مواضيع اليوم

ملف الجغرافيا

بنعبدالعزيز 2emebacsh2

2010-01-01 21:49:27

0

 

ملفففففف العولمة والهوية الثقافية

مفهوم العولمة

والعولمة مصطلح ظاهره الرحمة وباطنه فيه العذاب الشديد.
إنها أشبه بالمصطلحات الأخرى المثيلة: العصرنة، العقلنة، الأمركة، الفرنسة، الصهاينة... وصولاً إلى الشيطنة...
ومشكلتنا أننا مجتمعات استهلاكية، مشرعة الأبواب أمام كل المستوردات وإن كانت سمّاً زعافاً!!
وهذا يعني انتقال الآخر إلينا وليس انتقالنا إلى الآخر...
يعني تأثرنا بالآخر وليس تأثيرنا في الآخر.
يعني عالمية ما عندهم وليس ما عندنا!!
إنه أشبه بالاجتياح ...اجتياح الكبير للصغير، والقوي للضعيف، والغني للفقير... اجتياح مشاريع الآخرين لحضارتنا وثقافتنا ،وتراثنا.. إنها استرقاق كلي ولكن تحت غطاء عصري مزيف، وشعار براق مكذوب!
إنها السقوط في الأفخاخ المنصوبة ، وبالتالي ضياع الهوية والشخصية

أهداف العولمة


الهدف الاقتصادي ..


تهدف العولمة الى وضع العالم في سوق واحد يحكمه نظام اقتصادي واحد بتوجيه من القوى الرأسمالية الكبرى و تهدف الى الاستغلال الاقتصادي من جانب الشركات العملاقة لكل طاقات و موارد الدول الضعيفة و سلب خيرات المسلمين و أهمها البترول و الغاز بمعنى مزيد من المتخلفين للمتقدمين و مزيد من التبعية
الهدف الثقافي ..
تهدف العولمة الى إزالة خصوصية الشعوب التي تحافظ على مبادئها و قيمها المنبثقة عن ايطار ديني و تقهر معتقدات الأمم و مقدساتها و أنماط الحياة فيها و تعمل على تذويب الفروق التي تعني الأصالة و الحضارة بكل أبعادها و تهيمن بثقافتها على كافة الشعوب ..
مما سبق نستخلص الهدف النهائي للعولمة و هو أن يعتلي الغرب و خاصة اليهود عرش العالمية و يبسط ثقافته و حضارته و خاصة على المسلمين و يصبح هو السيد بلا منازع و الكل تابعون له بعد تذويب هويتهم الثقافية و الدينية .. ... الخ

أ: الثقافة
 

ما الثقافة؟ وما مكوناتها:
 

