مقلدون لا شعراء
المعروف أن الشعر هو الشعور والإحساس ولذة اللقاء ونيران الفراق وهيام المشاعر , فهو "الشعر" الأداة والوسيلة الصادقة في الزمن الماضي وهو قمة الأدب وفنه الذي لا ينقرض , شعرائنا ممن ينظم القوافي وفق قواعد اللغة العربية والعروض والقافية "الفصيح" ليسوا شعراء بل مٌقلدون وهذه حقيقة تٌصيب مٌدعي الشعر بالغضب , مقلدو الشعر أبحروا في عالم القصائد الجاهلية والعصور اللاحقة قراءةً وحفظاً فاختزن العقل مٌفردات كانت كفيلة بتفجير طاقات كامنة فقلدوا السابقين في الوصف والرثاء والغزل والهجاء والتمني و في كل اتجاهات وأغراض الشعر , لنأخذ مثالين على تقليد شعرائنا لشعراء الماضي في بيئتنا الحٌب مٌحرم قبل الزواج ومكروه بعده "بين المتزوجين " وجائز ذكورياً إذا كانت الغاية منه إقامة علاقة دافئة بجٌنح الظلام ومع ذلك يأتي شاعر بقصيدة تصف ما ألم به من هيام ومرض جراء الحٌب والفراق والشوق الذي أًصاب قلبه الصغير , الشاعر بمثل تلك القصائد لا يتمرد على الواقع بل يكذب على الواقع وعلى القاري ويظن أنه بذلك يخدم الأدب والفنون متجاهلاً أحد أهم وظائف الفنون والأدب الأساسية "توصيف الواقع" فكيف يستطيع القاري التفاعل مع النص وهو يعيش واقعاً أسود لا بياض فيه ولا حياة حقيقة وواقعية مطمئنة يرضاها , في بيئتنا أيضاً لا وجود للأنهار والجداول والحدائق الغناء الخ ومع ذلك نجد قصائد تصف الأرض وكأنها جنة وهي كذلك بالقلب لكنها بالواقع عبارة عن صحراء قاحلة وكٌتل أسمنتية متناثرة , حقيقةً لا يوجد شعراء بالمعنى الحقيقي للشعر باستثناء شعراء الأدب الشعبي الأوائل الذين عاشوا زمناً مختلفاً في كل شيء عن زمننا هذا وزمن من سبقنا أيضاً .
الشعراء الشعبيون أكثر مصداقية من شعراء الفصيح الذين يحلقون في سماء الخيال متجاهلين الواقع الأليم بتفاصيله الدقيقة , شعراء الاتجاه الفصيح لا يخدمون الأدب بقصائدهم بل يجنون عليه وعلى المجتمع فقصائدهم الخيالية تنال من المصداقية وتٌغذي التصحر والجفاف بطريقة غير مٌباشرة فهي تخلق مساحة واسعة بين الواقع والخيال وتٌسهم في اتساع تلك المساحة التي ليست بحاجة لخيالات قدر حاجتها لنصوص أدبية صادقة وحراك فني ومجتمعي يستمد وجودة وقوته وصموده من الأحلام والأمنيات والحق في الحياة السوية أفراداً وجماعات فيكفي تقليداً جنى على الأدب وعلى المجتمع ..
التعليقات (0)