مواضيع اليوم

ملف الجغرافيا:ابتسام ايت عدي

بنعبدالعزيز 2emebacsh2

2010-01-06 18:45:39

0

 

ملف العولمة والهوية الثقافة

تقديم المحاور:

المحورالأول:جانب المفاهيم ؛العولمةوالهوية والثقافة .
المحور الثاني:العلاقة بين المفاهيم المذكورة.
المحورالثالث :آليات وظواهر العولمة

ما هي العولمة؟

 

العولمة في اللغة مأخوذة من التعولُم ، والعالمية ، والعالم .
وفي الاصطلاح تعني اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع أقوامها وكل من يعيش فيها وتوحيد أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق . ليس هناك تعريف جامع مانع لها ، فهو مصطلح غامض في أذهان كثير من الناس ،ويرجع سبب ذلك إلى أن العولمة ليست مصطلحاً لغوياً قاموسياً جامداً يسهل تفسيرها بشرح المدلولات اللغوية المتصلة بها ، بل هي مفهوم شمولي يذهب عميقاً في جميع الاتجاهات لتوصيف حركة التغيير المتواصلة . ولكن مما يلاحظ من التعريفات التي أوردها الباحثون والمفكرون التركيز الواضح على البعد الاقتصادي لها ، لأن مفهوم العولمة بداية له علاقة وطيدة بالاقتصاد والرأسمالية وهذا ما جعل عدداً من الكتاب يذهبون إلى أن العولمة تعني : تعميم نموذج الحضارة الغربية – خاصة الأمريكية – وأنماطها الفكرية و السياسية والاقتصادية والثقافية على العالم كله

ما هي الهوية ؟

هي مجموع السمات التي تميـّز الشيئ أو الشخص أو المجموعة عن غيره من الأشياء أو الأشخاص أو المجتمعات , جذرها اللغوي من "هو" الهوية مفهوم يختلف تعريفه بإختلاف مجاله, مثلا الفلسفة تعرفها بأنها مصطلح يدل على مايكون به الشيء نفسه, وعلم الإجتماع يعرفها تحت مسمى الهوية
الجمعية وهي تدلّ على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من الناس، تميّزهم عن غيرهم من المجموعات. أفرادها يتشابهون بميزات أساسية كوّنتهم كمجموعة، ويختلفون في عناصر أخرى لا تؤثر على كونهم مجموعة. علم النفس يعرفها تحت مسمى الهوية الشخصية وهي تعرّف شخصاً بشكله واسمه وصفاته وسلوكه وانتمائه وجنسه. نفهم من مختلف
هذه التعريفات أن الهوية مجموع مايكوننا كإنسان , الدين الذي نعتنقه , الوطن الذي نحمل جنسيته

ما هي الثقافة ؟

هي مفهوم اجتماعي يعكس مدى معرفة أبناء المجتمع للمنظومة الاجتماعية التي يعيشون فيها من عادات وتقاليد ولغة وأعراف ومكتسبات ونظم اجتماعية سائدة تطغى على مكونات الشخصية والسلوك لأفراد المجتمع سواء كان مجتمعاً محافظاً أو انفتاحياً كما يحلو للبعض تسميته. المهم أن هذه المكتسبات الشخصية والأطر العامة التي تحرك السلوك العام في المجتمع ولأفراده أن - لا تتداخل مع - ولا تخل بالثوابت العامة والرئيسية التي قام عليها المجتمع من تشريعات
وقوانين وضعية أو عقائدية دينية أو..الخ. وينبغي على أفراد المجتمع أن يتماشوا أيضاً مع التوجه العالمي في
حدود هذه الأعراف السائدة والتأقلم مع التجديد الحاصل في المجتمعات الخارجية بهدف التطوير والتعايش البناء.
أنها عملية متجددة دائمًا لا تنتهي أبدًا، وبذلك تنفي تحصيل مجتمع ما العلوم التي تجعله على قمة السلم
الثقافي؛ فكل المجتمعات إذا استوفت مجموعة من القيم الإيجابية التي تحترم الإنسان والمجتمع، فهي ذات ثقافة
تستحق الحفاظ عليها أيَّا كانت درجة تطورها في السلم الاقتصادي فلا يجب النظر للمجتمعات الزراعية نظرة دونية، وأن تُحترم ثقافتها وعاداتها. إن الثقافة يجب أن تنظر نظرة أفقية تركيبية وليست نظرة رأسية اختزالية؛ تقدم وفق المعيار الاقتصادي -وحده- مجتمع على آخر أو تجعل مجتمع ما نتيجة لتطوره المادي على رأس سلم الحضارة.