الجذر اللغوي للكلمة ثقافة هو الفعل الثلاثي "ثَقِفَ" أو "ثَقُفَ" بمعنى حَذَق أو مَهَرَ أو فَطَنَ (أو فَطِنَ) أي صار حاذقاً ماهراً فطناً فهو "ثَقِفٌ"، وقد ثَقِفَ ثَقَفاً، و"ثَقَافَةً"، وثقَّف الشيءَ أقام المعوَجَّ منه وسواه، وثقَّف الإنسانَ أدَّبه وهذَّبه وعلَّمه. ويرتبط الفعل "ثَقِف" بدلات ومعانٍ أخرى قد تضيء فهمنا لهذه الدَّلالة الرَّئيسة، ومن ذلك ارتباطه بإدراك الشَّخص أو الشيء أو إصابَتٍهِ والظَّفَرُ به، أو صقلُه وتسويته، حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى "ملعونين أينما ثُقِفُوا أُخِذوا وقُتِّلوا تَقْتِيلا" (الأحزاب، الآية 61)، وقوله "واقتلوهم حيثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ" (البقرة، الآية 191 - والنساء، الآية 91).
ويُعرِّف مجمع اللغة العربية الثقافة بأنها "العلوم والمعارف والفنون التي يُطْلَبُ الحَذَقُ فيها"(1).
وثمة تعريف للثقافة من منظور علم البيولوجيا (الأحياء) Biology وتعريف آخر من منظور علم السوسيولوجيا Sociology (الاجتماع)، ويكاد تعريفها من منظور هذا العلم أن يبلغ مائتي تعريف، أو صيغة تعريف، أو ربما ما يزيد على ذلك.
تدلُ الثقافة، في علم البيولوجيا، على نمو الخلايا الحية والأنسجة في الظروف المختبرية، ويرتبط هذا التعريف، كما نرى، ارتباطاً وثيقاً بالمعنى اللغوي للكلمة Culture، الذي يحيل إلى الزراعة أو المزرعة والزَّرع وإلى ما تتضمنه معاني هذه الكلمات من إيحاء بالاستقرار والتحضُّر وبدء الحياة في مجتمعات مستقرة متفاعلة ومتعاونة، صارت فيما بعد قرى وبلدات ومدن!
ومن منظور علم الاجتماع، يأخذ التعريف اللغوي السابق في التوسُّع والتعمُّق على يد علماء عديدين (جيرارد أودونيل، ماكس فيبر، ماركس، وغيرهم)، ليصبح تعريفاً اصطلاحياً يُشير إلى طريقة الحياة التي تتمكن جماعة بشرية من تأسيسها لتكون مقبولةً من جميع أفراد الجماعة، وملائمةً لهم كمجموع، وهي طريقة تتضمَّن أساليب الإدارة وآلياتها، ونمط التفكير، وآداب السلوك والمعتقدات، أو منظومة الأخلاق والقيم التي تحكم الجماعة، وكذلك اللغة، ونمط العيش بما يتضمنه من مسكن ومأكل ومشرب ومن علاقات وأنظمة سلوك تؤسس التواصل بين الفرد والفرد، وبين الفرد والجماعة، وبين الفرد والطبيعة، وبينه وبين الوجود.
الثقافة، إذنْ، هي جماع الأنظمة المادية والروحية التي ابتكرها الإنسان لتحكم سلوكه فيما هو ذاهبٌ إلى الارتقاء بهويته وذاته ونمط حياته والإعلاء من شأن وجوده في الحياة عبر الانخراط في صيرورة هي الثابت الوحيد في هذه الحياة، وعبر الاحتفاظ بأبنية ثقافية تحملها اللغة إلى الأجيال اللاحقة كي تسكنها وتتولَّى تعديلها أو إعادة إنتاجها وفق حاجاتها وشروط تطورها.
