر هذا الإكراه الثقافي على الضعفاء الذين يجري تخويفهم وإرهابهم على الصعيد الإعلامي والسياسي والاقتصادي وحتى العسكري في كثير من الأحيان.
6- تغييب القيم الأسرية والاجتماعية التي رسخها الإسلام:
العلاقة بين الرجل والمرأة نظمها الإسلام بطريقة تكفل حقوق الطرفين، وترقى بعلاقتهما إلى أفق من الطهر والاحترام مع تلبية نداء الفطرة في كل منهما عبر مؤسسة الزواج التي كفلت لها الثقافة الإسلامية الاحترام والتقدير، ولكن العولمة الثقافية اليوم تسعى إلى تغييب هذه القيم عبر إباحة العلاقات الجنسية للرجل والمرأة خارج مؤسسة الزواج، وعبر تخفيف قيود الإجهاض للحمل غير المرغوب فيه، وعبر غض الطرف عن العلاقات المثلية التي يمكن أن تكون من خلالها بعض الأسر في ظل العولمة الثقافية.
كما أن علاقات الأبناء بالآباء بما فيها من البر والإحسان, وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، والتكافل الاجتماعي كلها قيم غائبة عن مسيرة العولمة الثقافية المعاصرة.
7- الانحراف الأخلاقي ولا سيما في قضايا الشهوات الجنسية:
والنظر إلى المرأة باعتبارها جسدًا مهمته إضفاء المتعة على الآخرين، ووسيلة تسويق وجذب في الدعايات وعبر الصحافة والبرامج الإغرائية على الشاشة وتكليفها بما قد لا يناسبها من الأعمال الشاقة، أو الأعمال التي تعرضها للامتهان والابتزاز الجنسي نتيجة كثرة الاختلاط غير المحتشم بالرجال المشرفين على عملها.
وفي دراسة تم إعدادها بتكليف من وزارات العدل والصحة والشؤون الاجتماعية في أمريكا ثبت أن 18% من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة الاغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن ، وأن أكثر من نصف الضحايا كن دون 17سنة عند تعرضهن للاغتصاب للمرة الأولى.
ويؤكد هذا الانحراف أن المرأة في ظل العولمة الثقافية المعاصرة يتم إهمالها عند بلوغها سنًّا معينة ؛لأنها لم تعد صالحة للاستهلاك النفعي ولا سيما في وسائل الإعلام، بعكس الرجل الذي يعمر فيها طويلاً.
8- إفساد الأنماط السلوكية السائدة لدى الشعوب:
ولا سيما الشعوب المسلمة في اللباس والأزياء الخاصة بالرجال أو النساء والتقليعات الغربية الخاصة بطريقة قص الشعر وتغيير الخلقة وأنواع المأكولات الغربية وطريقة تناولها بحيث يصعب اليوم تمييز الهوية الوطنية الخاصة بكل شعب في ظل هذه العولمة في ثقافة اللباس على النمط الغربي حتى لو كان المرء يسير في شوارع بومباي، أو بيونس آيرس، أو بيروت، أو نيويورك.
9- سيادة لغة العولمة الثقافية وهي اللغة الإنجليزية على جميع اللغات ومنها اللغة العربية:
اللغة ليست مجرد ألفاظ جامدة لكنها مظهر ثقافي لا ينكر، وتأثر اللغة العربية لغة القرآن الكريم ظاهر بانتشار اللغة الإنجليزية ومصطلحاتها بين أبناء العرب المسلمين فضلاً عن غيرهم، ومع أن تعلم اللغة الإنجليزية له فائدة ظاهرة للشباب المسلم اليوم إلا أن التأثر بثقافة أهل هذه اللغة هو الأثر السلبي الذي تشير إليه هذه الفقرة على وجه التحديد, ويذكر عبد الهادي أبو طالب أن 88% من معطيات الإنترنت تُبث باللغة الإنجليزية.
10- الترويج لمفاهيم مخالفة للعقيدة الإسلاميَّة:
مثال ذلك: المفهوم الغربي لحقوق الإنسان المتضمن حق الحرية المطلقة من قيد الدين والمعتقد والقائم على أن مصدر الحقوق هو "الإرادة الإنسانية فإذا اجتمعت إرادة البشر ورغبتهم في احترام هذه الحقوق وصيانتها والمحافظة عليها". فحينئذ يصبح ذلك حقًّا من حقوق الإنسان، أما في الإسلام فإن الوحي الإلهي هو مصدر الحق وأساس مشروعيته.
ومثال آخر: مفهوم الديموقراطية, الذي يعني حكم الشعب بالشعب وليس حكم الشعب بالشرع الإلهي، وقد أخذ مسيرو العولمة على أنفسهم العهد بنشر الديموقراطية الغربية بما تحمله من مفاهيم وقيم مخالفة للإسلام داخل بلاد المسلمين، ولا ريب أن ما في الديموقراطية من حسنات فإن الثقافة الإسلامية قد سبقت إليه وطبقته، وليس هذا مجال البسط في هذه القضية.
وقد أظهرت وثيقة قدمها تشارلزكرو ثامر في 12/2/2004م لمركز "أمريكان إنتر برايز" الذي يرسم الرؤية الإستراتيجية الأمريكية الحالية ويُشرف عليه نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني أن مأزق عقيدة العولمة الديموقراطية يكمن في طموحها الشمولي باعتبار أن محرك التاريخ ليس إرادة القوة وإنما إرادة الحرية، ولذا فلابد من عولمة الديموقراطية الأمريكية في العالم كله.
 

