شبابنا من يرعاهم
تعتبر جماعة عبدة الشيطان والايمو والبلاي بوي من الجماعات التي نشأت في بلاد الغرب منذ زمن، وتأخذ شكل التنظيم كجماعات تعيش وفق شروط وطقوس معينة يحيها أتباعها، والتي تظهر مدى إنحلالية تلك الجماعات وتفسخها من كل ما هو إنساني وعقلاني فضلا عما هو ديني، فتلك الجماعت في مجملها لا تدين باي دين، ولا تلتزم بأي أعراف أو قوانين. ومن أهمة أسباب إنتشار هذه الجماعات في المجتمع الغربي هو بعده عن الدين، وعيشه حياة شبه فارغة من أي تنظيم أو أعمال تنظم حياته اليومية، الأمر الذي يجعله يبحث عن أي شيء لملئ هذا الفراغ، وتدله النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي على هذه الجماعات، أو إنشاء جماعة شبيهة لها.
ولم تكن مثل هذه الجماعت تعرف في العالمين العربي والاسلامي لما لهذين العالمين من خصوصية التدين والمحافظة، وقد تزداد المحافظة والتمسك بالدين في المجتمع السعودي اكثر من بقية الدول العربية أو الإسلامية، وبسبب التمسك بالدين والمحافظة على أداء واجباته وفروضه اليومية منها والسنوية، يصبح الإنسان في وضع شبه منظم وأوقات فراغه قليلة، ولكن إذا لم يملئ وقت الفراغ هذا بما ينفع الشخص نفسه ومجتمع، تكون هذه الأوقات كبيرة، قد يجد الشيطان منها فرصة للوسوسة في النفس للإطلاع فقط على بعض الأمور عن قرب أكثر، وقليلا قليلا حتى تجد النفس ذاتها قد إعتادت على الإطلاع والمشاهدة، إلى أن تزرع الوساوس الشيطانية حب التجربة، التي تكون شرارة البداية للإلتحاق بتلك الجماعات.
وبكل اسف صرنا نجد بذور تلك الجماعت بدأت تخرج في مجتمعنا، فبين الحين والآخر نقرأ في الصحف اليومية عن قبض السلطات على مجموعة من الشباب ينتمون لبعض تلك المجموعات. واللافت للنظر أن أغلبية أعضاء تلك الجماعات التي يقبض عليهم تكون أعمارهم تحت العشرين وفي سن المراهقة، وهو السن الذي يعتبر أكثر المراحل العمرية نشاطاً وحيوية من بقية مراحل حياة الإنسان، وفيها تتفجر طاقات الشباب مما يجعل الشباب المراهق على أتم الإستعداد لعمل أي شيء مهما كان، وقد لا نجد لديهم أي ملل أو تذمر مما يطلب منهم. الأمر الذي يجعلهم يقومون بأول أمر أو توجيه يأتيهم لشغفهم التام لمعرف كل شيء وتجربة كل جديد، دون أن يكون هناك تفكير في غالب الأمر، مما يجعلهم عرضة للإنجرار خلف مثل تلك الجماعات المنحلة والدخيلة على مجتمعنا.
ولعل السبب في هذا الإنجرار وراء تلك الجماعات هي تلك الطاقات اللا محدودة داخل الشباب المراهق، وخلو المجتمع ممن يوجه أو يرشد هؤلاء الشباب إلى أعمال تشغل أوقات الفراغ لديهم، بالإضافة إلى عدم وجود أي أماكن ترفيهية للشباب يمكنهم قضاء أوقاتهم والعب فيها، وإحتكار الأماكن الترفيهيةالموجودة فقط على العوائل، الذين هم إما اطفال صغار أو آباء لا يمكنهم مجاراة الشباب فيما يريدون القيام به، مما يجعل الشاب المراهق في الغالب يفضل التنزه والعب مع أقرانه ومن هم عمره لا مع أهله. ولكن جميع الأماكن الترفيهية مغلقة في وجوههم فلا أماكن مخصصة لهم، مما يجعلهم يبحثون عن سبل لتفريغ تلك الطاقات التي بداخلهم، ولا يجدوا أمامهم إلا تلك المجموعات فاتحة ذراعيها لتستقبلهم بالأحضان، فتستغل كافة طاقتهم بأعمال ليس فيها نفع لهم أو لمجتمعهم وتهدر تلك الطاقات سدى.
قد تكون رعاية الشباب هي المسؤلة عن ذلك، فهي لم تنظر للشباب وما لديهم من طاقات، واكتفت فقط بالأندية المدرجة لديها، والتي أغلبها لا تحتوي على الكثير من الالعاب المسجلة للنادي الواحد، مما يجعل هذه الأندية غير قادرة على إستيعاب القسم الأكبر من الشباب، بالإضافة إلى أن رعاية الشباب وأنديتها قد صبت جل إهتماماتها على لعبة معينة من دون بقية الالعاب، فأعطت كرة القدم الشيء الكثير مقارنة مع بقية الألعاب الأخرى. بالإضافة إلى أن هذه الأندية لا تعني بالشباب الهاوي والذي يرغب في قضاء وقت فراغه بممارسة بعض الالعاب التي يحبها، وإقتصار إهتمامها فقط بمن يريد اللعب بشكل إحترافي من أجل المنافسة على البطولات وتحقيق الألقاب للنادي. كما أن رعاية الشباب قد أهملت بيوت الشباب حتى أصبح الكثير من الشباب لا علم له بها ولا يعرف عنها شيء، إضافة إلى قلة تلك البيوت فلا يوجد إلا بيت واحد فقط في المدينة الواحدة بالرغم من كبر حجم المدن وإتساع رقعة مملكتنا الحبيبة.
وقد تكون وزارة الشؤون الإجتماعية هي المسؤلة، إذ إعتنت هذ الوزارة كثيراً بالجانب الخيري، حتى إرتبطت إسمها بكل ما هو خيري، فهي تهتم بالأطفال والأيتام إلى جانب إهتمامها بالمسنين وذوي الإحتياجات الخاصة، وبالرغم من حسن ما تعتني به هذه الوزارة وجميل ما تقدمه من خدمات لتلك الفئات من المجتمع إلا أنها أغفلت جانب الشباب وهو الجانب الأهم في المجتمعات، أما الشباب فقد اكتفت برعاية الأندية الريفية فقط، والتي هي بدورها إقتصرت - كأندية رعاية الشباب - على لعبة كرة القدم دون أن تقدم للشباب أي أنشطة أخرى تذكر. وما قامت به لجنة التنمية الإجتماعية من تغيير مسمى الأندية الريفية إلى مراكز للنشاط الإجتماعي، لتحتوي النشاطات الإجتماعية والتي يمكن للشباب المراهق الإندماج فيها، يمكن إعتباره خطوة جيدة ومهمة لتغير المفهوم لتلك المراكز عما تعنية كلمة نادي وإقتصار المعنى لدى الكثير من الشباب على لعب كرة القدم، ولكن تفعيل ذلك على ارض الواقع يبقى هو الأهم.
ولكن في كلا الحالتين يمكن إلتماس العذر للجهتين، فرعاية الشباب تشرف على جميع الأندية في مختلف المناطق وبإختلاف الدرجات لكل لعبة في النادي الواحد، وتنظم المسابقات الدورية لكل لعبة على حدة ولكل درجة ولكل فئة عمرية. بالإضافة إلى تنسيقها مع الإتحادات العالمية والدولية في تطبيق القوانين ومشاركات الأندية السعودية في المسابقات الدولية، إلى جانب مسابقات المنتخب على مستوى المنتخبات بكافة الالعاب وفي جميع الفئات العمرية، الأمر الذي يصعب عليها الإهتمام بالشباب الغير مسجل في قوائم الأندية. كما أن وزارة الشؤن الإجتماعية قد يعيقها زيادة إهتمامها بالشباب وتلبية حاجياته عن تقديم الخدمات لأناس هم في أمس الحاجة لها، لعجزهم عن توفيرها بأنفسهم لسبب أو لآخر كصغر أو كبر السن أو الاعاقة، فهم أولى من الشباب بتقديم المساعدات لهم وتلبية إحتياجاتهم.
وكون المجتمع السعودي غالبيته من الشباب إذ تصل نسبة الشباب فيه إلى أكثر من 45% وهو مؤشر يعتبر جيد إذا ما نظرنا إلى طاقة الشباب وعطائهم مما يساعد على القيام بنهضة المجتمع في جميع المجالات، مما قد يؤهلنا لمنافسة الدول المتقدمة إذا ما قمنا برعاية وتوجيه شبابنا وابعدنا عنهم شبح تلك الجماعات وضلالاتها. لذا علينا إستغلال هذه الطاقة لدى الشباب بما يعود بالنفع لهم وللمجتمع والوطن، ومن الواجب علينا القيام بإنشاء مراكز شبابية تعنى بشؤن الشباب وتوفر لهم أماكن ترفيهية لتنزههم، وعمل ملاعب لجميع الالعاب الرياضية داخل تلك المراكز حتى يتمكن الشباب من ممارسة ما شاءوا من الالعاب، ولا تقتصر تلك الملاعب على لعبة معينة دون أخرى، وأن يكون هناك أكثر من مركز شبابي في المدينة الواحدة ويجب أن لا تبعد المراكز كثيراً عن بعضها حتى لا يجد الشاب صعوبة في الوصول إلى أقرب مركز شبابي إليه. كما يجب أن يعمل المركز الشبابي على فتح أبوابه أطول وقت ممكن ولا يقتصر دوامه على فترات النهار فقط، بل ويستمر حتى ساعة أو ساعتين بعد العشاء، وبالأخص في فترات الإجازات والعطل ونهاية الاسبوع، وأن يتم فيها عمل مسابقات وأنشطة وفعاليات إستثنائية في فترات العطل والإجازات على غرار تلك الأنشطة والفعاليات التي تعمل في كل إجازة وفي كل مدينة ويقتصر حضورها فقط على العوائل.
التعليقات (0)