ولئن كان إدوارد تايلور قد أحصى ما يزيد على مائتي تعريف للثقافة، فإنه خلص إلى تعريف شامل تمثل في مقترحٍ مفاده أنَّ "الثقافة هي ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفنون والآداب والأعراف والقوانين وغير ذلك من منجزات الإنسان كفرد أو كمجتمع"
وفي العام 1985عرَّفت منظمة اليونسكو الثقافة بأنها "جميع معارف الإنسان المتعلقة بالطبيعة والمجتمع"(2).
وربما نكون في حاجة إلى التمييز بين ثقافة مثقفة أو ثقافة عارفة، عالمة، وأخرى ليست كذلك، أي غير عالمة، أمية، جماهيرية، ذلك لأن الأولى تنهض على تأطير معرفي لتجارب الحياة، على تسمية لها وقبض معرفيٌّ عليها عبر القراءة والتحليل والاكتشاف والتجريد والتدوين والحفظ في مدونات معرفية، بينما تظلُّ الثانية مسكونةً بالمتخيل، وبالوهم، وبالأيدلوجيا المتراكمة طبقات فوقها، وهو ما يجعلها في حاجة إلى تحليل يؤدي إلى امتلاكها معرفياً، وإلى تشذيب معرفيٍّ يُكْسِبُها قدراً من الرَّشاقة التي تجعلها قادرةً على الخطو في محاذاة الثقافة العارفة، والانخراط في نسيجها.
تبدأ الثقافة من لحظتين: لحظة اكتشاف النار ولحظة اكتشاف القناع، وليس لأيٍّ من هاتين اللحظتين أنْ تقلَّ أهميةً وخطورةً عن اللحظة الأخرى(3).
هكذا تكون الثقافة أوسع من مجرد الإبداع الأدبي والفني أو الفكري، لتصبح حاضنةً لإبداعات وابتكارات جديدة ولوسائل وأساليب وأدوات وطرق عيش، مبتكرة أو منقولة، تشبع حاجة ضرورية أو تكون كمالية تتوخَّى الترفيه أو التزيين أو التجميل، هادفةً في كل حال إلى تيسر الأمور وتسيير الحياة وحل المشكلات وحفظ المآثر والمنجزات، وإشباع الرَّغبات وتلبية الأشواق!
ولعلنا نستطيع، في ضوء ما تقدَّم، أنْ نقول إنَّ الثقافة، في جانب مهم من مكوناتها ودلالاتها، هي حقول من الخبرات والتجارب والمنجزات المؤطَّرة لغوياً ومعرفياً والتي يمكن من خلالها تمييز الهويات!
وربما تكون اللغةُ، بوصفها مؤسسة المؤسسات، هي التي تُحَدِّدُ انتماء الأفراد لثقافة معينة، وربما تكون علاقة كل فرد بلغته هي جوهر العلاقة التي تُساعده على تملك ثقافة معينة، وهو الأمر الذي يعني أنَّ التمكن من اللغة مدخل لا غنى عنه للتمكن من الثقافة، وأنَّ الأنماط اللغوية ليست مجرد أنظمة وأشكال فحسب وإنما هي عوالم بشريةٌ، وبيوتٌ مكتنزةٌ بأشكال الحياة، أي بالثقافة.
 