العلاقة بين العولمة والهوية والثقافة

تستلزم عولمة التنميط الاجتماعي و الثقافي و السياسي تبعا لعولمة دائرة الإنتاج. و إعادة الإنتاج تلك في إطار سيطرة الرأسمال العالمي الموجه من قبل الشركات العابرة للقارات التي يتناقض وجودها مع الأنماط الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي تجسدها الهويات المحلية، و لذلك :
فإن الهوية هي كل المقومات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية المجسدة للخصوصية المحلية التي يمكن أن :
تندرج في إطار العولمة بحكم التعبية و القبول بتعليمات المؤسسات المالية الاحتكارية الدولية، كصندوق النقد الدولي،
و البنك الدولي، و منظمة التجارة العالمية، التي تملي على البلدان التابعة ما تتبعه في سياستها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.
فالهوية لا تبقى مفصولة عما يجري في العالم، فهي تدخل مباشرة في تفاعل مع ما هو إقليمي و قومي و عالمي،
وخاصة في هذا العصر الذي اصبح كل شيء حاضرا معنا و قريبا منا.
و تزداد درجة التفاعل تلك بارتفاع المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي للشعب حامل الهوية. و تبعا لذلك فالهوية لا تنجو من التأثر بالعولمة :
أ- على مستوى اللغات و اللهجات التي ستتراجع أمام اللغات الحية المعتبرة في تدريس الآداب و العلوم و الفنون و التقنيات و بقية المعارف الأخرى، ما لم تكن اللغة المعبرة عن الهوية إحدى تلك اللغات الحية، و تحتل إلى جانبها صدارة التطور.
ب- على مستوى القيم الدينية و الوطنية التي ستكون مهددة بقيم وافدة لا تقوى القيم المحلية على الصمود أمامها.
ج- على مستوى العادات و التقاليد و الأعراف التي قد تحل محلها عادات و تقاليد و أعراف وافدة لا علاقة لها بالهوية المحلية.
د- على مستوى التاريخ النضالي للشعب حامل الهوية الذي قد يتعرض للتشويه الممنهج، و بدل أن يبقى مفخرة للشعب يتحول بفعل ذلك إلى مذمة.
_ و بناء على تفاعل الهوية بقيم العولمة فإنه يطرح سؤال عن مصير الهوية أمام تحديات العولمة :
أ- على المستوى اللغوي نجد أن لغات العلوم و التقنيات على المستوى العالمي و الإعلامي ستخلق اهتماما خاصا بها، و ستجد اللغة المحلية نفسها تتدحرج إلى الخلف، معانية من الإهمال على جميع المستويات ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتها و رفعها إلى مستوى اللغات الأكثر تداولا.
ب- و على مستوى القيم فإننا نجد أن القيم الجديدة الوافدة عبر وسائل الإعلام المختلفة و عبر التكنولوجيات المتطورة ستغطي على قيمنا المحلية، و سنجد أنفسنا ممسوخين، لا نملك القدرة على الصمود أمام الوافد من قيم الحداثة التي تمتد
لتشمل كل مجالات الحياة ما لم يستنفر المجتمع لحماية قيمه الأصيلة، و العمل على تطويرها لتتناسب مع الواقع الجديد.

بين العولمة و الهوية التقافية:
 

