مواضيع اليوم

مقبرة المواهب

عبد الهادي فنجان الساعدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


انتهت الاحتفالية المقامة لتكريم أحد أعلام العراق .. وما أكثر هذه الاحتفاليات .. ذهب المشاركون في الاحتفالية إلى مائدة عامرة بألذ الأطعمة والمرطبات .. وأما أنا فقد عرجت على باب الخروج من القاعة .. يصطحبني شبح قديم يلازمني كلما عشت حالة الضياع .. وخصوصا ضياع الأيتام .. ، أنه حزني ، ذلك الشبح الذي لا يرغب أن يفارقني وخصوصا عندما نضطر لمشاركة الآخرين السير خطوات الألف ميل إلى الخلف .
صحيح أن أكرام الميت دفنه ولكن كيف ندفن ذكراه خصوصا إذا كانت ذكريات عطرة ومؤثرة في مسيرة حياة المجتمع العراقي من كتب ودواوين شعر وقصص ووثائق تسجل مسيرة العراق والأحداث الجسام التي مرت عليه .
يقول السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني (رحمه الله) ((خير المخلفات .. المؤلفات)) وخير ما يخلفه الإنسان الكاتب أو الشاعر .. مؤلفاته .. وقد اقترحت على الكثير من المؤسسات وفي الكثير من المناسبات أن يكون التكريم الحقيقي بان تطبع مؤلفات الفقيد الذي نريد تكريمه .. وخير التكريم هو المقرون بالوفاء الحقيقي الذي يخلو من دموع التماسيح والخطب العكاظية.
أن الوفاء يكون بطبع مؤلفات الكاتب او الروائي او الشاعر كمجموعة كاملة وهذا فيه عطر الذكرى واحتضان عائلة الفقيد واعمام الفائدة للاخرين وحينها سيموت الكاتب من دون ان يلتفت الى الخلف "وفي نفسه شيء من حتى" .
وقد شمل التكريم بعض الشخصيات الثقافية العراقية التي عاشت الغربتين .. غربة الروح .. وغربة الوطن، احتفلت بها المؤسسات الأجنبية والعربية .. أما نحن هنا فقد كانت السلطة تزيد من شد الحبل على خناق الأهل والأحبة في الوطن .. ترى لماذا كانت المؤسسات الأجنبية والعربية تكرم اولئك العراقيين؟!! لقد ساهموا بشكل فعال ومتميز في مسيرة الحضارة العالمية وذلك برفدها باعز ما عندهم .. وهي الكلمة التي كانت تخرج من القلب بمباركة العقل العراقي الذي يحمل جينات حضارة عمرها سبعة الاف سنة .
ولقد اطلعت على بعض تلك المؤلفات الرائعة في زمن الاستنساخ والممنوع فكانت بحق مساهمات متميزة في البناء الحضاري .. لقد كررت الاقتراح السابق باعادة طبع مؤلفات كتابنا العراقيين الذين يحملون جواز الغربتين لكي يشعروا بان دموعهم وماسيهم لم تكن قبضة ريح .. انما هي وثائق رائعة تدين الجاني وتساعد في ترميم البنية التحتية لاخلاق الناس التي دمرها تاريخ من الاستبداد .
لقد اعترض الكثير من المسؤولين على هذه المقترحات بان الارهاب يستنزف كل موارد البلد .. وأن مثل هذه الاقتراحات مكلفة .. وترهق الميزانية العامة او بالاخص ميزانية وزارة الثقافة .
ونحن بدورنا نقول: هناك طريقتان لتنفيذ هذا المقترح .. الأولى هي التي عملت بها أحدى المؤسسات الأوربية الطباعية الصغيرة التي استطاعت أن تعيش وتستمر في بحر الطباعة ووسط حيتان الشركات الطباعية وذلك بفضل خطتها وهي عدم رفض أي مطبوع ولكن بالمقابل لا تطبع اكثر من الف نسخة حيث ليس لديها مخازن لحفظ المطبوعات وليس لمديرها سكرتيرة .. وقد اختزلت الكثير من الخدمات المالية لكي يخرج المطبوع محدود العدد ومناسب السعر جدا والفضل في ذلك لسياسة المؤسسة الطباعية والتخطيط العلمي المسبق .. وعندما يلاقي احد تلك المطبوعات النجاح وينفد من السوق .. يعيدون طبعه بعد نفاد الكمية المطروحة في السوق وذلك لعدم الابتذال في الطرح وقد نجحت التجربة بشكل لافت للنظر .
الطريقة الثانية هي الطبعة الشعبية من حيث الورق (ورق الصحف) والغلاف جميل ورخيص وهذه التجربة ماخوذة عن الطبعات الشعبية في مصر التي كانت سائدة في اعوام الستينيات من القرن الماضي وقد ساهمت في اغناء المثقف المصري خصوصا والعربي عموما ويذكر ذلك جيلنا والاجيال التي قبله ، اذ أن هذه الطريقة بدأت في مصر بعد ثورة 23 يوليو تموز 1952 وهي طريقة ماخوذة من تجارب الكثير من الدول الثورية والحركات السياسية الثورية التي تطبع نشرياتها الثقافية بهذه الطريقة ويذكرنا ذلك بمطابع النجف الاشرف ورباعية المرحوم الكاتب الفذ (شمران الياسري) (أبو كاطع) ... تلك الرباعية التي نزف فيها كل تجربته الفذة وضمنها كل جمالية الريف العراقي، وحبذا لو التفتت احدى التنظيمات التقدمية العديدة الى هذه الرباعية لاعادة طبعها بدلا من كيل التهم والمزايدات على الشعارات المريضة بفقدان الذاكرة . وما المني اكثر .. أن نكرم المرحوم شمران الياسري (أبو كاطع) وننشر صوره من اقطاب الثقافة التقدمية العراقية دون أن تلتفت تلك الاقطاب التي تمسك بزمام القيادة وتتصدى لطبع ذلك الاثر الرائع دون أن تذرف الدموع على الصور الحميمية المنشورة لترينا ماسينا في قتل العظام من ابناء شعبنا والبكاء عليهم بدموع التماسيح .
لقد حاولت اعادة قراءتها ولكنني لم اجد النسخ كاملة لغرض اعادة التقييم وبالرغم من كل ذلك فانا اعتقد بان هذه الرباعية لابد أن يعاد طبعها وترجمتها الى بعض اللغات الاجنبية لانها تحمل بذور العالمية .. فهي رواية في اربعة اجزاء ، محلية، شديدة الالتصاق بالارض، شديدة التعبير عن العلاقات الاجتماعية والانسانية، وعندما تقرأها تجد انك تغور في الطين مع الفلاحين الذين يزرعون الرز وبمواجهة الريح العاتية مع زارعي الحنطة والشعير من اقنان الارض المستعبدين وهي تؤرخ لنشوء الاقطاع والتحولات الاجتماعية العديدة التي عصفت بالمجتمع العراقي الفلاحي ، وكلما استذكرت قسما من هذه الرباعية اكاد اخرج من جلدي غيظا لاننا فرطنا بكاتب يملك كل هذه القدرات التقنية العظيمة وكل هذه المواهب الروائية العالمية ولم نقف بينه وبين حتفه الاثم .
هل حقا أن العراق "مقبرة المواهب" كما قالها السيد هبة الدين الشهرستاني لأخي حينما كنا صغارا وسأله أخي ((سيدنا ما هو العراق)) لقد دهش ذلك الرجل العظيم لفطنة هذا الصبي واجابه بعد حين ((العراق يا ولدي مقبرة المواهب)) انها كلمة قاسية ومؤسية في نفس الوقت .. ولكن هل آن لنا ان ندحضها بالفعل وليس بالقول ؟؟؟

 