الهُوِيَّة: لغوياً وفلسفياً:
 

 

يُعرِّف "المُعْجَمُ الوسيطُ" الصادر عن مَجْمَعِ اللُّغة العربية "الهُوِيَّةَ"، فلسفياً، بأنها: حقيقة الشَّيء أو الشَّخص التي تميزه عن غيره. وفي تعريفه لمصطلح "الهُوَ"، من منظور التََّصوف، يذكرُ المعجم أنه "الغيبُ الذي لا يصحُّ شهوده للغير كغيبِ الهُويَّة المُعبَّرِ عنه كُنْهَاً باللاتعيُّن، وهو أبطنُ البواطن". ويذهب المُعْجَمُ إلى تحديد معنى آخر للهويَّة حين تُضاف إلى الكلمة "بطاقة"، أو تُوصف بالنَّعت "الشَّخصية"، لتجعلنا نحصل على المصطلح "بطاقة الهُويَّة" أو "البطاقة الشَّخصية"، المُتَدَاوَلين حديثاً، فيذكرُ أنَّ "الهُوِيَّةَ بطاقة يثبتُ فيها اسمُ الشَّخص وجنسيتهُ ومولدهُ وعمله" (4).
وفي كتابه "التعريفات" يُعَرِّفُ الجرجاني (السيد الشريف علي بن محمد) الهُوِيَّةَ بأنها: "الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق إشتمال النُّواة على الشجرة في الغيب المطلق" (5).
أما قاموس إكسفورد الذي يبدو أنه أحد مصادر تحديث تعريف الكلمات في المعاجم العربية الحديثة، فإنه يُعرِّف الهوية بوصفها "حالة الكينونة المتطابقة بإحكام، أو المتماثلة إلى حدِّ التطابق التام أو التشتابه المطلق. والكينونة، هنا، تتعلَّق بالشيء المادي أو بالشَّخص الإنساني.
وربما نستخلص من العبارات والأمثلة القليلة التي يُوردها قاموس إكسفورد، أنَّ الأمر يتعلَّق بالتطابق التام ما بين باطن الشيء وظاهره، أو بتماثل التجليات الظاهرة لأي كينونةٍ مع جوهرها العميق، بلا انفصام أو انشطار مهما ضئل، بحيث تتبدَّى الهُوٍيَّةُ، في تراسلٍ مع تعريفها الذي يقترحه الجرجاني أو المعجم الوسيط أو معجم أكسفورد، وفي توافق مع التعريف الصُّوفي لمصطلح "الهُوَ"، بوصفها مكونة من خصائص الشيء، أو الشَّخص، المطلقة (أهي المتخيلة والمجرَّدة أيضاً؟)، المشتملة على صفاته الجوهرية التي تجعله مميزاً عن غيره تَمَيُّزاً يُكسبه فرادته وخصوصيته، ويُحدِّد الصُّورة التي يحملها في نفسه عن نفسه، والتي ستؤثِّر، بطريقة أو بأخرى، في تحديد المنظور الذي سيعتمده لإحالة ذاته إحالةً موضوعيةً في العالم، والذي سيُطلُّ من خلاله على الآخرين ليرسم الصُّورة التي سيكونها في نفسه، ولنفسه، عنهم.
وربما يكون لآليات عملية تحوُّل النُّواة إلى شجرة، أو تحوُّل المجرَّد إلى مجسَّّد عبر تنزيل الأفكار والقيم المطلقة وقائعَ عيانيةً وتصرُّفاتٍ يمكن اقتناصها وإدراكها والإمساك بها، أنْ تكون ذاتُ فائدةٍ ونفع في تأويل الصُّورة الاستعارية التي يحاول الجرجاني من خلالها أن ييثير في عقلنا، وربما في مخيلتنا، شبكة من الدلالات التي تمكننا ملاحقتها من القبض على المعاني المفهومية المتشعبة التي يبثُّها مصطلح الهوية، لغوياً وفلسفياً، ومن إدراك المكونات الجوهرية التي تُكْسِبُ هذه المصطلح مفهومه العنيق ودلالته البعيدة. فما الهوية، في هذا الضوء، وما هي مكوناتها؟
الهُوية بنيةٌ مُتَحوِّلة، وقيمٌ جوهرية قابلة للتنزيل:
ليست الهوية بنيةً مغلقةً وإنما هي بنية مُتَحَوِّلةٌ باستمرار، ولكن على محور ثبات! إنها مصطلح يعكس نفسه تحت مجهر الزَّمن ومعاييره، وفي سياق علاقة تبادلية تنهض على تفاعل، متحقِّقٍ أو مكبوح، مع معطيات الوجود ومكونات المحيط، بحيث لا يُمكن التعامل معه بمعزلٍ عن إدراك مناحي تأثُّره بالسلطة الزَّمنية للتاريخ، وبمعطيات حركة الحياة وغايات الحراك، أو السُّكون، الثقافي: الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والقانوني، الخ.
