( إن هذا القران يهدي للتي هي أتقوم )
العلاوي يقول قولا منه مقبول ### تهم به العقول تغب في ذات الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين
مقدمة التفسير : بقلم الإستاد " احمد العلاوي "
الحمد لله الذي نزل على عبه المصطفى من خلقه الكتاب , بلسان عربي مبين , تبينا لكل شيء وهدى ورحمة للمتقين , قرانا يُهدي إلى الرشد , فأمنا به ونحن على ذلك من الشاهدين .
احمده سبحانه وتعالى واشكره حيث لم يجعل فهمنا منه مرتهنا في فهم السابقين , فجلَ قدر القران أن يكون وقفا على أحد من العالمين , وإلا لكان خطابا له لغيره من المكلفين , كتابا أحكمت آياته ليندر من كان حيا ويحق القول على الكافرين , ولن يزال غضا طريا في كل وقت وحين , لن تبليه مرور الدهور , وتداوله بين التالين , حتى كأنه ألان نزل يتلقف من الروح الآمين , وان لم نقل من ارحم الراحمين .
فهذه هي عقيدتنا في كتاب الله , وما أنا من الممترين .
واشهد آن لا اله إلا الله , شهادة أولى العلم به , وانه الواحد الأحد في ذاته وصفاته وفعله , الظاهر في ملكه الباطن في كنهه ,.
ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وعلى اله واصحابه وازواجه وذريته , وعن التابعين , ومن ذب عن الدين واعتنى بنصرته , وسلم سلاما جزيلا طيبا شاملا تشملنا نفحاته ومصاحبة برضى الله عنا , آمين .
............................................
مقدمة للإستاد " احمد العلاوي " رضي الله عنه تفيدنا في فهم القران العظيم .
-.........................................................................................
آما بعد :
يقول كثير المساوي المعترف بتقصيره القوي عند ربه " احمد بن مصطفى العلاوي " ... انه لما عزمت على تسطير ما فهمت من كتاب الله سبحانه وتعالى , تخيلت كان القائل يقول ما ترك الآخر للأول ما يقول , فظهر لي أن نقدم مقدمة أمام المقصود فيها ما يفيدك الشعور بان الفضل بيد الله , وانه ليس بمحجور , وان فضل الله واسع , وله الحمد والشكر على ذلك
...........................................................................................
الفصل الأول :
فيما يفيد الإنسان أن القائم بالحق موجود في كل زمان :
قال بن عبدالبروغيره من المحققين رضي الله عنهم فيما يرويه عن أسلافنا " لا كلمة اضر بالعلم والعلماء والمتعلمين من قول القائل : ما ترك الأول للآخر شيئا .
نعم , هي كلمة قضت على النفوس الكريمة والعقول السليمة بالتعطيل , فحسبنا الله ونعم الوكيل , ولا مستند لقائلها إلا سوء الظن بالباقيات الصالحات في المؤمنين , ومن اجل هذا استطردت من الآثار ما هو أولى بالاعتبار .
قلت : حا شا الله أن يترك المحبوب أمة حبيبه سُدى , فلم تزل آمة قائمة بالحق وبه يعدلون , ولو اعتمد مجرد الظن الحسن في الأمة المحمدية لكان كافيا , وأخرى مع وجود النقل الصحيح والنص الصريح حسب آلاتي ذكره :
قال آبو عمر عن آبى عثمان الخولاني آن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله تبارك وتعالى لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعمله بطاعته "
قلت : وانه سبحانه وتعالى لا يغرس غرسا إلا لحكمة الانتفاع .
وذكر السيوطي في الجامع الصغير : " إن الله ليبعث لهذه الآمة على راس كل مائة عام من يجدد لها دينها "
وفي ظني إن المجدد غير مقلد , فهو يأخذ من كتاب الله وسنة رسوله بحذف الوسائط , ولايا خذ إلا ما يجدد الإيمان .
ولا يُخفى أن " من " في الحديث من صيغ العموم تصدق بالواحد والمتعدد .
وقال السيوطي في الجامع الصغير أيضا " لكل قرن من أمتي سابقون "
وقال : " لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن فبهم تسقون وبهم تنصرون , ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر "
والخلاصة :
إن من تتبع الآثار يجد في الآمة المحمدية ما يسره .
قال عليه الصلاة والسلام : " مثل آمتي مثل حديقة قد قام عليها صاحبها فاجتلب زاكيها وهيأ مسالكها وحلق سعفها , فأطعمت عاما فوجا , ثم عام فوجا , فلعل آخرها طعما يكومن أجودها قنوانا , واطولها شمراخا , والذي بعثنتي بالحق ليجدن بن مريم من آمتي خلفا من حوارييه "
وقال صلى الله عليه وسلم " آمتي آمة واحدة مباركة لا يدري أولها خير آم آخرها " وقال صلى الله عليه وسلم " آمتي مثل المطر لا يدري آيه انفع أوله أو آخره
واخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ليتني قد لاقيت أخواني , قالوا : يا رسول الله السنا إخوانك ؟ قال : بلى , ولكن قوم يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم ويصدقونني تصديقكم وينصرونني نصركم , فيا ليتني قد لاقيت إخواني "
وعن جمعة الأنصاري قال : " قلت يا رسول الله هل من قوم اعظم منا آجرا , آمنا بك واتبعناك ؟
قال : وما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء , بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك اعظم منكم آجرا "
و لا يلزم من هذا وجود التسوية فضلا عن أفضلية المتأخرين للسابقين المهاجرين الأولين حتى أقول به .
وانما أقول لا يجهل فضل السابقين إلا مغرور , ولا ينكر وجود الباقية إلا هالك مبتور .
ولكن الغبي لا ينكر الوجود , إنما ينكر الوجدان بحيث لا يقدر آن يحققه في أي إنسان
الفصل الثاني :
فيما يفيد آن للقران وجوها , وانه لا تنقضي عجائبه , حتى يستغني بفهم المتقدمين منه عن فهم المتأخرين .
أقول :
إن ما تمتعت به البصائر والأبصار , وجالت فيه العقول , وتعلقت به الأفكار كتاب الله العزيز الغفار , فلن يزال روضة يانعة , ودوحة جامعة , حتى كأن الآخذ منه زاد فيه , ولولا ان لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , غضا طريا في كل عصر واوان , فحاله في السابق كحاله ألان , قال تعالى " آفلا يتدبرون القران " , وجاء في الخبر " ان القران لا تنقضي عجائبه " وعلى انه له وجوها كثيرة , فعن آبى الدرداء رضي الله عنه انه قال " لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقران وجوها كثيرة " , وقيل انه حديث عن شداد بن انس نقله بن عبد البر , ومما يؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " إن للقران ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا " ,
وعلى هذا :
فلا يستبعد الكلام الصادر من العلماء بالله , وان لم تصل إليه عقولنا , فنحمله من قبيل أحد الوجوه الأربعة المذكورة في الحديث , ولا تحسبن هذه الوجوه توجد في كتاب الله حيث الأجمال , كلا , وانما هي في كل آية وكلمة , وان لم نقل في كل حرف , فالحرف قران , ولهذا قال جل ذكره " سنلقي عليك قولا ثقيلا " , فعبر سبحانه وتعالى بالقول دون اللفظ والكلام ليشمل الكلمة والحرف , لان القول عام في جميع ذلك , فكل جزء من كتاب الله – وان تجزاء – فهو ثقيل , باعتبار ما جمع فيه من المعاني , والتي تفوق حد الحصر , ومما يدلك على ان الحرف قران ما أخرجه الترمذي عن بن مسعود مرفوعا " من قراء حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشرة أمثالها " .
فاتضح من هذا أن الحرف بانفراده قران بالنظر لما اشتمل عليه من المعاني .
وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم " لا أقول الم حرف , بل الآلف حرف , واللام حرف , والميم حرف ."
ولهذا ورد في الخبر " إن ما في الكتاب في الفاتحة وما في الفاتحة في بسم الله الرحمن الرحيم "
وورد أيضا " إن ما في البسملة في باءها وما في الباء في النقطة التي تحتها "
ولولا ما اشتمل عليه كلام الله من الغرائب لم نؤمر بالتدبر فيه على مر الدهور والازمان , قال سبحانه وتعالى " آفلا يتدبرون القران " , وقال صلى الله عليه وسلم " أعربوا القران والتمسوا غرائبه "
ولعل القائل يقول : قد كفانا الله ما أهمنا من استخراج جواهره على يد من تقدمنا , فاقول : إذن لضاع حظنا من التدبر في القران , وحاشا لله فلا يقول بهذا عاقل ولا هو بلا أيمان حافل , وان كان الحال كذلك فلما لم يكتف أهل القرن الثاني على الكلام في القران بكلام من تقدمهم من أهل القرن الأول , واهل القرن الثالث بالثاني وهكذا , فدل هذا على إن الله سبحانه وتعالى لم يخصص بالتدبر فيه جيلا دون جيل , وكذلك لكان التخصيص يشعرنا بانقضاء معانيه وعجائبه وغرائبه , والحال بخلاف ذلك , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القران لا تنقضي عجائبه " , ومن عجائب وغرائب القران الكريم إن المتدبر فيه يرى من غرائبه كل يوم ما لايراه بالأمس , قال عبد الواحد بن سليمان كان بن عون يقول " ثلاث احبهن لي ولإخواني وذكر منها آن هذا القران يتدبره الرجل ويتفكر فيه فيوشك أن يقع على علم لم يكن يعلمه "
ويدل على هذا المعنى ما أخرجه أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن بن زيان انه قال " قيل لموسى عليه السلام : يا موسى ان مثل كتاب احمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضت أخرجت زبد ته "
ويشمل هذا ونحوه ما ذكره أبو بكر بن عبد العربي في فنون التأويل : علوم القران خمسون علما وأربعمائة علم وسبعة آلاف علم وسبعون آلف علم مضروبة في أربعة , إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع .
وهذا بدون اعتبار التركيبات وما بينهما من الروابط وهذا ما لا يحصر وما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
قلت :
ولا يقع على علوم القران ويتفرس في وجوهه إلا مفتوح عليه , واما المحجوب فانه ينادي من مكان بعيد , ويسمع من وراء حجاب حديد , فهو ابعد من أن يتناول الغاية من ظواهره فكيف بباطنه
وأين هو من حده ومطلعه ؟
ومن فتح الله عليه بالتوصل إلي شيء من ذلك لا يبعد أن يقول كما قال الإمام علي كرم الله وجهه " لو شئت لوقرت أربعين وقرا من شرح الفاتحة " أو كلاما هذا معناه
ولعلك تقول : أين الإمام علي وأين علومه ؟
فاقول ياله من عجب , ومع ذلك لم يحتفل به من أهل زمانه إلا القليل حتى كان يقول " أنا جنب الله الذي فرطتم فيه " وهو على المنبر , والمفرط فيه هو المفرط الآن في أهل زمانه
الفصل الثالث
وفيه ما يدل على ان في القران علوما ليست متعاطية فيما بين العموم
ولعل المتجمد على الظواهر لا يرى في كتاب الله إلا ما وصل إليه من جهة بضاعته القليلة , وقريحته الكليلة , وينكر من وراء ذلك , ولم يعلم إن ما عرفه من ظاهر الكتاب إلا كمن عرف القشر من اللب , وما وراء ذلك ما لاعين رأت ولا آذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وهل يعتقد أن ما وصل إليه فهمه هو ما كانت عليه بواطن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله ؟
كلا والله , وليفتش نفسه إن كان ما اكنه فؤاده اعز بما تحدث به فهو على بينة من ربه , وإلا ما ضاع له اكثر مما حصل عليه , قال صلى الله عليه وسلم " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فان أظهروه أنكرته آهل الغرة بالله ", وقال صلى الله عليه وسلم " علم الباطن سر من أسرار الله يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده "
وقال صلى الله عليه وسلم " العلم علمان : فعلم في القلب فذلك العلم النافع , وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم "
فدل هذا على إن العلوم الخفية غير العلوم المتعاطية بين العموم , قال أبو هريرة رضي الله عنه فيما شاع عنه " حفظت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين من العلم آما أحدهما فبثته واما الآخر فلو بتثه لقطع مني هذا البلعوم
ونقل أبو عمر عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما انه قال " لو قلت لكم ما اعلم من تفسير قوله تعالى يتنزل الآمر بينهن لرجمتموني او قلتم اني كافر . ذكره الشعراني في اليواقيت والجواهر .
ومما ينسب للإمام زين الدين العابدين رضي الله عنه قوله :
يا رب جوهر علم لو أبوح به #### لقيل لي آنت ممن يعبد الوثن
ولاستحل رجال مسلمين دمي ### يرون اقبح ما يأتونه حسنا
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : " لو حدثكم بكل ما اعلم لقلتم رحم الله قاتل سلمان "
وقال الإمام علي كرم الله وجهه " إن بجانبي علما لو قلته لازلتم هذا عن هذا , " واشار إلى رأسه عن جثته
فدل هذا على إن في الزوايا خبايا , وفي وصية سيدنا علي كرم الله وجهه لكميل بن زياد رضي الله عنه ما يلائم اكثر المشار إليه ولنردها مع طولها لما فيها من الحكم التي لا يستغني عنها , قال كرم الله وجهه " يا كميل , إن القلوب هذه أوعية أوعاها للخير , والناس ثلاثة , فعالم رباني , ومتعلم على سبيل النجاة , وهمج رعاع اتباع كل ناعق لم يستظيئوا بنور العلم , ولم يلجئوا إلى ركن وثيق , ثم قال : إن ها هنا لعلم , واشار بيده إلى صدره , لو أصبت له حملة , لقد أصبت لقنا غير مأمون يستعمل الدين للدنيا , ويستظهر بحجج الله على كتابه , وبنعمه على معاصيه , أف لحامل حق لا بصيرة له , ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة , لا يدري أين الحق , إن قال أخطاء , وان أخطاء لم يدر , مشغوف بما لا يدري حقيقته , فهو فتنة لمن فتن , وان من الخير كله من عرًفه الله دينه , وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف دينه , كذلك يموت العلم بموت حامله , اللهم بلى , لا تخلو الأرض من قائم لله بحجته آما ظاهرا مشهورا واما خافيا مغمورا , لئلا تبطل حجج الله وبيناته , وكم ذا ؟ , وأين أولئك , والله الاقلون عددا والاعظمون قدرا , يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظرائهم , ويزرعونها في قلوب أشباههم , هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة , وباشروا روح اليقين , فاستلانوا ما استوعره المترفون , وانسوا بما استوحش منه الجاهلون , وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى , أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه , آه , آه , واشوقاه إلي رؤيتهم .
والحاصل :
مما نقلناه إن جميع ما أشارت إليه الكتب هو بعض مما تطمئنه القلوب , وما عند الله خير للأبرار
...........................................................
الفصل الرابع :
وفيه ما يشعرنا نحن بأننا المقصودين بالقران ولا واحد أولى من الآخر في كل زمان :
اقول:
ان القران كلام الله يكلم به عباده وهم لا يشعرون , وكتاب بُعت إليهم بالخصوص وهم لا يدرون , لاهية قلوبهم يظنون انه وجد اتفاقا فصاروا يأخذون منه أحكامهم وليسوا المقصودين في علم الله , أو نقول ألان بالخطاب , وانما أنزله الله على محمد ومن معه وهم ياخدون بالتبعية لا بالاستقلال وحاشا لله .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا رسول من أدركته حيا ومن يولد بعدي " فلا فرق بين المبعوث إليهم من جهة تعلق الخطاب , فقوله جل ذكره " يا آيها اللذين آمنوا " يشمل كل مؤمن , ولا نقول انه قال , بل هو ألان يقول , عرف من عرف وجهل من جهل
ومن فتح الله على بصيرته يراه ألان يتنزل به الروح الآمين , وإذا قراه يقراه من إمام مبين واعظمهم درجة من يتلقاه من ارحم الراحمين وقليل ما هم .
ولا تستبعد ذلك فان الكلام كلام الله لا يتصف به غيره .
نعم . إن الكل يعتقد انه كلام الله وما فاته إلا آن يسمعه من الله , ولا يسمعه من الله إلا إذا كان سمعه سمع الله – فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ..... الحديث - ,والصفة لا تنفك عن موصو فها , ولا تظهر إلا من وراء حجاب لبسها قال تعالى " وما كان لبشر آن يكلمه الله إلا وحيا آو من وراء حجاب " , فموسى عليه الصلاة والسلام لما سمع خطابا من جانب الطور الأيمن لم يستدل على انه كلام الله يكلمه به إلا به من اجل ما أعطى من سلامة الذوق وصحة الوجدان .
وهكذا الواحد منا مهما تقوى يقينه وانشرح باطنه فيما يسمعه من ألفاظ القران فلا يراه إلا كلام الله يكلمه الله به في ذلك الحال ولا يستدل عليه إلا به لما يجده في قلبه من ثاثير النزول ورعدة الزواجر .
اخرج الطبراني عن النواس بن سمعان مرفوعا " إذا تكلم الله بالوحي آخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله وخروا سجدا ويكون أولهم يرفع رأسه جبرائيل فيكلمه الله بوحيه بما أراد فينتهي به على الملائكة فكل ما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا ؟ قال الحق , فينتهي به حيث آمره .
وهكذا لما ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم فيحصل له من ثاثير النزول ما ترتعد به مفاصله , ولن يزال هكذا مهما مر على قلب فارغ من الكدر وران إلا ويحدث فيه من ثاتير النزول .
تنبيه :
ان القران الكريم نزل على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منجما , وهذا باعتبار وصوله إليهم , آما باعتبار وصوله ومجيئه إلينا فقد جاءنا من الله عز وجل جملة بواسطة من حفظه الله بسببه , والله هو الحافظ قال تعالى " انا نحن نزلنا الذكر واتا له لحافظون ", وهذا يجري فيمن قبلنا ومن بعدنا .
وقولنا جاءنا من الله جملة يؤيده ما تقدم من حديث آبى جمعة الأنصاري قال " قلت يا رسول الله هل من قوم اعظم منا آجرا آمنا بك واتبعناك ؟ قال : وما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء , بل قوم يأتون بعدكم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بالله .... الخ الحديث " والشاهد في يأتيهم كتاب الله بين لوحين , فعلمنا يقينا إننا المقصودون بكتاب الله إلينا , لا اننا قرأناه بالتبعية لغيرنا .
وقولنا وصل ألينا جملة , هذا باعتبار ألفاظه , واما باعتبار معانيه فإنها لن تزال تحت آمين الوحي يتنزل بها الروح الآمين على قلب من كمل استعداده من أمة محمد صلى الله عليه وسلم , ولا يتنزل بها إلا منجمة وبالقدر المحتاج إليه , حسبما تقدم في نزول ألفاظه , ولا تستبعد نزول المعنى على قلوب العارفين بواسطة الملك , قال تعالى " ان اللذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة " وان لم يتضح ذلك عندك تذكر حديث " لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن ," , فما اقرب الملائكة من قلوب تماثل قلب خليل الرحمن . فقلوب العارفين مسكنها الملاء الأعلى , فلهذا أشركت الملائكة في المعارف .
قال احمد بن آبى الحواري رضي الله عنه للإمام احمد بن حنبل رضي الله عنه : سمعت شيخي ابن سمعان يقول : إذا اعتادت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكم من غير آن يؤدي لها عالما علم, فقال الإمام احمد بن حنبل : صدقت وصدق شيخك .
ثم اعلم آن الله عز وجل لن يزال كفيلا ببيان معاني القران في كل عصر وزمان ولن يزال قائلا " فإذا قرأناه فاتبع قرانه ثم ان علينا بيانه "
ومن بيانه المتكفل به ما يظهره الله من معانيه على السنة أصفيائه .
ومن حكمته تعالى آن لا يجري على السنة علماء كل زمان إلا ما يليق بآهل ذلك الزمان , ونعني بالعلماء العاملين الوارثين القائمين بحجة الله على العالمين اللذين يحفظ الله بهم هذا الدين حتى يبلغوه لمن بعدهم .
لا هولاء المتشدقين اللذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا , فإنها تنزل عليهم الشياطين بما فيه انحلال عقدة الدين لولا أن الله ينسخ ما تلقيه الشياطين ثم يُحكم آياته
والله سبحانه وتعالى اعلم
الفصل الخامس
وفيه ما يشعرنا بتعلق سائر ألفاظ القران بالمكلفين في كل وقت وان
ومهما اعتبرنا ما بين دفتي المصحف كتابا من الله جل ثناؤه ووصل إلينا بالخصوص لزمنا إلا نحمل ما أوعد الله آو وعد به على غيرنا من الأمم , فمهما ثبت الاستحقاق في شخص لشيء من ذلك فيكون هو المقصود نفسه بذلك الخطاب , وهكذا في سائر الأوامر والنواهي والترغيبات والترهيبات , وهنا وجه الكتاب إلينا .
واما كون الآية نزلت في فلان آو فلان إنما ذلك الشخص سبب لابتداء تهي الجنس المستحق لذلك الوصف آو الحكم .
والمعتبر من خطاب الله عز وجل عموم اللفظ لا خصوص السبب , والأرواح جنود مجندة متساوية في تعلق الخطاب بها ليست متعاقبة الوجود كتعاقب الأجسام .
فأرواح المنافقين مثلا من عهد راس المنافقين الأولين إلى خاتمتهم يشملهم وعد المنافقين , فتكون آية المنافقين نزلت في كل فرد من ذلك الجنس , وقس على ذلك انواع المخاطبين , وإلا كان الكثير من ألفاظ التنزيل في حيز التعطيل .
واني لا آري من كتاب الله لفظا معطلا لم يكن مقرونا بمستحقه في كل زمان وان لم نقل في كل آن
والمعنى : آن سائر ألفاظه دائرة بين مُخاطب ومخاطب في كل حين , واقعة موقعها من غير زيادة ولا نقصان .
والاغرب من هذا إن الخطاب المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم حقيقة قد يتناول غيره من ورثته على سبيل الإشارة مجازا .
واما ما فيه من التهديدات ونسبة التقصير له فيكون لوارثه حقيقة لانه أولى بالتقصير , فالقطب المحمدي أو لمن هو على قلب سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه افضل الصلاة والسلام , فإذا طرق سمعه قوله سبحانه وتعالى ( يا آيها النبي) آو " يا آيها الرسول " " بلغ ما انزل إليك " فلا يرى ذلك إلا آمر من الله عز وجل وهو المقصود به في تبليغ الشرائع , وهذه هي الحكمة والله اعلم في عدم ندائه في كتاب الله المجيد باسمه كان يقول " يا محمد " أو " يا احمد " كندائه من تقدم من المرسلين عليهم صلوات الله وسلامه .
وانما جاء النداء " يا آيها النبي " و " يا آيها المزمل " آو يا آيها المدثر " وهكذا ورثته من بعده المبلغين عنه عن سبيل الإشارة .
والعلماء ورثته الأنبياء , والمبلغون ورثة الرسل , آلا ترى آن عيسى عليه السلام لما بعث مبلغين عنه إلى مدينة إنطاكية سماهم الله عز وجل رسلا , واضاف إرسالهم لنفسه فقل جل ثناؤه " وإذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث " فلا مانع آن ينادي المبلغ من الآمة المحمدية على لسان القران بذلك الاسم ويكون مقصودا به في علم الله عز وجل .
, آلا ترى انه نادى محمد صلى الله عليه وسلم في " التوراة " وغيرها من الكتب بما هو من هذا القبيل كقوله " يا آيها الجبار تقلد سيفك " , وهذا الخطاب يحتمل آن يكون متناولا لغيره في ذلك العصر مجازا مدخرا للمصطفى صلى الله عليه وسلم حقيقة .
والحكمة – والله – اعلم – في عدم نداء الأنبياء بغير الاسم الصريح لعدم استمرار شرائعهم , بخلاف شريعة نبينا الاحمدية , فإنها مستمرة , والنداء فيها يعم كل وارث حتى ينتهي إلى المهدي ثم بعيسى عليهما السلام .
فان آمر الله لمحمد صلى الله عليه وسلم آمرا لهما وخطابه خطابهما .
فلما جاء النداء في التنزيل ب " يا آيها " ثم اعلم إن المبلغ الحقيقي ألان وقبل ألان وبعد ألان ليس إلا هو محمد صلى الله عليه وسلم ,. فنوره الكامن في خلفائه هو الذي يسمع النداء المختص به .
قال صلى الله عليه وسلم " رحمة الله على خلفائي .
قالوا : ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟
قال : اللذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله .
والذي يزيدنا شعورا بما قدمناه هو عدم حذف كلمة " قل " من التلاوة والرسم مع انها ليست داخلة في مقولة القول ضرورة .
فإذا قال الله سبحانه وتعالى لنبيه " قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله " , فالمتبادر إلى فهمه أن يقول " لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا " بحذف كلمة " قل " , فاثبت هذه الكلمة إلا أنها فعل متصل دائم التعلق كغيرها من الأفعال يتناول كل من يستحق القول مهما فهم عن الله , ونعني به الوارث المحمدي , ولو حذفت كلمة " قل " لضاع حظنا , ونقول فهمنا من كتاب الله . وما يعقلها إلا العاملون .
الفصل السادس
يُذكر فيه أن أهم شيء يعتبره الإنسان في كتاب الله هم ان يراه واصلا إليه من حضرة الرحمن
واهم شيء نعتبره من كتاب الله إذا تناولناه هو آن نراه واصلا إلينا ألان من حضرة الله عز وجل على الهيئة التي هو عليها بين دفتي المصحف وعلى عنوانه " ذلك الكتاب لا ريب فيه ".
والشاهد في كونه واصلا إلينا من الله على تلك الهيئة هو ما قدمناه في حديث آبو جمعة , ومن المعلوم ان كتاب الله لا يأتي إلا من الله , ولا يشكل عليك آن جمع المصحف وتنظيمه على الهيئة الحاضرة وبعثه للأمصار هو من اثر الصحابة عليهم رضوان اله .
نعم كان كذلك ولكنهم مسخرون , قال الله سبحانه وتعالى " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " , فلقد تولى الله سبحانه وتعالى حفظ كما تولى إنزاله , فيكون بذلك هو الجامع له على الحقيقة على الهيئة السابقة في علمه , وهذا باعتبار ترتيب السور مع بعضها هل كان ذلك توفيقا آو باجتهاد الصحابة .
آما ترتيب الآيات في سورها فهو بوحي من الله على ما جاء به الأثر آو انعقد به الإجماع , قال القاضي آبو بكر فيما نقله عن جلال السيوطي ان الذي نذهب إليه إن جميع القران الذي أنزله الله وامرنا بإثباته هو هذا الذي بين الدفتين والذي هو مصحف عثمان رضي الله عنه وانه لم ينقص منه شيء وان تنظيمه وترتيبه ثابت على ما نظمه الله سبحانه وتعالى ورتبه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم ونزلت الملائكة حافة به , ومن حوله وموصلة لمعانيه بوحي من الله سبحانه وتعالى للقلوب المستعدة .
اخرج الإمام احمد رضي الله عنه في مسنده عن معقل بن يسار إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " البقرة سنام القران وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا : وهل ترى ان الملائكة النازلة إلى الأرض مع هاته السورة بلغوها وتركوها بالأرض سُدى , كلا والله , فلم يزال كتاب الله بعناية الله محفوظا مشيعا بالملائكة إلى آن يرث الله ومن عليها والى الله تصير الأمور .
و لا يوهمك عبث الشياطين ببعض أجزائه فان حفظه وتشيعه في الجملة من حيث وجوده بين أفراد الإنسان .
واما كون البقرة سنمه وذروته دليل على تنظيم الله له في سابق علمه وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهيئته الحاضرة , والله سبحانه وتعالى اعلم .
تنبيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه مهم
من أراد السلامة آن لا يشرع في هذا التفسير حتى يمر على فصول هذه المقدمة , لانها كالسلم لتلق أسراره , وليتفرغ بحسن الظن ما أمكنه , ولا يفسر فيه على ما عنده , فانه ابعد من التطابق , لان كلام الروح يباين كلام البدن , واكثر هذا التفسير على لسان الخصوصية , والذي ليس لنا فيه كثير اكتساب إلا من حيث التوجه إلى حضرة الله سبحانه وتعالى .
والمعنى : انه ليس من قبيل التكلف والتعسف وطلب المنزلة , بل هو من قبيل محبة كتاب الله والتدبر فيه .
ولا ابريء نفسي من التقصير و لاانساها من وجود الخير , ثم اعلم انه قد ظهر لي في ترتيبه أن نذكر شيئا من التفسير الذي هو المقصود العام من كتاب الله , ثم نذكر ما يستنبط من أحكامه وهو أخص مما قبله , ثم نأتي بشي مما تتوسع فيه الإشارة على مصطلح آهل الله , ثم نذكر كلاما اخص منه معبرا عنه بلسان الروح وهي انهار أربعة
تراهم قد علم كل أناس مشربهم
وصلى الله على سيدنا محمد اشرف الأنبياء والمرسلين
التعليقات (0)