مقالتي هذه هي دعوة أكثر منها تحليل وأتمنى أن لا أقع في مطب الفهم على أنها تنظير وفق هذه الموضة الدارجة
لايمكننا فصل التاريخ والارث الاجتماعي والديني ( المتعاقب) عن تكوين شخصية الانسان خاصة أنها في عموم البشر متفاعلة أكثر منها فاعلة
تساؤل قديم !!… خلو التاريخ العربي بقدمه الممتد آلافاً ماضية إلا من بعض قصص الايثار كقصة اسقي أخاكَ النميري التي كان يعاقبنا بها مدرس الدين على كل امتعاض , إلى حاتم الطائي إلى خليفة أو اثنين ( عمر ابن الخطاب و عمر بن عبد العزيز شهد الجميع بترفعهم عن دنيوية الدنيا والسياسة ) ممن توالوا على تزعم سياسة دين في حقيقة خطوطه العريضة جاء عدلاً ورحمةً للعالمين ..
في مقابل هذه الايثارات والعبر التي لا تكاد تُذكر أمام من غصت بسيرهم المجلدات من منتفعين ومتسلقين وسفاحين ومنفلتين من كل قيود وروابط انسانية
أعتقد أن نظرية الفعل ومقابله من رد الفعل والجهد ومقابله من المكتسبات متأصلة في النفس العربية على حين مميز عن باقي البشر … حيث أنها عينها في نفوس الشعب وفي نفوس من يدّعون بأنهم نخبة التغيير الفكري والتقدمي
من قادوا حركات التغيير وناضلوا قد حفظ التاريخ نضالهم وفق مكتسباتهم …ومن وقفوا في وجه تلك الحركات كانوا يدافعون عن مكتسباتهم
الفريق الأول تسلح بقيم متل العدالة والمساواة والحرية في سبيل المكتسبات والفريق الثاني قاوم نضال الطرف الآخر لأن ماينادي بها من قيم ستفقده مكتسباته … ولم تكن إلا حرب وحراك مكتسبات
أود قبل أن أكمل أن أسلط الضوء قليلاً على فكرة أساسية قبل أن تبتهج أسارير البعض ويعتبر كلامي هذا هو تعرية أو نقد لحراك الشعب السوري
الثورة الحالية برأيي هي فعل هدم و تحطيم.. في شقين
هدم للحاصل أو الناتج من وضع متردي بصورته الحالية من ظلم واستبداد واحتكار سلطة وامتهان كرامة شعب الخ
وهدم لموروث بائد صلب غير متماشي مع التقدم والتطور
الثورة ليست بحاجة لكل هذا التنظير والتفنيد والتبرير حتى…
وكأننا لانستطيع الانفلات من عقدة مقارنة الخطأ بالخطأ وأخذه كحجة لتبرير أخطاء واقعة أو كغشاوة تجمل هذه الأخطاء
كان للحراك الشعبي أو الربيع العربي جوهرين أساسيين الحرية والكرامة
ووصل الأمر ببعض الملتفين إلى اعتوار هذه القيم … بحجة كيف لمن لم يختبرها أن يطالب بها أو يفهمها … أو بأنه علينا أن نُعرِّفها ونعرفها ونفهمها ونسلكها ومن ثمَّ نثور
برأيي لاتحتاج الثورة إلى توضيح ولا إلى شرح ولا إلى تبرير … كما هي تلك القيم.
الأمر الوحيد الواقع الواضح والجلي هو هذا الظلم والاستبداد الممتد طوال خمسين عاماً ولا واجب الآن إلا هدمه وهدم كل قيمة وإرث متصل به
سأعود إلى دعوتي …
ووفق ملاحظاتي في الشهور الخمسة الماضية ….
عموم الشارع تحرك بعفوية وبساطة واضحة وضوح الظلم والاستبداد القائم طوال عقود …
لكن هناك فئة تتحرك وفق منطق المكتسبات …
يعتقد البعض بأنه إن نزل إلى الشارع أو إن ساند الثورة على صفحات العنكبوتية فيحق له في سوريا الجديدة ما لايحق لمن وَالَى النظام وحتى لمن اختار الصمت … ووصل الأمر بالبعض أنه يعتقد بأن من لم يساند الثورة منذ بدايتها ليس له من الأجر والثواب كمن ساندها منذ البدء
وكأننا محكومون بقانون الثواب والعقاب الذي كرسته الأديان …ولطالما أثار حفيظتي حديث ( المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف …وفي كل خير )
عليه أن يكون في سوريا الجديدة : الرئيس موظف في خدمة الشعب والوزير موظف في خدمة الشعب وعضو مجلس الشعب مكرس لخدمة الشعب وكلهم من الشعب وإلى الشعب
دعوتي إلى المعارضة المشهورة والمغمورة حتى الآن.
في سوريا الجديدة ليس هناك من مناصب تميز السوري عن السوري لتتختلفوا عليها ولتقتسموا عسل الناسك و ترسموا خطوات استثماره
إذا كانت المناصب هي من ميزت البعض قبلا وأتاحت للبعض استعباد الشعب واحتكار الخيرات …فهذا ماثرنا وانتفضنا لأجله
لاتحسدوا النظام على معولٍ حفر به قبره
تحضرني قصة قصيرة لشاب جزائري تعرف على شاب من السويداء في الجزائر وكان قارءً جيداً للثورات ولصانعيها فأول ماسأله عن المغفور له سلطان الأطرش فأجاب أبن السويداء بأنه يعرفه معرفة شخصية …مما أثار دهشة الشاب الجزائري وكلما امتد الحديث زادت الدهشة فبادره ابن السويداء بأنه لو أحب سيأخذه لرؤية سلطان الأطرش ولم يصدقه إلا حين ذهب ليرى سلطان الأطرش جالساً أمام مضافته لايفصله شيء عن هذه الأرض التي كان أبر أبنائها ..
فاخبر الشاب الجزائري صديقه بأن أقرب مكان يمكن أن تصله في الجزائر هو على بعد عدة كيلو مترات من قصور أبطال الثورة الجزائرية …وها أنا قد صافحت سلطان الأطرش يدا بيد !!!!!
أجابه الشاب : لم ينطق سلطان يوماً في أي من حواراته بصيغة الأنا ولم يقل يوماً أنا فعلت ….كان يقول : الثوار فعلوا
قبل الثورة كانت الأمور مختلفة لكن بعدها كلنا شركاء في الوطن معارض ومؤيد ورمادي لكن هناك فئة بسيطة سيلحق بها العار …
وأرض الوطن قبل سمائه تتسع للجميع
على الطريق ناصية سوريا حرة أبية قبل كل شيء
هشام شوكت
التعليقات (0)