يقضم الأمسُ ما تبقى من أكفاننا في مهب الذكرى
إليكِ تركض الأشجار المولودة حديثاً
وفي خصلات شَعري تقرأ حقول الذُّرة الجريدةَ
إحدى الغيمات تغمس رأسي
في كوب عصير يترنج في يد سيدة مخمورة
إنني الصنوبر العتيق
والمنجلُ القتيل في كل البراري النحاسية
يتسكع كلامُ الوحل على حيطان السوق المهجورة
لا يزال هروبُ الكهوف من صدري يشغل بالَ الرعود
أفرش جِلدي على عتبة بيتي لتفرح النيازك
وهي تقتحم عزلتي البنفسجية
مرَّت البنادقُ على غابات أصفهان
يوم انتحرتْ حجارةُ المعابد في أثينا
والتقى العشاق العاطلون عن العمل
تحت سور برلين
رُشُّوا عليَّ قليلاً من الأدغال
لأتذكر كتاباتِ البرق على ذيل السمكة
التقم الطفلُ ثدي الغابة
ومات كالخِزانات الزجاجية
في محلات بيع الأسلحة
لم يكن الإغريق يلعبون بجماجم آبائهم
أنا العائد من إغفاءة الأباريق الفخارية
يا من يُخزِّن المطرَ في قلب اليتيم
إن قلبي نورس الجوع له الندى جناحان
يجلس الصباحُ على كرسيه في المكتبة العامة
احتضنْ نَفَسي تجدْ مشنقتي
ينصبها الصدأ على شرفة بيتي
لكي أظل متذكراً اليوم
الذي مثَّل فيه النبعُ بجثتي
لا بد أن أنسى تاريخ ميلادي
نسرٌ يضع المجاعة في جيب قميصه
ويدخل في البيات الشتوي
شُنق أهلي في مساء ريفي مناسب لتأملات الفلاسفة
في كراسة الأحزان
لا أنفي إعداماتُ بطريق
ولا رمحي مطعم للعائلات
الأسلاكُ الشائكة
والملابس الداخلية للجنود المهزومين
والفقراءُ الذين يتسلقون أجسادَ نسائهم بحثاً عن الخبز
رقبتي هي السجون وأزقة سمرقند وفتيات غروزني
أنتن يا بنات كشمير تتذكرن أطرافي المرتعشة
في قاعات محاكم التفتيش
تنمو الجدرانُ كالبعوض الشمسي
في تقاسيم وجهٍ عائدٍ من حرب الصدى
كان الفطرُ السام يمزق الأغشية المخاطية للغبار
افرحْنَ أيتها السيدات العاريات
اللواتي يتسوَّقْن في ميلانو لأني أموت
وتجارُ الرقيق الأبيض يعلِّقون صرخاتِ الفقيرات
بروازاً للأثرياء الشاذين جنسياً
وراء الستائر وجليدِ الأديرة مكانٌ للرعب
وجهٌ أخرس مشرَّبٌ بانطفاء الصنوبر
في أرحام النعامات
كلُّ ليلٍ دمٌ لصباح يطلع من ياسمين المقاصل
والكهنةُ يتعثرون بخيوط النعنع الصاعدة
من شقوق بلاط المعبد
ويفتتحون انتحارهم في حقول عيونهم المشققة
والبحارةُ الإغريق ينصبون القلوعَ شواهد لقبورهم
أين حفارو القبور المترسبة
في قاع البطون الخالية ؟
لا بشرتي حقل ذُرة يرتديه جابي الضرائب
ولا إبطي مزرعة لتجار الأسلحة
كلكم ماء للعاصفة
اشربوني حفرةَ دمعات
في لحظات عري مسدسات بُخارى
الطريقُ إلى طشقند تشرِّح آذانَ الفلاحين
يا قمراً مذبوحاً في صبرا وشاتيلا
لا تصدِّقْ كلامَ الخريف العالق على سُرة بابل
لأن قلبي يعيد فتح الأندلس
حطابون نائمون على غصن الفكرة
فتحنا أقفاصنا الصدرية للخيول الطالعة
من خشب أعمدة الكهرباء
أتينا وفي ملامحنا يقفز سمكٌ
قطعتْ رأسَه وردةُ الرعد
المذنَّبُ أقام مدينته على حبال الغسيل
ولا غسيل على سطوحنا المفتوحة
للمروحيات العسكرية
أنسانا العوسجُ المستورَد كيف ننجب الأطفال
ونسينا طريقَ المقبرة في زوايا حلوقنا
لم تكن البراري تسجل بياناتِ جواز السفر لحصاني
الذي أضاع هويته الشخصية في أحد الكواكب
فلنستمع إلى المحاضرة التي يلقيها الشجر المطارَد
في كلية الحقوق
لكنني لا أدري لماذا رشَّح البحرُ نفسه
في انتخابات الإسطبل الذهبي
لم يشطب الغبارُ أسماءَ الشجيرات
من قائمة المطلوبين للشاطئ
لستُ الرملَ المائي حنجرةَ التفاحة
إنما لحم الزهور نيزك
اتبعْه ولا تنس أن تدفنني
أصغيتُ لصوت الجدار المخلوط بعويل الرمال
أيتها الصحراء الراكبة على ظهور الخيل
لماذا تلبسين الوجوهَ المنبوذة في حيِّنا المحاصَر ؟
اتخذتْ مدائنُ الرعشة مقراً لها في بلعومي
ارحمْني يا ضوء المنافي المنفية
أكوامُ النفايات في الشارع المعبَّد بالجثث
ورؤوسُ العبيد المقطوعة
التي نسيها النخاس في السوق
لا تلبسْني إذا احتفل القتيلُ بأعيادي
لأن يوم اغتيالي ميلادي
زرع الولدُ الذي أُعدِم أبواه نبتةً في خدي
وصراخُ الطباشير ينمو كراتب السياف
وإطاراتُ سيارة البلوط المصفحة ضد دمي
لكن البارود رئة
في العام الماضي أُعدمتُ في الساحة العامة
كانت النساء ينتظرن المولودَ الأول
وكنتُ أنتظر الموتَ الأول
ولم يكد الشَّمام يستل من أوداجي سيوفَ الحلم
حتى أحسستُ بالأبواب تُغلَق في وجه البحيرة
انطلق صوتُ المؤذِّن يفجر تواريخَ الإبادة
ويكسر الظلَّ الدموي في دهاليز محاكم التفتيش
كنتُ مصلوباً على الغسق
أنا الغيمة المصلوبة في ليلة عرسها
أناشيدي يحملها الآخرون إلى زوجاتهم وبناتهم
أما أنا فأظل أردد الأذان حياً وميتاً
ملامحُ للذكريات السليبة
للشعوب تفتش عن عصافير ذهبية في سلال القمامة
جثتي المضيئة تنصبها خيام الصنوبر عمودَ كهرباء
في الشارع الممتلئ برجال الأمن
رأسي قرطٌ مستعمل
في أذن الشجرة المحتضرة
دخلتُ في موتي الخامس .
http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/
التعليقات (0)