التكوين الفلسفي وأهميته
في التكوينات الأخرى للفرد والدولة
عبد الهادي فنجان الساعدي
الفلسفة .. تلكم الكلمة المرعبة التي نتصورانها شيء بعيد المنال ولا يمكن الدخول الى عالمها الغريب بسهولة ، تشكل في نفس الوقت مكونات الانسان – كل انسان – وهي التي تحدد مستقبله ، اذ ان مستقبل الانسان يتكون من مجموعة التشكيلات النفسية والثقافية والمكتسبات وطرق الاستقبال لهذه المكتسبات .. وتشمل الفلسفة – ايضا – التكوين الأولي الفكري للانسان والتقنية الذاتية التي بامكانها صياغة تلكم الفلسفة وصقلها وجعلها ظاهرة للوجود . أن الفلسفة التي نقراها هي تحصيل حاصل الافكار الفلسفية التي تم التوصل الى صياغتها من خلال الدراسات الفكرية المعمقة للظواهر الكونية والانسانية . صحيح أن هناك فلسفات عديدة جدا وموزعة على الماديات والروحيات او الطبيعة وما وراء الطبيعة ولكننا في دراستنا هذه نقصد التكوين الفلسفي للانسان وكيف يبدا ، وكيف يتحكم بمستقبل الفرد .
تبدأ الامنيات الداخلية في نفس الطفل ولا نقصد الامنيات التي يجمع عليها الاطفال في الظاهر اذ يريد اكثر الاطفال أن يكونوا اطباء ومهندسين وطيارين وقلما يشذ طفل عن هذه القاعدة فيقول بانه يريد أن يصير – كناسا مثلا – وقد رايت بعض الاطفال بمسيرة حياتي يشذون عن الاماني الجماعية فمنهم من اراد ان يكون – منظفا واخر طلب ان يكون فراشاً لأن اخاه طلب أن يكون دكتورا . ليست هذه الاماني الجماعية هو ما نقصده انما نقصد الاماني النفسية الداخلية التي تختمر في ذهن الطفل وعقله الباطن . فمنهم من تجذبه البطولة ومنهم من تجذبه الجريمة بصورتها البطولية العنيفة ومنهم من تجذبه اركان الهدوء او الخيبة او الخذلان وهناك صور عديدة مثل ان يكون غنيا او ان يمتلك سيارة او ان يكون اميرا للشعراء او مغنيا مشهورا . كل هذه الصور للخيالات المبكرة تكون اجزاء من تكوينات فلسفة الانسان وعلى هذا الاساس سيكون مستقبله او ما يقارب ذلك التصور التكويني الفلسفي الأولي . ولهذا فالنشأة الأولى لها التاثير المباشر في مستقبل الانسان فضلا عن الفرص العديدة والعوامل المساعدة وهكذا نجد أن ثلاثة اخوان تختلف مصائرهم المستقبلية وقد تتشابه وذلك تبعا للتكوين الفلسفي لهؤلاء ، فمنهم من يصبح طبيبا مشهورا في الحين الذي نجد اخيه يراوح في ادنى سلم الدرجات الوظيفية وقد استمر في حياة اللهو والعربدة حتى يصبح الفرق واضحا بينه وبين اخويه .
ذلك التعليل يشمل الوطن وفلسفته والامة وفلسفتها . وهنا تصبح القضية اسهل للتمييز اذ ان الوطن او الامة تتبع فلسفة معينة من ضمن عدة فلسفات موجودة في العالم مثل الفلسفة الاسلامية او الراسمالية او الاشتراكية وهذه هي النظم الفلسفية وقد تتبع فلسفة معينة فلسفة اخرى وكمثال على ذلك فالفلسفة الاشتراكية هي وليدة الفلسفة الماركسية كما ان الفلسفة الراسمالية هي وليدة فلسفات عديدة علمانية ساهم بصياغتها الكثير من فلاسفة الغرب . وهذه الفلسفات الثلاث هي التي تتفرع عنها بقية الفلسفات العالمية المادية والروحية وهي في نفس الوقت تتكون من مجموعة من النظريات التي ساهمت في تكوين تلكم الفلسفة . ولذلك نرى أن الدولة التي تتبع الفلسفة الاسلامية يؤطر تعاملاتها مبدأ الحلال والحرام بشكل رئيس . أما الدولة التي تتبع الفلسفة الراسمالية فتكون مبادئ سياستها مرتكزة على اهمية حرية الفرد بشكل رئيس وان حرية الفرد لا تقف الا عند حريات الاخرين . اما بالنسبة للنظام الذي يتبع الفلسفة الاشتراكية او الماركسية فهو الذي تنبع مبادؤه من خلال التفسير المادي للتاريخ وللظواهر عموما وهو يقف عند حدود الماديات ولا يتصل بالروحيات نهائيا، بل لا يعترف بها .
ومن هنا يولد الاقتصاد الذي يتبعه الفرد كممارسة فردية او الدولة كقوانين وانظمة وضوابط وتعاملات وبيع وشراء . فالدولة التي تتخذ الفلسفة الاسلامية كمبدا للحياة نرى أن اقتصادها يتركز على التعامل الاسلامي من باب الحلال والحرام "دع ما يريبك الى مالا يريبك" أو قول احد الائمة الافذاد (من اراد ان يعمل بالتجارة فليتفقه في الدين) وهنا نعرف ان الارتباط اصبح قانونيا وشرعيا بين التجارة والفقه الديني لان نهاية المطاف هي الاخرة والتي تشتمل على الحساب الذي يؤدي اما للجنة او للنار وهذا يعتبر من الضوابط الدينية الشديدة الحساسية في النظام الإسلامي .
أما في النظام الرأسمالي فالاقتصاد رأسمالي ويتبع ما تمليه عليه الفلسفة الرأسمالية من حيث أن (ما لله .. لله .. وما لقيصر.. لقيصر) وأن الدين عبادة فردية لا علاقة لها بالتجارة والتجارة (عرض وطلب) وهكذا. لذا نرى أن الحياة الاقتصادية الرأسمالية تنبع كممارسة من الفلسفة الرأسمالية التي هي مادية قائمة على عدم تدخل الدولة الا فيما ندر .
أما الاقتصاد الاشتراكي فيتبع الفلسفة الاشتراكية التي هي حلقة وسطية بين ما كان وما سيكون . انها الحلقة الوسطية المهمة التي توصل الى النظام الشيوعي، حيث شيوع امتلاك وسائل الانتاج ودكتاتورية البروليتاريا وما يتبع ذلك من تغييرات جذرية في المجتمع . والاقتصاد الاشتراكي بتحليله المادي يعتمد على الفلسفة الاشتراكية التي تقول بسيطرة الدولة في المرحلة الأولى على وسائل الانتاج وتوزيعها على المواطنين على مبدأ (من كل حسب جهده ولكل حسب حاجته) والذي يوصل في النهاية كما قلنا الى تطبيق مبدأ سيطرة البروليتاريا او دكتاتورية البرولتياريا كل ذلك يتم بعيدا عن الممارسات الفردية للانتاج .
نصل بعد ذلك الى الحلقة الثالثة والمهمة التي هي المجتمع حيث أن المجتمع وممارساته العديدة يصبحان انعكاسا للاقتصاد الموجود في ذلك البلد . فالاقتصاد الاسلامي يولد مجتمعا اسلاميا وكذلك الاقتصاد الراسمالي يولد مجتمعا رأسماليا بكل مفاصل حياته الاجتماعية او بعضها وكذلك الاقتصاد الاشتراكي سيولد مجتمعا اشتراكيا يمتاز بثقافة خاصة به وبممارسات خاصة تختلف في العديد من الوجوه عن بقية المجتمعات التي تعيش في ظل اقتصادات مختلفة .
أن الدولة او الحكومة ستولد حتما من رحم مجتمعها وهي تشبهه الى حد بعيد . فالمفروض ان الحكومة التي ستولد من مجتمع اسلامي ناتج بدوره عن اقتصاد اسلامي ، وهذا الاقتصاد ناتج بالضرورة عن فلسفة اسلامية ستكون بدون شك حكومة اسلامية لكي تتلاءم مع تكوينات الحلقات الثلاث الأولى واي خلل في احدى الحلقات السابقة سيولد حتما حلقة اخرى تشكو من الخلل وحتى نصل الحلقة الاخيرة وهي الحكومة حيث ستولد حلقة مشوهة ، أي حكومة اسلامية مشوهة غير مكتملة الشروط .
أما في حالة المجتمع الرأسمالي فلا نعتقد بانه سيولد حكومة اسلامية او اشتراكية محضة . سيولد حتما حكومة راسمالية تسير ضمن ضوابط المجتمع الرأسمالي والذي يسير ضمن تاثيرات الاقتصاد الراسمالي والذي ولد من رحم الفلسفة الراسمالية. وكذلك الحال بالنسبة للحكومة الاشتراكية ، واي خلل سيولد حتما تشوها في البنية الحكومية التي تعتمد على البنى الاخرى في ولادتها وفي تقنيتها.
وهناك سؤال مهم طالما سمعناه في العهود السابقة يقول (لماذا لا تشبه حكومتنا ، حكومات العالم اجمع . فهي تختلف من حيث النشأة والتطبيق والممارسات اليومية) نعود لنفس الحلقات السابقة فنجد أن حكوماتنا السالفة قد انبثقت من رحم مجتمع غير متكامل المواصفات ويحمل العديد من الاختلافات الجينية والتكوينية ولا يتصف بصفة اقتصادية واحدة والسبب الرئيس هو اختلال في الحلقات الأولى ولدّ اختلالا او تشوهات في باقي الحلقات فنحن كشعب او كوطن لم نعتمد على فلسفة واحدة انما اعتمدنا على عدة فلسفات ولدت اقتصادات متنافرة وهذه الاقتصادات ولدت بدورها مجتمعا غير متشابه مما ادى الى اختلاف وجهات النظر في تكوين الحكومات السابقة وهكذا .
فالفلسفة اذن هي الحلقة الأولى التي تعتبر التكوين الاساسي للفرد وللدولة وللامة التي بامكانها ان تولد اقتصادا مشابها ، والذي بدوره سيولد حتما مجتمعا مشابها والحلقة الاخيرة هي الحكومة التي ستولد حتما مشابهة لهذا الجين الذي ولد منه . ورحم الله الفيلسوف الاسلامي (محمد باقر الصدر) الذي وضع اللبنات الأولى في هذه الدراسات الانسانية العظيمة والتي بدانا نستقي منها ما نشاء من الدراسات الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

الموت غماً
عبد الهادي فنجان الساعدي
في لقاء تلفزيوني على قناة الديار سال الامين العام للتجمع الديمقراطي نائبا في البرلمان متعجبا ومنكرا ، عن راتب النائب في البرلمان وهل يعرف سعر البانزين او سعر قنينة الغاز ، رد عليه النائب بالسؤال وهل تعرف ما ياخذه النائب في الكونكرس الامريكي او مجلس النواب الانكليزي او الاوربي . لقد نسي نائب البرلمان بان راتب النائب في الكونكرس يوازي مستوى المعيشة ومعدل الدخل السنوي للفرد الامريكي او الاوربي . أما في العراق فيساوي راتب النائب في البرلمان الدخل السنوي ومستوى المعيشة لعشرة اشخاص ان لم يكن اكثر في بعض مناطق بغداد العاصمة أما في حي طارق او حي التنك فيساوي راتب النائب، الدخل السنوي ومستوى المعيشة للحي كله .
كلما خرجت من مقابلة وزير او مسؤول كبير في الدوائر الحكومية اصاب بخيبة امل كبيرة واتاكد اكثر بان مستقبل العراق مظلم في ظل مجتمع يحكمه وزراء بحاجة الى محو امية ثقافية. ان كارثة المحاصصة نزلت كهبة من امريكا لتنسخ كل الايات القرانية التي تدعو للعلم والمعرفة من هذا المجتمع الصابر .
اعتقد أن المحاصصة هي احدى الايات الشيطانية التي لم يطلع عليها سلمان رشدي صاحب كتاب الايات الشيطانية الذي اثار ضجة كبيرة وجدلا وصل الى حد اباحة دم هذا الكاتب المارق .
الاغرب من كل ذلك هو اننا (لم نمت في الحروب او الزلازل او حوادث الطرق)(1) لحد الآن . ولكننا بالتاكيد سنموت غما.
انني لم اشاهد هذا الكم الهائل من المزابل لا في البلدان التي رايتها ولا في الافلام التلفزيونية ولا حتى في المجلات او الصحف، انها تدل على فقدان الترابط بين المواطن والدولة وبين المواطن والمؤسسات الحكومية وبين المواطن ونفسه، السؤال الاهم من كل ذلك .. هل هناك دولة .. هل هناك حكومة .. هل هناك مواطن .. اني اشك بكل ذلك: انها تلال من المزابل .. بجانبها تلال اخرى من المزابل وفي الفسح ما بين المزبلة والمزبلة التي تليها يقف المواطن ليبيع بعض ما تجود به مزابل العالم . ومن لا يصدق فليذهب الى (قلب العاصمة بغداد النابض) شارع الرشيد .. مركز العاصمة وليتبول في أي مكان يشاء .. فلقد اصبحت بغداد مباءة للصوص وقطاع الطرق ووزراء المحاصصة اللعينة .
هل يكفي البكاء .. فلنترك البكاء على الاندلس وفلسطين ولبنان ودارفور ولنبك على كوارثنا في العراق حيث يباع الانسان بسعر اقل من سعر البهيمة ويقتل في وضح النهار .. ويموت القسم الاخر غما وكمداً من دون ان يلتفت اليهم أحد ومن لا يصدق فليذهب لمقابلة أي وزير ليخرج كي يمزق اخر قطعة من معتقداته.
هل يكفي البكاء على كارثة اعادة اعمار العراق ... أو على كارثة الثقافة أو كارثة الاثار أو كارثة التعليم التلقيني لاجيال البهائم القادمة .
(اني لا اعجب ان نقتل غيله .. لكني اعجب ان نقتل في كل صباح غيله)(2).
(ايتها النوافذ / قليلا من هواء الغابات / انني اختنق ورئتاي جاحظتان خارج صدري / وصوتي ضال كالرعد / لا يعرف اجيالا قادمة ينشدها / ولا فما قديما يعود اليه / ايها البناؤون / ادعموني بحجر / اني اتصدع / انهار / كقمم الجبال الثلجية / تحت شمس الربيع / اه لو يتم تبادل الاوطان كالراقصات في الملهى)(3).
الكثير منا يكتب اليوم ويتحاشى ذكر اسم من اسماء الطغاة او جلادي النظام السابق !!! ولو نزل المسؤولون من سياراتهم المدرعة وحماياتهم المدججين بالسلاح .. ونزعوا ملابسهم الانيقة وربطات عنقهم التي يلبسونها في صيف لم يشهده العراق منذ 1000 سنة دون ان يابهوا لانهم يعيشون في سيارات ومكاتب درجات حرارتها تصل الى 10 مئوي لسمعوا مالا يمكن السكوت عنه .. من شعب ذاق المر .. والامر ... ولا يدري ما يخبئ له الغد. اين هو النور في اخر النفق (كذب المنجمون ولو صدقوا) .
ان أردأ الامم هي التي تنتظر البطل او التي تنتظر رسولا اخر .. ان العولمة هي القادمة بأناجيلها الجديدة الكفيلة بسحق وتدمير هذه الامم التي ما زالت منذ 14 قرنا تنتظر المنقذ .
لقد سجن نيلسون مانديلا اكثر من "27" سنة اما الافارقة في جنوب افريقيا فلم ينتظروا مانديلا المنقذ انما هم الذين انقذوه بدمائهم وتضحياتهم . أما نحن فمازلنا (نقاسي الآلآم وظهورنا منحنية في وهج الشمس)(4) بانتظار المنقذ دون أن نعي الدرس ونستيقظ من سبات الافيون .
هل تكفي السياط لايقاظ هذا الشعب النائم .. لقد تمتع النواب (الاشاوس) بعطلتهم الفصلية بعد أن ملوا من الخلافات الشخصية والمهاترات الفردية ولم يصدر لحد الان (ما يقر العين) أو (يشرح الصدر) . وعندما يسال السائل عن المليارات النقدية اين تذهب .. يجيبه الساكنون تحت الجسور دون سقف بنظرة توحي بالياس والجزع .
الحواشي:
(1) من قصيدة للشاعر المبدع محمد الماغوط .
(2) من قصيدة لشاعر مغمور .
(3) من قصيدة للشاعر المبدع محمد الماغوط .
(4) مقطع من فلم "أم الهند" الشهير .

الموت في ظل حالة الطوارئ
عبد الهادي فنجان الساعدي
جاء في أحد التقارير الاخبارية المنوعة بان صرفيات العرب على المخدرات بلغت 28 مليار دولار سنويا . ومن خلال استقراء الاحداث تساءلنا : وكم من الطاقة الكهربائية تصرف على الادعية التي لا ندري اين تذهب مع العلم أن الدعاء مقرون الاستجابة باليقين(1). لم لا نلتزم بالادعية لكي نسخرها لخدمة واحترام الانسان بدل قتله ؟!! الم يقل الرسول (ص) "لا تغدروا ولا تمثلوا"(2). ما قيمة الدعاء ونحن ندمر ما خلقه الله "في احسن تقويم" ومن الذي "رددناه اسفل سافلين" ومن المستثني من ذلك ؟!! هل انها حركة التاريخ .. أو هي كثرة المقدسات الحاجزة غير المقدسة !! لقد غيبنا العقل منذ القرن السابع الهجري بالرغم من ان الله سبحانه وتعالى قد خلق الانسان بعقل .. وعقل مفكر ومدبر.. من الذي عطل العقل .. أو غيبه .. انه النهج الساذج او النهج الطموح لمكاسب آنية يحصل عليها في حالة تغييب النهج العقلاني في التفكير(3).
نحن ابناء الامس .. وما زلنا ابناء الامس طالما بقينا نجادل بكل سذاجة عن حلية اكل "الجري" من حرمته .. لقد صرفنا اربعة عشر قرنا من اعمارنا نجادل في ذلك والعالم تحول من قرون الظلام الى عصور التنوير وتركوا لنا المجال واسعا للنقاش الذي يصل حد التصفية الجسدية في امور تشبه الى حد بعيد جدلية "البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة" حتى حسمها الغرب في اخر نظرية اثبتت أن الدجاجة من البيضة وقد غاب عنا بان البيضة تشبه الخلية وقد خلقت الخلية قبل التكوين الاساسي للخلقة سواء كانت حيوانية ام نباتية وهذه النظرية موجودة في القران الكريم من عهد التنزيل الأول .
دار جدل واسع حول القصور الرئاسية التي تركها "تسونامي العراق" ليسكن في حفرة لا تتجاوز بعض الامتار والتي تشبه الى حد بعيد الزنازين الانفرادية التي كان يغيب فيها خيرة رجال العراق من كل الفئات التي صنعت بدمائها وبحياتها شكل صورة النضال الجريئة التي لا تشبه باي حال صور النضال الشريف وغير الشريف لرجال الوقت الحاضر الذين حالفهم الحظ كي ياكلوها "باردة" .
لقد طرح الكثير من الكتاب والمثقفين وغير المثقفين من المسؤولين الاداريين الذين تجمعهم الضرورة الادارية مع الوزراء والمسؤولين في الدولة استغلال تلكم القصور كمراكز ثقافية في الحين الذي بامكاننا ان نضع المراكز الثقافية في أي بيت من البيوت المنتشرة في المدينة . ان معظم الشعوب أو الدول قد جعلت من القصور الرئاسية والملكية والامبراطورية اماكن سياحية يزورها السياح سنويا بالالاف لكي يروا معالم الحياة التي كان يعيشها ذلك الحاكم ويقارنوها بمستوى شعوبهم وعمق معاناة تلكم الشعوب . وفي هذه الحالة يصبح هذا المكان نقطة جذب سياحي نحصل منها على المردود المادي بدل ان ندفع عليها من خزينة الدولة من اجل مراكز ثقافية اثبتت فشلها في كل الفترات السياسية لأنها تتحول بمرور الايام الى مراكز بث فكري ايديولوجي لاكبر الكتل التي تسيطر على تلكم البقعة من ارض الوطن .
أما الفاجعة التي اصيبت بها مدينة بابل التاريخية فهي انعكاس طبيعي لايديولوجيا متخلفة سيطرت على قصر رئاسي داخل محرمات اثارية دمرتها اليات الاحتلال متعدد الجنسيات . وعادت عناصر وطنية شريفة لتكمل ما بداته قوات الاحتلال وقبلها ما بداه "تسونامي العراق" من تشويه وتدمير للبنية الاساسية لهذه المرافق الاثارية .
بنى صدام قصرا على أحد ثلاثة تلول اصطناعية وفي داخل التل مرافق لادارة القصر . كل ذلك داخل المدينة الاثارية القديمة في بابل . وبعد سقوط النظام المريع قام مجلس محافظة بابل بالاستيلاء على القصر بالرغم من انه داخل المحرمات الاثرية وقد تم تشويه القصر بازالة النقوش المغربية الثمينة في قيمتها الفنية وذلك بتقطيع غرف وصالات القصر لغرض تحويله الى "مدينة اعراس" . لقد تم التصويت في داخل المجلس البلدي على هذا الموضوع فكانت النتيجة 19 الى 18 صوتا لصالح تحويل القصر وتعطيل العقل العراقي. أما موقف هيئة اثار بابل فهو الصمت الذي اصبح ثمنه حياة المنتسبين الى تلكم الهيئة (انتهى) .
في احصائية ثقافية وجدنا ان ما يطبع في اسرائيل يساوي ما يطبع من كتب ومجلات في الوطن العربي كله . وفي تجربة شخصية سبق وان تكلمنا عنها ، وجدت أن 90% من جهود مركز البحوث والنشر (J.Stor) قد سجلها اسرائيليون بين كتاب منشور او بحث او تحليل او نقد او احصائية هذا في الجانب الاثاري الذي بحثنا فيه فقط ولا ندري بقية الجوانب ومدى مساهمة الكتاب والباحثين الاسرائيليين فيها . لو قارنا بين ما موجود من اثار في فلسطين كلها وما موجود في العراق فقط لوجدنا أن كمية الاثار الموجودة في اسرائيل تساوي 10% من اثار العراق ولكن الجهود معكوسة فهي 90% مما يبذل في العراق والوطن العربي بحسب ما وجدناه طي نشرات المركز البحثي الذي اشرنا اليه بالرغم من انه مركز بحثي عالمي ولا يرتبط رسميا باية دولة .
لقد قرأنا بان أول انسان نزل على الارض كان في العراق في مدينة اور او أوروك وان اول واقدم حضارة اقامها الانسان كانت في العراق ، وكلما يذكر في الجانب الحضاري من الاكتشافات القديمة التي خدمت الانسانية هي مسجلة ضمن ولادات العراق الحضارية . أما في الوقت الحاضر فالعراق أول بلد في العالم من حيث عدد القتلى من الناس الابرياء . ان مقدار التخلف يقاس بعدد الضحايا السنوي في ذلك البلد (عدا العدد اليومي في بعض البلدان مثل العراق أو السودان او فلسطين) . لقد خطفت اسرائيل نصف القيادة الفلسطينية مقابل خطف جندي اسرائيلي واحد اضافة الى تدمير البنية التحتية وعشرات المرافق الاساسية والمؤسسات في غزة نواة الدولة الفلسطينية ذات الطابع الوهمي في الوقت الحاضر . وفي الجانب الاخر تم تدمير مئات المباني الخاصة والعامة والجسور والمنشات الحكومية فضلا عن استشهاد مئات المواطنين اللبنانيين مقابل خطف جنديين اسرائيليين. ما هي قيمة المواطن العربي ازاء بقية مواطني العالم!! وهل هناك بلد عربي يخلو من حالة الطوارئ التي يقتل او يسجن في ظلها الاف المواطنين من الابرياء وغير الابرياء الذين هم في حكم القانون يرتكبون جريمة الخيانة العظمى نتيجة التظاهر واستنكار حالة تفشي البطالة او عدم توفر الرغيف.
عندما تتجول في بلدان العالم المتقدم تجد بان كل شيء لا قيمة له في اكثر الاحيان الا الانسان فهو المقدس الوحيد لهول ما يقدم له من خدمات بثمن وبلا ثمن. أما في دول الطوارئ فكل شيء له قيمة الا الانسان . وهذا ما يمثل انعكاس ثقافات الشعوب (هناك) والشعوب (هنا) .
أن شعوبا لا تمتلك قيادات مثقفة لا تستحق الحياة . والغريب في الامر انك تجد قيادات البلد بيد الاميين ثقافيا . وبالمقابل يعيش خيرة مثقفي البلد محرومين من ابسط متطلبات الحياة ومعظمهم يعيشون على مكافئات الصحف الرمزية في الحين الذي يعيش الانسان في الدول المتقدمة ثلاث سنوات او اكثر بمورد يدره عليه كتاب نشره قد يكون عن النحل او الصحراء او الرواية او نقاشات وتحليلات حول اخر نظريات النقد في العالم .. لقد طفحت الصحراء بالنفط والمعادن والدم .. ولكنها ما تزال تشكو العطش .. وحالات الطوارئ .. وشبابها يشكون البطالة وعيونهم ما زالت تتطلع الى عوالم اخرى تقع بالتاكيد خلف الحدود .
الحواشي:
(1) عندما سألوا العلامة الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء (رحمه الله) : هل أن الدعاء مستجاب . قال : مقرون الاستجابة باليقين .
(2) اخرجه البخاري في صحيحه .
(3) اقرأ مقدمة كتاب تهافت الفلاسفة للامام الغزالي التي كتبها الدكتور سليمان دنيا استاذ الفلسفة المساعد في كلية اصول الدين . ط2 / دار المعارف بمصر.


مملكة الضفادع
عبد الهادي فنجان الساعدي
لقد مرت أحداث 11 أيلول على الولايات المتحدة ولكنها لم تخلف ما خلفته الهجمات الإرهابية في العراق من إجراءات غبية عكست كل تخلفها على حياة الناس فجعلت منها معاناة مركبة ومدنا ساخنة تشبه الى حد بعيد محميات الحيوانات في أفريقيا إذ تسيج معظم هذه المدن الملتهبة بمشبك حديد (بي . آر. سي) (B.R.C) او كتل كونكريتية دون العودة الى الاسباب والموجبات والنتائج ودون النظر الى الانسان ككائن متميز يحتاج الى قوانين خاصة تختلف تماما عن قوانين الكائنات الاخرى لأنه كائن من نوع خاص ، قسم منه يعيش (خلف السدة) ضمن قوانين ومعطيات حضارية متقدمة ، وكائن اخر يعيش (داخل السدة) ويعاني الامرين نتيجة اخطاء متكررة واعتقاد ساذج بان البطل قادم وهو مازال منذ 1400 سنة ينتظر هذه الاشراقة الأبدية دون ان يعمل شيئا لاستقبال هذا البطل او شيئا يعجل بظهوره يميز هذه الشرائح المنتظرة بالحكمة او بالشرف على اقل الفروض . لقد ظهر ابطال كثيرون في هذه الامة ولكنهم خيبوا كل سنوات الانتظار ، وما زلنا مع كل بارقة نفتح اعيننا لنرى القادم دون ان نتحرك او ان نوقظ الفكر بعد أن بقي كل هذه القرون دون استعمال .
في العودة الى المشهد (خلف السدة) نقل لي ولدي على تقريرا علميا بثته احدى القنوات الفضائية حول حالة غريبة رصدتها اجهزة منظمات البيئة في الاتحاد الاوربي وهو ندرة الضفادع حتى تكاد تنقرض من قارة اوربا ، فاصدر الاتحاد الاوربي من خلال منظماته التي تعمل على الحفاظ على البيئة والتوازن البيئي تعليمات الى كافة الدول الاوربية تحثها فيها على ايجاد البيئات الملائمة للاكثار من الضفادع التي بدأت بالانقراض نتيجة تحويل المستنقعات والبرك المائية الى بساتين اشجار وحدائق عامة فضلا عن المعسكرات التي تشغل مساحات واسعة جرداء ولا توجد فيها مساحة تشكل بيئة مناسبة لعيش هذه الاحياء البرمائية .
لقد كانت الاستجابات واسعة وكبيرة اذ تم احياء بيئة تستطيع هذه الضفادع والاحياء البرمائية من العيش فيها ، ومن الملاحظات الخطيرة التي رأتها الجهات القائمة على هذه الاجراءات هي أن الشوارع تقطع بعض هذه المستنقعات المائية مما يدفع الضفادع الى عبور هذه الشوارع فتتعرض بذلك الى خطر الدعس من قبل السيارات والحافلات التي تسير على هذه الشوارع فاضطرت بعض هذه الجهات الى وضع قنوات تحت الشوارع تربط جانبي المستنقعات لكي تنتقل الضفادع بامان . اما الدول الاخرى فقد وضعت اسيجة خاصة على جانبي تلك الشوارع لكي تحد من خطر دعس هذه الضفادع وتقوم مجموعة من المهتمين بهذه الاحياء البرمائية بنقلها في حاويات الى الجهة الثانية من المستنقع وتقوم الطائرات والاقمار الصناعية بمراقبة المستنقعات التي تنشا في هذه الاراضي الشاسعة والمعسكرات وهل هي فعلا البيئة الملائمة لهذه الاحياء .
أما عند العودة الى داخل السدة فقد قرأنا بان احدى المنظمات التي تهتم بحقوق الانسان قد اصدرت احصائية عن الاطفال اليتامى في العراق فكانت النتيجة هي خمسة ملايين طفل يتيم في العراق حاليا وبالتاكيد فان حصيلة السنوات الاربع الاخيرة كانت الاخطر في هذا الجانب حيث الاحداث الدامية التي اوصلت العراق الى هذه النتيجة . وفي دراسة لهذه الحالة .. أي بقراءة هذه النتيجة بشكل اخر نجد ان هناك مليون شخص قتلوا بحساب ان معدل اطفال كل عائلة هي خمسة اطفال ، وكذلك مليون ارملة بنفس عملية الحساب السابقة ولا نقول بان المليون قتيل هم نتيجة الاحداث للسنوات الاربع الاخيرة فقط ولكنها بالتاكيد نتيجة السير الى الخلف منذ بدء ازدهار الدكتاتورية وحكومات العسكرتاريا في سنوات الستينيات .
يقول الفيلسوف الفرنسي فلوبير (لم ار من لم يشكل حكومة) نحن لا نريد ان نشكل حكومة او نفرض جدلنا على الحكومة ولكن نريد ان نؤكد بان حكومة الثقة تختلف تماما عن حكومة الكفاءات ودولة المؤسسات تختلف عن مؤسسات الدولة وقد كفانا العيش تحت ظل الحكومات التي تعتمد على الثقة والايديولوجيات الابدية .
إن جولة في مدن وأحياء الصفيح (التنك) التي تحمل اسماء (طارق) (الحسينية) (النصر) (الشيشان) والاحياء التي لا تحمل أي اسم انما هي مجرد تجمعات عشوائية وكذلك الاحياء المحيطة بمعامل الطابوق وفي المعسكرات تعيدنا الى قرون البدائية الأولى حيث تخلو هذه الاحياء من أي شيء عدا العلاقات الانسانية البسيطة والعودة الى تقاليد العشائر في العشرينيات من القرن الماضي والتجمعات التي كانت حول مستنقعات (شطيط) والانهار البائسة ، مناطق الميزرة والعاصمة والصنم والشاكرية والوشاش.
قال لي صديقي ونحن نزور مدينة النجف: تصور، النجف من كبريات مدن العراق ومن اعرق المحافظات بكوفتها ذات التاريخ الساخن تحولت الى مدينة اموات ومقابر حيث ان المقابر تحتل من المساحة اكثر مما تحتله مساكن الاحياء .
هذه هي مدن الحضارة .. مدن التاريخ الساخن التي كانت تغير كل الموازين عند حراكها ، هذه هي المدن التي نراها ، اما المدن التي تغفو بعيدا على حافة الصحراء او على ضفاف الانهار البعيدة فهي مدن اخرى فقدت كل مواصفات المدن التي تنتمي الى العصر الحاضر .
أما مدن كوردستان المحاصرة باللعنة والزيف فهي مدن تخلو من رائحة الماضي ولا ترتبط بالمستقبل باي رباط عدا انها تعيش اليوم بكل معاناته واسعاره التي يعاني منها الانسان الكوردي البسيط . ولم ار مواطنا عربيا يعيش في هذه الجنة ولا يريد الخروج منها سالما دون وداع .
اية احتفالية يحملها العام الجديد بملياراته البائسة التي تصرف على سفرات الحج المبرور والذنب المغفور وسيارات دول الجوار الرديئة .
قال احد الحجاج بانه الوحيد من عشرة حجاج عرفهم في رحلته. سافر على حسابه الخاص اما البقية فقد كانت سفرتهم على حساب الدولة اضافة الى المخصصات. قلنا سابقا بان الياس قناعة والقناعة كنز لا يفنى.
أحد الاصدقاء قال لي بان وزير المالية لا يمتلك اية صلاحية لتغيير الواقع المالي لاية شريحة من شرائح المجتمع ، وانا بالتاكيد اعرف باننا خرجنا من النظام الاشتراكي الذي دخلناه ايديولوجيا والان نحن في ذمة صندوق النقد الدولي ونادي باريس حيث الشروط المسبقة لرفع الديون ومنح القروض وحيث لا اعانات ولا اسعار مدعومة ولنضع الناس بمواجهة مصيرهم وهذا يعني بلغة الرؤية المستقبلية ان رواتب المتقاعدين لن تتحسن بالشكل الطوباوي الذي قسمته الصحف بحسب جداول خيالية لغرض بيع اكبر كمية من الصحيفة . وليس هناك تحسن في الحصة التموينية انما هناك الغاء كامل بعد مسيرة التقليل من المواد كما ان اسعار الوقود المدعومة سوف تودع الامس لتغرق الناس بسيل من الزيادات التي تتخذ بحياء .
كل ذلك ونحن بانتظار البطل وقد دخلنا القرن الخامس عشر الهجري من دون ان نمسح عن عيوننا الغبش لنرى أي كارثة تنتظرنا في غدٍ ليس فيه غير الغباء واللعنة وليتنا عشنا في مملكة الضفادع لنجد البيئة المناسبة للعيش دون التفكير بما يحمله الغد من كوارث والام .

 

 

 

 

 



كارثة الآثار .. بين قراءة الطالع
والدراسات المستقبلية
عبد الهادي فنجان الساعدي
أن الكارثة ليست كارثة الاثار بقدر ما هي كارثة غياب العقلانية من الفكر العربي والإسلامي . وانا اعجب من الكثير من التجار الذين يقيمون اكثر العلاقات التجارية متانة وسعة تتبعها العلاقات الاجتماعية مع الصينيين الذين يعتبرون في عرف الاسلام من عبدة الاوثان في الوقت الذي يكفرون فيه اخوانهم في الدين ويمدون المسلمين من كل الاطراف بالمال والسلاح والاسناد الطائفي بلا حدود .
"كان مجيء وزير للثقافة عام 2002 أمي ومتخلف وسكرتير لصدام حسين مثل حامد يوسف حمادي قد ولد قلقا كبيرا في الاوساط الفنية ، فقد كان حمادي احد القائمين على الحملة الايمانية في البلاد والتي ظهرت بعد حرب الخليج الثانية وكان النظام يسعى من خلالها ممالاة الجماعات الاسلامية الاكثر اصولية كما كان النظام يسعى في الوقت نفسه من خلالها الى ان يستبق قدر الامكان شبح تزمت المعارضة الدينية التي قد تستمد مشروعيتها من قلة الورع الديني للنظام الحاكم . وقد قرر الوزير منذ الاسابيع الأولى لتسلمه مهامه ان يظهر عداءه للفن التجريدي وان يحث الفنانين على العودة الى الفن التشخيصي الذي عَدهُ وبشكل يدعو الى الغرابة، الاكثر تطابقا مع جذور الفن العراقي"(1).
هل ابتعدنا عن الموضوع .. كلا .. لكنه الجنون بحد ذاته . فليات ليونيل ﭭيرون(2) ليشاهد وزراء الثقافة الحاليين . وزراء الشرق الاوسط الكبير .. رجال كارثة المحاصصة الطائفية .. ان احدهم لا يعرف الفرق بين حرف الظاء وحرف الضاد .. هذا العربي الاصيل .. الذي قال في اول تصريح له امام كادر الوزارة المتقدم بانه ((فلان الفلاني .. قومي .. عربي .. ناصري .. سني)). فهل هناك اكثر من هذا التخلف الحضاري في التصريحات .. والاخر مهمته ان يدمر كل الانجازات الثقافية التي اسس لها رجال الثقافة (على قلتهم) في وزارة الثقافة من مجلات وسلاسل وكتب ثقافية .
انظر الى أي برنامج ثقافي اجنبي في التلفزيون .. او اخرج (ولو ان هذا ممنوع) لتتطلع الى تصرفات الشعوب .. سترى – حتما – ان كل هذه الشعوب تمتلك قيما واخلاقا .. اما نحن فما الذي نمتلكه ؟!! اننا نمتلك حضارة بل حضارات .. ولكنها قديمة لم ندرك منها سوى الخرائب والرقم الطينية والتماثيل التي لا نعرف قيمتها الحقيقة .. هل نحن من الشعوب الايلة للسقوط .. ام اننا من بقايا الامم المندرسة .. لا ادري !! ولكن كل ما ادريه هو اننا لسنا من الشعوب التي تسعى نحو النهوض .
أن الانهيار الذي حدث في البنية الاخلاقية قبل السقوط تبعه انهيار لكل القيم التي كانت تسند البناء الهيكلي لعموم المجتمع بعد السقوط الكارثي لسلطة البعث. ان كارثة الاثار هي جزء اساسي وصورة مروعة للكارثة التي دمرت كل البنى الاخلاقية والقيمية.. وحين حلت السلطة التي تمثل في اغلبيتها التوجه الاسلامي كرد فعل عاصف بكل النماذج السابقة من قومية وعلمانية مبتورة او سلطات تمثل خلطات غير متجانسة من قومية – اشتراكية – دينية – رأسمالية لم تستقر على برنامج واضح وثابت والذي طور الانهيار في البنية الاخلاقية والقيمية وجعله يتحول نحو الكارثة هو عدم وجود برنامج واضح او حتى برنامج – اصلا – لدى هذه الكتل الاسلامية الطائفية التي طرحت نفسها كبديل للتنظيمات السابقة ، يضاف الى كل ذلك النظر للاثار بصيغة الاصنام ، والاصنام المحرمة .. بحيث ان وزير الثقافة المشار اليه وهو يقوم بجولة تفتيشية قال مشيرا الى النصب والتماثيل الابداعية العراقية التي كانت في مقر وزارة الثقافة (هذه الاصنام التي قال عنها رسول الله بانها تؤدي الى النار) وبغض النظر عن الاختلاف في فلسفة حرمة هذه الاعمال الابداعية الا ان هذه النظرة الى هذه الاعمال تؤكد ما ذهبنا اليه في تفسير الرؤية الدينية للاثار وهذه مسالة في غاية الخطورة وهي التي ادت الى معظم الممارسات التدميرية لكل الصروح التاريخية التي وضعت العراق في قمة الدول التي تمتلك تاريخا حضاريا لا تمتلكه أي دولة في العالم .
(لقد حلت الحركات الدينية مكان الحركات القومية والاشتراكية ولكن من دون ان تتجاوزها وتتعلم من تجاربها واخطائها، فلم تتمكن من تقديم برنامج للتغيير ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . انها في خطابها المتعدد وممارساتها ردة فعل ورفض لما يحدث وليس حركة انقاذ، ولذلك يتوقع اكثر المفكرين العرب مرحلة اخرى من الاخفاق والهزائم حيث تتمكن الحركات الاصولية من التوصل للسلطة وستكون اكثر قسوة وماساوية . وهذا هو المصير المنتظر الى ان تنشا تيارات ثورية حقيقية تعمل على انقاذ المجتمع العربي من محنته التي طال امدها)(3).
إن كل العلامات من ادعية ومعتقدات تنتشر على كل هذه المساحة المليئة بالدم والنفط تدل على ان هذه الامة .. من الامم التي ستنقرض لا محالة .. فما من معتقد او نظرية صحيحة .. او فعالة .. الا وسفهوها .. او عارضوها .. او وقفوا لكي يقرأو الفاتحة على عقل الناطق بها !! ان كل شيء موجود في هذه المساحة الشاسعة من الاراضي الصحراوية .. والانهار .. والبحار والمحيطات والخلجان التي تحيط بها وتتخللها .. كل شيء .. واقسم على ذلك .. الا العقل .. فهي جماجم مليئة بمختلف انواع المواد اللزجة والسائلة .. ولكنها لا تمتلك القدرة على تحويل الكلمات الى افكار .. اما التكويرات البضة من انصاف الكرات فقد خلقت لتشارك الطحين في اللذة (ايها العرب يا جبالا من الطحين واللذة)(4).
عن مؤسسة التنقيبات الاثارية الالمانية صدر هذا الكتاب القيم وقد جاء في ص90 منه ما يلي (تعرضت منطقة المدائن باكملها للاسف منذ بداية السبعينيات لتخريب مؤلم بنتيجة شق وتعبيد الشوارع وطرق القطعان وتوسع المساحات الزراعية .. ومما زاد في الطين بله لاحقا حفر قناة ري كبيرة تعبر تماما وسط الحقل الاثري .. وفي هذه الاثناء يستمر تخريب ما تبقى من الاثار من خلال التنقيب المنهجي بغرض السرقة .. يبدو ان فرصة القيام باعمال البحث العلمي لم تعد متاحة بعد اليوم)(5).
ان الانسان في هذه البقعة هو اول من اخترع الكلمات قبل ان تنزل كلمة (اقرا) على الرسول محمد (ص) ولكننا منذ سنوات لم نجد من يكتب المسمارية ليترجمها الى العربية ولم نجد من يقرا فكيف سنجد من يحرس الاصنام وهي محرمة في شرع القاعدة وانصارها .. اما دم الانسان فهو مهدور طالما اصبح .. يقرأ .. او يفكر .
(إن الطابوق الذي بنيت به السدة (سدة الهندية الأولى) استخرج كله من خرائب بابل .. وقد استخدم الديناميت من اجل ذلك اذ كان يوضع في جدران قصور بختنصر لنسفها واستخلاص الطابوق منها وهذا امر يؤسف له فان قصور بختنصر لو كانت باقية على وضعها القديم لكانت اليوم من الكنوز الاثارية والسياحية التي لا تقدر بثمن)(6).
ان الدموع لا تكفي .. والظاهر ان من لم تقتله رصاصات الارهاب سيموت غما .. وها هو الزمن الرديء يعيد نفسه ليمنح الفرصة لحثالات البعث القديم لكي تتسلق السلم .. وان المشكلة التي كانت تتمثل في سرقة رقيم طيني تطورت الى مصيبة حيث عرف الكثير من رجال العشيرة الحاكمة طريق الاثار وبدأوا بالمتاجرة بها . اما الان فقد تطورت المصيبة الى كارثة حيث ان المتاجرة بالاثار ونبش المواقع الاثارية وتدميرها اصبح تجارة يمارسها الكثير من الناس في زمن غاب فيه الحراس والوازع الاخلاقي والوطني والديني .
في تقرير بثته احدى الفضائيات حول شخص اسرائيلي يهتم بالاثار بشكل شخصي .. استطاع هذا الشخص ان يؤسس متحفا خاصا من الاثار العراقية فقط .. و ((الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا))(7).
ليس رواية عن شخص .. بل قصة كنت طرفا فيها حيث اختصني أحد الاصدقاء بمخطوطتين قديمتين لغرض بيعهما للهيئة العامة للاثار والتراث او لاشخاص امينين وذلك لكي لا تعبر الحدود .. وعندما حاولت ان أثنية عن بيع هاتين المخطوطتين الثمينتين قال (كفرا) .. وكان يعني مقولة الامام علي (ع) (كاد الفقر أن يكون كفرا) .. وقد عرضت احداهما على المختصين في الهيئة العامة للاثار والتراث والثانية على المختصين في شارع المتنبي .. ولم يتم حسم هذا الموضوع لحد هذه اللحظة .. أي بعد مرور ثلاثة اشهر على هذا الموضوع .. وعندما فكرت في كارثة الاثار رايت بان (الحاجة) تدفع الانسان الى عبور حاجز الكفر لكي (يعيش) .. فكيف لا تعبر الكنوز حاجزا قيمته خمسة دولارات .. بالرغم من انه من الحدود الدولية .
في تقرير اقتصادي عن صفقة نفط خام تتمثل في باخرة محملة بالاف الاطنان توجهت من احد موانئ البحر المتوسط باتجاه المحيط وقد طرحت على الانترنيت لغرض البيع . بعد ساعتين بيعت بملايين الدولارات .. عبر الانترنيت .. ثم عرضت بعد ذلك ايضا وهي عائمة في البحر ، بكل مواصفات النفط وكمية الحمولة وسعر البرميل . وكانت في كل ساعتين او ثلاثة تباع من خلال الانترنيت على احدى الدول او احدى الشركات حتى بلغ عدد مرات البيع اربع مرات حيث رست اخيرا في احد الموانئ لغرض التفريغ .
هذا التقرير ذكرني بقصة بيع المخطوطتين وكان الدافع لبيعهما للهيئة العامة للاثار والتراث – حصرا – هو دافع الوطنية.. ولكن ماذا يفعل الانسان بعد ان تصل السكين حد اللعنة.. فلقد (كاد الفقر أن يكون كفرا).
من هنا تبدا القراءة الصحيحة .. فلقد قلنا بان كل منجز ثقافي بحاجة الى فيض مادي وفيض فكري .. والفرق شاسع بين قراءة الطالع .. وقراءة المستقبل من خلال الدراسة العلمية ومن خلال قراءة المعطيات .. ووضوح الرؤية المستقبلية .
الحواشي:
(1) مقالة بقلم ليونيل فيرون : ترجمة احمد هاشم : انظر جريدة المدى العدد 516 في 20 تشرين أول 2005 .
(2) كاتب المقالة السابقة .
(3) مقالة بعنوان تيار الصحوة الإسلامية بقلم وليد خالد احمد حسن انظر مجلة فكر حر ص73 .
(4) مقطع من قصيدة للشاعر محمد الماغوط .
(5) كتاب صدر عن مؤسسة التنقيبات الاثارية الالمانية .
Barbara Finster–Jurge Schmidt Mada’in Baghdader Mitteilungen 8, 1976.
(6) من كتاب (لمحات اجتماعية من تاريخ المجتمع العراقي) للدكتور علي الوردي ج3 ص56 .
(7) مقولة للإمام علي بن أبي طالب "ع" .

معهد الدراسات الإستراتيجية
خطوة نحو الرؤية المستقبلية
عبد الهادي فنجان الساعدي
لم يكن حصولي على الكتاب الأول لمعهد الدراسات الاستراتيجية (مأزق الدستور) مصادفة انما هو هذا الهاجس القديم الذي يؤرقنا ولا ينزاح حتى نحصل على الكتاب الذي سبب لنا هذا الارق وايقظ هواجسنا القديمة لكي (نعرف) .. والبحث عن المعرفة هو بحث ازلي ولكل انسان طريقة في البحث عن المعرفة اما نحن فطريقتنا (الكتاب) ، حتى لو كان الحصول عليه يمثل المشي بحذاء مثقوب او بسترة لم نبدلها لعدة مواسم .. او التنازل عن الكثير مما يُعد ترفا في زمن الجفاف .. والفقر .. والعوز .
لم اصدق بان سعر الكتاب يوازي حجمه .. او طباعته الجيدة او اخراجه او نوع الورق .. والاستغراق في هذه الاوصاف يعتبر دعاية مدفوعة الثمن .. ولذا سوف نقف هنا للبحث عن الحوارات الذاتية ... فمن الممكن ان يكون كتاب دعاية لقضية معينة ولكن لا باس .. وتمت الصفقة .. والمغري في الامر ان اسم المعهد يلتقي مع الطروحات الجديدة حول الرؤية المستقبلية (معهد الدراسات الاستراتيجية) .. لقد وجدت الكثير في هذا الكتاب الأول (مأزق الدستور) حتى لقد دفعني ذلك للحصول على الكتاب الثاني (المستبد) للكاتب المبدع زهير الجزائري فهو يدرس قضية مهمة جدا (صناعة قائد .. صناعة شعب) لقد استغرقت في عوالم هذه المنجزات فوجدت بان مواضيعها ملتصقة بهموم الشعب العراقي ومآسيه ..
وقصة المنجز الثالث وهو كتاب (المشروطة والمستبدة) لا تختلف كثيرا عن القصتين السابقتين .
كل ذلك دفعنا لاستقصاء منابع هذه الكتب الثلاثة والتي كان اخرها المشروطة للباحث العراقي الاستاذ رشيد الخيون .. وجدنا بان المعهد عراقي التاسيس ويهتم بطبع الكتب التي تختص بالشان العراقي .
وقد تابعنا رحلة الكتاب الرابع فوجدنا بان الكتاب قد اجبر على النزول قسرا في احدى المحطات الكيفية بين منفذ الوليد الحدودي وبغداد .. حيث يغيب القانون لتشرق شمس الضباع والافاعي او قانون الغابة .. وهي قصة ماساوية اكثر مما هي مشوقة .. وقد تم الاتصال بصاحب الشان وسؤاله السؤال المقرف المعتاد عن طائفته .. فاذا كان من الطائفة رقم واحد فسيكون مصير الكتاب طعما للنار .. اما اذا كان من الطائفة رقم اثنين فهذا يعني فسح المجال للمساومة !!!
انها ليست صفقة سلاح .. ولكنها صفقة ثقافة .. غذاء عقلي وروحي في زمن كثرت فيه الاغذية واصبحت تجارتها رابحة .. الا تجارة الثقافة فهي خاسرة في كل المعايير الاقتصادية العربية وخصوصا في العراق حيث يمثل طبع الكتاب صفقة خاسرة 100%.
لقد كنا ممن وقف مع نظرية الدراسات المستقبلية والرؤية المستقبلية التي دعونا اليها من صحيفة الاهالي الاسبوعية العراقية وجدنا بان الاستغراق في الماضي وجعله مقدسا حاجزا قد اصبح احد اهم العوائق في التطور المستقبلي .
هنالك الكثير من الاشارات الساخرة جاءت في ثنايا الكتاب الأول (مأزق الدستور) الذي شارك به ستة عشر باحثا معظمهم من الباحثين والاساتذة العراقيين ومن المتخصصين في الشؤون السياسية والثقافية والفكرية العراقية حيث جاء في ص112 من هذا الكتاب (ولم تحمل الدساتير العراقية منذ 1925 أي اشارة الى مصادر التشريع . لعل الاستثناء الوحيد هو دستور الجمهورية الثانية (عبد السلام عارف 1964) الذي تنص مادته الثالثة على ان (الاسلام دين الدولة والقاعدة الاساسية لدستورها) وكما نعلم ان هذه الجمهورية عرفت العراق بانه دولة ديمقراطية (بلا انتخابات) واشتراكية (يحكمها العسكر) وكانت اكثر الجمهوريات تعصبا بالمعنى الطائفي للكلمة ، رغم اسرافها في الحديث عن الاسلام(1).
الكتاب الثاني (المستبد) للكاتب والروائي زهير الجزائري وهو يبدأ بفقرات تؤجج كل ذكريات الخوف المزروع في نفوس العراقيين (فالكتاب محاولة لرؤية مالا يرى : التنقيب في حقبة البعث التوتاليتارية وهي في عز جبروتها وذروة هوسها بالتكتم والاسرار)(2) (والكتاب خاص ايضا بالمعنى الوجودي .. اذ كيف يتاتى للفرد المعزول ان يقف قبالة اللويثان ، الكائن الفاتك ، كلي الجبروت ، كلي القدرة ، كلي الحضور ، المسمى دولة شمولية)(3).
الكتاب الثالث يمثل بحثا في حركتين شملتا ايران وتركيا والعراق وهما المستبدة والمشروطة وقد بدأتا في مستهل القرن العشرين ودار حولهما صراع دام اكثر من عقد من الزمان (يحضر تاريخ الحركة المشروطة بعد مرور قرن من الزمان قويا في الاحداث الى درجة تثير الفضول في الدراسة والاطلاع فهي ما زالت صالحة كارضية للانطلاق من جديد الى مشروطة جديدة)(4).
ولا ادري اذا قلنا باننا بانتظار المنجز الرابع وهل سيطلق سراحه (المجاهدون) ليثبتوا فعلا بانهم مجاهدون ام انهم سيطلبون فدية ليثبتوا بانهم قطاع طرق وليسوا مجاهدين شرفاء .
ليس من الضروري ان نكتب منجزاتنا عن المستقبل فقط لكي نثبت رؤيتنا الصحيحة للمستقبل ولكن بالامكان الاستعانة بالماضي كمادة اولية لدراسات مستقبلية استراتيجية تجعل من الرؤية المستقبلية وسيلة لاستيضاح الافاق البعيدة من اجل البناء المستقبلي العلمي والرؤية المستقبلية الواضحة .
الحواشي:
(1) مأزق الدستور / مجموعة من الكتاب (معهد الدراسات الاستراتيجية / ط1 / 2006 موضوع التوافقية والدين والدولة وهوية العراق / فالح عبد الجبار / الفصل الخامس ص112 .
(2) مقدمة كتاب المستبد ، تاليف زهير الجزائري / المقدمة بقلم الباحث العراقي فالح عبد الجبار ص5 .
(3) المصدر نفسه ص5 ايضا .
(4) من مقدمة كتاب المشروطة والمستبدة للكاتب المؤرخ رشيد الخيون ص13 .

