مقهى عيسى
كان الراديو ( الترانزستور كما يحب ان يسميه البعض ) وسيلة الترفيه والاخبار ، فأغلب الكبار كانوا يتابعون اخبار العالم عبر هذا الجهاز ، وكانت خطابات الرؤساء والزعماء والملوك العرب ، تلك الخطابات الرنانة ، التي كانت تداعب عواطفهم ، وتعزف لهم على وتر فلسطين والحرب والتحرير ، ليعيشوا حياة الضنك والعوز والقهر والذل وهم يتاملون ما يتلكم عنه اولائك الزعماء .
كانت خطابات الرئيس جمال عبد الناصر ، تساوي الكثير عند ابناء المخيم ، فليس غريبا ان ترى عجوزا ، او شيخا او شابا يجلس مرهف السمع ، او محاولا ان يضبط الموجة على صوت العرب من القاهرة ، ليستمعوا جميعا لخطاب الرئيس جمال عبد الناصر ..وكانت تلك الخطابات محط الاهتماموالحوارات والنقاشات في الدواووين والجلسات العامةوالخاصة .
كما كانت (اذاعة لندن باللغة العربية – والتي لعبت دورا مهما في بلورة القبول بالمشروع الصهيوني في فلسطين لدى العامة من الناس اذ كان الخبر الصادق ياتي فقط من لدن هذه المحطة ) في تواطأ مبيت ومنظم ومتفق عليه لست اعرف كيف ..كانت الاخبار قبل ان تبثها محطات الوطن العربي ( صوت العرب – والاذاعات العربية المتلقطة في المخيم )كانت تاتي موثقة بالتسجيلات الصوتية عبر (اذاعة لندن ).
اليوم الكثير من الاخبار ..قبل ان نسمع بها من محطاتنا الوطنية نسمع بها ايضا من الاذاعات والتلفزة الاسرائيلية بالاضافة الى اذاعة لندن . لماذا ؟ لست اعرف .
كان الراديو هو الوسيلة الوحيدة ..وكانت يعمل على البطاريات الجافة (نوع برق ) اذ لم تكن بعد ظهرت الكهرباء في المخيم ..ولكن وفجأة سمع اهل المخيم بجهاز يسمى التلفزيون في قهوة عيسى ..وكان هذا حدثا اثار ضجة قوية في المخيم ..واستثمر عيس هذا الحدث استثمارا ناجحا جدا .
عيسى احد اللاجئينالفلسطينين في المخيم ، ولان العقلية الفلسطينية عقلية متفتحة ، خلاقة ، مبدعة ، ( راحت تتشكل في المخيم بدايات التوطن والستقرار من حيث ظهور البقالات ومحلات تجارية ولو انها متواضعة وشعبة بريد ( هاتف واستقبال وارسال رسائل في بقالة ابو فريد ) انشأ عيسى مقهاه الاول في المخيم ، في بركس كبير ، كبركس المسجد ... واصبح في مكانه الان المسجد وبعض المحلات التجارية .. وضع فيه بعض المقاعد في البداية من تلك المقاعد القصيرة الصغير المصنوعة من القش ، وبعض الطاولات ، وراح يقدم خدمة لعب الورق ( الشدة ) وتقديم المشروبات الساخنة ..وفي برميل كبير يضع فيه قالب من الثلج او اكثر يحضره ابو القاسم او مفيد بتكسي المرسيدس 180 وهو يجلب الصحف صباحا .. ثم يضع فيه بعض ( الكازوزا – وكان يطلق على كل المشروبات الغازية مجتمعة اسم كازوزا – ولا تزال شركة الثلج والصودا والكازوزا الاردنية تحمل هذا الاسم ويمكن قراءته على عبوات بعض المشروبات الغازية ).
عندما ظهر التلفزيون ...
سارع عيسى الى شراء واحد من تلك الاجهزة ، صندوق صغير ، 14 بوصة يبث صور متحركة مرفقة بالصوت ، ولكن بلونين الابيض والاسود ، وضع التلفاز في طاولةعالية غير مسموح لاحد بالاقتراب او العبث فيه ، اكد ذلك بعبارة كتبها على كرتونة كبيرة وعلقهاامامه ، ممنوع اللمس والعبث .
كانت في تلك الايام ،الدراما السورية تخطو خطواتها الاولى كما كل العرب كانوا يتهجاون طريقهم غير الواضحة ابدا ، وكانت اعمال الفنان دريد لحام ونهاد قلعي ، من اعمال محمد الماغوط واخراج خلدون المالح مثل مسلسل صح النوم .. بشخصية دريد لحام غوار الطوشة .
وكان على كل من يريد الحضور والمشاهدة بعد السالعة السادسة مساء ان يدفع خمسة قروش ، وبالطبع كانت تلك الخمسة مبلغا لا يستهان به ، ولكن الفرجة والحاح الفضول يدفع بالكثيرين لدفع القروش الخمسة بكل نفس طيبة ، وممن لا يتمكن عليه ان يقف خلف الجدران المصنوعة من الزينكو ..والصفيح ..كثير الثقوب بفعل دق وخلع المسامير ..يقف خلف ثقب من تلك الثقوب ، ويشاهد تلك الكائنات والصور الاصوات المتحركة على بعد اكثر من 20 متر ..
التعليقات (0)