وبما أننا نتحدث في هذه المقالات عن الهوية في إطار العولمة، فقد ينبغي أن نبدأ أولاً برسم إطار عام للعلاقة بين العولمة والهوية الثقافية بشكل عام.
وأول ما ينبغي تأكيده هنا، هو أن الثقافة لا يمكن أن تقع تحت
مقولة العولمة لسبب بسيط، هو أنه ليست هناك ثقافة عالمية واحدة، بل ثقافات... ونحن نقصد بـ"الثقافة" هنا: ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات
والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية ما، تشكل أمة أو ما في معناها، بهويتها الحضارية، في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء. وبعبارة أخرى إن الثقافة هي "المعبر الأصيل عن
الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم، عن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت، والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده، وما ينبغي أن يعمل وما لا ينبغي أن يأمل".
تلزم عن هذا التعريف، لزوماً ضرورياً، النتيجة التالية، وهي أنه: ليست هناك ثقافة عالمية واحدة، وليس من المحتمل أن توجد في يوم من الأيام، وإنما وجدت، وتوجد وستوجد، ثقافات متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية، أو بتدخل إرادي من أهلها، على الحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة. من هذه الثقافات ما يميل إلى الانغلاق والانكماش، ومنها ما يسعى إلى الانتشار والتوسع، ومنها ما ينعزل حيناً وينتشر حيناً آخر.
والهوية الثقافية هي في الغالب مستويات ثلاثة: فردية، وجمعوية، ووطنية قومية. والعلاقة بين هذه المستويات تتحدد أساساً بنوع "الآخر" الذي تواجهه. إن الهوية الثقافية كيان يصير، يتطور، وليست معطىً جاهزاً ونهائياً. هي تصير وتتطور، إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم، بانتصاراتهم وتطلعاتهم، وأيضاً باحتكاكها سلباً وإيجاباً مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما.
وعلى العموم، تتحرك الهوية الثقافية على ثلاث دوائر متداخلة ذات مركز واحد:
- فالفرد داخل الجماعة الواحدة، قبيلة كانت أم طائفة أم جماعة مدنية (حزباً أم نقابة... إلخ)، هو عبارة عن هوية متميزة ومستقلة. عبارة عن "أنا"، لها "آخر" داخل الجماعة نفسها: "أنا" تضع نفسها في مركز الدائرة عندما تكون في مواجهة مع هذا النوع من "الآخر".
- والجماعات، داخل الأمة، هي كالأفراد داخل الجماعة، لكل
منها ما يميزها داخل الهوية الثقافية المشتركة، ولكل منها "
أنا" خاصة بها و"آخر" من خلاله وعبره تتعرف على نفسها
بوصفها ليست إياه.

آليات وظواهر العولمة:

من المعروف أن العولمة ما هي إلا نظام رأسمالي متطور .. وقد كانت الرأسمالية تعتمد في توجهاتها نحو
هدفين لا ثالث لهما ظلا كثوابت استراتيجية .. بالرغم من التغيرات الداخلية خاصة ما يتصل بالآليات
المستخدمة لتحقيق هذين الهدفين وهما أولا التركيز على التجديد والتطوير والإبداع في داخل النظام الرأسمالي ذاته بهدف تحقيق نمط نموذجي بالقوة العسكرية أو الاقتصادية والحضارية والسياسية1 .. والتي يتميز بها عن أي نظام آخر يمكن أن ينافسه .
أما الهدف الثاني فيتمثل في تأكيد الهيمنة الخارجية من أجل تحقيق الهدف الأول2 .. وما كان من مشروع الهيمنة ودعمها سوى تكريس التخلف وتراكمه في الدول الأخرى والتي احتلت موقع التابع للمركز القوي المتمثل في القوى العظمى وملحقاتها .
وكان لا بد لفرض الهيمنة وتسهيل شروطها لتشمل أكبر عدد ممكن من الدول إيجاد آليات سريعة وفعالة كالتطورات التقنية وتطور أدوات الاتصال والمعلوماتية الحديثة التي عملت على إمكانية الهيمنة لتتجلى على صعد مختلفة من اقتصادية وسياسية وثقافية .. إذ من خلال هذه التطورات أصبح من الممكن التعامل والإطلال
على ثقافات قومية وأوضاع اجتماعية متميزة .. وكانت المهمة الأولى للعولمة هي تدويل الاقتصاد وتدويل رأس المال وقوة العمل والإنتاج وأيضا تدويل أنماط الاستهلاك وتدويل الثقافة كذلك .
وقد كان تدويل رأس المال الاقتصادي من خلال خلق سوق مشتركة أو موحدة أي توحيد أسواق الإنتاج والاستهلاك وتدعيم أواصر الصلة بين مصالح الفئات
الأكثر اهتماما ونشاطا بل والأكثر قوة على إدارة العملية الاقتصادية وتداخلها .. والموجهة للأنشطة الإنتاجية في الدول المختلفة .. وهو ما لق نوعا من
الحراك الاجتماعي أثر على البنى التقليدية في المجتمعات التابعة الأقل تطورا .. مما أدى في المرحلة الحالية إلى ظهور متزايد ومضطرد للبطالة واتساع
الفجوة إن كان بين الدول ذاتها أو بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة على مستوى الدولة
الواحدة .. فقد أدت حرية انتقال السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود .. دون أي قيود .. إلى الإقلال بل الاستغناء عن اليد العاملة ومن ثم ظهور مشكلة العمالة التي أصبحت من أهم العوامل الأساسية لظهور البطالة وتفشيها بصورة واسعة على مستوى العالم كله .. مما نتج عنه فارقا طبقيا بينا نتيجة تفاوت توزيع الدخول .. وتفتيت البنية الاجتماعية . وانطلاقا من هذا يرى مؤلفا الكتاب ( فخ العولمة ) أن المنافسة المعولمة أصبحت تطحن الناس طحنا .. وتدمر التماسك الاجتماعي .. وتعمل على تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس3 . فإذا كانت العولمة تعد رديفا لتنامي الرأسمالية عبر أربعة قرون الأخيرة .. فما الذي استدعى أو استجد راهنا ليستدعي حضورها الطاغي ؟

الآليات المباشرة :
أولا / تحرير السوق والليبرالية والخصخصة :

من الأسس الاستراتيجية الهامة في دعم النهج الاقتصادي الأمريكي أو الغربي عامة هو خلق مجال أو دائرة قابلة للتوسع بما يخدم الأهداف المستقبلية الغربية .. وقد كانت هذه الآلية والتي تعتمد على تحرير السوق والليبرالية الجديدة والخصخصة من أهم الآليات الاقتصادية التي تفعل فعلها في توكيد منهجية أو
تأسيس هيكلة اقتصادية قادرة على الإيفاء بكل ما تحتاجه السوق الأوروبية – الأمريكية لدعم منتجاتها
وضمان تسويقها على نطاق واسع مما يعمل على اشتغال رأس المال وزيادة مردوده المادي .. وهو ما أدى على زيادة الاهتمام والاعتماد على قانون العرض والطلب والذي كانت له تأثيراته البعيدة المدى في خفض الأيدي العاملة وخفض الأجور وغياب الرفاهية ..
فرأس المال ( كتلة أنانية تتحرك في كل الجهات باحثة عن الربح والزيادة والتكديس ) .. وهو المادة الوحيدة أو
هو الشيء الوحيد الهتم والذي لا بد من تنميته دون الاهتمام بالحدود أو البلدان أو الشعوب إلا بقدر ما تنفعها .
هذا إلى جانب الانفتاح الاقتصادي وإلغاء التعريفة الجمركية .. وتحرير التجارة وإقامة التكتلات الكبرى من الشركات العابرة للقوميات .. والبحث عن الأسواق في أي بقعة من العالم .. كل هذا يسرع في تنمية وإنضاج مسيرة العولمة .. وتندرج في هذا الإطار السوق الأوروبية المشتركة والوحدة النقدية الأوروبية اللاحقة .. وقد ردت الولايات الأمريكية وكندا والمكسيك بأن قامت بدورها بتأسيس منطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية المسماة بالنافتا 4 .

ثانيا / إنشاء المؤسسات الليبرالية :

( الشركات العابرة للقارات ( أو ( الشركات المتعدية الجنسية ) أو ( الشركات المتعددة الجنسية ) أو ( صندوق النقد الدولي ) أو ( البنك الدولي ) أو ( منظمة التجارة العالمية ) هي المؤسسات الرئيسية أو الهياكل الاقتصادية المركزية التي تجسد الليبرالية الجديدة في صورتها المتطرفة .. وهي تعني – ضمن ما تعني – موتا محققا للعالم الثالث5 ..
والتي تتحدد مصالحها من خلال ما تتخذه من استراتيجيات ( معولمة ) بكسر اللام .. لها نهجها الخاص
لفرض قوانين مالية لها فاعليتها في مجال ( السوق , وتداول العملات , وتبادل المصالح , وترويج السلع )
خاصة وأنها تعتمد في تطورها على ( الاستفادة من فروق الأسعار أو نسبة الضرائب أو مستوى الأجور .. انتهاءً بتركيز الإنتاج في المكان الأرخص ونقله إلى الاستهلاك في المكان الأعلى على مستوى الكرة الأرضية .. ولم لا والعولمة هي صناعة الأسواق التي
تضمن عالمية التصدير والاستيراد6 .
فمثلا الشركات المتعددة الجنسيات تتكون من عدة فروع تتوزع أنحاء العالم من خلال الإنتاج والتمويل
والتصدير والتوزيع .. مما جعلها تتسم بعدم التمركز في مكان واحد وبالتالي تتخذ لها مواقع متفرقة وكثيرة .. فهي مثلا تقوم باستخراج المادة الخام من بلد معين وفي بلد آخر تقوم بتحويله على مادة وسيطة .. لتنتجه على شكل مادة نهائية في بلد ثالث .. وهكذا كما أن هذه الشركات تعتمد على رؤوس أموال كبيرة لإنجاز مشاريعها .. لذا تستطيع هذه الشركات تحريك أو تسيير أموالها بحرية بفضل قوانين حرية التجارة العالمية .. من أي مكان لأي مكان آخر .
أما ( صندوق النقد الدولي ) و( البنك الدولي ) و ( منظمة التجارة العالمية ) فقد أنشئت بهدف صك القوانين التي من خلالها يمكن تسيير العالم تبعاً لأهداف الرأسمالية العالمية .. أو تبعاً مع ما يتماشى
وشروط الشركات المتعدية الجنسيات .. وهي بذلك تمثل مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية عابرة القوميات تكرسها سياسياً واقتصادياً سياسات وقوانين هذه المنشآت العالمية .. وحيث وكما قلنا سابقا أن هذه المنظمات تمتلك فعالية كبيرة في رسم وتوجيه السياسات الداخلية في معظم بلدان العالم .. ولا شك أن لمثل هذه التوجهات آثار اجتماعية كبيرة على أوضاع المجتمع المدني .. حيث تؤدي برامج وشروط صندوق النقد الدولي فيما يسمى ببرامج التكيف الهيكلي في
العديد من البلدان إلى انفجارات اجتماعية كبرى آخرها ما حدث في أندونيسيا واليمن 7.. ولكن لنا أن نسأل
علام تقوم سياسات هذه المؤسسات والمنظمات ليصبح لها هذه القوة وهذه الإمكانات في التحكم المباشر في العالم كله عبر الحدود ..؟ أو ما هو مصدر نشأتها وتكوينها !؟ وهذه القوة كيف تأخذ لها هذا الموقع الاستراتيجي وما هي سبل الهيمنة وسلطتها
..؟ نستطيع أن نجيب على هذه الأسئلة من خلال الواقع الذي تعايشه هذه الدول .. حيث نجد أن هذه المؤسسات قد اصبح لها وجودها الفعلي في كافة
أنحاء العالم ومن خلال إحكام قبضتها على أوجه النشاط الاجتماعي كافة استطاعت أن تقبض أيضا على سبل التنمية الاجتماعية فيها .. دون أن تبذل أدنى مجهود في ذلك .. مستغلة مفهوم التجارة كآلة من آلات المجتمع الضرورية والحيوية .وقد حددت هذه المؤسسات في برنامج عملها عدة توجهات ضرورية تعتبر ألوى مهامها الرئيسية : أولا / لقد اتجهت هذه الشركات – ورغبة في الربح الكثير والسريع – على إقامة مصانعها وخطوط إنتاجها في الدول النامية .. بالأخص الفقيرة وذلك لوجود سوق العمالة الرخيصة .. حيث أن البلدان المتقدمة والتي تأسست فيها هذه الشركات ليس لها من دور سوى الأرباح بتقليل التكلفة
ثانيا / كما اتخذت لذلك السبب وسيلة ( تصدير فرص العمل إلى الدول الفقيرة أو دول الجنوب ) حيث التكاليف من استعمال العمال ورسوم الضرائب منخفضة كثيرا عن دول الشمال .. وبالتالي تحقيق ربحية أكبر .. إلى جانب تسخير هذه الدول لتصنيع المواد الأولية للصناعات الكبيرة في الدول الرأسمالية .
ثالثا / - وبناءً على إمكانية التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات استطاعت هذه المؤسسات التحكم في
توزيع الإنتاج على أماكن مختلفة من العالم .. ومن ثم التحكم في توزيع المنتجات والخدمات .. بحيث أصبحت
الصناعات المحلية لا قيمة لها بالضرورة .. بالقياس إلى المنتجات العالمية .
رابعا / من خلال ما تنتهجه من سياسة توزيع الدخل والإنتاج .. تمكنت من توقيع الكثير من العقود بينها وبين تلك الدول .. أو بينها وبين تلك المناطق التي تسمى بأماكن ( الإنتاج المفردة ) وبهذا تستطيع أن تمارس معاملاتها المادية التجارية بأقل التكاليف .. من دفع
للضرائب أو دفع رسوم المنشآت الأساسية التي تنشئها .. كما أنه في إمكانها فرض عقوبات كيفما ترى على الدول الوطنية التي ترفع أسعارها أو تحاول
معاداتها لأي استثمار لهذه المؤسسات فيها .. كما أنه بإمكانها سحب استثماراتها من بلد لآخر حسب ما تفرضه مصلحتها مما يتسبب عنه فقدان الآلاف من العمال لوظائفهم ويكون ذلك سبباً مباشراً لتفشي البطالة والفقر .
خامسا / تعمل هذه المؤسسات والمنظمات على أن تفصل ما بين الدول التي تشكل مناطق للإنتاج وتلك المناطق التي تجعلها مجالاً لاستثماراتها المالية .. وتلك المناطق التي تقيم فيها بنشاطها الذاتي وهي الأمكنة الأكثر جمالا .. وذات الضريبة الأكثر رخصا8 ..

ثالثا/ الهيمنة الاقتصادية :
 

المقصود بالهيمنة الاقتصادية هو السيطرة أيديولوجيا واحدة على كل مناحي الحياة في كل بلاد العالم .. ويأتي ذلك من خلال منهجية التغلغل الداخلي وذلك بصياغة نمط رأسمالي يراد أن يكون هو النمط الوحيد الذي يؤخذ به داخل بلدان العالم .. وبالأخص البلدان النامية أو العالم الثالث .. حيث أن هذه السيطرة ستفض ي على أن تكون منظومة الرأسمالية هي المنظومة التي ستحد من تطور تلك الدول ويؤدي بها إلى التبعية اللازمة والضرورية لتأكيد مفهوم الهيمنة
وترسيخ فاعليتها وذلك من خلال إعاقة أي مظهر من مظاهر النمو الاقتصادي المحلي بأن تأخذ بسبل تطوير
نمط الإنتاج القديم على نمط الإنتاج الرأسمالي – الصناعي .. كما حدث في المجتمعات الغربية .. وقد تمت هذه الإعاقة أولا عن طريق ( استنزاف فائض الإنتاج وتصديره على الخارج وعدم السماح بتراكمه داخلياً )9. ثانيا بأن اتجهت لتدمير الصناعات الوطنية التي يمكن أن تنافس المنتجات الصناعية للبلدان الاستعمارية في الأسواق المحلية والعالمية بأن
أغرقت الأسواق المحلية بالسلع والمنتجات المستوردة .. هذه الهيمنة الاقتصادية تسهل عملية الاستلاب لأدوات هذه الدول والحد من إمكانات التطوير لكل ما
يفيد العولمة وأهدافها الإمبريالية المباشرة .

الآليات غير المباشرة أو الداعمة:
أولا / الهيمنة السياسية :

من الواضح أنه – ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي – أمريكا تسعى لأن تنفرد بالشأن السياسي العالمي دون أن يكون هناك منافسا لها في إصدار القرارات .. أو
قطباً يعيد للعالم التوازن المطلوب .. ومنذ تلك اللحظة وهي تسعى لأن تحافظ على مصالحها دون أن تقيم أي اعتبار لأي دولة غيرها .. لذا كان من ضرورات هذا المطلب أن تسعى إلى تغيير سياسات العالم كله .. وبأن تتبنى نموذجا يراعي مصالحها ويحرص عليها .. فما كان منها إلا أن صكت قوانين تجارية ترمي إلى استلاب الدول أو الحكومة بمعناها الواسع حقها المشروع في القيام بواجباتها ومسؤولياتها التقليدية أو المعروفة .. وما ذلك إلا لتسهيل ما تنويه أو ما تخطط له من فرض لسيطرتها وهيمنتها .
إذا فإن الغرض من هذه الهيمنة السياسية هو سحب
الامتيازات الخاصة بـ ( الدولة ) أو ( الحكومة ) وذلك بأن ذلك يجعل منها سلطة غير قائمة بالفعل .. فهي
استراتيجية ضرورية لنفوذ المشروع الليبرالي ( العولمي ) .. فعندما تضيع السلطة الوطنية والقومية إشرافها على شؤون الاقتصاد والتجارة والإعلام وتتركه .. ( مخيرة ) أو ( مجبرة ) لصالح الشركات العابرة للقارات ولفوضى السوق والتنافس الأعمى .. فإن هذا يقود إلى دمار الهياكل الاقتصادية .. وضعضعة الاستقرار .. وحلول مجتمع المخلب والناب .. لذا فإن استعادة الإرادة السياسية على الاقتصاد هي المهمة المستقبلية الأساسية 10.. فقد تم توظيف ( الانحسار
التدريجي لسلطة الدولة مما أدى إلى فقدان الدولة حتى في البلدان الصناعية الكبرى لأدوارها الوظيفية الأساسية .. إلا أن ذلك أثر بشكل أخطر على الدول الأقل نمواً حيث فقدت الدولة مصداقيتها في النهوض
بمواطنيها11 ) فمن الواضح أن جميع القادة السياسيين – رغما عنهم – لم يعودوا يمتلكون الكثير من المجالات السيادية الفعلية التي من أولوياتها اتخاذ القرار .. إلا أنهم يتصورون بأنهم قادرون على حل المسائل الرئيسية12 .. وما يدل على ذلك أن الأزمات الدائمة في المالية الحكومية ليست سوى مظهر واحد من بين المظاهر الكثيرة للانحطاط السياسي .. فإلى جانب افتقاد الدولة للسلطة .. حيث يندفع مرتكبو الجرائم المتعدية الجنسية 12 .. حيث يسهل انتشار كافة ألوان الانحرافات الأخلاقية والسلوكية وتفشي صور لا حد لها من الجريمة وذلك للانتفاع فيما يعمل على ترويج المخدرات وكل ما هو قادر على تراجع الشعوب وتخلفها وبقائها في صفوف التابع للمراكز الاقتصادية العالمية الغربية .
كما أن كثير من المفاهيم السياسية قد فرغت من مضمونها الحقيقي .. فمثلا نجد أن الديمقراطية قد تحولت ولصالح العولمة وأهدافها ( على مجموعة من القوانين والتدابير السياسية التي تعمل على تسهيل
أداء اقتصاد السوق ليغطي كل مناحي الحياة .. إذ تقاس قيمة كل شيء بمردوديته المالية .. فلا قيمة إلا قيمة المال والسلعة .. وهذا ما يؤكده الخطاب الرسمي لمفكري العولمة الاقتصادية 13 .. كما يقول روجيه جارودي ..

ثانيا / تبديد الهوية ونفي الخصوصية:

كانت أهم مساعي العولمة نحو تأكيد هويتها وترسيخ مفهومها .. والتي لا يتم لها ذلك إلا من خلال استراتيجية أساسية ومحورية قد تبناه الفكر العولمي ألا وهو محو الخصوصيات الثقافية والفكرية
والأيديولوجيات لكل البلاد التي تقع على هامش العولمة أو تلك البلدان التي تسمى بدول العالم الثالث والتي هي في موقع التابع .. ولتكون لها التبعية الكاملة والشاملة .. كان لا بد من خلق نموذج عولمي
والعمل على دفع الدول إلى الاحتذاء به .. وقد كانت السياسة الغربية تعمل على استبعاد العالم الثالث من خلال فعالياتها العسكرية في الماضي وفرض السلطة العسكرية ..لكن اليوم وقد تغير وجه الاستعمار الغربي لدول العالم الثالث وقد اتخذت لها صور أكثر تغلغلا في قلب هذا العالم منها السيطرة الفكرية والوجدانية والعمل على تفكيك البنية الفكرية والعقلية بكل انتماءاتها الدينية والأيديولوجية والفكرية .. وكل ما ينتج عنها من سلوكيات كانت هدفاً لترسيخ وتأكيد النموذج الغربي في فكره وسلوكه .. ذلك النموذج الذي يعبر عن نمط ( معين من الحياة شاع الاعتقاد بضرورة اتباعه بل وتبنيه كفلسفة ونظرة معينة إلى الحياة والكون14 .. ومن أهم ملامح هذه الفلسفة وأهم بنودها الرئيسية هو التخلي عن فكرة الخصوصية .. وقد كان لها ما تمنت من خلال إلغاء الحدود القومية للبلاد أولا .. ثم باكتساح هذا النمط لحياتنا 14 .. وهو لا يخفى علينا نوع من
التنميط السلوكي الإنساني أو السلوك البشري ( في اتجاه ثقافة معممة أو ما يسمى بثقافة الأمركة
خاصة في ظل تزايد سرعة النقل والمواصلات واتساع الأسواق وإزالة الحواجز أمام انتقال المعلومات والأفكار 14 .. وهو الوضع الذي ساعد على إفراز تيارات مناقضة للعولمة .. تحاول إحياء السلفية تحت تبرير الخصوصية الثقافية .. ولذلك يقرر البعض بأن الهجوم الكاسح للعولمة سوف يؤدي على النكوص نحو التثبت بالثقافة والهوية القومية 15 .. وذلك لعدم مواءمة ما يتم استيراده من النماذج الغربية لطبيعة احتياجات العالم الثالث .. وحيث أن الثقافة باتت مثلها وأي سلعة أخرى قابلة للتداول وعلى مستوى واسع النطاق إذ أنها
تحررت من القيود الجمركية .. كما أنها دخلت مجال المنافسة غير المتكافئة .. فالدول التي تمتلك تقنية معرفية واتصالية ثقافية أكبر هي القادرة على التسويق في السوق العالمي .. ولأن عدم التكافؤ بين
الدول مسألة واردة .. بل واقع لا مفر منه يصبح التثاقف ( المثاقفة ) أو التبادل الثقافي بين الشعوب ضربا من الخيال15 .. وهو ما ينتج عنه بالطبع انتشار ثقافة على حساب الثقافات الأخرى وقد تطغى بعض الثقافات على غيرها .. مما ينتج عنه ضياع الخصوصية الثقافية لتلك البلدان التي هي أقل تطورا واقل إمكانات ثقافية متطورة .
من هنا تطرح قضية العالمية ( عالمية الثقافة ) نفسها .. والسؤال الهام هو : هل تؤدي عولمة الاقتصاد والتقانة على أن تتواكب معها عولمة الثقافة ؟ ليس مؤكدا أنه بقدر ما نقترب من بعضنا البعض .. وبالتالي من ثقافات وتقاليد متنوعة ومختلفة في مصادرها قد يعود أكثرنا أو جزء منا إلى البحث عن الهوية والتأكيد عليها خوفا من الضياع من دون أن يعني التأكيد على التمايز الثقافي .. تأكيدا على الانقطاع الاقتصادي 16 .. فإن العالم اليوم يواجه فيضا من الأحداث والوقائع والأفكار والمفاهيم المتباينة والمتنوعة وغزواً متواصل
من المعلومات والصور والقيم القادمة من الخارج .. وهذه كلها خارج شرطها التاريخي لم تشارك في إنتاجها .. لهذا كان الإحساس بالهوية يتراجع يوما بعد يوم مما آثار أزمة الهوية والتي أصبحت من أهم المسائل التي تواجه التفكير الإنساني اليوم على المستوى العام . من ناحية أخرى ونتيجة لهذه الأزمة بدت الأيديولوجيات التاريخية والتي تمثل مرجعيات ثابتة تمنح القوة والصلابة .. نجد أن انبعاثاً قوياً لأيديولوجيات قديمة .. انبعثت بصورة مجردة من أي نزعة إنسانية كانت قد منحتها لها ظروفها التاريخية التي نشأت فيها .. وهو ما أعطاها منحاً آخر بعيد كل البعد عن منحاها
الأصلي .. متخذة نهجاً جديداً لها يؤكد العودة على العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية أو القومية الضيقة .. تلك ( التي تبرر التطهير العرقي أو تلك التي تلغي أي قيمة روحية – إنسانية وتفتح الطريق نحو
سلوكيات بلطجية ونازية .. لا تضع حدوداً لسلوكها إلا قواها الذاتية .. على حساب السيطرة والنهب والاستغلال والتلاعب بعقول الناس وأرزاقهم )


المصدر :الشبكة العنكبوتية
من انجاز التلميدة= إبتسام أيت عدي

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات