مقولات وصور الثورة المصرية الثانية
حلقة (1)
مثل ما توقع معظم المراقبون والمحللون ؛ عاد شباب الثورة المصرية للنزول مجددا إلى ميدان التحرير في القاهرة والعديد من المدن المصرية الكبرى الأخرى .. ومساء اليوم 21 /11 قبل صبيحة مسيرة الغد المليونية تقاطر إلى ميدان التحرير حتى الساعة العاشرة مساء ما يقارب المليون مواطن مصري. بعضهم جاء بصحبة زوجاتهم وأولادهم للتعبير بقوة عن أن لا تراجع عن التمسك بمطالب الثورة مهما بلغت التضحيات.
الكرة الآن تعانق شباك مرمى المجلس العسكري ... والويل لمن يقف خلفه من كوادر وأشلاء وأشباح وتجار الحزب الوطني البائد ، الذين ظنوا عن غباء أن تواريهم مؤقتا عن الواجهة ، وعملهم بخبث خلف الكواليس وفي الخفاء سيمكنهم من إجهاض ثورة 25 يناير، وهضم الشعب حقوقه التي إكتسبها بكده وعرقه ودماء شهدائه لطي صفحة الماضي النتن. وفتح صفحة جديدة بيضاء من تاريخ مصر العريق.
حصاد أول أمس والأمس واليوم هو 33 شهيد بذلوا المهج رخيصة عن طيب خاطر .... وسيظل العدد في إزدياد مضطرد .. وكلما رمت العسكر شهيد سيقدم الشعب المزيد ....وسيمضي الحال حتى يفقد هذا المجلس شرعيته هو الآخر كما فقدها غيره في سوريا واليمن وليبيا ؛ إن هو أصر على تقتيل شعبه بدلا من مــد يــده إليه.
إنها ثورة حقيقية لم يفهمها ولن يفهم مداها عديد من ديناصورات مصر في المجلس العسكري والداخلية والحزب الوطني البائد الذين أسكرتهم خمرة السلطة . فما هان عليهم أن يتخلوا عن مصالحهم الشخصية وأطنان الذهب وعناقيد العنب التي يقدمها لهم خير مصر العميم ليل نهار دون إنقطاع وبلا حساب.
لكنها الآن ساعة الحقيقة . ولا مناص من تقبل الواقع . وقد كفى ما شربوه وأكلوه وكنزوه لأنفسهم وزوجاتهم وعيالهم ، وتقلبوا فيه من جاه ونعيم وافر طوال عهدي السادات وحسني مبارك اللذان إمتدا منذ عام 1970 إلى يومنا الجاري.
نفهم جميعا مغريات وحلاوة الجاه والسلطة والمال ذو الطعم الفريد في مصر دونا عن غيرها من بلدان ... ونتفهم أيضا مقولة "إذا كان معك قرش فأنت تساوي قرش ... وإذا كان معك جنيه فأنت تساوي جنيه" التي يرددها البعض ممن أسكرته الماديات والملذات الدانية قطوفها في أرض الكنانة ودلتا الذهب الأسمر ... بل هكذا كانت مغرياتها وعسلها المسكوب منذ عهود الغزاة الرعاة مرورا بالفراعين وقمبيز والإسكندر والقيصر . ولا تزال حبلى بالخيرات والمغريات والمشهيات بلا إنقطاع .... ولكن لكل زمان رجاله ؛ ولكل عهدٍ مقالهُ.
وقد آن الأوان لكافة المنتفعين من عهد مبارك وأزلامه أن يقتنعوا بأن لا مجال للعودة إلى الوراء .. وأن الثورة ماضية حتى النهاية بغض النظر عن التضحيات. ولن يتخلى الشباب عن ثورته ومكاسبه. وسيظل يقدم بعناده وعنفوانه الشهيد فرحا جزلا تلو الشهيد ، دون أن يتراجع أو يعود إلى منازله مستكينا كما كان الحال فيما مضى أو كآبائه.
لقد أوصلت سياسات الحزب الوطني العقيمة شباب مصر إلى ما هو جاري اليوم من طريق مسدود مسدود مسدود .. بات في الشوارع الآن شباب أهون عليهم الموت ، وأكثر أمنا وطمانينة وراحة من أن يعودوا إلى بيوتهم بخفي حنين وتستمر ساقية جحا الوطني في الدوران . أو بما يعني مزيد من التدهور المعيشي والتفكك الإجتماعي وإنتهاك مزري لحقوق الإنسان . ولا ضمان لوظائف وفرص عمل ولا شفافية تذكر في كل مناحي الحياة التي تسيطر عليها الدولة ، وتحبسها حكرا على المقربين والمحاسيب والقوادين وذوي الواسطات. ومن كانت على إستعداد لتقديم الفاكهة المحرمة عربونا سخيا باللذاذة البكر والثيّب لأصحاب النفوذ المحتكرين لكراسي السلطة .... المتقلبين في أسـرّة الذهـب والمتكئين على وسائد الحرير.
مضى عهد وقيم وممارسات بإنتصار ثورة 25 يناير . وبزغ فجر عهد جديد لايحتمل سوى الديمقراطية الحقيقية والشفافية ، ونزاهة صناديق الإنتخابات والكف عن التضليل الأكاديمي والإعلامي ؛ وتفصيل القوانين والدساتير على مقاس الرئيس وزوجة الرئيس وإبن الرئيس وبطانة الرئيس.
من كان لا يزال باكيا في مصر على عهدٍ مبارك والأربعين حرامي الذي أدبر ؛ فليذهب وينزوي في بيته ويترك الساحة لمن هو أجدر بخدمة بلاده دون أن يسرق من خيراتها حبة خردل.
التعليقات (0)