بتاريخ ١٨/أغسطس/١٩٧١ قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بمخاطبة الشعب الأمريكي مقاطعا أحد أشهر البرامج التلفزيونية الأمريكية وذالك للإعلان عن برنامجه الإقتصادي الجديد والذي يتلخص في ثلاث نقاط: فرض سياسة قومية لمراقبة الأسعار, فرض ضرائب إضافية على الواردات, منع تحويل الدولارات إلى ذهب. إن تلك الإجرائات قد قرر الرئيس إتخاذها لأن الولات المتحدة كانت تعاني أزمة سببها المضاربة على الدولار الأمريكي والتي لابد من التعامل معها بصرامة لأنها قامت بتدمير سمعة النظام المصرفي الأمريكي والدولار بذاته كأساس لذالك النظام. إن نمو العولمة والإقتصاد على مستوى العالم خلال الأربعين سنة الأخيرة قد جعل من إحتواء الأزمة عند حصولها عملية مستحيلة. تلك الأزمة سوف تبدأ من سوق صرف العملات والمضاربة عليها وتنتشر بسرعة على مستوى العالم وتصيب بعدواها كل شيئ بداية من الأسهم والسندات وليس إنتهاء بالسلع والخدمات وعندها سوف يخرج باراك أوباما على الشعب الأمريكي بنفس الطريقة التي خرج بها عليهم نيكسون ليعلن عن حزمة إجرائات جديدة قد تشمل العودة إلى إستخدام المعيار الذهبي حيث سوف تكون تسعيرة الذهب مرتفعة لتغطية كمية الأوراق النقدية المطبوعة والتي أتخم بها النظام النقدي. كما سوف تشمل الإجرائات مصادرة الذهب المخزن في نيويورك والعائد لدول مثل اليابان والدول الأوروبية والتي منها ألمانيا حيث أدت إشاعات إلى نية البنك المركزي الألماني إسترجاع الذهب العائد له والمخزن في نيويورك وفرنسا إلى إنخفاض في أسعار بورصات الأسهم والذهب. كما أنه هناك إشاعات أخرى منتشرة على أن الذهب الألماني المخزن في أمريكا على شكل سبائك قد تم سرقته وإستبداله بسبائك مزيفة حيث أدى إنتشار تلك الإشاعة إلى تقديم جهات حكومية ألمانية بطلبات للتحقق من كل سبيكة ذهب ألمانية مخزنة في نيويورك وتسجيل وزنها وقيمتها. بالطبع فإن أمريكا سوف تقوم بتسليم الدول التي تقوم بمصادرة ذهبها المخزن في نيويورك وصولات تمكنهم من إستبدال ذالك الذهب بدولارات أمريكية ولكن بالسعر المرتفع الذي تحدده أمريكا. بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي يقوم بلعبة خطرة ويمكن أن تنعكس ليس فقط على أمريكا بل وعلى العالم وذالك عن طريق طبع العملة الأمريكية لخلق حالة تضخم على مستوى أسعار الأصول والسلع والخدمات لتعويض حالة الإنكماش التي صاحبت فترات الركود الإقتصادية المختلفة التي مرت بها أمريكا. إن تلك السياسة التي يعتمدها بنك الإحتياطي الفيدرالي قد تتسبب بحدوث التضخم. التضخم وحتى إن كان قد لا يؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع الإستهلاكية فإنه سوف يؤدي إلى إرتفاع أسعار الأصول حيث سوف تظهر بسبب ذالك فقاعات في سوق الأسهم, البضائع, الأراضي وغير ذالك من الأصول الصلبة. مثال بسيط على تلك الفقاعات ماحصل سنة ٢٠٠٠ بخصوص فقاعة شركات التكنولوجيا أو ماعرف بفقاعة (Dot.com)(@.com) وماحصل في سنة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ مع فقاعة أزمة التمويل العقاري في الولايات المتحدة. الولايات المتحدة بإتخاذها خطوة طباعة الأوراق المالية بدون وجود تغطية كافية لها قد أعلنت بداية مايسمى حرب إقتصادية على دول العالم عن طريق المضاربة على أسعارا عملاتها سواء بالبيع أو بالشراء أو عن طريق مايعرف بالتسهيل الكمي ولكن كيف يكون ذالك؟ أريد أن أقوم في البداية بشرح مصطلح (Quantitative Easing) أو التسهيل الكمي حتى تكون الصورة واضحة تماما. هناك مجموعة إجرائات قد تتخذها الدول في حالة إصابتها بالركود الإقتصادي وذالك في سبيل تنشيط الإقتصاد منها تخفيض سعر الفائد لتشجيع الإقتراض وتحريك عجلة البيع والشراء. وقد لجأ بنك الإحتياط الفيدرالي الأمريكي إلى تلك السياسة عقب أزمة الكساد الإقتصادي التي تسبب بها إنهيار سوق الإقتراض العقاري في أمريكا حتى وصل معدل الفائدة إلى صفر%. فحين تصل معدلات الفائدة لذالك المستوى يكون بنك الإحتياطي الفيدرالي غير قادر على التلاعب بسعر الفائدة كوسيلة لتحفيز الإقتصاد فيلجأ لشراء الأصول المالية والسندات في محاولة لضخ أموال في الإقتصاد وتنشيطه. المشكلة أنه في الولايات المتحدة فقد تم شراء تلك الأصول المالية والسندات بأموال تم طباعتها بدون تغطية أو بأموال يتم تداولها إلكترونيا وهي وسيلة قد تكون متبعة في بعض الدول. ولكن كيف سوف يؤثر طبع الدولارات في أمريكا على مستوى التضخم في الصين, زيادة نسبة البطالة في الهند وإلى فقاعات في سوق الأسهم والسندات في البرازيل والتي قد تكون معرضة للإنفجار الكارثي في أي لحظة؟ الصين مثلا تمتلك ٣ تريليون دولار من السندات المختلفة نصفها يعد سندات أصدرتها الحكومة الأمريكية وتم شرائها من قبل البنك المركزي الصيني وإستمرار الحكومة الأمريكية بسياسة طباعة العملة بدون وجود تغطية كافية لها سوف يؤدي في النهاية لإنخفاض قيمتها مما يؤدي إلى إنخفاض قيمة تلك السندات لأنها بالدولار الأمريكي وسوف يؤثر ذالك على خطط الصين التنموية التي وضعتها بناء على عائدات متوقعة من تلك السندات. الهند دولة مصدرة للخدمات والسلع للولايات المتحدة وإنخفاض قيمة الدولار بسبب سياسة طبع العملة قد تؤدي إلى زيادة نسبة البطالة أن تلك السلع والخدمات المصدرة لأمريكا سوف يرتفع سعرها بالنسبة للمواطن الأمريكي مما يؤدي للعزوف عن شرائها. أما بالنسبة للبرازيل فتأثير طباعة الدولار الأمريكي على سوق الأسهم قد يكون كارثيا لإرتباط أسواق الأسهم ببعضها البعض فشراء الأصول والأسهم والسندات في أمريكا من قبل جهات حكومية وذالك بعملة إلكترونية أو بدولارات تمت طباعتها بدون تغطية كافية سوف يؤثر على شركات ومؤسسات وأفراد وهيئات قامت بشراء كميات ضخمة من الأسهم والسندات في الأسواق الأمريكية وإنخفاض أسعار تلك الأسهم والسندات سوف يؤثر على وضع تلك الشركات في البرازيل بفقاعة قد تنتهي بكارثة كما حصل سنة ٢٠٠٧-٢٠٠٨. الحروب الإقتصادية القائمة وفق مبدأ المضاربة على أسعار صرف العملة ليست شيئا جديدا فقد حصلت مرتين خلال القرن العشرين وطباعة العملة قد تكون إعلان حرب من نوع آخر, حرب إقتصادية تعني في محصلتها إلى سرقة النمو من الدول الأخرى. تلك الأنواع من الحروب الإقتصادية قد تنتهي بإشتباكات عسكرية على أرض الواقع وغزو ومواجهات مسلحة بسبب الصراع على الموارد التي سوف تكون إمكانية الوصول إليها شحيحة ومحدودة. تلك الأنواع من الحروب الإقتصادية قد تنتهي بإشتباكات عسكرية على أرض الواقع وغزو ومواجهات مسلحة بسبب الصراع على الموارد التي سوف تكون إمكانية الوصول إليها شحيحة ومحدودة. الطرف الآخر من مشكلة الإنهيارات الإقتصادية والكساد والحروب الإقتصادية القائمة وفق مبدأ المضاربة على العملات وأسعار صرفها هو الخبراء الإقتصاديون الذين فشل أغلبهم في توقع الأزمات الإقتصادية وتجنب أثارها الكارثية. هم لم يفشلوا فقط بل يزيدون الأمور تعقيدا حيث أن أخر إقتراحاتهم (SDR - Special Withdrawal Rights) وهي العملة العالمية الموحدة تحمل أخطارا مخفية ولاتحل أي مشكلة من المشكلات الحالية. هناك العديد من الأخطار التي يواجهها النظام المالي والمصرفي في الولايات المتحدة مثل عمليات شراء للذهب من قبل الصين تتسم بالسرية, أجندات خفية لصناديق الثروة السيادية, ولعل أهم تلك الأزمات هو إنهيار الدولار. إن المحللين العسكريين والمتخصصين بدراسة الأخطار التي تحدق بالأمن القومي للولايات المتحدة قد توصلوا لنتيجة مفادها أنه لإستمرار الهمينة العسكرية للولايات المتحدة فلابد من إستمرار الدولار كعملة تتمتع بقوتها والتي هي رمز لقوة الولايات المتحدة. النهاية أشكر تفاعلكم ووقتكم وأدعوكم لزيارة مدونة علوم وثقافة ومعرفة رابط الموضوع على المدونة هو: http://science-culture-knowledge.blogspot.ca/2014/10/blog-post_2.html
التعليقات (0)