الآثار الإيجابية للعولمة الثقافية:
 

المسلم مأمور بالإنصاف والتجرد وعدم النظر إلى الأمور من زاوية واحدة فقط؛ بل لابد من تقييم الظواهر من جوانبها المختلفة مع مراعاة العدل في ذلك .
ومن هنا فإن ظاهرة العولمة الثقافية لا تخلو من إيجابيات مهمة في مجال نشر العقيدة والعلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى مع ملاحظة أن هذه الإيجابيات قليلة بالنسبة إلى السلبيات وتتعلق بالوسائل المستخدمة للعولمة الثقافية إذ أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما يسمى بعمليات العولمة وبين ما يسمى بأيدلوجيات العولمة التي هي الجانب الثقافي للعولمة وهي خطرة للغاية كما تبيَّن من خلال المبحث السابق؛ لأنها استنساخ فكري وتنميط حضاري تقوم به القوة المسيطرة الغالبة. أما عمليات العولمة فهي من باب الوسائل وتشمل تقنيات المعلومات والاتصال والإعلام، ولقد كان لهذه الوسائل من الإيجابيات على الأمة الإسلامية ما يلي:
1- إتاحة فرصة كبرى لنشر الثقافة الإسلاميّة:
وذلك من خلال زوال كثير من العوائق التي كانت تحول دون نشر العقيدة الإسلامية مع سهولة الاتصال عبر شبكة الإنترنت وسهولة التواصل عبر وسائل الإعلام الفضائية (مرئية ومسموعة) وهو تحد جديد أمام المنتمين للثقافة الإسلامية اليوم وسوف يخسرون خسرانًا بينًا إن هم فرطوا في هذه الوصية السانحة للدعوة إلى الله ونشر الإسلام وقيمه الموافقة للفطرة السليمة للعالمين والرد على الشبهات المثارة حوله دون وصاية رسمية أو أنظمة مقيدة.
2- سهولة الحصول على المعلومة المفيدة :
وهو أمر يسهم في بناء الجانب العلمي والمعرفي في الأمة الإسلامية عن طريق الحصول على الإحصاءات الموثقة والأبحاث العلمية بل وحتى الفتاوى الشرعية التي تسهم مجتمعة في نشر العلم والمعرفة ودعم عناصر العملية التعليمية الخمسة ، أو ما يسمى بالميمات الخمس: (معلم، متعلم، منهج، مكان، مجتمع) ومع أن الواقع التعليمي في البلاد الإسلامية مؤسف جدًّا حيث يبلغ متوسط نسبة الأمية 62%من عدد السكان ، وبينما يبلغ ما تنفقه إسرائيل على البحوث التطبيقية ملياري دولار سنويًّا، فإن الدول العربية مجتمعة لا تنفق على البحوث العلمية أكثر من 100مليون دولار، إلا أن وسائل العولمة الثقافية المعاصرة تتيح للبلاد الإسلامية مجالاً مهمًّا لنشر العلم بتكاليف معقولة مقارنة بمتطلبات نشر العلم في السابق.
3- الإطلاع على مساوئ الثقافة الغربية والأخطاء الكبرى فيها؛ وهذا الأمر يتم من خلال توسع أصحابها في نشرها ومحاولتهم تسويقها بين الشعوب؛ لكنهم في إطار العولمة لا يستطيعون حجب المساوئ عن أعين الآخرين مما أدى إلى نفور الكثيرين من هذه الثقافة الغربية ولا سيما في نسختها الأمريكية المشوهة لما رأوا فيها من أخطاء من أبرزها: التناقض، والتحيز، والمادية المجردة من الروح والمشاعر، والانفلات الأخلاقي الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد البهيمية غير المنضبطة . وهذا الأمر لم يكن ليتم بهذه الصورة لو لم توجد وسائل العولمة الثقافية.
4- زيادة التواصل بين المسلمين:
وذلك باستخدام آليات العولمة الثقافية فأصبح المسلم قادرًا على معرفة أحوال إخوانه المسلمين في المجتمعات الأخرى، ومعرفة التحديات التي تواجههم وبالتالي عونهم وتقوية الارتباط بهم.
لقد أسهم النقل الفضائي الحي والمباشر لما يتعرض له المسلمون في فلسطين إلى زيادة التلاحم بينهم وبين بقية المسلمين في سائر أنحاء العالم ولم يعد باستطاعة إسرائيل أن تحجب عن العالم الإسلامي ما تفعله بالفلسطينيين وهذا أدى إلى زيادة تفاعل المسلمين مع إخوانهم واستعدادهم لنصرتهم وعونهم، وأضعف في فرص استفراد الإعلام الغربي بنقل وجهة نظره المنحازة في أغلب الأحيان لهذا الصراع.
ولم يتم التعاطف مع قضية المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا إلا من خلال آليات العولمة وعبر وسائل الإعلام والاتصال المعاصرة مع أن شعب البوسنة والهرسك تعرض إلى مجازر وحشية إبان الحرب العالمية الثانية إلا أن عدم نقل تلك الأحداث بواسطة أجهزة الأعلام أقام حاجزًا حال دون تواصل بقية المسلمين معهم بالشكل الذي حصل في التسعينات من القرن المنصرم.
وهذا الأمر ليس غائبًا عن كبار مسيري العولمة الثقافية اليوم، بل إنهم لا يخفون الشكوى من قنوات فضائية عربية معينة تنقل واقع المسلمين في بقعة ما من العالم لبقية إخوانهم المسلمين في كافة أنحاء العالم في التو واللحظة مما يزيد فيما يسمونه مشاعر العداء والكراهية لهؤلاء الذين يظلمونهم أو يحمون من يظلمهم، وكأن الخطأ ليس هو وقوع الجريمة أو الظلم باعتبار ذلك ممارسة عولمية مشروعة ولكن الخطأ هو نقل هذه الجريمة وذلك الظلم عبر استغلال آليات العولمة في الإضرار بمصالح أهل العولمة
 

