مقولة ( الهيكل ) وهّم وتضليل (1)
أعود وأقول إني رأيت من الضروري جداً ومن واجب الوقت الفوري كتابة هذه الحلقات ، لأن الأقصى المبارك يمر في مرحلة مصيرية تحدد حاضره ومستقبله ، وأعود وأذكر أنه ما عدا سراً وجود مباحثات متواصلة بين أطراف عربية وصهيونية حول مستقبل الأقصى المبارك والهيكل المزعوم ، لذلك لا بد من الوعي الناضج واليقظة المتواصلة كي نحبط كل مؤامرة تستهدف أقصانا المبارك .
1. أعتقد جازماً عن سبق إصرار لا رجعة فيه أن مقولة " الهيكل " وهم وتضليل ، وهم لأن الإدعاء بوجود هيكل كان مرة من المرات تحت الأقصى المبارك أو في حرمه لا يقوم على أي دليل ديني أو تاريخي أو دليل قائم على الآثار ، بل على العكس تماماً ، فإن كل الأدلة تفضح هذا الادعاء وتظهر بطلانه لكل عاقل على وجه الأرض ، ولذلك فهو تضليل ، لأن الذين يتمسكون بادعاء وجود هيكل يعلمون في قرارة أنفسهم أن ذلك إدعاء باطل وأسطوري ، ومع ذلك فهم يصرون على هذا الدعاء الباطل تضليلاً للناس وكي يطالبوا بحق سياسي موهوم قائم على هذا الادعاء الباطل ، وما نراه اليوم هو خير شاهد على ما أقول ، فإن المطالبة ببناء " هيكل " على حساب الأقصى المبارك ما عاد موقفاً شاذاً لبعض الفرق الدينية اليهودية ، بل أصبح موقفاً رسمياً وشعبياً لدى المؤسسة الإسرائيلية ، ويحظى بإجماع بين كافة مركبات المجتمع الإسرائيلي ، السياسية العلمانية والسياسية الدينية ، يساراً كانت أم يميناً أم وسطاً .
2. بينت في الحلقة السابقة أن الأقصى المبارك بني ثاني مسجد على وجه الأرض بعد المسجد الحرام ، فكان المسجد الأقصى ولم يكن شيء اسمه " الهيكل " أو كنيس أو قبيلة يهودا أو التاريخ اليهودي ، فكيف لعاقل على وجه الأرض أن يصدق أن هيكلاً أولاً أو ثانياً كان تحت الأقصى المبارك أو في حرمه ، حتى تجري المطالبة بعد ذلك ببناء " هيكل " ثالث في حرم الأقصى المبارك ، أو حتى تجري المطالبة بعد ذلك بحق اليهود لأداء طقوسهم الدينية في حرم الأقصى المبارك ، أو حتى يجري الحديث بعد ذلك عن حائط إسمه " المبكى " ، علماً أن " قوة الحق " تقول أنه في الحقيقة حائط البراق وهو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك ، ولا يوجد لغير المسلمين أي حق فيه ، وإن قال " حق القوة " غير ذلك .
3. ومما يؤكد ما أقول كثرة الشواهد الدامغة التي تبطل وجود شيء إسمه " هيكل " كان تحت الأقصى البارك أو في حرمه ، فمن هذه الشواهد اعتقاد السامريين وهم طائفة يهودية – ترى أنها على الحق – تعتقد بأن " الهيكل " بُني فوق جبل " جريزيم " في نابلس ، ويستندون إلى ما تورده " التوراة " التي يتمسكون بها ويعتقدون أنها هي " التوراة " الحق التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام .
4. ومن هذه الشواهد أن اليهود يستندون بادعاء وجود "هيكل " إلى أسفار بني إسرائيل ، ومن المعروف أن هذه الأسفار كتبت بعد قرون من الأحداث التي تتحدث عنها هذه الأسفار ، لذلك فإن القارئ العاقل النزيه يلمس أن هذه الأسفار تقوم على الأحلام ونسيج الخيال ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نسبتها إلى أي نبي أو رسول ، لذلك فهي ليست مرجعاً لأي حقيقة دينية أو تاريخية في أي حال من الأحوال .
5. ومن هذه الشواهد أن هذه الأسفار اليهودية تتحدث عن وصف " هيكل " ، ولكنها لا تحدد المكان الذي بني فيه ، فمن أين هذا الجزم بوجود " هيكل " ، ومن أين هذا الجزم بأنه كان مرة من المرات تحت الأقصى المبارك أو في حرمه .
6. ومن هذه الشواهد أن هذه الأسفار اليهودية التي تتحدث عن الهيكل ، بدون تحديد لمكان بنائه أو زمانه أن تتحدث عن وصف لِ " هيكل " أقرب إلى الأساطير والخيال ، ووفق هذا الوصف هو " هيكل " شبيه بقصور ألف ليلة وليلة ليس إلا ، ووفق هذا الوصف هو " هيكل " بعيد كل البعد عن طبيعة معبد أو كنيس أو كنيسة أو مسجد ، فأي " هيكل " هذا الذي تصفه الأسفار اليهودية وتدعي أن محرابه كان بطول عشرين ذراعاً وسمك عشرين ذراعاً ، وأنه كان مغشي بالذهب وأن المذبح الذي كان قائماً أمامه كان مغشي بالذهب ، وأن السلاسل الممتدة أمام المحراب كانت من الذهب ، وأن جميع البيت بتمامه كان مغشي بالذهب ، وإن تماثيل الملائكة المجنحة التي سمك كل منها عشرة أذرع ، وكل جناح من أجنحتها خمسة أذرع كانت مغشاة بالذهب ، وأن أرض البيت داخلاً وخارجاً كانت مغشاة بالذهب ، وأن جميع الأدوات من مذبح ، ومائدة قدس الأقداس ، ومنائر وسرج وطسوت وصحون ومجامر كانت من الذهب ، أي " هيكل " هذا ، هل هو معبد أم قصر من قصور السندباد البحري أو عالم " والت ديزني " !
7. ومن هذه الشواهد ما ذكره " بوست جورج " في قاموس " الكتاب المقدس " أن كنيسة العذراء التي بنيت في عهد " يوستنيان " ، يرى بعض المؤرخين أنها بنيت على موقع " الهيكل " .
8. ومن هذه الشواهد ما تقوله بعض الروايات أن ما يسمى " محراب داود " كان بالقرب من باب الخليل في سور مدينة القدس .
9. ومن هذه الشواهد تناقض وصف أدوات " الهيكل " التي وردت في الأسفار اليهودية ، فهناك بعض الأسفار تدعي أنها كانت من الذهب وهناك بعض الأسفار تدعي أنها كانت من النحاس ، فها هي بعض الأسفار تتحدث عن نبوخذ نصر تقول : " .. وحمل معه إلى بابل أعمدة النحاس وقواعد النحاس وأحواض النحاس التي كانت في بيت الرب .. )
10. ومن هذه الشواهد أن الأسفار اليهودية التي تتحدث عن بناء " هيكل " سليمان ، تكمل وتتحدث عن بناء " هيكل جديد على أساس جديد غير المكان والأساس الذي كان عليه " هيكل " سليمان وفق ادعائهم .
11. ومن هذه الشواهد أن الأسفار اليهودية تتحدث عن " هيرودوس " الذي بنى هيكلاً في سنة 20 ق.م ، علما أن " هيرودوس " هو " آدومي " الأصل ، والآدميون هم من العرب ، وأم " هيرودوس " هي من الأنباط ، وهم من العرب ، فكيف يعقل أن يقوم أحد الأمميين " الجوييم " ببناء أقدس مقدسات اليهود ، علماً أنه ليس من " شعب الله المختار " ، ولو قال قائل أن " هيرودوس " قد اعتنق " اليهودية " فكلنا نعرف أن اليهود لا يعترفون إلا بمن كان من سلالتهم ، فأي هيكل هذا الذي بناه " هيرودوس " العربي ، في الوقت الذي يدعي فيه اليهود أن الله تعالى أعطى إرث إبراهيم إلى إسحاق فقط دون إسماعيل ، لأن إسماعيل من أم عربية ، لذلك فقد حُرم من الميراث ، وإن كان رسولاً نبياً ، وإن كان أخاً شقيقاً لإسحاق ، فبأي حق يدعي صاحب هذه العقيدة العنصرية الباطلة أن له حقاً في إرث " هيرودوس " علماً أن " هيرودوس " عربي النسب ، كما كان إسماعيل عربي النسب ، اللهم صلِ على سيدنا إبراهيم وإسحاق وإسماعيل .
12. ومن هذه الشواهد أن " طيطس " قام بإحراق المعبد الذي بناه " هيرودوس " عام 70م ثم جاء " هدريان " عام 135م وحرق كل بناء في مدينة القدس بما في ذلك الطرق والجدران ولم يُبقِ من القدس أو من أي مبنى فيها حجراً على حجر ، ثم لم يقم اليهود بأي بناء بعد ذلك ، فهل ولدت الأرض معبداً جديداً من دون بناء البشر حتى يقال أن " المبكى " من بقايا " الهيكل " ، أو هناك إسطبلات سليمان وباب خلدة ونفق الحشمونائيم من بقايا " الهيكل " ! آتونا بآثاره من علم إن كنتم صادقـين !
يتبع
بقلم الشيخ رائد صلاح – رئيس الحركة الإسلامية ورئيس مؤسسة الاقصى
التعليقات (0)