وليست الهوية، في هذا الضوء، واقعاً ثقافياً أو مجتمعياً ناجزاً، وإنما هي قيم جوهرية تتنزَّل في واقعٍ تتجدد فيه بفعل فهم الإنسان وإدراكه وديناميته، وقدرته على مواجهة مشكلات حياته وعصره، وتخطِّى الضَّرورات التي تحكمه، وتحدُّ من مدارات حريته، أو هي قيمٌ جوهريةٌ تكون معرَّضةً لأنْ تفقد جوهريتها إنْ هي جَمُدَت أو ماتت، أو فقدت استمرار كينونتها في مطلق تجوهرت في رحابه، وذلك إنْ توقَّفت عن أنْ تكون قابلةً للتنزيل في واقع الحياة الإنسانية، أو كفَّ الإنسانُ عن قراءة رسائل الوجود، أو استمرأ العيشَ في حاضرٍ من الإغراق في الجهل، والرَّكون إلى حائط زمنٍ أفقي لا يعرف كيف يكون زمناًً حاشداً موَّاراً بالحياة، أو تماهى بماضٍ تستحيلُ استعادته، أو بمستقبل لا يُمكن الوصولُ إليه!
ولأنَّ الهوية هي القيم المطلقة والخالدة التي تسهمُ في صوغ حقيقة الإنسان الممكنة كحقيقةٍ تتأسَّس عليها إمكانية ذهابه في رحلةٍ تحمله إلى كمالٍ مُحتمل؛ ولأنَّ الهُويةَ تُماثل النُّواة (أو البذرة) من حيث ممكنات تحوِّلهما إلى شجرة أو نبتة، حيث كلاهما جوهرٌ كامنٌ قابلٌ للانخراط في صيرورةٍ تُحوِّله، فإنَّ الهوية هي ثابتُ الإنسان وتحولاته، أو هي جوهره المجرَّد وتجلياته العيانية الممكنة، والمتغايره، والمتحوِّلة في سياق صيرورة دائمة.
إنها، إذنْ، حقيقتنا التي تحتاج جهدنا الإنسانيٍّ الدَّؤوب كي تتجسُّد في الوجود عبر طموحنا اللاهب وقدرتنا الخلاَّقة على إحالة ذواتنا إحالةً موضوعيةً في العالم. وهي قيمنا المتعالية، المجردة، المطلقة، التي تتوق إلى التنزُّل في الحياة العملية عبر وقائع فعليةٍ وأنماط سلوك ومواقف وتصرُّفات، وبرامج عملِ تؤسِّس حقائق حضارية ثقافية واجتماعية وفكرية واقتصادية وسياسية الخ.
وتأسيساً على ذلك، فإنَّ للهوية، باعتبارها منظومةَ قيمٍ مُطْلقةٍ وبنيةً مُتَحوِّلةً في آن معاً، وظيفةً حضاريةً تفضي بالإنسان إلى صعود مراقي التطوُّر والتقدُّم والازهار، وتنجز أهدافاً في تحفيز مسيرة الرُّقي الإنساني، وفي بناء حضارة البشر على نحوٍ يمكِّن الإنسان من الاستمرار في رحلة وجودية تحمله من كمالٍ متحقَّقٍ إلى كمالٍ محتمل.
وتأسيساً على، فإنَّ قراءة الهوية، ومُسَاءَلتها، ليست مجرَّد عملية تنتمي إلى ترفٍ فكريِّ زائد عن الحاجة، وإنما هي نشاطٌ إنسانيٌّ ضروري ينبغي له أن يكون دؤوباً كي يُسهم في تجديد الهوية والارتقاء بها والإعلاء من شأنها عبر إحسان عملية تنزيل مطلقاتها في واقع الحياة الإنسانية: من أنا؟ وكيف صرتُ على ما أنا عليه؟ ما هي العناصر التي تُشكِّل هُويتي؟ ما ثابتها وما متحولها؟ وعلى أي محور ثابت تحدث تحولاتها؟ وكيف يُمكن لمنظومة القيم المطلقة التي تشكِّل عناصر ثابتة في هويتي أن تترجم إلى تصرفات وأفعال وأنماط سلوك؟ إلى برامج عمل تعالج مشكلاتي الوجودية (الوطنية والإنسانية والحياتية اليومية) ووقائع تستجيب لضرورات وإشكاليات وجودي، وشروط واقعي، وطموحي الإنساني الهادف إلى توسيع مدار حريتي؟
ومع أنَّ الإنسان في حاجة إلى إعمال مخيلته كي يحلم بهوية يتطلَّع أن يكونها، وكي يرسم لنفسه خطة عمل لمستقبلٍ قلبل للتحقيق، فإنَّه يحتاج إلى استبعاد ذلك عندما يعمد إلى قراءة الهوية ومساءلتها، إذْ ليس لأي قراءة تنحكم إلى أي نمطٍ من أنماط التفكير الرَّغائبي، أو الخيالي الجامح، أو السكوني الجامد، إلا أنْ تأخذ الإنسان بعيداً عن حقيقته، وتبعده عن معرفة ذاته معرفةً يصحُّ أن تُعرَّف بأنها "رأس المعرفة.

العولمة واثارها الثقافية

فإن ظاهرة العولمة الثقافية من أهم القضايا المعاصرة التي امتد تأثيرها ليشمل قطاعات واسعة جدًّا من أبناء المسلمين وبناتهم.
ونظرًا لتأثيرها المباشر على العقيدة الإسلامية، والمبادئ والقيم الدينية المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد رغبت في دراستها آخذًا بعين الاعتبار انقسام الباحثين في موقفهم منها إلى: طرفين ووسط؛ فمنهم من رآها شرًّا محضًا يجب رده بالكلية دون استبصار رشيد بمضمونها وآثارها، ومنهم من رآها خيرًا كبيرًا وفرصة واعدة لنشر الثقافة الإسلامية والتحاور مع أصحاب الثقافات الأخرى .
وتوسط قوم فدرسوا هذه الظاهرة بإنصاف وتجرد, وفرقوا بين وسائلها وبين مضمونها, كما فرقوا بين دعايات مروِّجيها وبين واقعها الحقيقي, وثمة سؤال يطرح أحيانًا بين الباحثين: هل العولمة الثقافية قدر نافذ لا سبيل إلى رده أو دفعه، أم أنها مجرد نمر من ورق يوشك أمره على الافتضاح؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه من خلال الصفحات التالية.سائلاً الله الإعانة والتوفيق والهداية والرشاد.

العولمة:- وصف لظواهر متعددة يجمعها جعل العالم متقارباً مثل التقدم المذهل في وسائل الاتصال والمواصلات والفضائيات والإنترنت، والانفتاح المعلوماتي، مع سلطة القطب الواحد (أمريكا بقيادة صهيونية) الذي يسعى لعولمة اقتصادية وعسكرية تحقق مصالحه كما يسعى لعولمة ثقافية بفرض قيمه وثقافته (وهذه النقطة هي ما تعنينا) حول عولمة الثقافة المهدرة للهوية.
العولمة نموذج من مخططات الاستعمار التي نبه عنها وكتب فيها، الأمير شكيب أرسلان رحمه الله، وهذا قبل ظهور مصطلح العولمة، وقد كتب يقول: غوليامو فرير الفيلسوف الكاتب الإيطالي الشهير في علم الاجتماع والتاريخ لا في إيطاليا فحسب بل في أوروبا بأجمعها، وإذا كتب كتاباً أو نشر مقالة تجاوبت لها أصداء الشرق والغرب وتركت دوياً. نشر الفيلسوف المؤرخ المشار إليه كتاباً أخيراً باسم ”وحدة العالم“ لا يزيد على مئات معدودات من الصفحات طاف فيه على جميع الحوادث الجارية على سطح الكرة الأرضية، ودقق في مصادرها وأسبابها، فذهب إلى أنها مع تناقضها وتصادمها بعضها ببعض سائرة في الحقيقة على نظام ثابت مستقيم، ووصل إلى هذه النتيجة وهي:
أن مشروع الفتح والامتداد الذي يتابعه العالم المتمدن ”أي الأوروبي“ منذ أربعة قرون، والذي بدأ بطيئاً وانقلب سريعاً في آخر الأيام، يظهر للمتأمل أنه آيل إلى ”توحيد العالم الإنساني“ ولم يكن هذا ”التوحيد“ ليتم بدون جهد وبدون بلاء، لأن البشر خلقوا أطواراً، وبينهم من التدابر والتقابل ما يؤذن بالأخذ والرد والعكس والطرد، وهناك أسباب عديدة للحب والبغض والقرب والبعد، مع هذا كله تجد العالم سائراً إلى الوحدة، فإذا نظرنا إلى كيفية النظام السائد الآيل إلى هذه الوحدة وجدنـاهـا: بالإنجيـل، وبالسيف، وبالإفناء، وبتبادل المساعدات، وبتبادل طلقات المدافع ....
ثم يقول: هذه خلاصة نظريات الفيلسوف الإيطالي فريرو، وظاهر أنه يقصد بالإنجيل ”الثقافة الغربية“ التي هي وحدها تمشي في آسيا وأفريقيا وفي يدها الواحدة ”السيف“ وفي الأخرى ”ضماد للجرح“، وهي وحدها تفتنُّ في رق استئصال البشرية، وفي طرق توفير صحة البشر، تجمع في وقت واحد بين الضدين، وهي التي بين يديها الجندي من جهة، والقسيس من جهة أخرى.
وأخيراً هل العولمة أمر حتمي .. نعم ولا ، نعم باعتبار ما وصلنا إليه، ولا باعتبار ما أمكننا مقاومتها لأنها متغيرة وإمكانية الحد من آثارها.
 

الهوية والعولمة

توجد بين مفهومي الهوية والعولمة وشائج علاقات جدلية فريدة من نوعها في طبيعة العلاقة بين المفاهيم والأشياء .إنهما مفهومان متجاذبان متقاطبان متكاملان في آنٍ واحدٍ . وفي دائرة هذا التجاذب والتقاطب والتكامل ، يأخذ مفهوم الهوية على الغالب " دور الطريدة بينما يأخذ مفهوم العولمة دور الصيّاد "حسب تعبير الدكتور علي وطفة ( 1)
فالعولمة تطارد الهوية وتلاحقها وتحاصرها وتُجْهز عليها ثم تتغذّى بها ، وفي دائرة هذه المطاردة تعاند الهوية أسباب الذوبان والفناء وتحتدّ في طلب الأمن والأمان ، وتتشبث بالوجود والديمومة والاستمرار .
إن العولمة تعني ذوبان الخصوصية والانتقال من الخاص إلى العام ، ومن الجزئي إلى الكلّي ، ومن المحدود إلى الشامل .وعلى خلاف ذلك يأخذ مفهوم الهوية اتجاها متقاطبا كليا مع مفهوم الشمولية والعمومية ؛ فالهوية انتقال من العام إلى الخاص ، ومن الشامل إلى المحدود ..إذْ تـبحث عن التمايز والتباين والمشخص والمتفرد والمعيّن ..أما العولمة بحثٌ عن العام والشامل واللامتجانس واللامحدود .
قضية العلاقة بين مفهوم الهوية والعولمة طُرحت على أكثر من صعيد ولا تزال تطرح لكونها من أهمّ القضايا وأكثرها صعوبة وتعقيدا وأقربها حضورا في عمق الجدل الدائر ليس لدى النخبة الثقافية والسياسية فحسب ، بل حتى لدى العديد من الناس العاديين ، ذلك أن انعكاساتها الفكرية والمعنوية ونتاجاتها المادية اقتحمت كل مجالات الحياة .
يذهب بعض المفكرين والباحثين إلى أن العولمة فعْلٌ يقلص امتداد الكون في هوية واحدة متجانسة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا .العولمة وفقا لهذا الرأي تعمل على بناء ثقافة واحدة ، وتسعى إلى تذويب الحدود والحواجز الثقافية والفكرية والاقتصادية بين الأمم .إنها سعْيٌ محموم لبناء المجتمع الإنساني على مقياس الثقافة الواحدة والحياة الاقتصادية الواحدة ، وبالتالي فإن ثقافة العولمة هي ثقافة الشركات العابرة للجنسيات والقوميات والثقافات  من انجاز:            عزيز نجيد.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات