غيض من فيض فتوحات "آل الرشيد"
ملفات الفساد وسوء التدبير بالصحراء
الصحراء الأسبوعية
لقد سبق لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني أن قال: "لا أريد نائباً للملك بالصحراء"، في فترة شاعت مقولات في مدينة العيون أطلقها الموالون لآل الرشيد مفادها: "السماء لمولانا والأرض لأهل الرشيد"، وذلك بعد تعيين خليهن ولد الرشيد على رأس الكوركاس.
كما تناسلت أخبار مفادها أن الوالي جلموس عُيّن والياً بجهة العيون للحد من نفوذ آل الرشيد وتصحيح مسار سوء التدبير والتسيير الذي كانت له انعكاسات وخيمة، من آخر معالمها التحاق المواطنين وبعض رجال السلطة بـ "نازحي المسيد"، وحصول مساومة الدولة للخروج بأكبر غنيمة.
لكن، لم يتأت للوالي بلوغ الغاية بفعل قوّة نفوذ آل الرشيد في جملة من الإدارات المركزية المدنية والأمنية، سيما بعد أن تأكدت قوّتهم في الانتخابات الأخيرة (التشريعية والجماعية).
في هذا الإطار، طفت إلى السطح مرّة أخرى تساؤلات قديمة جديدة تهم نهج التدبير ونمط التسيير بجهات الأقاليم الجنوبية. وهي تساؤلات لم تعد تشغل بال ساكنة تلك الأقاليم الجنوبية، وإنما استأثرت باهتمام الكثيرين على امتداد ربوع المملكة. ومن هذه التساؤلات:
- لماذا لم تتمكن الدولة من زعزعة "إمبراطورية آل الرشيد"، كما يسميها البعض، أو "إمارة آل الرشيد" بحسب نعت البعض الآخر؟
- كيف تمكن خليهن ولد الرشيد، بمعية شقيقه حمدي، أن يقود العائلة بأكملها إلى البرلمان والبلدية والجهة والغرف المهنية للتحكم في دوائر صناعة القرار المحلي والجهوي؟
- هل الدولة غافلة عما يقع بمدينة العيون وجهتها، إلى أن وصل الوضع إلى ما هو عليه الآن، أم هناك مصالح استراتيجية تفرض غض الطرف عن سيطرة وتنامي قوّة ونفوذ "آل الرشيد"؟
- كيف، والحالة هذه، على الدولة أن تدبر وضع المساومة التي جعلت مصير الدولة بالصحراء رهين بيد الساكنة تارة، ويد اللوبيات تارة أخرى؟
معالم الفساد شمس لا يُغطيها الغربال
مسّ الفساد أكثر من قطاع بمدينة العيون وجهتها منذ تأكدت سيطرة عائلة آل الرشيد على دوائر صناعة القرار المحلي والجهوي.
إن انكشاف جملة من ملفات الفساد وتورط لوبيات العيون، دفع الكثيرين إلى التساؤل بخصوص تواطؤ الجهات الموكول إليها المراقبة والمحاسبة والمساءلة؛ إذ يقول هؤلاء إن السلطات الوصية تراقب كل شيء، ولها من الإمكانيات ما يُخوّل لها تتبع صرف كل درهم، بل كل سنتيم، يزيغ عن طريق الصالح العام.
فبالنظر إلى كثرة الفضائح والتجاوزات والانحرافات التي أزيح عنها الستار في جملة من القطاعات، انكشفت حقيقة من الصعب إنكارها الآن، مفادها أن مدينة العيون وساكنتها رهائن لوبيات عائلية تتحكم في أغلب مصادر الثروة المحلية والجهوية، وكذلك تُعتبر صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في صناعة القرار المحلي، وصاحب الصوت الذي يعلو ولا يُعلى عليه في مختلف شؤون تدبير الشأن العام المحلي والجهوي. هذا ما أسهم في استمرار بؤر الاختلالات واستشراء الفساد واتساع دوائره.
فهناك تقارير واضحة للمجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية، أشارت، دون لفّ ولا دوران، إلى انعكاسات وتداعيات اقتصاد الريع وأنظمة الامتيازات في مجال العقار والإنعاش الوطني والخدمات واستغلال الملك العام. هذه الانحرافات وغيرها رسّخت مظاهر عدم تكافؤ الفرص بين المواطنين، والولوج لجملة من الخدمات الاجتماعية – رغم مجهودات الدولة في دعم العديد منها منذ سنوات خلت – الشيء الذي نال كثيراً من مرتكزات دولة الحق والقانون، وكانت النتيجة إنتاج وتوليد اليأس والتذمر والسخط والاحتقان الاجتماعي. وما نزوح ساكنة الأقاليم الجنوبية الأخير، إلا أحد مظاهر هذا الاحتقان الذي ساهم بشكل كبير في ليّ ذراع الدولة.
كان من المفروض أن تكون مدينة العيون وجهتها مستثناة من الخلافات والحسابات السياسوية، وأن تكون كذلك، في ضوء مقترح الحكم الذاتي في نطاق الجهوية المرتقبة، مجالا نموذجيا لتكريس الحكامة والشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام.
هذا هو المفروض، لكن الواقع المعيش أبان بجلاء استمرار بؤر واسعة من الفساد التي اتضحت معالمها في جملة من الملفات والقطاعات، وأفادت أن أشخاصاً بعينهم حوّلوا العيون وجهتها إلى مرتع للغنى الفاحش باستعمال طرق غير مشروعة، وباستغلال النفوذ والمواقع والشطط في السلطة، بعد أن تمت السيطرة عليها منذ سنوات، والحفاظ عليها بمباركة جهات وازنة، أو بفعل دعم الدولة لهؤلاء وغض الطرف عن تجاوزاتهم تحت مظلة الظرفية الخاصة والخصوصية المحلية، حتى أصبحت المدينة وجهتها وساكنتها رهينة عائلة ومن يدور في فلكها. وقد سبق للبرلماني حسن الدرهم، أحد كبار الأعيان بالصحراء وعضو بارز بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن وجه نداء إلى جلالة الملك محمد السادس عبر إحدى الصحف الوطنية بعنوان: وامحمداه، اعتقنا هاذ الشي راه حرام"، وذلك على خلفية الخروقات المرتكبة من طرف آل الرشيد بمدينة العيون وجهتها.
كما سبق له أن صّرح قائلا: "إن انتخابات يونيو 2009 الجماعية ابتدأت بخروقات أبرزها توزيع البقع الأرضية"، مضيفا أن "هناك مرشحا قام بتوزيع 2245 بقعة أرضية بطرق ملتوية، وأيضاً 1500 بطاقة إنعاش وطني، هذا إضافة إلى تحفيظ 100 هكتار بين 2008 و2009 ".
عموماً، كشف حسن الدرهم بعض ما تعرفه مدينة العيون من جرائم غير مسبوقة؛ من قبيل تزوير الأختام للاستيلاء على الأراضي ومجموعة من البقع في تجزئات تم الاستحواذ على حصة الأسد منها، وسُلّم الفتات منها للمواطنين، علماً أن حمدي ولد الرشيد ظل ينفي كل هذه التجاوزات، في وقت اتهم فيه حسن الدرهم لوبيات العيون برصد أكثر من 7 ملايير سنتيم للفوز برئاسة المجالس المنتخبة. كما أن التزوير طال أختام وتوقيعات بعض العمال والولاة في وثائق إدارية (مطبوعة التسليمات) فارغة؛ وهذا يعني أن من يتوفر على وثيقة تسليم "عذراء" يمكن تعبئتها بأي مساحة يريد وفي أي مكان بالعيون أو جهتها.
فضاءات الفساد
العقار نموذجا
في الأسبوع الأول من شهر غشت الفارط (2010)، كانت وزارة الداخلية قد طلبت من شركة العمران الجنوب مدها بلوائح أسماء الأشخاص الذين استفادوا من بقع أرضية خلال السنوات الأربع الأخيرة. لكن، لماذا هذا الطلب في هذا الوقت بالذات؟
مصادر عليمة من قلب الدار أكّدت أن طلب تلك اللوائح جاء بعد أن كشفت لجنة سابقة عن وجود اختلالات كبيرة في تدبير شأن جملة من التجزئات السكنية والرصيد العقاري بمدينة العيون، علماً أن شركة العمران الجنوب ظلت من أهم وأكبر المتدخلين في عملية إسكان قاطني مخيمات الوحدة والأحياء الهامشية والقضاء على السكن غير اللائق. وأضاف مصدرنا موضحاً، اعتباراً للأموال المخصصة لهذه الغاية والبرامج المسطرة في الدراسات والتصاميم والتوصيات، أنه كان من المفروض أن يكون جميع قاطني مخيمات الوحدة والأحياء المهمشة قد استفادوا من السكن اللائق منذ مدة؛ إلاّ أنه تم التلاعب في عملية تخصيص البقع الأرضية وتوزيع رصيدها بنزاهة لمستحقيها؛ إذ تم منح العديد منها – حرم منها من لهم الأحقية – إلى منتخبين وأعيان ومسؤولين ورؤساء أندية وجمعيات وموالين للوبيات متحكمة في صناعة القرار على الصعيدين المحلي والجهوي.
هذا إضافة إلى ما ذكرناه من الخروقات التي تناولتها وسائل الإعلام(توزيع 2245 بقعة بطرق ملتوية، و1500 بطاقة إنعاش وطني ــ أي ما يقارب مليوني درهما ــ وتحفيظ 100 هكتار بالتدليس وطرق تدعو إلى الريبة والشك الكبيرين).
لهذه النوازل وغيرها، طالب الفريق الاتحادي بالبرلمان بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بخصوصها.
ظل الرأي العام ينتظر الإطلاع على نتائج التحقيق دون نتائج، ولا يزال الكثيرون ينتظرون الكشف عن التزوير والفساد والمحسوبية والزبونية التي طالت تدبير الشأن العقاري وقطاع الإسكان والتعمير بالمدينة. وبعد طول انتظار، أقرّت أصوات وازنة أن التلويح بلجنة التحقيق وفرضية المساءلة والمحاسبة، كل هذا كان من أجل در الرماد في العيون ليس إلاّ.
لم تسلم الوكالة الجنوبية من نفوذ آل الرشيد
لقد أريد لوكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوبية أن تشكل رافعة للمسار التنموي للأقاليم الجنوبية؛ إذ وضعت مخططا لفترة ما بين 2004 و2008 خُصص له غلاف مالي تجاوز 7 ملايير درهم. اعتمد هذا المخطط مقاربات تنموية جديدة، تتأسس على مراعاة الخصوصيات المحلية والقرب، والتسامح والتنسيق بين تدخلات الفاعلين، وإنعاش الشركات المنتجة؛ الشيء الذي أسهم في إعادة إنعاش آمال الساكنة في القضاء على اقتصاد الريع والامتيازات والسطو على مصادر الثروة المحلية من طرف "كمشة" من الأشخاص من عائلة بعينها، واحتكارهم لها على امتداد عقود من الزمن.
إلا أن هذه التوقعات اصطدمت بلوبيات الاحتكار الأسري والفساد؛ بحيث ظلت تستفيد، دون حسيب ولا رقيب، من النزاع في المنطقة. واسودّت الصورة بانخراط وكالة الجنوب – من حيث يدري القائمون عليها أو من حيث لا يدرون – في دائرة أخطبوط نفوذ عائلة بعينها (آل الرشيد) على المدينة وجهتها، وساهمت في تكريس سيطرتها وتقوية مواقعها وتمكينها من المزيد من الغنى الفاحش بغير وجه حق على حساب الساكنة. وكانت النتيجة أن الوكالة لا هي أنعشت فضاء المقاولات، ولاهي تصدت للبطالة أو قلّصت نسبتها، وإنّما رسّخت أخطبوط الريع والامتيازات في اتجاه واحد لا ثاني له؛ هو خدمة مصالح العائلة المسيرة للمدينة وجهتها؛ بحيث بقيت تستفيد من ظرفية قوامها استغلال النفوذ، وإهمال القانون، والدوس على الحقوق، وانتهاكات للحصول على مكاسب مادية واعتبارية على حساب مستقبل الجهة والأفراد ــ بل على حساب القضية الوطنية الأولى ومستقبلها، مما ظل يُسهم في احتقان اجتماعي وسخط جماهيري متناميان باستمرار.
ماذا عن ثروة "آل الرشيد"؟
كانت البداية بقيام خليهن ولد الرشيد بتوظيف أمواله منذ 1975 ــ بعد التحاقه بالمغرب في 19مايو – في مجال التجارة الحرة، مستغلا احتكاره لعقود تصدير الرمال إلى لاس بالماس بواسطة الشركة التي أدارها شقيقه حمدي ولد الرشيد بمدينة طرفاية.
بعد ذلك، ولج حمدي ركح السياسة تحت مظلة حزب الاستقلال، وسرعان ما أصبح نائباً لأخيه سنة 2003 بالمجلس البلدي للعيون، ثم اتجه إلى الاستثمار في مجال المحروقات وتشييد جملة من محطات توزيع البنزين (المدعم) في أماكن ذات موقع استراتيجي بمدينة العيون (المداخل في مختلف الاتجاهات). كما اهتم كذلك بالاستثمار في مجال السياحة، والدخول في شراكات مع أجانب ومغاربة.
كما شكلت وزارة الشؤون الصحراوية بقرة حلوباً، سيما بعد قيام خليهن وقتئذ بإعادة هيكلتها على مقاسه، بطريقة جعلتها مستقلة كلياً رغم تدخلها في جميع المجالات. فكل المشاريع (ما عدا الطرق والموانئ والشبكات...) مهما كان نوعها، دخلت آنذاك في إطار اختصاصات وزارته، ولا يسمح بتدخل أي وزارة أخرى فيها ولو في المجالات التقنية المحضة. لقد تصرفت هذه الوزارة تحت إمرة خليهن ولد الرشيد في ميزانيات ضخمة، في وقت غابت فيه أدنى مراقبة.
في هذا يرى أحد الباحثين الاقتصاديين أنه لم يكن من الصعب السير على درب خدمة المصالح الشخصية والعالية؛ باعتبار أن القائمين عن الأمور كرّسوا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي سياسة شراء الذمم وتشجيع "الوطنية" المؤذى عنها.
وبحسب جملة من التقارير، الوطنية والأجنبية، كلّف تمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية بالصحراء خلال السنوات الخمسة عشرة الأولى ما يفوق 6 ملايير دولار (ما يناهز 60 مليار درهم)، ولم تسلم أغلب مشاريع وزارة الشؤون الصحراوية تحت إمرة خليهن من تساؤلات عميقة؛ سواء تعلق الأمر بتدبير الميزانيات المرصودة، أو فيما يخص تهريب المواد المدعمة.
فهناك مشاريع ضخمة بُرمجت بالعيون والداخلة والسمارة وبوجدور خصصت لها أموالاً طائلة، وهي مشاريع هائلة على الورق (مواصفات التصاميم تحترم آخر تقليعة في الميدان) لكن ما تم إنجازه على أرض الواقع لا علاقة له بما ورد في الدراسات الإعدادية والوثائق، بل هناك مشاريع صُرفت عليها الملايير، خلصت بصددها لجان مختصة بأنها غير صالحة للسكن، لاسيما بالداخلة.
فالدولة منحت لآل الرشيد، على طبق من ذهب، مصادر سهلة لمراكمة الثروة. وكانت البداية باحتكار الرمال التي مكنّتهم من توليد ثروات إضافية في مجالات أخرى، علاوة على الامتيازات التي حظوا بها في مجال العقار، والصيد في أعالي البحار، والسياحة، وبعض الوحدات الصناعية؛ هذا علاوة على قطاع المحروقات.
ومن مصادر ثروة آل الرشيد مجال العقار، سيما الأرض المجزأة والتجزئات المنجزة من طرف الدولة. وبحسب أكثر من مصدر، كلّما أُنجزت تجزئة بمدينة العيون إلا وكان للعائلة وتوابعها حظ وافر منها. وعندما تنفد البقع، يتم تحويل الكثير من الفضاءات المخصصة إلى مناطق خضراء أو مرافق عمومية إلى بقع تجارية أو سكنية (فيلات)، وتسلّم للمقربين والموالين؛ وهذا ما أكده أحد الموظفين السابقين بالوزارة المكلفة بالشؤون الصحراوية، والذي عمل بعد حلّها بالقسم التقني لعمالة العيون.
لقد كان آل الرشيد أقل ثراء بكثير من أبناء عمومتهم "آل الدخيل" و"آل ميّارة"، لكنهم تجاوزوهم اليوم بمسافة سنوات ضوئية في الغنى والثراء الفاحشين، وظلت هذه الثروة الطائلة مثار عدة تساؤلات منذ أن كلّف جلالة الملك الراحل الحسين الثاني خليهن بوزارة الشؤون الصحراوية، التي كان يديرها على شكل دولة في قلب دولة دون حسيب ولا رقيب.
ففي سنة 1989، وأثناء مناقشة البرلمان لملتمس الرقابة المتزامن مع المطالبة بمساءلة خليهن ولد الرشيد ومحاسبته بخصوص مراكمة ثروة طائلة في فترة وجيزة، تدخلت جهات نافذة في الكواليس لتهدئة الزوبعة، علما أن فعاليات من قلب الكوركاس ظلت تثير هذه الإشكالية منذ تعيين خليهن ولد الرشيد على رأسه.
وفي 2005، عندما وصل الاحتقان أشدّه، كان الأعيان في العاصمة يتفاوضون على المزيد من الامتيازات، كما أن أياد خفية حركت، قبيل موعد استحقاقات 2009، منابر إسبانية في هذا المسار، وفي إطار حسابات بين دائرة نفوذ آل الرشيد وحزب "البام".
آنذاك، نادت أصوات بتفعيل قانون "من أين لك هذا؟"، الذي ظل نائماً منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. وكان الملتمس الذي تقدم به بعض أعيان القبائل وممثلي الأحزاب السياسية بجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء إلى جلالة الملك محمد السادس النقطة التي أفاضت كأس صبر المسؤولين على استشراء نفوذ آل الرشيد بالمنطقة، خصوصاً بعد زلة شهادة خليهن، في إطار شهادته أمام هيئة الإنصاف والمصالحة، وتسريبها إلى الصحافة المستقلة.
وفي الوقت الذي اهتمت فيه بعض المنابر الإعلامية الإسبانية بثروة آل الرشيد وسبل مراكمتها ومصادرها، كان الديوان الملكي قد توصل برسائل من الأعيان مرفوقة بتقارير عن طرق غير مشروعة لمراكمة الثروة.
يبدو أن سيطرة واتساع نفوذ آل الرشيد واحتكارهم لمعظم الأنشطة بمدينة العيون ترجع جذورها إلى اختيار خليهن، عكس نخبة الصحراء، الالتحاق بالمغرب، وكذلك إلى فراغ الساحة وقتئذ عندما أضحت الساكنة عالة على الدولة بفعل ظروف الحرب.
إلا أن نجم خليهن أفل فجأة بعد إقبار وزارة الشؤون الصحراوية سنة 1991، وهزيمته في الانتخابات التشريعية لسنة 1993. لكن رغم ذلك، ظل نفوذ عائلته قوياً بالعيون؛ إذ خلال أحداث 1999 التي عرفتها ساحة الدشيرة بالعيون، ظهر أن خليهن هو الماسك بالخيوط، وبعدها تمكّن من الفوز برئاسة المجلس البلدي للعيون، رغم الطعن الذي قدّمه آل الجماني ضده في الانتخابات الجماعية لسنة 2003. ومنذئذ، انطلقت مسيرة اتساع "إمارة آل الرشيد" دون منازع، إلى أن وصلت به الرحلة إلى كرسي الكوركاس في مارس 2006.
وقد بحث آل الرشيد على الخلف؛ حيث مهدوا الطريق أحد أشقاء خليهن لرئاسة مجلس العيون بوجدور، وكذلك للبرلماني محمد ولد حمدي ولد الرشيد ــ ابن رئيس بلدية العيون.
مسؤولية الدولة لا غبار عليها
بالرجوع إلى الوراء، نلاحظ بجلاء أن تدبير ملف الصحراء ظل خاضعاً منذ البداية لوزارة الداخلية تحت الإشراف المباشر لإدريس البصري، وكانت الخريطة القبلية الانتخابية، والامتيازات، واقتصاد الريع، والإكراميات تخضع لرغبة وسياسة، وأحياناً كثيرة، لمزاج وزير الداخلية آنذاك، وأيضا لشبكة ولاءات رجالاته في الميدان.
في واقع الأمر، إن "إمارة آل الرشيد" من إنتاج الدولة، علماً أن سيطرة آل الرشيد على مدينة العيون لم تعد تتماشى مع الجهوية كما ينتظرها جلالة الملك، مادامت عائلة واحدة تتحكم في كل يرتبط بمدينة العيون وجهتها؛ مما جعل آل الرشيد يستأسدون أحياناً على الدولة نفسها التي مكّنتهم من بناء "إمبراطوريتهم".
إذا كانت الدولة قد تورطت بهذا الخصوص، فعليها الآن عتق رقبة العيون وساكنتها من هيمنة "آل الرشيد" بأي طريقة من الطرق، خصوصاً وأن أخطبوطهم نشر أطرافه في عدد من إدارات المصالح الخارجية بالجهة؛ ومنها التعمير والإسكان والشبيبة والرياضة والسياحة والصحة...
إن هاجس الرئاسة ظل يسكن خليهن ولد الرشيد منذ أن أنعم عليه الإسبان برئاسة حزب "البوند"، و بلدية مدينة العيون والكوركاس، ولم لا رئيس أقاليم الصحراء في ظل الحكم الذاتي. وقد اعتمد خليهن ولد الرشيد نهجاً واحداً لا يقبل بديلا عنه مهما كان الأمر، هو احتكار التسيير والتدبير؛ وهو ما مكّنه من مراكمة ثروة هائلة، علما أن ثروة آل الرشيد في منتصف سبعينيات القرن العشرين كانت متواضعة.
يرى الكثيرون أن مسؤولية الدولة في تصليب عود آل الرشيد ظلت قائمة ولا يمكن نكرانها بأي وجه من الوجوه بفعل اعتماد سياسة ربح الأعيان تحت مظلة مواجهة الفكر الانفصالي، مما شجع منطق ابتزازي سار على دربه العديدون. وقد ساعد هذا الوضع على تقوية الرغبة في المحافظة على المصالح المادية والاقتصادية والاعتبارية المكتسبة بجميع الطرق، بما في ذلك استثمار القضية الوطنية الأولى لصالح توسيع النفوذ والمزيد من الامتيازات. علماً أن الصحراء منذ منتصف السبعينيات ظلت تسيّر استناداً على منطقي القبيلة والأعيان وعلى نهج الامتيازات لإرضاء الأعيان وشيوخ القبائل وتهميش باقي الفئات. وهذه معايير تخدم المتحكمين في دواليب صناعة القرار المحلي (آل الرشيد) ولا تخدم المجتمع.
الآن، والحالة هذه، إن الدولة قادرة بسهولة على إزاحة نفوذ آل الرشيد؛ لأن راغبة في ذلك. لكن البعض يرى أنه من الصعب زعزعة نفوذ هذه العائلية برلمانياً وجماعياً وجهوياً؛ اعتباراً لتجذر لوبياتها في المجتمع المحلي بالعيون.
فإلى متى ستظل الدولة تغض الطرف عن غطرسة عائلة هندست لسيطرتها وسهلت لها المشوار؟
خلاص لا مناص منه
لم يعد يخفى على أحد الآن أن آل الرشيد من الديناصورات التي تم صنعها عن قصد، وتم غض الطرف عن تجاوزاتهم وانحرافاتهم، بل دعمهم ومساندتهم.
كما لم يعد يخفى على أحد أن طبيعة العلاقات بين آل الرشيد وحزب "البام" ظلت متشنجة، وسادت بين الطرفين حرب الضرب من تحت الحزام، وظهرت تداعياتها.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل الاقتصادي "عبد السلام أديب" إنه في كلّ مرّة تتم إثارة محاسبة مسؤول كبير، لا يكون الأمر متعلقا في الحقيقة سوى بتصفية حسابات بين أطراف نافذة؛ حيث تكون المتناقضات بين الأطراف قد بلغت مستويات حرجة؛ مما يجعل أمر كشف أوراق فساد بعض الوجوه الوازنة حتميا، علما أنه لم تكن هناك أبداً متابعة لأحد الملفات إلى النهاية.
فمتى ستفهم الدولة أن التدبير غير القائم على أسس واضحة المعالم مبنية على معايير موضوعية وقواعد لعبة شفافة ومسؤولة، تفتح الأبواب على مصراعيها لمختلف أشكال الابتزاز والمحسوبية والانتهازية، والتي تصبح "مشروعة" في عيون الكثيرين، في ظل سيادة تدبير قصير الأفق، دون مراعاة المدى البعيد؟
لقد تأكد الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن أصل أكبر المشاكل الاجتماعية بالعيون هو "آل الرشيد"، وعلى الدولة أن تجد حلا بهذا الخصوص قبل فوات الأوان، مادامت سيطرة عائلة على مدينة تُعد القلب النابض للأقاليم الجنوبية خطأ تاكتيكياً فادحاً اقترفته الدولة. لذا، تحمّلها جهات كثيرة المسؤولية بفعل اعتمادها نهج خلق أعيان "يتعاركون" على البقع الأرضية، رغبوا في المزيد عملوا على لي ذراع الدولة.
فماذا هي فاعلة مادامت تعرف حقيقة ما يجري بالمنطقة؟
بسبب سوء تدبير آل الرشيد في الصحراء
أي ثمن سيدفعه المغرب دوليا؟
شكلت القلاقل الاجتماعية التي شهدتها منطقة "إزيك" ضواحي مدينة العيون، بفعل عمليات النزوح الجماعية للمئات من الأسر الصحراوية، (شكلت) إشارة قوية على استفحال واستشراء كل مظاهر سوء تدبير الشأن المحلي بالمنطقة، والتي تولت زمام أمورها عائلة آل الرشيد لسنين طوال.
وبحسب متتبعين للشأن المحلي بالمنطقة، فإن ارتباط الحراك الاجتماعي الذي تعيش على وقعه ضواحي مدينة العيون بسوء تدبير آل الرشيد للشأن المحلي، يجد مسوغاته وبراهينه القوية في الطابع الاجتماعي الصرف للحركة الاحتجاجية للعائلات النازحة، وانحصار ملفها المطلبي في توفير أساسيات العيش الكريم من سكن وشغل؛ وهو ما عبرت عنه تلك العائلات صراحة من خلال تسمية الإطار المنظم لحركتها الاحتجاجية "تنسيقية مجموعة العائلات الصحراوية بدون سكن ولا مدخول".
ومن خلال استقراء طفيف لبعض الأحداث والوقائع التي شهدتها مدينة العيون خلال السنوات الأخيرة، يتضح جليا مدى مسؤولية الفاعلين المسيرين للشأن المحلي بالمنطقة، وعلى رأسهم آل الرشيد، على ما وصلت إليه المنطقة من احتقان وقلاقل اجتماعية. وتمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى الاختلالات الخطيرة التي شابت تدبير البقع الأرضية بالمدينة، وما رافق ذلك من تداعيات على مستوى مؤسسة العمران، علاوة على الاختلالات التي شهدها ملف التشغيل من خلال ما بات يعرف بفضيحة "الإنعاش الوطني".
غير أن الخطير في الأمر، بحسب بعض المراقبين، ليس هو تلك القلاقل الاجتماعية لوحدها، بل أيضا تأثيراتها الممكنة على وضعية المغرب أمام المنتظم الأممي، خصوصا بعد دخول الجزائر وتنظيم البوليساريو على الخط، ومحاولاتهما الحثيثة لتحوير روح الحركة الاحتجاجية من طابعها الاجتماعي الصرف إلى توظيفات سياسوية خطيرة؛ وذلك بما يخدم مصالحهما السياسية.
وهي النتيجة التي بدا الجميع يلاحظها من خلال تعامل جبهة البوليساريو مع أحداث النزوح الجماعي وطريقة تسويقها لتلك الأحداث إعلاميا، في أفق التأثير على الرأي العام الدولي عبر تغليطه، حتى إن الوقاحة وصلت بها إلى حد تصوير المنطقة على أنها منطقة منكوبة تستدعي تدخلا دوليا إنسانيا عاجلا لتفادي ما أسمته كارثة إنسانية تسبب فيها المغرب على حد تعبيرها.
فكيف تسبب سوء تدبير آل الرشيد في استغلال البوليساريو للوضع من أجل شيطنة المغرب؟ وما هو الثمن الدولي الذي تسعى البوليساريو لكي يدفعه المغرب بسبب ما وقع؟
تغليط الرأي العام الدولي
ركزت جبهة البوليساريو، ومن ورائها النظام العسكري الجزائري، كامل اهتمامهما على ما اعتبر لديهما فرصة تاريخية لا يمكنها أن تتكرر، وذلك بشأن الحركة الاحتجاجية التي تخوضها العائلات الصحراوية النازحة صوب منطقة "إزيك" ضواحي مدينة العيون.
وقد طرحت أغلب وسائل الإعلام الموالية للطرفين كل هموم العالم جانبا، كي تتفرغ لحدث نزوح العائلات الصحراوية، عبر تفريغه من طبيعته الاجتماعية، والسعي وراء إلباسه لبوسا سياسيا يخدم أجندة الجزائر والبوليساريو في المنطقة.
كما ركزت مجمل وسائل الإعلام المشكلة للترسانة الإعلامية المعادية للوحدة الترابية للمملكة، في تغطيتها المفخخة لعملية النزوح، على ثلاثة محاور أساسية هي:
أولا: المحور الإنساني
بالنسبة لهذا المستوى، حاولت جبهة البوليساريو تصوير مخيم النازحين على أساس أنه حالة إنسانية كارثية، تتطلب مطالبة المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية بإمداد النازحين بالأدوية والطعام؛ وهو ما يتجلى في الرسالة التي تلقاها مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريث من محمد عبد العزيز، الحاكم باسم الجزائر في مخيمات تيدوف، والتي طالب فيها بما أسماه "التدخل من أجل إسعاف آلاف الصحراويين النازحين"، متهما بشكل خطير الدولة المغربية بالتسبب في وقوع كارثة إنسانية في صفوف النازحين، من خلال الإدعاء بأنها "منعت دخول سيارات محملة بالماء والمواد الغذائية والأدوية إليهم".
نفس النهج سار على منواله ما يسمى بالهلال الأحمر الصحراوي، في النداء المفبرك الذي وجهه للمنظمات الدولية بشأن "تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للنازحين"، كأننا أمام وضع شبيه بالحروب الأهلية المتزايدة في بعض دول إفريقيا السوداء.
ثانيا: المحور الحقوقي
حاولت البوليساريو، مدعمة بالترسانة الإعلامية الجزائرية، أن تروج، بشأن أحداث إزيك، لمحور حقوق الإنسان، عبر تصوير النازحين في وضعية بشعة؛ بحيث لا يلاقون من السلطات المغربية إلا القمع والتنكيل. وهو ما عبرت عنه البلاغات المفبركة لما يسمى وزارة الأراضي المحتلة وشؤون اللاجئين، بتلفيق أخبار عن إصابات بليغة في صفوف النازحين، توجها محمد عبد العزيز بتوجيه رسالة إلى مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافانتيم بيلاي بجنيف، طالب من خلالها بما أسماه "إرغام السلطات المغربية على وضع حد للقمع والمضايقات والمحاصرة التي تمارسها على هؤلاء المواطنين العزل"، على حد التعبير الفج لعبد العزيز.
ثالثا: المحور السياسي
بدورها، لم تكن المقاربة السياسية، أو بالأحرى الاستغلال السياسي، بمنأى عن النهج الذي سطرته البوليساريو للتعامل مع نازلة النزوح؛ حيث حاولت إيهام المنتظم الدولي بأن خلفيات النزوح ليست خلفيات اجتماعية محضة، بل إن هذه الموجة من الاحتجاج الشعبي السلمي، بحسب رسالة وجهها عبد العزيز لمفوضة حقوق الإنسان، "تعبر عن رفضهم (أي النازحون) للاحتلال، وتؤكد تمسكهم بالحق الشرعي للشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال الذي يمنحه له ميثاق ولوائح الأمم المتحدة".
مساندة إعلامية جزائرية
ولتوضيح الدعم الجزائري للبوليساريو في استغلال قضية النزوح بشكل براغماتي نفعي وانتهازي، يضمن لها إيهام الرأي العام الدولي بصدق الطرح الانفصالي، يكفي أن نلقي نظرة سريعة على تعامل بعض الجرائد المحسوبة على المخابرات الجزائرية مع الموضوع؛
حيث عنونت يومية المسار العربي مقالا لها بـ "المغرب يمارس عملية تهجير جماعي بولاية العيون المحتلة"، متجاهلة أن الأمر يتعلق بعملية احتجاجية اتخذت النزوح آلية لتصريف احتجاجها على أوضاعها الاجتماعية. فيما ادعت يومية صوت الأحرار أن عملية النزوح تأتي احتجاجا على ما أسمته "سياسات القمع المغربية التي يتعرض لها المدنيون الصحراويون بسبب نضالهم وكفاحهم السلمي للمطالبة بحقهم في تقرير المصير والاستقلال"، مدعية ــ في خرق سافر للأعراف المهنية ــ أن النازحين ليست لديهم مطالب عند الدولة المغربية إلا ما أسمته "الانصياع للشرعية الدولية والكف عن نهب ثرواتهم، وتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير والاستقلال".
أما جريدة الخبر، فقد ادعت أن القضية تعتبر شكلا من أشكال ما أسمته "التعبير عن الرفض للتواجد المغربي على أرض الصحراء".
توسيع صلاحيات المينورسو
من بين الملاحظات الأساسية التي يمكن لأي متتبع لقضية نازحي العيون أن يرصدها، هي الاستغلال الفاحش لها من طرف البوليساريو في أجندتها القديمة المتجددة بشأن مطالبها الداعية إلى توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء لتشمل مجال مراقبة حقوق الإنسان، رغم أن المجتمع الدولي أقر غير ما مرة بالتطور الكبير الذي شهده المغرب على هذا المستوى.
فكما هو معلوم، فإن بعثة الأمم المتحدة "المينورسو" المشكلة وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 690 لسنة 1990 عقب الاتفاق بين المغرب وجبهة البوليساريو، حددت صلاحياتها في مراقبة وقف إطلاق النار، وتنظيم وإجراء الاستفتاء بالصحراء؛ وهو ما لم تعد البوليساريو تستسغه؛ حيث سبق لها في ماي من هذه السنة أن هاجمت المينورسو في بيان لها، بدعوى عدم "تنفيذ هذه الأخيرة لمهمتها المتمثلة في تنظيم استفتاء تقرير المصير بعد عشرين سنة، وكذا لعدم قيامها بواجبها الطبيعي المتمثل في حماية حقوق الإنسان في الصحراء"، رغم أنها تعرف مسبقا أن الواجب الطبيعي للمينورسو لا تدخل في نطاقه مراقبة حقوق الإنسان، الشيء الذي يبرز بوضوح سعي البوليساريو الحثيث وراء توسيع صلاحيات هذه البعثة الأممية، وهو ما دفعها إلى استغلال قضية النازحين مجددا لمطالبة الأمم المتحدة بتوسيع تلك الصلاحيات من خلال مراسلات أمينها العام، أو عبر الحكومة الجزائرية، وأخيرا المنظمات الدولية السائرة في فلكها.
وقد سبق لمحمد عبد العزيز أن طالب الأمم المتحدة بما أسماه "توسيع صلاحيات بعثتها لتنظيم الاستفتاء، المينورسو، لتشمل حماية وضمان حقوق الإنسان في الصحراء"، في خطاب له في فبراير 2007، بمناسبة الذكرى الواحدة والثلاثين لإعلان الجمهورية الوهمية.
وإذا كان البعض يرى أن البوليساريو قد فشلت في مسعاها بسبب الثقة الدولية في المغرب على المستوى الحقوقي، رغم انضمام إسبانيا إلى قائمة المساندين لها في هذا الشأن، فإنها حاولت جهد الإمكان حمل المجتمع الدولي على إنشاء آلية أممية جديدة لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، بحسب زعمها، وهو ما تجندت له مؤخرا من خلال استغلال قضية النازحين؛ حيث خاطب محمد عبد العزيز الأمين العام للأمم المتحدة في مراسلة بعثها إليه مؤخرا بالقول: "يوما بعد يوم تتأكد الحاجة الملحة والماسة إلى اتخاذ كافة الإجراءات العاجلة الكفيلة بضمان حماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة، بما في ذلك إيجاد آلية أممية فاعلة لهذا الغرض".
خطاب نهب الثروات
في شكل مستفز لكل شروط ومعايير المصداقية، أبت البوليساريو مجددا إلا أن تعيد سيمفونية خطاب نهب الثروات الطبيعية الذي كانت تواجه به المغرب دوليا؛ حيث ارتمت بشكل براغماتي وانتهازي على قضية النازحين، محاولة إلباسها لبوسا سياسيا يرتبط هذه المرة بجوانب اقتصادية وجهتها إليها الجزائر قصد تضييق الخناق على المغرب اقتصاديا.
فقد استغل محمد عبد العزيز مجددا قضية النزوح، محاولا وصفها بأنها نتيجة حتمية لما أسماه في خطابه إلى بان كي مون بـ "التفقير وقطع الأرزاق والحرمان من أبسط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في التوظيف والعمل"، محاولا ربط كل ذلك بما اعتبره استيطانا مغربيا أفضى، بحسب ادعاءاته، إلى "السرقة والنهب الجشع للثروات الطبيعية الصحراوية".
وعلى الرغم من انعدام أية معايير موضوعية للادعاءات التي يروج لها أعداء الوحدة الترابية للمملكة، وعلى الرغم أيضا من عدم وجود أية علاقة بين النازحين وتلك الادعاءات، فإن الخطير في الأمر هو استغلال النزوح لأسباب اجتماعية صرفة في تبرير الخطابات المناوئة للمغرب "من أجل الدفع باتجاه عزل المغرب وفرض عقوبات صارمة عليه"، كما ورد في خطاب محمد عبد العزيز بمقر النقابة النيجيرية بداية الشهر الحالي.
ولتفعيل هذه الأهداف غير النبيلة، تم اللجوء إلى تشكيل لجان وجمعيات تصب كلها في هذا الصدد، وعلى رأسها ما يسمى "لجنة دعم مخطط التسوية الأممي وحماية الثروات الطبيعية بالصحراء"، ومنظمة "وسترن صحراء ريزورس ووتش"، إضافة إلى "المرصد العالمي لحماية الثروات الطبيعية للصحراء".
انصبت جهود هذه التشكيلات الجمعوية المدعومة من طرف البوليساريو والجزائر، كما هو الشأن مؤخرا، على مطالبة الدول الغربية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، بوقف التعامل الاقتصادي مع المغرب بخصوص موارد الصحراء؛ وذلك بدعوى عدم استفادة سكان الصحراء من عائداتها.
مربط الفرس
إن الخيط الجامع لكل هذه الحملة الشعواء التي تشنها البوليساريو ضد المغرب، بفضل استغلالها لقضية النازحين، كما يمكن استخلاص ذلك، هو حمل المنتظم الأممي على توفير آلية دولية لحماية تحركات الانفصاليين والتمادي في استفزازاتهم من ناحية، ومن ناحية أخرى تشكيل آلية أممية أخرى للإشراف على الموارد الطبيعية للصحراء؛ مما يعني المساس المباشر بالسيادة الوطنية لأغراض مخفية من حيث الشكل، رغم أن محمد عبد العزيز قد صرح بها في كلمته أثناء احتفالات ما يدعى وحدتهم الوطنية المزعومة؛ حيث اعتبر أن تحركات انفصاليي الداخل "قد أتت أكلها" على حد قوله؛ وبالتالي، يضيف، على البوليساريو أن تدعمهم.
اختلالات التسيير في الأقاليم الجنوبية
الدولة رهينة سياسة التغاضي وبعض الأحزاب مسؤولة عن تفاقم الاحتقان
المتتبع للأوضاع السياسية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية يجد أنها مخيبة للآمال، كما ينذر باحتقان أكبر وعدم استقرار بسبب الصراعات الحزبية والقبلية بالمنطقة لأجل فرض الزعامة و الهيمنة على السلطة وفرض الأمر الواقع بأي ثمن، وهذا ما لا يخدم القضية الوطنية، ولا يخدم أيضا المسار التنموي الذي أطلقه جلالة الملك، إذ أصبحت المشاريع عالقة إن لم نقل صارت في مهب الريح بعد أن خصصت الدولة لها ميزانيات ضخمة من المال العام، ولا يخدم كذلك مصالح المنطقة المقبلة على تنفيذ مشروع الجهوية الموسعة ومقترح الحكم الذاتي.
إن المشهد الراهن في الأقاليم الجنوبية يتسم بالصراعات القبلية والحزبية والخلافات بين المسؤولين أبناء المنطقة سواء كانوا برلمانيين أو عمال، أو رؤساء مجالس، أو رجال سلطة، مما يضر المنطقة سياسيا واقتصاديا، كما يضر بمصالح الدولة و ينسف مجهوداتها المبذولة منذ أزيد من خمسة و ثلاثين سنة مضت، فما اليوم بالعيون أو بوجدور أو السمارة أو الداخلة لا يعبر بتاتا عن إرادة حقيقية لتجسيد طموحات ملك البلاد الهادفة إلى جعل الأقاليم الجنوبية نموذجا يحتدى به و جعل الأوراش الكبرى من أولويات المسؤولين أبناء المنطقة في التنفيذ، بدل الإغراق في صراعات قبلية ومزايدات سياسوية وصفقات مشبوهة في الوقت الذي تجد فيه الساكنة أنها في إلى المزيد من الأوراش و المشاريع التنموية لتخرج من حالة الفقر والإقصاء والعزلة وتنعم بالاستقرار النفسي والاجتماعي والمادي.
فقضية اختلالات التدبير وتسيير الشأن المحلي داخل الأقاليم الجنوبية، ليست وليدة اليوم بل هي نتيجة لمسار طويل من الأخطاء والانزلاقات والهفوات التي سقط فيها المسؤولون المحليون سواء من المنتخبين أو السلطة المحلية، والتي كانت لها تداعيات على الاستقرار الأمني والاجتماعي للأقاليم الجنوبية على مدى ثلاثة عقود.
ورغم أن الأقاليم الجنوبية عرفت خلال العشرية الأخيرة مجموعة من التحولات الجوهرية بالنسبة لعدد من المجالات سواء الاجتماعية منها أو الاقتصادية أو السياسية وهي تغييرات، أريد لها أن تكون حدا فاصلا بين مرحلتين ، مرحلة المواربة الأمنية والإدارية الضيقة ومرحلة الانفتاح والمقاربة الشمولية التي تضع نصب عينيها المتطلبات الحقيقية للنهوض بتلك الأقاليم ، والمطالب المشروعة للساكنة فيما يخص السكن والشغل والصحة والبنيات الأساسية من طرق ومستشفيات وإدارات ومؤسسات وغير ذلك، وذلك في إطار تحسين ظروف عيش الساكنة من جهة أخرى بالأقاليم الجنوبية،
وبالتالي ترسيخ الأدوار الحقيقية لمؤسسات الدولة والمؤسسات المحلية والجهوية من جهة انطلاقا من كونها المكلفة دستوريا بتسيير الشأن العام سواء الوطني أو المحلي أوالجهوي. لكن إلى أي حد يمكن القول إن ما تم التخطيط له من أجل أن تصبح الأقاليم الجنوبية جهة نموذجية، على كافة المستويات، تم تطبيقه بنجاح وحظي برضا الساكنة، خاصة وأن الرهان على الخيار الجهوي ينطلق من الصحراء باعتبار جملة من العوامل والشروط التاريخية والسياسية والإقليمية والدولية التي فرضت نفسها، ودفعت المغرب بالتالي إلى إيلاء اهتمام خاص بهذه المنطقة، منذ أن تم استرجاعها عام 1975؟
مسؤولية الدولة
إن مسؤولية الدولة تظل قائمة بالنظر إلى كونها المكلفة دستوريا وقانونيا بحماية المال العام وعدم التستر عنه وذلك انطلاقا من المسؤوليات الموكولة لكل من:
ـ الوزير الأول، باعتباره المكلف بتسيير الشأن العام والسهر على تطبيق السياسيات العمومية و مراقبة السياسات المحلية وإعمال القانون في حال حدوث خرق له أو تجاوز لمقتضياته أو استغلال للنفوذ أو المنصب من أجل خدمة مصالح شخصية، مما قد يضر بالمصلحة العالمة ومصالح المواطنين.
ـ وزير العدل لكونه المؤتمن على تكريس العدالة وتمكين القضاء من الكشف عن المتورطين في الجرائم الاقتصادية من الإفلات من العقاب، وذلك بصفته رئيسا للنيابة العامة، مما يفرض عليه عدم التقاعس عن إصدار الأوامر لتحريك الدعوى العمومية ضد ناهبي المال العام.
- وزير المالية باعتباره المسؤول عن تفعيل أجهزة الرقابة على استخلاص وصرف المال العام وهو ما يسهل ويساعد على عمليات نهب وتبذير المال العام بكل الإدارات والمؤسسات العمومية والشبه العمومية والجماعات المحلية.
ـ وزير الداخلية : باعتباره وصيا على الجماعات المحلية ورئيسا إداريا للولاة والعمال مما يستوجب عليه عدم التقصير أو التقاعس ومباشرة الاختصاصات التي يخولها له القانون وللمفتشية العامة التابعة له في مراقبة التدبير المالي للجماعات المحلية والعمالات والأقاليم.
فالدولة مسؤولة مسؤولية كاملة تجاه ما وقع ويقع من التلاعب وسوء التدبير بالنسبة للمشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية، و مسؤوليتها كذلك عن ترك بعض المسؤولين المحليين سواء كانوا عموميين أو منتخبين يعيثون فسادا في الأموال والميزانيات والمشاريع المسطرة للنهوض بالأقاليم الجنوبية، وخرق القانون باللجوء إلى منطق الزبونية والمحسوبية والعلاقات القبلية والانتماءات الحزبية والمصالح الشخصية، لتصريف ما هو مخصص للشرائح الاجتماعية الضعيفة من مشاريع للسكن وفرض للعمل ليتم البيع والشراء فيها ضدا على القانون وبالتحايل على مقتضياته، مما يشكل نهبا حقيقيا للمال العام واغتناءا غير مشروع على حساب مصالح المواطنين وحقوقهم.
كما أنها مسؤولة إداريا على تسيير الشأن العام، بسبب عدم تطبيقها للقانون وتعطيل تفعيل الآليات والإجراءات الموضوعة رهن إشارتها للحيلولة دون ارتكاب هذه الجرائم ومتابعة مقترفيها، وتسهيل إفلات الجناة من العقاب، وإدانتهم من أجل ذلك، واستغلال ذلك من طرف المفسدين للاستمرار في ممارساتهم، وإفساد المناخ العام داخل الأقاليم الجنوبية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بعقد الصفقات المشبوهة والتحالفات السياسوية والقبلية وتكريس واقع الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية وتداعياته من خلال ترسيخ منطق اقتصاد الريع والامتيازات والرخص على منطق الإنتاج والاستثمار والاستفادة الحقيقية من الاتفاقيات والشراكات التي وقعت سواء في حضرة جلالة الملك بين الوزارات والمؤسسات المعنية من أجل النهوض بالأقاليم الجنوبية أو تلك التي وقعت في إطار الشراكة بين الدولة والجماعات المحلية أو تلك التي وقعت بين الجماعات المحلية في الأقاليم الجنوبية ونظيراتها في الدول الأخرى.
مسؤولية البرلمان
كثيرة هي الأحداث الاجتماعية التي عرفتها الأقاليم الجنوبية منذ عام 1999 ، ولم يتم التحقيق فيها إلا من خلال الأجهزة الأمنية المكلفة بالسهر على الأمن العام أو من بعض اللجن البرلمانية كلجنة تقصي الحقائق الخاصة بأحداث سيدي افني سنة 2007 ، لكن قبل ذلك وبعد ذلك لم يتحرك البرلمان بغرفتيه للتدخل من خلال إثارة ما يجري من تطورات اجتماعية يتحمل مسؤوليتها من انتخبوا ليكونوا ممثلين للمواطنين وأمناء على تبليغ تطلعاتهم وانتظاراتهم ومطالبهم إلى الجهات المعنية، كما يتحمل مسؤوليتها من يشرفون على تسيير الشأن العام المحلي بمدن وأقاليم جهة الصحراء، خاصة في مدينة العيون.
يتحمل أعضاء البرلمان المسؤولية التقصيرية، بسبب عدم القيام بواجباتهم في المساءلة والمحاسبة للجهاز التنفيذي بخصوص هذا النوع من الجرائم وعدم تفعيلهم للجن البحث و التقصي بشكل فعال، والتقصير في عدم تفعيل مقترحات القوانين ضمن صلاحياتهم والتي من شأنها سد الفراغ الذي يحول أحيانا دون وضع مسطرة البحث والمساءلة موضع الإعمال، ومطالبته بتفعيل لجن تقصي الحقائق في الفضائح الرائج الكلام حولها وإحالة نتائجها على الجهات القضائية المعنية.
فأحداث العيون عام 1999 وكذلك أحداث النزوح الجماعي هذا العام من هذه المدينة وبعض المدن الأخرى بالأقاليم الجنوبية، احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية المزرية التي ظل يعانيها السكان الأصليون، في مقابل استفادة جموع العائدين منذ التسعينات من الامتيازات في السكن والشغل والإنعاش الوطني، في ظل عدم اضطلاع المسؤولين على تسيير الشأن المحلي بمسؤولياتهم وعدم وفائهم بالوعود التي قدموها لهؤلاء السكان من أجل النهوض بأوضاعهم وتحسين ظروف عيشهم، تؤكد على أن سوء تسيير الملفات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي الاستعجالي وعدم الأخذ بعين الاعتبار.
مسؤولية وزارة الداخلية
لقد اعترفت وزارة الداخلية بوجود العديد من الاختلالات التي تطبع سير المجالس الجماعية ومنها تلك الموجودة بالأقاليم الجنوبية خاصة المجلس البلدي لمدينة العيون. وقد حددت أرضية "التوجهات العامة المتعلقة بتعديل الميثاق الجماعي" هذه الاختلالات في توزيع الاختصاصات ما بين المجلس الجماعي والرئيس والتي تعرف في بعض الحالات تداخلا بين اختصاصات الجهاز التنفيذي واختصاصات المجلس بصفته هيئة التداول والمراقبة وهيمنة المهام الإدارية على حساب التدبير الاستراتيجي وتحديد التوجهات العامة وضمان تواصل مستمر مع المواطنين.
لكن الوزارة رغم ذلك لم تحرك ساكنا، في ظل تناسل الفضائح والتجاوزات الاختلالات في تسيير الشأن المحلي والتي أثرت سلبا على الوضع العام الاجتماعي للساكنة، وجعل الجميع ينتظر متى تبادر الوزارة إلى إيفاد لجن التفتيش والتحقيق للكشف عن حقيقة ما جرى ويجري بعد أن طفت إلى سطح فضائح تزوير أختام ولاة وعمال سابقين بالعيون، وحصول أعيان على عقارات وأراض وامتيازات، وتفويت 2243 بقعة أرضية بطرق ملتبسة وغامضة على منتخبين محليين وأعيان، وتوزيع حوالي1200 بطاقة للإنعاش الوطني لاستمالة الناخبين، وتفويت ساحة الدشيرة لابن أحد المنتخبين، والصفقات التي تم تمريرها خارج الضوابط القانونية المعمول بها.
إن ما يحدث في العيون أصبح حديث العام والخاص ، هو نتيجة طبيعية
لحالات الشلل التي تطبع تسيير المجالس الجماعية بسبب غياب أو غموض المقتضيات القانونية، وضعف فعالية الإدارة المحلية وعدم اعتماد الإدارة المحلية لتنظيم يرتكز على توزيع محكم للمهام الإدارية وافتقار الإدارة المحلية في عديد من الحالات لطاقم إداري يعتمد عليه المجلس والمكتب لإعداد وتنفيذ القرارات.
وكذا تعدد مستويات المراقبة القبلية والبعدية وتعدد أجهزة المراقبة، وتعقيد الإجراءات المسطرية التي تحول دون التعجيل باتخاذ القرارات وتنفيذها، والتي تعطي للمتورطين فرصة الإفلات من المحاسبة والمتابعة والمحاكمة إن اقتضى الأمر ذلك.
ووجود صعوبة في تدبير المرافق العمومية والنمو الحضري وهي صعوبات مرتبطة بطبيعة ومتطلبات تسيير المرافق العمومية والتجمعات الحضرية وغياب ضوابط ضرورية لضمان حسن التنسيق بين المتدخلين في تسيير المرافق العمومية المحلية والمراقبة الفعالة لأنشطتهم، وغياب الإطار القانوني والمناسب للشراكة مع القطاع الخاص.
كما أن الملك العام والخاص للجماعات المحلية يخضع إلى إطار قانوني عتيق وغير مكتمل لا يستجيب للحاجيات الملحة لتدبير سليم لممتلكات الجماعة، وغياب آليات وقواعد إجبارية تلزم الإدارة المحلية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على ممتلكات الجماعة، وحسن استغلالها وضعف مساهمة المداخيل الناتجة عن استغلال ممتلكات الجماعة من طرف الغير وصعوبة استخلاصه، وتعدد المنازعات والقضايا المطروحة أمام المحاكم نتيجة ترامي الغير على ممتلكات الجماعة.
كل هذا الأسباب تظهر إلى أي حد تبقى وزارة الداخلية مسؤولة بحكم كونها الجهة الوصية على الجماعات المحلية، على كل الاختلالات والتجاوزات والفضائح التي تقع في العيون وغيرها من مدن الأقاليم الجنوبية، وأنها مدعوة للتدخل من أجل وضع حد لهذه الممارسات التي تظهر نتائجها اليوم وخيمة من جراء ما تعيشه الأقاليم الجنوبية خصوصا في العيون من احتقان اجتماعي يستغله أعداء وحدتنا الترابية لخدمة أهدافهم الانفصالية.
مسؤولية الأحزاب بالأقاليم الجنوبية
الصراع السياسي في الأقاليم الصحراوية ينتفي بشكل كلي مع مثيله في أقاليم الشمال، ويصعب على كل متتبع أن يفهم المشهد السياسي في هذه الأقاليم الجنوبية، دون أن يستحضر العامل القبلي الذي يتداخل مع الانتماءات الحزبية، ولا شك أن الانتخابات الجماعية لسنة 2009 وقبلها الانتخابات التشريعية لعام 2007 ، قد شفت حجم التداخل بين ما هو حزبي وما هو قبلي ، في ظل صراعات تختلط فيها المصالح الشخصية وتتصادم فيها الأجندة الانتخابية والسياسية لشخصيات حزبية قبلية من أجل الوصول إلى كراسي المسؤولية المحلية بأي ثمن.
من هذا المنطلق تبدو المسؤولية السياسية والأخلاقية لرموز قبلية حزبية، فيما وصلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من تدهور ، مما حدا الشرائح المتضررة إلى الانتفاض ضد الوضع والمطالبة بتصحيحه.
لقد شكل اعتراف وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى عند لقاءه في 5 ماي 2009 بممثلي السكان من برلمانيين ومستشارين محليين بوجود اختلالات في المجلس البلدي للعيون، نظرا للصراع القائم بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي أثناء التحضير لمعركة الانتخابات المحلية، دليلا واضحا على أن ما يجري بالأقاليم الجنوبية وبالخصوص بمدينة العيون يعود في جزء منه إلى التنافس غير الشريف بين بعض الأحزاب إلى الحد الذي وصل ببعض القياديين المحليين إلى خرق القانون، والاستعانة ببعض وزراء من الحكومة للحصول على دعم لوجسيتي للفوز بالاستحقاقات الانتخابية التي جرت آنذاك.
ولعل ملف البقع الأرضية التي وزعت في إطار سباق انتخابي محموم استعملت فيه أساليب الفساد لاستمالة الناخبين، ناهيك عن تزوير أختام العمال والولاة على مجموعة من الوثائق، يؤكد المسؤولية الكاملة للأحزاب في ما وصلت إليه الأمور إلى اليوم ، والتي ظهر كيف أن النعرة القبلية والنزعة الحزبية الضيقة والمصالح الشخصية لعبت دورا كبيرا في تأزيم الأوضاع الاجتماعية ودفعت ببعض الساكنة إلى اختيار النزوح الجماعي إلى ضواحي العيون.
فالتهم التي وجهت إلى المسؤولين عن المجلس البلدي للعيون من طرف الاتحاد الاشتراكي منذ كان خليهن ولد الرشيد على رأس المجلس ثم بعد ذلك أخوه حمدي ولد الرشيد الذي ينتمي لحزب الاستقلال بشأن قضية توزيع بقع أرضية، حوالي 2254 بقعة أرضية و1300 بطاقة للإنعاش الوطني، لاستمالة أصوات الناخبين في الانتخابات، والتحكم في الخارطة السياسية للمجلس البلدي بالمدينة، ثم قضية توزيع أكثر من 1300 بقعة أرضية بشكل غير قانوني وإحالة المسؤول الأول بالعمران بالعيون على الإدارة المركزية بالرباط، لورود اسمه في هذه القضية، والذي كان قد أكد أن وزارة الإسكان هي من أصدرت الأوامر شفويا لمنح أزيد من 1300 بقعة لنائب رئيس بلدية العيون الذي بدوره وزعها على المقربين منه، من أجل ضمان أصواتهم في الانتخابات الجماعية، لم تأت من فراغ وتتبرز بجلاء مدى التسيب الحاصل بهذه المنطقة من طرف لوبيات العقار والسياسة ومن يحميهم، و استفحال سياسة الريع التي جعلت البعض يغتني في ظرف وجيز، ويساهم في عرقلة المسيرة التنموية للمنطقة، وتم إعدام العديد من المناطق الخضراء و تحويلها إلى فضاءات لتشييد الفيلات، بالإضافة إلى قضية 300 بقعة أرضية بمخيم الوحدة التي كان من المفروض أن يستفيد منها سكان هذا المخيم، إلا أنهم اكتشفوا أن بقعهم الأرضية تم بيعها لمواطنين آخرين لا علاقة لهم بالمخيم.
فهذه الصورة تضع الدولة أمام المحك وجعلتها تصبح رهينة في يد القائمين على تدبير الشأن المحلي وكذا رهينة بيد بعض الساكنة وتكشف عن مسؤولية الأحزاب التي تقوم تدبير الشأن العام والوطني والمحلي، خاصة وأن العيون أكبر حواضر الأقاليم الجنوبية يسيرها حزب الاستقلال الذي بدوره يقود الحكومة الحالية.
الصحراء الأسبوعية
التعليقات (0)