المستشار عبد الغفار محمد "قاضي قضية تنظيم الجهاد الكبرى" عام 1988 والذي توفي قبل ثلاثة أسابيع في هدوء شديد كما تعود في حياته بعيدا عن الأضواء والتصريحات النارية، كان يعلم أنه يجمع في منزله متفجرات ومواد ناسفه جمعها طوال فترة عمله في القضاء لمدة 39 عاما، هذه المتفجرات عبارة عن أوراق تحقيقات في مجموعة قضايا شهيره أقلقت مصر والوطن العربي في فترة من الزمان، ولعلمه بخطورة هذه الأوراق حذر أبناؤه وأحفاده من اللعب بها وأن يحتظوا بها بعد وفاته للذكرى فقط، حتى مذكراته التي عكف على كتابتها فترة خمس سنوات كاملة، طالب من إبنه المهندس محمد عدم نشرها بعد وفاته لما تحتويه من أسرار قد تؤدي بهم إلى ما وراء الشمس، لكن بعد فترة من الزمان وبالتحديد بعد حكم النظام الحالي سوف تصبح هذه المذكرات كنزا لما تحتويه من شهادات وتوثيقات لأهم المراحل التاريخية في مصر وأهم الجماعات الجهادية في الوطن العربي خلال قرن من الزمان.
وعقب وفاة المستشار عبد الغفار نشرت أحدى الصحف المصرية اليومية المستقله حوارا قديما معه وجاء في الحوار تلميحات عن بعض هذه الأسرار الخطيرة وعقب طباعة الصحيفة وقبل أن تباع في الأسواق يوم السبت 28 نوفمبر الماضي – ثاني أيام العيد – ألقت مباحث أمن الدولة القبض على المهندس محمد عبد الغفار نجل المستشار الوحيد عشية طبع الصحيفة يوم الجمعة 27 نوفمبر –أول ايام العيد – وتم مصادرة مكتبة والده بالكامل بما تحتويه من كتب وأوراق وملفات، وتم إقتياد نجل المستشار إلى الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بمدينة نصر، وبعد عرض الأوراق والكتب والملفات على لجنة فنية، اكتشفت أن مذكرات المستشار غير موجودة ضمن المضبوطات، فعاودت قوة من مباحث أمن الدولة تفتيش منزل المستشار يوم الإثنين 30 نوفمبر، ولعلم أبنة المستشار وحفيده - نجل المهندس محمد – أن مصير والده مرتبط بتسليم هذه المذكرات، تم الإفصاح عن مكانها وتسليمها إلى قوة التفتيش، وتم بناء عليه الإفراج عن نجل المستشار مساء يوم الثلاثاء أول ديسمبر الجاري عقب مناقشته حول المذكرات والتنبيه عليه – وتهديده – بأن العواقب سوف تكون وخيمه في حالة التحدث عن أي من أسرار والده لأي وسيله إعلامية، وهو ما حدث بالفعل عقب الإفراج عنه حيث توجه إلى الإسكندرية ورفض الحديث إلى أحد، حتى مع أفراد أسرته.
وعن ملابسات الفزع الذي أصاب النظام عقب ورود معلومات للإدارة العامة لمباحث أمن الدولة حول الحوار المنشور بالصحيفة ليلة الطبع،أكدت مصادر على أن اللواء حبيب العادلي تلقى أشاره عاجلة من مدير إدارة مباحث أمن الدولة حول الحوار المنشور بالصحيفة مع المستشار الراحل وأن هناك تلميحات عن وجود أسرار خطيرة لدى محرر الحوار في الصحيفة المصرية المستقلة، وبعد حوالي نصف ساعة، أصدر اللواء حبيب العادلي تعلمياته لمدير إدارة مباحث أمن الدولة بالتوجه إلى مسكن المستشار عبد الغفار وتفتيشة ومصادرة جميع الكتب والأوراق الموجودة به وأيضا أجهزة الحواسب الآلية وأشرطة الكاسيت والإسطوانات المضغوطة وأيضا إلقاء القبض على نجل المستشار.
ويضيف المصدر أنه في تمام الساعة الحادية عشر مساء – يوم العيد – عادت القوة إلى مقر الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بمدينة نصر بنجل المستشار وبكم هائل جدا من الكتب والأوراق والملفات، وتم تشكيل لجنة لفحصها، واستمر الفحص لمدة حوالي 24 ساعة بعدها اكتشفت اللجنة أن هناك تأشيرات وعلامات على بعض الأوراق بما بعتي أن هذه العبارات الموجودة بالورق تم تحديدها خصيصا للإستشهاد بها في توثيق معلومات ما حول جماعة الجهاد، بعدها مباشرة تم إستدعاء نجل المستشار الراحل وسؤاله عن ما إذا كان والده قد كتب مذكراته أم لا، وبعد ضغط نفسي إعترف المهندس محمد بأن والده بالفعل عكف قبل وفاته على كتابة مذكراته طوال خمس سنوات وأن هذه المذكرات موجودة بالمنزل في "خزنته الشخصية"، وبعد إبلاغ وزير الداخلية توجهت قوة من مباحث أمن الدولة إلى منزل المستشار والإتصال بالمهندس محمد نجل المستشار فور وصولهم منزل المستشار لكي يبلغ شقيقته ونجله محمود عبر الهاتف بأن يسلموا الضباط المذكرات الموجودة في خزنته الشخصية، وهو ما حدث بالفعل، وبعد حوالي ساعة ونصف عادت القوة إلى مقر الإدارة وبحوزتهم ملف يحتوي على مذكرات المستشار وهي عبارة عن 1300 صفحة بالإضافة إلى عدد من المستندات والوثائق المدعمة والدالة على المذكرات وعددها 2720 ثيقة.
ويشير المصدر إلى أن ضابط التحقيق حصل على ملخص بما تحتويه المذكرات من رئيس لجنة الفحص وبناء عليه قام بسؤال نجل المستشار حول ما جاء بها، وبعد مناقشات إستمرت حوالي ساعتين توصل الضابط إلى أن المهندس محمد عبد الغفار لا يعلم شيئ عن ما جاء بالمذكرات.
وحول الأسرار التي أحتوتها مذكرات المستشار الراحل عبد الغفار محمد يقول المصدر: أن لجنة فحص متعلقات المستشار كانت تتابع وتفحص الملفات والكتب بشغف لمعرفة ما تحتويه من أسرار، وهذه الأسرار كانت مبهمه ومبعثرة بين الأوراق والملفات التي تقدر بحوالي أكثر من 120 ألف ورقة موزعة على حوالي 380 ملف، وبالتالي فإن عمليات الفحص والتفتيش لم تكن ثريه بالقدر الكافي، لكن مذكرات المستشار كانت هي الخلاصة لما تحتويه من أسرار " مرعبه" وغايه في الغرابه والحساسيه، والمدهش أن كل معلومه أو سر جاء بالمذكرات كان مدعما بدليل ووثيقه تؤكد ما جاء بها، وهذه الأوراق التي تبلغ حوالي أربعة آلاف ورقة – المذكرات والوثائق – تم إعدامها بالكامل بعد قراءتها وإعداد تقرير مفصل بها تحت إشراف لجنة أخرى رقيبة على لجنة الفحص والتفتيش، وذلك مساء يوم الأربعاء الماضي.
ويشير المصدر إلى مذكرات المستشار المكونه من 1300 ورقة – بدون الوثائق – كانت تحمل عناوين عديدة – مبدئية – وجميعها تم "كشطها" ليبقى العنوان الأخير للمذكرات، وهو "تاريخ جماعات الجهاد.. من سالم رحال وحتى الإغتيال"، وأن مذكرات الجهاد هذه قسمها المستشار عبد الغفار إلى "تسع فصول" الفصل الأول عبارة عن مقدمة بعنوان ( الحاكمية في الإسلام)، ويتحدث فيه المستشار حول تعريف الحاكمية والأسانيد القرآنية والفقهية لها، ورأي العلماء حولها ومن بين هذه الآراء رأي الدكتور عمر عبد الرحمن – المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية تفجيرات سبتمبر 2001 – والذي أدلى برأيه هذا أمام منصة القضاء عندما طلبت شهادته في قضية تنظيم الجهاد الكبرى عام 1988 أمام المستشار عبد الغفار، وأشار المستشار في الملاحظات إلى أن الدكتور عمر عبد الرحمن أدلى بشاهدته أمام منصة القضاء في أربع ساعات كاملة معرفا الحاكمية في الإسلام ورأي الدين الإسلامي فيها، وأشار المستشار إلى أن رأي الدكتور عمر عبد الرحمن الفقهي كان هو الأرجع والأصوب – من وجهة نظره – لإرتباطه بالعقل والمنطق، أما عن رأي مفتي الجمهورية – آنذاك – الدكتور جاد الحق على جاد الحق فقد أشار المستشار في الفصل الأول من مذكراته أن مفتي الجمهورية أجاز الحاكمية وأيدها ودعم مشروعيتها بالأدلة والأسانيد القرآنية والأحاديث النبوية وذلك من خلال رأيه الشخصي للمستشار – نظرا لوجود صلة صداقة بينهما – لكن رأيه الرسمي في القضية فقد جاء في مذكرة رأي الأزهر الشريف أن الحاكمية لم يتم التوصل لتعريف دقيق لها حيث أختلف العلماء حولها وحول تماشيها مع العقل والمنطق!!.
ويحمل الفصل الثاني عنوان ( مبادئ تنظيم الجهاد) جاء فيه أجتهادات المستشار عبد الغفار في جمع آراء علماء الدين مثل الدكتور عمر عبد الرحمن والدكتور جاد الحق على جاد الحق حول مشروعية مبادئ تنظيم الجهاد وأيضا أقوال أعضاء التنظيم وقناعاتهم حول هذه المبادئ من خلال أقوالهم في محاضر التحقيقات وآستجوابات المحكمة – التي كان هو رئيسها- ، وجميعها تخلص إلى أن المبدئين الذان يقوم عليهما التنظيم هما " إقامة الخلافة الإسلامية وحق الشعب في الخروج على الحاكم" وهذا جائز إسلاميا ولا إثم فيه.
أما الفصل الثالث فقد حول عنوان ( بداية تنظيم الجهاد في مصر): وجاء فيه تاريخ التنظيم منذ بدايته في مصر عام 1979 على يد محمد سالم رحال عقب عودته إلى مصر قادما من الأردن والجهات والدول المموله للتنظيم منذ البداية، وهذا وارد في إعترافات سالم رحال أمام النيابة، وأيضا أعترافات محمد عبد السلام فرج رئيس التنظيم والذي أقنعه الرحال بفكر الجهاد وقاموا سويا بنشر الفكر في مصر إلى أن تم إغتيال السادات عام 1980، وخلال هذه الفترة – عام واحد – كان التخصيط لتجنيد أشخاص لإغتيال الرئيس السادات "رحمه الله" وكان الفكر الجهادي الوسيلة لتجنيد الشباب ونجح المخطط وتمكنوا بعد عام واحد فقط من إغتيال السادات، وساهم في نجاح خطة سالم رحال تعاون جهات حكومية معه وشخصيات على مستوى رفيع تعاونوا معه - سواء بقصد أو بدون قصد – لنجاح مخططه وهذا وارد في أوراق التحقيقات أمام النيابة ، وأيضا سخاء سالم رحال المالي ساعد محمد عبد السلام فرج في النجاح في إستقطاب عدد كبير من الشباب في وقت قياسي وأيضا إستقطاب موظفين كبار كانوا يمدوهم بالمعلومات التي كانوا يحتاجونها، وأيضا كانت هذه الشخصيات الكبيرة ترعاهم من بعيد وتحذرهم وقت الخطر، وخلال هذا العام (1979-1980 ) تلقى سالم رحال من دولة عربية - نحتفظ بإسمها - حوالي 25 مليون جنيه، أنفقها على التنظيم الذي لم يتعدى عدد أفراده الثلاثة آلاف شخص وعلى المساعدين والموالين من الحكومة وعلى جمع السلاح والذي كان جزء كبير منه مهرب من الجيش والشرطة، بمساعدة هؤلاء الموظفين الكبار!.
أمام الفصل الرابع فحمل عنوان ( الجهاد والإخوان وآخرين) : وجاء فيه أن الجماعات الإسلامية لم تتفق فيما بينها في ذلك الوقت ولم يكن للإخوان دور مع التنظيم إلا أن سالم رحال ومحمد عبد السلام فرج وآخرين من كوادر التنظيم أو النواه الأولى للتنظيم حاولوا في البداية إستمالة أحدى أجنحه جماعة الإخوان المسلمين للإنضمام للتنظيم وإستغلال جزء من هذا التنظيم المنظم في تقوية الجماعة في بداية عهدها، وتلخصت المحاولة الوحيدة في مقابلة رحال وفرج ومن معهم من قيادات الجماعة بالقطب الإخواني صلاح إسماعيل عام 1979 ومحاولة إستمالته ومن معه من جماعة الإخوان للإنضمام للجماعة مقابل إغراءات مالية أو غيرها من المغريات إلا أنه رفض بشكل قاطع مما أغلق الباب أمام قادة تنظيم الجهاد ودفعهم إلى عدم المحاولة من جديد في هذا الإتجاه خاصة وأن الشيخ صلاح أبو إسماعيل حذرهم من خطورة ما هم مقدمون عليه تجاه الإخوان كتنظيم وما قد يتسبب فيه مثل هذا التصرف من صراعات بين الجماعات الإسلامية، وأشار المستشار إلى أن هذه الواقعة مثبته في ملف القضية وفي شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل نفسه أمام المحكمة في هذه القضية عقب إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة.
وحمل الفصل الخامس عنوان (السيرة الذاتية لأعضاء الجهاد) : وشمل تعريف أعضاء التنظيم الذين حوكموا في القضية الكبرى وعددهم حوالي 1500 متهم وما صدر ضدهم من أحكام، والشهادات الحيوية والمهمة التي تدخلت مباحث أمن الدولة آنذاك لإخفاؤها من ملف القضية ومن ملفات القضايا اللاحقة والتي كان المستشار محاميا عن أعضاءها فيما بعد خروجه للمعاش.
والفصل السادس حمل عنوان ( الجماعة والتنظيم والقوى الخارجية) : وتحدث خلاله المستشار عن دور بعض لدول العربية في دعم التنظيم ماديا ومعنويا وفكريا وأيضا الإمدادات بالسلاح لتنفيذ مخطط وضع خارج الحدود، وشهادات عدد كبير من أفراد التنظيم حول دور هذه الدول في نجاح مخطط الجماعة بإغتيال الرئيس السادات وأيضا شهادات أفراد التنظيم التي تم حجبها أثناء التحقيقات حول تورط شخصيات كبيرة في الدولة في مساعدة التنظيم وأيضا سفراء دولتين عربيتين كان لهم دور ملحوظ في دعم الجماعة ودور إسرائيل منفردا في إسقاط الجماعة عقب عملية الإغتيال وإعدامهم.
أما الفصل السابع فقد حمل عنوان ( أحكام القضاء و قضاء القدر) وتحدث عن الأحكام التي صدرت عقب خروجه للمعاش في حق أعضاء التنظيمات والجماعات الإسلامية وما حملته من قسوة في التنفيذ ووفساد في الإستدلال والتحقيقات وطمس للحقائق وعن إعدام خالد الإسلامبولي ودور دول عربية وإسرائيل في إصدار الحكم ضده ومن معه والإشراف بشكل مباشر على تنفيذه إلى أن تم ما أرادوا.
وحمل الفصل الثامن عنوان ( خلط الحقائق للوصول إلى المشانق): وتحدث فيه المستشار عن أن مباحث أمن الدولة من الوهله الأولى تعمدت خلط الأوراق وطمس الحقائق واختلاق الأحداث وإخفاء الجرائم الكبرى والفساد الإداري والذي هو أهم بكثير من التفاصيل التي جاءت وعرضت في القضايا التي تم نظرها أمام القضاء، وأيضا الأحكام القضائية التي شابها الفساد وصدرت من رأس جهة ما داخل الدولة دون تحقيق أو محاكمة عادلة وتنفيذ هذه الأحكام ببشاعة، وعن فترة إعتقال أعضاء التنظيم وما صاحبها من ممارسات تعذيبية مثبته من خلال شهادات الشهود في أوراق القضايا.
أما الفصل التاسع والأخير فيحمل عنوان (مراجعات الجهاد ووجوب فك الأسر) وتحدث فيها المستشار حول ملخص الجماعة "سيره ومسيره" وعن مراجعات الجهاد التي أطلقت خلال الخمسة عشر عاما الماضية وعن أفكار مطلقيها وتوجهاتهم وأسبابهم وحججهم ورأي الدين فيها ملخصا رأيه ورأيهم بعبارة " أيد الجميع مراجعات الجهاد من منطلق أن فك الأسر واجب في الإسلام).
هذا هو ملخص حقيبة المفرقعات التي سارعت مباحث أمن الدولة للسيطرة عليها، مذكرات قاضي لمس من خلال نظره لأهم وأكبر القضايا في فترة ثمانييات القرن الماضي فضائح وأسرار خطيرة خشي من إذاعتها في حياته، فكادت أن تهلك أبناؤه وأحفاده من بعده لو لم يسلموها مبكرا لقوة مباحث أمن الدولة، هذه المذكرات تم إعدامها بحرق تفاصيلها ليبقى منها تقرير لجنة الفحص والذي يحمل الخلاصة التي تم عرضها، أما التفاصيل فمن المؤكد أنها كانت أكبر من أن يصل إليها حتى الشياطين، ولو وصلنا إليها بالتفصيل لما كانت اليوم منشوره هنا!!.
التعليقات (0)