الخلاصة 

في خلاصة هدا الملف الذي ناولت فيه إشكالية العولمة والهوية الثقافية يتضح أن الثقافة هي بمثابة

التي تعبر عن نظرة أمة معينة إلى الكون والى الحياة والموت, والى الإنسان ومكانته ورسالته في

الوجود,وأن الانتماء إلى هوية ثقافية يعد حاجة نفسية واجتماعية ضرورية,لاغنا عنها بالنسبة لأي

إنسان في العالم.ونادرة هي تلك الكيانات الثقافية التي تعرف حالة من الاستقرار التام, وجميعها يشهد

تحولات فعلية,حسب وتيرة وإيقاعات متفاوتة.


أما فيما يتعلق بجدلية الثقافة والمثاقفة واستخلصنا على أن الثقافة هي في الآن نفسه مثاقفة .فادا كان

التواصل بين الثقافات على المستوى العالمي,عبر جسور وآليات المثاقفة ,قد أصبح يساهم فعليا في

اغناء ثقافات الشعوب وبالتالي يثري هويتنا الثقافية,فان السيرورة الطبيعية والسوية والمتكافئة

للمثاقفة,لايمكن أن تتحقق في ظروف الهيمنة والتبعية.

 

المصدر :الشبكة العنكبوتية+ مجلة العربي+مجلة المناهل من انجاز التلميدة مهماوي سكينة




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات