تحرك متسرع اكثر من كونه رد فعل سريع هو الانطباع الفوري الذي يمكن ان يتولد عن التعاطي المشوش للقوى الامنية العراقية مع حدث التظاهرات الاحتجاجية التي جرت في ساحة التحرير..والاكثر ارتباكا كان هو الاجراءات الاعلامية والاجرائية التي اتخذتها الحكومة العراقية في تناولها الاقرب الى الخطأ لتداعيات الحالة..
اخطاء بدأت مع استباقيات الحدث المبالغ بها..واستمرت خلال التجمع ولم تنتهي بالارتباك المفتقر للمهنية الذي رافق نهاياته..مما ادى الى تعقيد الصورة التي آلت اليها الامور بدلا من تجاوزها باقل الخسائر الممكنة..
الخطأ الاول كان في عدم احتضان التظاهرات وتقديمها كحركة شعبية وطنية معارضة قد تكون ضرورية في ظل الحالة البرلمانية الراهنة التي تمثلها حكومة الشراكة الوطنية..بل التعامل معها بالكثير من التخوف والتطير الذي من الممكن ان يفسر على انه تقاطع مع الشعارات المرفوعة والتي تتحدث عن تطوير الاداء الحكومي من ناحية الخدمات ومحاربة الفساد والقضاء على المحاصصة السياسية على الرغم من انها مما اعترفت الادارة بوجوده حد التشكي ومطالبة الشعب بالتعاون للقضاء على هذه الازمات..
كما ان بعض الاجراءات الامنية والتي استندت على معلومات عن نية البعض ركوب هذه التظاهرات وتجييرها لمصلحة بعض الاطراف المناهضة للعراقيين وعمليتهم السياسية كانت مبالغا بها جدا وقدمت صورة زائفة عن حجم هذه الاطراف ومدى تأثيرها على الشارع العراقي..بل قد تكون الحكومة بموقفها هذا قد قدمت لها خدمة اعلامية هائلة هي ابعد بكثير مما كانت تتمناه وما ترجوه من استغلالها لهذا الحراك ..بل ان مجرد ذكرها ضمن مجال خارج نشاطها الاساسي في الارهاب والتخفش في الحفر والكهوف هو نوع من التكريس الذي لم تكن تتوقعه في يوم من الايام..
وقد يكون اكثر الممارسات خطلا هو التضييق على الاعلام الحقيقي المحترف ومنعه من التغطية المهنية للحراك الشعبي وترك الساحة نهبا للتغطيات الاقرب الى العمل السري الاستخباري التي قامت بها بعض القنوات من خلال فرض صورة معينة منمطة على الاحداث وباستخدام وسائل قد لا تكون بالاتقان المطلوب ولكنها تملك حظها من التأثير بلا ادنى شك..
وتلك الصورة ساهم في ترويجها انكفاء الاعلام العراقي الرسمي وتغطيته للاحداث من على التل ومن خلال الكاميرات المقربة..والاكتفاء بكم منفر من الحوارات المكرورة المملة المستعرضة لما سوف ينجز من امور لم يتلمسها المواطن على الارض لحد الان..
كما ان بعض الشبحية والاستنكاف عن التمظهر الذي طبع اسلوب عمل المنظمات والعناوين التي ساهمت وسعت وعملت فعليا على الترويج والدعوة لهذه الممارسة الديمقراطية السليمة قد خلق ساحة جيدة للمتقافزين على مطالب الشعب المشروعة وفسح المجال امام اصحاب الحسابات الفئوية والسياسية الضيقة لتمرير بعض الشعارات التي لم تكن من ضمن توجهات ومطالب الجماهير المنادية باصلاح النظام وتطويره ضمن اطارات واليات العملية السياسية..والتي قد يكون لها دورا في النهاية المفاجئة للاحداث وانجرار قوى الامن الى فخ الاحتكاك مع المتظاهرين..والتمادي حد اعتقال بعض الناشطين والاعلاميين خارج مكان التظاهرات وبصورة تعسفية وغير قانونية..
ان ما يخشى من ان هذه الاخطاء التي اوسعتنا الحكومة حيرة واستغرابا من تكرارها الروتيني رغم جيش المستشارين الذي يحيطون بمراكز وعناوين صنع القرار في الحكومة العراقية قد تكون اضاعت على العراق فرصة تكوين تيار وطني مدني عابر للشعارات الطائفية والعرقية والفئوية كان يمكن له ان يكون نواة لحركة سياسية متماهية مع نبض وتطلعات الشارع العراقي وتكون مؤهلة لدور الرقيب الوطني المدافع عن حقوق ومكتسبات الجماهير والمطلوب بشدة لتصحيح الخلل الذي افرزته نتائج الانتخابات والتي ادت الى تشكيل حكومة واسعة التمثيل ولكن مفتقرة الى معارضة برلمانية فاعلة..
وهذا الخلل نفسه هو الذي قد يدفع الى الدعوة لاستمرار المطالبات الشعبية وتطويرها وتنظيمها ضمن عملية واضحة المعالم موحدة الخطاب والشعار وتحت قيادة وتنظيم معلن ومعروف وواضح وذو صوت واحد..وتحصينها من الاختراقات التي يراد لها ان تنجرف عن اهدافها الوطنية والسلمية..
وهو نفس السبب الذي يحتم على الحكومة ممثلة باجهزتها التنفيذية ان تتحلى بالمهنية التي تتطلب الصبر والحنكة في مواجهة الاستفزازات والاحتكاكات التي قد تنشأ بقصدية مبيتة او كحوادث عرضية في مثل هذه الممارسات..
كما يتوجب على الحكومة النظر باهتمام الى مطالب الشعب بجدية وتمعن والاستماع الى صوت العراق الممثل بشبابه ونخبه الوطنية والعمل على تخليق الاليات التي تصل بالعملية السياسية الى بر الامان واطلاق حملة وطنية شاملة للقضاء على الفساد والمفسدين بغض النظر عن عناوينهم وانتمائاتهم الحزبية او الفئوية..وتحصين الديمقراطية من خلال اشراك الشعب في صياغة القرارات المصيرية وممارسة دوره في مراقبة وتقويم الاداء الحكومي..ودون ذلك ..فان الخطل الذي لاحظناه في التعامل الاجرائي والاعلامي مع تظاهرات الجمعة قد يجر البلاد الى ما لا ينفع معه الندم وقد يفتح الباب على مصراعيه لاختطاف المطالبات الجماهيرية المشروعة وتجييرها لخدمات افكار وشعارات ظلامية سوداء بائدة..
التعليقات (0)