ملخص رواية الغريب لألبير كامي
الجزء الأول
الفصل الأول
تلقيت برقية من دار المسنين تبلغني بوفاة أمي.. ركبت الحافلة والجو شديد الحرارة.. استقبلني المدير قائلاً "لقد دخلت أمك الملجأ منذ 3 أعوام وكنت أنت عائلها الوحيد".. كدت أوضح الأمر لأني شممت رائحة تأنيب..لكنه قال.."أنت غير مرغم على تبرير هذا يا بني..فيتضح من السجل عدم قدرتك على إعالتها..على أي حال هي كانت أسعد حالاً هنا".. بعدها تركني أمام مبنى صغير به تابوت يحوي جثة أمي بعد أن أخبرني أن رغبتها كانت أن تُدفن طبقاً للطقوس الدينية.. شكرته.. وذهب تاركني لاندهاشي.. فأمي كانت ملحدة طيلة حياتها!!.. بعدها دخل البواب.."لقد غطيناها..لكني سأفك المسامير لك لكي تراها"..منعته..أخبرته أني لا أريد.. سألني "لماذا؟" بغير عتاب بل من أجل الاستيضاح.. فقلت لا أعلم.. ثم أخذ يثرثر.. كان سيدهش لو أخبرته أنه سيختم حياته كبواب لملجأ.. كان 64 عاماً.. قال أنه أتى للعمل هنا بسبب فقره.. ولأن صحته جيدة فطلب أن يكون بواباً..أخبرته أنه على أي حال واحد من النزلاء.. فاعترض بشدة.. فتذكرت طريقة كلامه عن النزلاء.. "هم" أو "هولاء" أو " الكهول".. رغم أن بعضهم يصغره سناً.. فهو كبواب يشعر بأنه أفضل منهم وأن له حقوقاً أكثر منهم.. عرض علي قدحاً من القهوة باللبن.. ودخنّا معاً.. دخل نحو 10 من أصدقائها.. أخذت أتأملهم.. ولم أدرِ هل حيوني أم أن عضلات وجوههم قد تقلصت.. جلسوا في مواجهتي حول البواب.. خطر لي خاطر مضحك.. أنهم جلسوا هكذا ليحاكموني!! .. نِمت.. آلام ظهري أيقظتني..كانوا نائمين مستلقين على بعضهم ماعدا واحداً يستند بذقنه على ظهر كفيه المتشبثتين بالعصا كأنه ينتظر استيقاظي .. استيقظ أحدهم وأخذ يسعل بشدة.. فأيقظ الباقين..أخبرهم البواب أن يذهبوا .. واندهشت عندما صافحوني جميعا كأنهم صاروا أصدقائي بعد جلسة بلا كلام.. خرجت.. ضوء الصباح يغمر الكون.. المدير سألني إن أردت أن ألقي نظرة أخرى على أمي فقلت لا.. فهاتف موظفي النعش أن يأتوا بالتابوت.. قال أنه لن يجعل النزلاء يحضروا الجنازة.. ما عدا العجوز "توماس بيريز" الذي كان صديق أمك.. كانا لا يفترقان ويدعونهما بالخطيبان فيسعدا.. الطبيب منعه من توديعها بالأمس.. في الجنازة رأيته .. كان كهلاً.. ومع بداية السير وجدته يعرج .. الحرارة تزداد , العرق يزداد.. سألني المشرف هل هي عجوز؟ .. فقلت له تقريباً.. فأنا لم أكن أعرف سنها بالضبط.. بلغت حرارة الشمس أن جعلت أسفلت الطريق يسيح.. كدت أصاب بالدوار من هذا الجو.. وصلنا للكنيسة وتعرض "بيريز" لغيبوبة .. أهالوا التابوت بتراب أحمر .. أذكر ابتهاجي حينما عاد بي الاتوبيس الى مدينتي التي استقبلتني بأنوارها الساطعة وقد استحوذت علي حينئذ فكرة واحدة .. أن أنام لنصف يوم ..
الفصل الثاني
عندما استيقظت علمت سبب غضب رئيسي وهو يوافق على إجازتي .. فاليوم السبت .. أي أني حصلت على يوم إجازة آخر غداً.. حلقت ذقني وذهبت للسباحة فشاهدت هناك "ماري" الفتاة التي كانت تعمل معي .. أظن أنها معجبة بي ..
اقتربت منها وألقيت عليها بالتحية وظللنا نعبث في المياه .. احتضنها وداعبتها كثيراً .. كانت تسعد وتضحك .. سألتها أن تأتي معي إلى السينما هذا المساء فوافقت .. سألتني عن شارة الحداد فأخبرتها عن وفاة أمي وأنا اَعتذر ولا أدري لمَ اَعتذر .. وكأن الإنسان يجب أن يشعر أنه دائماً مذنباً بصورة ما .. شاهدنا الفيلم .. وقبلتها في نهاية السهرة قبلة مرتبكة .. ثم أتت معي إلى منزلي .. وعندما هل الصباح رحلت لتزور خالتها .. اليوم الأحد .. وأنا أكره هذا اليوم .. أخذت أتسلى بشم رائحة شعر "ماري" في الوسادة .. حتى نمت ثانية .. واستيقظت في الــ 10 صباحاً .. جسلت أدخن في السرير حتى الظهر .. ولم أذهب لأتناول الغداء عند "سيلست" كما عادتي لأني لا أريد أية أسئلة , فسلقت بعض البيض وأكلته بدون خبز .. لأنه لم يكن موجوداً وكسلت أنزل لشرائه .. شعرت ببعض الكئابة .. أخذت أقرأ جرائد قديمة لأقص منها إعلانات ظريفة لألصقها في أوراقي كعادتي .. ذهبت لأجلس في الشرفة التي تطل على الشارع الرئيسي في الضاحية .. الجو جميل .. الشارع موحل .. المارة قليلين متعجلين .. أخذت أتأمل وجوههم .. أغلبهم ذاهب لسينيمات وسط البلد .. حتى بدأ الشارع يخلو من المارة تدريجياً .. إلا من القطط وأصحاب الحوانيت.. دخلت لأحضر قطعة شيكولاتة لأتناولها في الشرفة .. مرت سيارات تطلق أبواقها .. وأصحابها يصيحون فرحين بسبب فوز ناديهم .. أحدهم أشار إلي بفرحة فأومأت إليه مبتسماً .. ظللت جالساً أتأمل حتى قتم الليل فنزلت إلى الشارع لأشتري عشائي .. أعددت الطعام وأكلته وأنا واقف .. شعرت بالملل لأن غداً يوم آخر من العمل .. أمي ماتت ..
الفصل الثالث
عملت بإخلاص وإرهاق في ذلك اليوم .. فأشاد بي المدير .. وذهبت مع "عمانويل" لمتابعة العمل في الميناء .. فوجدت الناقلات قد بدأت التحرك بدوننا .. فهرولت نحو أقرب عربة أنا و"عمانويل" .. والتراب يزداد حولنا حتى تعلقت بحافتها وهبطت عليها .. وفعل "عمانويل" مثلي بعد أن ساعدته .. أنهيت عملي وعدت لبيتي متعباً مرهقاً .. فاصطدمت بجاري العجوز .. ومعه كلبه الجربان .. كان دائم العراك مع كلبه ويسبه بأقذع الألفاظ .. والكلب يرد عليه نابحاً .. وإن كانا في النهاية (مالهومش غير بعض) .. وبعدها صعد إلى البناية جاري "ريمون" الذي لا يحبه أحد .. القصير ذو الجسم الرياضي الذي يعيش عالة على النساء .. كان كثيراً ما يزورني ليحكيني مغامراته النسائية .. أجد في حكاياته المتعة .. عزمني وقتها أن أتي لاتناول طعام الغذاء معه .. ففعلت .. ثم أخذ يضمد جراحه بسبب مشاجرة له مع أخ عشيقته التي تصرف عليه .. أخبرني أنه اكتشف أن عشيقته هذه تخونه .. وأخبرني أيضاً أنه لا يعيش عالة على النساء كما يشاع عنه .. فهو يعمل في محل تجاري .. وطلب صداقتي فوافقت .. فطلب مني أن أبحث معه على فكرة نعاقب بها حبيبته الخائنة .. فقلت له أني لم أصل لرأي بعد .. فقال سأكتب إليها خطاباً حتى تأتيني شقتي ثم أبصق في وجهها وأضربها .. وطلب مني أن أساعده في كتابة الخطاب .. ففعلت .. فسعد بي كثيراً وأخبرني أني صديق حقيقي .. شربت قرابة لترين نبيذ فشعرت بصداع هائل ودخنت الكثير فنفذت سجائري فاقتربت من سجائره .. عدت لبيتي لأنام
الفصل الرابع
بذلت مجهوداً صعباً في العمل هذا الأسبوع .. وذهبت مع "عمانويل" إلى السينما مرتين .. هو لا يفهم الأحداث ولا الرموز ويلزم لي أن أشرح له .. أخبرني" ريمون" أنه أرسل إليها الخطاب .. وذهبت إلى البحر مع "ماري" الجميلة .. وظلت تريني ألعابها الطفولية واحتضنّا بعضنا كثيراً وقبّلنا بعضنا أكثر .. وعادت معي إلى بيتي .. وظلت معي حتى الصباح .. وأخبرتني أنها ستتناول طعام الغداء معي .. فنزلت لاشتري اللحم .. وسمعت صوت إمرأة عند ريمون .. بينما جاري العجوز يتشاجر مع كلبه كالمعتاد .. وعدت لأجدها تلبس بيجامتي فاشتهيتها مرة أخرى .. سألتني هل أحبها؟ .. قلت لا اَعتقد .. فتضايقت .. لكنها عندما كانت تضحك كنت أنهال عليها بالقبلات .. سمعت وقتذاك صوت ضوضاء في شقة "ريمون" .. فانطلقت مع كل الجيران نحو بيته وأتى شرطي ليرى ما الأمر فقالت الفتاة التي كانت مع "ريمون" أنه ضربها وأنه قواد فقام "ريمون" بمعاملة الشرطي بصلافة فصفعه الشرطي وأهانه كثيراً .. بعدها ذهبت أنا وماري لنتناول الطعام .. فلم تتناول الكثير .. ورحلت في الواحدة .. فَنِمت .. أتاني في الثالثة "ريمون" .. صامتاً وخجلاً .. ثم عبر عن سعادته لأنه ضرب الفتاة وانتقم لشرفه .. بعدها طلب مني أن آتي لأشهد معه .. فوافقت .. ففرح كثيراً .. خرجت معه .. شربنا ولعبنا البلياردو .. كان لطيفاً وسعيداً بصداقتي .. وعلى السلم وجدنا العجوز غاضباً وهو يخبرنا أن كلبه هرب منه وهو يسير به في الطريق .. فأخبرته أن يذهب لجمعية الحيوانات الضالة ليدفع مبلغ فيسترده قبل أن يقتلوه .. فقال : أأدفع مالاً من أجل ذلك القذر؟؟ .. فضحكت مع "ريمون" وتركته .. بعدها طرق العجوز بابي وأخبرني باكياً .. من فضلك أخبرني أن الكلب سيعود إلي ثانية , فأخبرته بما يود سماعه .. فابتسم وذهب .. بعدها سمعته يبكي وينتحب من شقته ..
الفصل الخامس
هاتفني "ريمون" ليخبرني أنه يعزمني في شاليه قرب البحر لصديقه وزوجته ويمكنني أن آتي مع صديقتي "ماري" إليه لنقضي يوماً لطيفاً , فوافقت .. بعدها خاطبني رئيسي ليعرض علي أن أذهب لمكتب باريس حيث حياة أجمل وإجازات أكثر وترقية .. فأخبرته أني سعيد بحياتي هنا ولا أريد تغييرها فأخبرني أني غير طموح وانصرف عني .. جائتني "ماري" في المساء لتسألني أن أتزوجها فأخبرتها أنه لا مانع لدي .. فسألتني هل أحبها فقلت لا اعتقد وأن ذلك لا يهم .. فنظرت إلي باستغراب فقالت لكني أحبك وأريد أن أتزوجك فقلت لا بأس طالما هذه رغبتك .. بعدها خرجنا للتنزه وتناولنا طعامنا في الخارج .. ثم في طريق عودتي للمنزل رأيت العجوز حزيناً .. يخبرني أنه ذهب لجميعة الرفق بالحيوان ..ولم يجد كلبه .. وأخذ يبكي , فأخذت أواسيه .. وأخبرته أن أمي كانت تحب كلبه .. فترحم على أمي , وأخبرني أن أهل الحي ليسو غاضبين مني لأني أرسلت أمي لملجأ .. فأخبرته أني فعلت هذا ليس لجحودي بل لأني لا أستطيع إعالتها .. صافحني بيد ممتلئة بالقشور وذهب بعد أخبرني أنه يستيقظ من نومه كلما سمع نباح أي كلب ..
الفصل السادس
كان وجهي كئيباً عندما استيقظت يوم الأحد لكن "ماري" بدت جميلة بفستانها الرائع .. أخبرتها بذلك فابتسمت .. بدأنا في تجهيز حقائبنا حتى أتى "ريمون" بمنظره المضحك وقبعته الكبيرة التي أثارت ضحك "ماري" .. بالأمس كنت قد شهدت على أن صديقة "ريمون" خائنة بالفعل , فتمت تبرئته .. ذهبنا بالأتوبيس لنصل سريعاً .. ظل "ريمون" طوال الرحلة يلقي بدعاباته إلى "ماري" .. وظلت تضحك على منظره أكثر من دعاباته .. حتى وصلنا لشاليه صديق "ريمون" .. رجل أنيق وسيم يدعى "ماسون" .. وزوجته ممتلئة باريسية جميلة .. أخبرنا أنه يأتي للاستجمام من عناء العمل في هذا الشاليه .. ولما وجدت "ماري" منسجمة في حديث ضاحك مع زوجة الرجل أدركت أني سأتزوج قريباً .. بعدها ذهبنا إلى البحر .. سبحت كثيراً مع "ماري" وقبلتها كثيراً ولهونا .. ثم بعدها تناولنا الغداء .. سمك وبطاطس في جو جميل وضاحك وبهيج .. بعدها رأينا 3 شباب من الشلة إياها يقتربون نحونا .. فذهبنا إليهم أنا و"ماسون" و"ريمون" .. تشاجرنا وتلاكمنا .. وأصيب "ريمون" بضربة مدية .. ذهبنا لمداواته عند طبيب قريب .. بعدها أتى الشبان من جديد .. فأخذ "ريمون" مسدسه وظل ناظراً بغيظ لأحد الشباب الذي يتسلى بإغاظته بالعزف في المزمار .. "ريمون" سألني أن أقتله .. فأخبرته ألا يفعل .. وأخذت منه المسدس .. بعد قليل رحل الشبان .. ففضلت أن أسير وحيداً على الرمال بين الصخور تحت أشعة الشمس التي صدعتني كثيراً وذكرتني بشمس يوم دفن أمي .. حتى رأيت شاباً منهم يقترب مني .. ويضع يده في جيبه ..وفجأة أخرج مديته ولوح بها أمام وجهي .. فعكست أشعة الشمس في عيني بصورة أعيتني .. وأشعرتني أني قد أصبت فعلاً بتأثير المدية .. فأخرجت مسدس"ريمون" وأطلقت على الشاب أربع رصاصات !
الجزء الثاني
الفصل الأول
قبضوا علي .. وحققوا معي عشرات المرات .. أخبرني القاضي أن أوكل محامياً فرفضت , وأخبرته أن قضيتي بسيطة وأني سأدافع عن نفسي جيداً .. فضحك .. ووكلت المحكمة محامياً للدفاع عني .. أتاني وسألني : الجميع أكد أنك لم تكن حزيناً على وفاة أمك .. فهل هذا صحيح؟؟ .. اندهشت من هذا السؤال العجيب .. ورفضت أن أجيب عليه فأخبرني أن هذا ضروري لمصلحتي .. فقلت بالطبع كنت حزيناً .. أخبرت المحامي أني كنت متعباً وقتها .. إرهاق جسدي عرقل وصول مشاعري إلى الوجه .. فقال لي المحامي أن هذا غير كافٍ .. فأخبرني أنه سيتم جلب نزلاء الملجأ والمدير للشهادة .. فأخبرته ما علاقة هذا بالقضية؟؟ .. فنظر إلي نظرة تشي بأني ساذج .. بعدها طلبوني للتحقيق ثانية .. فشعرت بالملل , ففضلت الصمت .. فزعق القاضي في وجهي وأخبرني أني بهذا أضر نفسي , فحكيت القصة للمرة المليون .. بعدها سألني هل كنت أحب أمي فقلت نعم ..بعدها سألني هل أطلقت الرصاصات كلها بسرعة أم كنت انتظر بين كل رصاصة وأخرى .. ولماذا لم اكتفِ برصاصة واحدة؟ .. فلم أدرِ بمَ أجيب فأخذت أعرق واكتفيت بالصمت .. أحضر تمثال المسيح ووضعه أمامي وسألني هل تؤمن بالله؟ .. فأجبت بالنفي .. فصعق بشدة وأخبرني أن كل الناس يؤمنون بالله ولو انصرفوا عنه .. من لا يؤمن بالله حياته بلا معنى .. هل أنت حياتك بلا معنى؟؟ .. فأجبت أني لا أهتم .. ففضلت أن أنهي هذا الجدل .. فتظاهرت بموافقته فقال : إذن أنت تؤمن بالله .. فعدت من جديد لأجيب بالنفي فصعق من جديد! .. أخبرني أنه لم يرَ في حياته عنيداً مثلي .. فالمجرمين من أمثالي يبكون ويتوسلون كثيراً لله من أجل أن يرحمهم !
الفصل الثاني
كانت الحياة في السجن صعبة ومملة وسخيفة .. وحشرات حولي في كل مكان .. تمر على وجهي .. حتى زارتني "ماري" .. كانت كالبدر بفستانها الطويل وشعرها المنسدل .. رغم ذلك كنت منتبهاً أكثر لحديث المساجين من حولي مع أقاربهم وبكائهم ..أخبرتني أن "ريمون" يرسل إلي تحياته وأنها ستتزوجني بعد خروجي , فأخبرتها أني لا أعتقد أني سأخرج .. فقالت : بل ستخرج وسنتزوج .. أرسلت إلي قبلة وذهبت .. وأخذني الحراس إلى سجني ثانية .. اشتاق بشدة لحضن "ماري" وقبلاتها .. كانت أمي تخبرني أن في العالم دائماً من هم أسوأ مني , مما جعلني أتكيف مع أي ظروف وأي وضع .. مرت الشهور وأنا في السجن , وظللت أتعذب من الحاجة إلى الجنس .. وتعبت من تخيل كل النساء اللاتي عرفتهن .. حتى أرهقت عقلي .. ناهيك عن أنهم أيضاً حرموني من التدخين , فظللت اَنتزع خشب ألواح السرير لأمصه
رغم هذا لم أكن أشعر بالتعاسة .. كنت أريد فقط أن أقتل الوقت .. بعدها كنت أجلس لأغمض عيني وأضع أثاث بيتي في عقلي وأظل أجوب داخل شقتي .. كنت أنام اليوم بأكمله ماعدا ست ساعات كنت أكل فيها وأذهب للحمام وأظل أتأمل في قصة قرأتها في إحدى الجرائد عن طفل هجر أمه وأخته وعاد إليهما غنياً بعد 25 سنة ليقيم في فندقهما دون أن يخبرهما بشخصيته .. فقامت الأم بقتله بمساعدة الأخت .. ليأخذا ماله .. وبعد أن عرفوا حقيقته .. انتحرا! .. تداخلت الأيام وأصبح الأمس هو الغد هو اليوم .. الليل هو النهار .. لم أصدق الحارس حين أخبرني أنه قد مر علي في زنزانتي 5 أشهر !
الفصل الثالث
بدأت المحاكمة .. وأتى الشهود والمتفرجون والصحفيون .. القاضي قرأ القضية والإتهام فوافقته باحترام .. كان الجو حاراً خانقاً .. القاضي سألني عن أمي والملجأ حيث أرسلتها إليه .. فتضايقت لكني أجبت من جديد أني لم أقدر على إعالتها .. سألني المدعي العام إن كنت قد ذهبت في الخلاء لقتل الشاب؟ .. فقلت بل ذهبت لأتمشى, وهو الذي سار خلفي .. فقال : وهل صدفة أن يكون معك مسدس؟ , قلت نعم .. يبتسم بخبث ويقول : نكتفي بهذا .. بعد هذا تم أخذ شهادة مدير الملجأ الذي قال أني لم أبدِ حزناً ولا ضيقاً على وفاة أمي ولم أبكِ مطلقاً ورفضت رؤيتها .. وأنها كانت دائمة الشكوى مني كعادة كل النزلاء الذين يشكون من أقاربهم , وقال أيضاً أن أحد الحانوتية أخبره أني لا أعرف سن أمي الحقيقي , بعدها نظر إلى المدعي العام بخبث وقال : نكتفي بهذا أيضاً ..وقتها شعرت برغبة هائلة في البكاء .. لهذه الدرجة أنا مكروها من هؤلاء البشر!! .. بعد هذا تم استجواب البواب الذي أخبرهم أني نمت وطلبت ومنه بعدها أن يصنع لي قهوة باللبن ودخنا كثيراً .. فضجت القاعة بالضحك .. يقول المدعي العام : يا له من ابن جاحد الذي يتناول شيئاً أمام جثمان والدته .. بعدها أتى "سيلسيت" صاحب المطعم ليشهد لصالحي .. فلم يستطع أن يقول شيئاً ذي فائدة وخرج كلامه متلعثماً .. فلم يفدني بشيء .. على أي حال شعرت أخيراً أن هناك رجلاً أريد معانقته ..بعدها أتت "ماري" وأخبرت القاضي عن علاقتنا منذ بدأت بكل براءة ورقة , فنهض المدعي العام ليسجل ملاحظة أني وطدت علاقتي الغير مشروعة بـ"ماري" بعد وفاة أمي بيوم وذهبت إلى السينما مع عشيقتي الجديدة لكي أشاهد فيلماً كوميدياً .. ينظر لي في انتصار ويقول : ليس هناك أكثر من هذا ..فشعرت "ماري" بالذنب فبكت .. فابتسمت لها بمعنى لا ذنب لكِ يا صغيرتي .. بعدها أتى العجوز ليخبر القاضي أني كنت لطيفاً مع كلبه وأني أرسلت أمي للملجأ بسبب مللي منها .. وبعدها أخذ يتحدث بجنون حول كلبه الضائع .. بعدها أتى "ريمون" ليقول أني بريء فقال القاضي له : لا شأن لك بإصدار الإحكام .. وسأله عن تورطي معه في كتابة الخطاب لعشيقته بخط يدي فلم يستطع الرد .. وقال المدعي العام : وهل مصادفة أيضاً أن يقوم المتهم بتبرئتك يا "ريمون" من ضربك لعشيقتك رغم أنه لم يشهد على خيانتها لك؟؟ .. ثم استطرد للقاضي : إن "ريمون" هذا معروف أنه قواد .. فلا تجوز شهادته لأنه يريد أن يجامل صديقه ويبرئه .. نماذج منحطة! .. المحامي سأل : هل هو متهم بقتل رجل أم بدفن أمه؟؟ .. فضجت القاعة بالضحك .. استطرد : نعم أنا أعرف أنه دفن أمه بقلب قاسِ .. لكن هذا لا يبرر أنه قتل مع سبق الإصرار والترصد .. وفضت الجلسة .. بعدها وصل لأذني أصوات الباعة والترام والبشر يتصايحون من الشارع ..كنت استمتع بهذه الأشياء البسيطة حتى حُرِمت منها ..
الفصل الرابع
كنت لا أستطيع الدفاع عن نفسي .. الكثير يروني قاسياً .. والأقربون لم يستطيعوا الدفاع عني .. هل أنا متهم بالفعل؟ .. قاتل وحقير ونقمة على البشرية؟؟ .. بعدها نُصبت القاعة من جديد .. وأتى المدعى العام ليشرح القصة بتفسيره الخبيث.. قال أني كنت جاحداً لأمي ودفنتها بقلب قاسٍ وقال أني مستهتر وذكي وواثق لأني مجرم وارتكبت جريمتي مع سبق الإصرار والترصد وقال أيضاً أني كنت متماسكاً في السجن ولم أبكِ أو أتوسل إلى الرب لينقذني!.. وقال أني نقمة على البشرية كلها وأني أسوأ نموذج فيها .. ويجب التخلص مني للأبد لكي يصبح المجتمع جميلاً ومتطوراً .. طالب بتوقيع عقوبة الإعدام علي .. بعدها قام المحامي ليدافع عني دفاعاً متخاذلاً .. وتم أخذ آراء المحلفين بعد ذلك .. سألني القاضي إن كنت أريد أن أقول شيئاً .. فقلت لا .. فأصدر حكماً بإعدامي !
الفصل الخامس
رفضت للمرة الثالثة أن أقابل الكاهن من أجل توبتي .. كان الأمل في جلسة الاستئناف .. لا يهمني أن أموت في الثلاثين .. فما الفرق بين أن أفعل في الثلاثين أو السبعين؟؟ .. مر وقت طويل وأنا في سجني.. انتظر الاستئناف .. لم تراسلني فيه "ماري" أو تأتي لزيارتي .. ربما ماتت أو مرضت أو ذهبت لتبحث عن عشيق آخر .. على أي حال هذا حال البشر ..قد يتم رفض استئنافي وسأموت .. وسينسوني البشر وستسمر الحياة .. طلب مني أحد الحراس أن استقبل الكاهن كصديق كما يطلب .. فوافقت على سبيل التسلية .. أتى الكاهن فسألني لماذا أرفض مقابلته .. فأخبرته لأني غير مؤمن بالله , فحاول إقناعي .. فأخبرته أني غير مهتم أصلاً بوجوده من عدمه .. أخذ يتبسط في الأمر .. وهو ينظر مباشرة إلى عيني كطريقة في التأثير أفعلها مع أصدقائي .. وطلب مني أن أؤمن على سبيل الاحتياط ربما يكون الله موجوداً وسيساعدني .. فرفضت أيضاً .. فقال أنه سيصلي من أجلي .. فأمسكته من تلابيه وأخذت أضربه حتى خلصه الحراس من ذراعي وذهب عن وجهي باكياً .. ما هو الموت ؟ , ما هي الحياة؟ , حياتي كان من الممكن أن تصبح حياة أخرى .. و"ماري" ستبحث عن عشيق آخر .. هل أحتاج لتبرير ما أفعل؟؟ .. لا فائدة؟؟ .. فأنا لو فعلت سأبرر هذا للبشر .. وأنا لا أريد البشر الآن .. اتهموني بالقتل مع سبق الإصرار والترصد لأني لم أبكِ أمي .. ما الذي يهم؟؟ .. ما فائدة الحب؟ .. ما فائدة الصداقة؟ .. ماذا لو مت؟ .. هل سآتي للدنيا من جديد كأبله آخر؟ .. أم أن خبراتي ستظل قائمة ليستفيد بها جديدي؟؟ .. على أي حال .. أنا عشت حياة سعيدة رائعة .. ولكي ينتهي كل شيء على ما يرام .. ولكي لا أشعر بالكثير من الوحدة .. لم يعد أمامي إلا أن أتمنى أن يحضر متفرجون كثيرون يوم تنفيذ الحكم بإعدامي .. وأن يستقبلوني بصحيات الكراهية..
http://3asoryat.blogspot.com/2010/04/blog-post_26.html
التعليقات (0)