 

 

جند الأرض .. جند السماء
عبد الهادي فنجان الساعدي
في الحين الذي كان يحضِّر فيه الحزب الشيوعي العراقي كل المستلزمات الاقتصادية والثقافية والفكرية لتهيئة الاجواء المناسبة لاقامة مؤتمره الثامن ، وتسير الدولة بخطى واسعة لتطبيق خطتها الامنية الموعودة .. تسير البلاد نحو الجنون بخطى اوسع بكثير .
أن العزوف عن الانتماء الى الاحزاب العلمانية والقومية لا يشكل ظاهرة لدى الشباب بقدر ما يشكل احدى الثوابت التي لم تستطع الاحزاب العلمانية أن تعيها أو ان تغيرها بل بالعكس فقد بدأت عناصر عديدة من خلاياها الشعبية بالتسلل خارج حضيرة هذه الاحزاب التي ما زالت تعيش في متاهات بداية واواسط القرن الماضي عندما كانت الشعارات تغطي الجدران متحدية كل ارهاب السلطات الحاكمة في ذلك الوقت كاقل افتراض نضالي وكانت المشانق تؤكد ديمومة هذه الاحزاب بعكس ما كان يراد لها من تدمير وتصفيات جسدية لقياداتها.
لقد سيطرت البيروقراطية على كل مفاصل الاحزاب العلمانية التي تعيش في جنوب وشرق المتوسط ، حتى لقد بدأت بالبحث عن مسكنات لوجع الراس القادم من داخل تنظيماتها القاعدية وتحالفاتها الجديدة التي فقدت الاحساس بالالم من اجل القضية في خضم الاحساس بالحاجة الى اهم مقومتين حياتيتين أشرَّهما الامام علي بن ابي طالب في احدى مقولاته (نعمتان مخفيتان .. الصحة والامان) أما لقمة العيش فقد بدأت تنحدر إلى الدرجة الثانية في سلم الاولويات .. أن (الخزين الستراتيجي) من احتياطي القيادات البيروقراطية في الاحزاب العلمانية في المناطق التي اشرنا اليها بامكانه ان يقضي على هذه الاحزاب ليتركها هياكل وصور لماض عريق تدخل ضمن مصنفات المنقرضات القديمة او ضمن خانة من خانات التاريخ .
بالمقابل نرى ان رصيد الاحزاب والتيارات الدينية في زيادة مستمرة .. لا لانه يمتلك الحقيقة الكاملة بل لانه عرف الطريق الى الدعم والتمويل الداخلي والخارجي والذاتي الذي لا يتناسب في أي شكل مع المبادئ التي يحملها هذا الحزب او التيار او التي يدعيها .. وفي بعض الاحيان تعمل الاجتهادات في استباحة كل المحرمات والمحللات بادعاء انها (دار حرب) ودار الحرب يجوز فيها كل شيء حتى ضياع واستباحة (النفس اللوامة) .. فهذا الجيش او التيار تشكل بموجب اجراءات التصفيات الجسدية التي مارستها احدى الطوائف ضد الطوائف الاخرى لانها فقدت امتيازاتها التي بقيت تتمتع بها طيلة قرون عديدة .. وكما قلنا عندما يكون الفعل خاطئا يكون رد الفعل خاطئا ايضا استنادا الى النظريات الفيزياوية التي تحكم العلاقات وهكذا جاء رد الفعل خاطئا وقاسيا الى درجة تناغم التصفيات الجسدية مع الرغبات المحمومة والتوجهات الصبيانية التي تربت لمدى قرون على فلسفة الحرمان والسلاح والثار (لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى – حتى يراق على جوانبه الدم) . و"ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة وللقلم والبندقية فوهة واحدة" ناسين او متناسين بان القلم ليس له فوهة وان واجبه يتلخص في اعطاء صورة الكلمات التي تخرج من العقل لتخاطب العقل ولتوجه فوهة البندقية ضمن اسس الفكر والنظريات التي اوجدها الانسان لخدمة بقائه وليس لخدمة دول كبرى هي في حقيقتها ولدت من مخاضات مافيات لها تاريخ عريق في صنع الملوك واقالتهم وذلك بموجب مصالح تلكم المافيات التي بدأت تحكم عن طريق الكومبيوتر .
وبغض النظر عن كل الاخبار والتصريحات والتقارير التي صدرت عن توصيف جند السماء وقياداتهم وتضارب تلكم الاخبار الا اننا نعتقد بان هذا التيار ولد من نفس الحاضنة التي ولدت فيها الطوائف والاحزاب والميليشيات التي تسيطر على مفاصل الدولة بخطيها الحكومي والمعارض سلميا وارهابيا .. وبالتاكيد فان الاعتماد على سذاجة الناس وهبوط الوعي السياسي والثقافي لديهم هو الذي ولد هذا الجيش – المفترض – من طرفي المعادلة ، وليس من الغريب أن تولد مثل هذه الجيوش في بلد لا تملك الحكومة فيه سوى ثلث السلطة و 10% من مجموع الاراضي والطرق والمساحات الخالية الا من القتلة والمافيات المصغرة عن المافيات الدولية الكبيرة ان كل هذه الولادات الممسوخة هي نتيجة واقع ممسوخ على الرغم من كل التساؤلات المشروعة وغير المسموح بها .. ففي الوقت الذي يمتلك فيه مجموعة من الناس يتعدى عددهم الالف بقليل كل هذه الاسلحة الخفيفة والمتوسطة ، وكل هذه الامكانيات المادية لشراء بساتين وبيوت وتموين ومحروقات نتسائل : هل من الممكن ان يمتلك أي حزب من الاحزاب العلمانية العريقة الامكانية لشراء بستان صغير ؟!! لقد وقف الحزب الشيوعي العراقي الذي قارب عمره ثلاثة ارباع القرن عاجزا عن ايجاد فضائية يستطيع من خلالها ان ينافس الاعلام الامبراطوري لبعض الاحزاب والتيارات التي لا يتعدى عمرها ثلاث سنوات . وفي نفس الوقت هناك تيارات لم تفقد صدقها حتى الان ولكنها تعاني من الاحتضار الاقتصادي لكثرة اكتنازها الفكري الذي بدأ يفيض في الاماكن التي كتب عليها الجدب واللعنة .
أن الاحزاب الطائفية التي تسيطر على الحكومة التي تعد ممثلة للاغلبية الطائفية هي ليست ممثلة لهذه الاغلبية انما هي طائفية سياسية نفعية ولا تمتلك الرؤية المستقبلية التي تؤهلها لتقود البلد . ولكنها بالرغم من كل ذلك ما زالت تحكم ومستمرة على العيش ولو في مساحات من الارض الخضراء تقاس بالامتار وليس بالكيلومترات المربعة التي تركتها للحثالات التي ارتبطت بحبل سره منذ الازل مع مشيمة تكفيرية يمتد عمرها الى القرن الرابع الهجري ، قرن التكفير والهجرة .
اخبرني احد الاشخاص القريبين من مركز الاحداث وغرفة عمليات المستقبل بان الامريكان بدأوا ينحازون الى الاقلية الطائفية في كل الاعمال الاجرائية التي يمارسونها مع القوات العراقية ضد المسلحين وذلك لخلق الموازنة في تقليل عدد السكان وايصال البلاد الى التدمير الذي يوصل المعادلة الى القبول بالحد الادنى .
الاحتلال متعدد الجنسيات يستثمر دماء العراقيين في معادلاته التي تخرج كناتج لعمليات حسابية في الكومبيوتر والعراقيون يعيشون عصر الدموية الاسلامية بين الرقم صفر والرقم مليون في الحسابات المالية وفي بنوك الوعي الفكري .
اين مكان الاغلبية المستَغَلة سياسيا ؟!! لقد ضاعت هذه الاغلبية في طوابير الازمات العالقة والازمات المستقبلية . أن نسبة التمثيل في البرلمان للمرأة دستوريا 25% ولكن نسبتها في طوابير الازمات والترمل والاستجداء هي 75% وهكذا تكون النسبة المئوية المفترضة 100% لضياع المرأة بين الطوابير النيابية وبين طوابير الازمات وزحام التقاطعات .
في زحمة البحث عن الهوية تتكشف صورة جديدة كانت مختبئة لمدى بعيد بين شكلي التشيع في العالم الاسلامي بالخصوص في العراق وايران ، وذلك لشدة الصراع التصفوي بين الافكار الذي تحول الى مرحلة التصفيات الجسدية. هناك التشيع الصفوي الذي ولد نتيجة انبعاث الدولة الصفوية او ولادتها على انقاض الخلافات الطائفية والعرقية والاثنية وحاجتها الى عناصر بقاء من الممكن ان تكون سلبية في نتائجها على المجتمع الاسلامي وحتى على المذهب الشيعي وهذا ما حدث .. وهو ليس من اعترافات المحتضرين انما هو موضوع حساس جدا سبقنا الى طرحه المفكر الاسلامي الايراني المعارض الشهيد الدكتور علي شريعتي الذي ميز بين التشيع الصفوي الذي جاء كنتيجة سياسية والذي ولد تصادما اكيدا بين الطائفتين الشيعية والسنية في العراق خصوصا لانه استعمل الرؤية الماضوية العقيمة والاستناد على التجزئة من اجل البقاء ولم يستعمل الرؤية المستقبلية التي تجعل من الصراعات الطائفية ماض لا يجوز النظر اليه بقدر الاستفادة منه لبناء المستقبل العلمي والتسامحي والفكري الذي يتمثل بالتشيع العلوي الذي يقف الامام الصادق ممثلا له في الكثير من المواقف التي يرفض فيها اسلوب الشتم والمكروهات التي ينهى عنها كما كان ينهى عنها الامام علي والرسول (ص) عندما يقول (لا تكونوا سبّابين) ومن المعتقد بان مقولة (اننا نبرأ الى الله ممن يسب ابا بكر وعمر) تعود الى الامام الصادق لانها صورة انعكاسية لاخلاق الامام علي الذي ما توانى عن ابداء المشورة الصحيحة والنصيحة الاخلاقية والعلمية عن احد الخلفاء الراشدين والماثور عن ذلك كثير .
والغريب في هذا الامر ان النسيج العراقي الذي صمد لقرون عديدة امام الهجمات الصفوية والهجمات العثمانية ومحاولات التصفية التي حدثت لمرات عديدة بدأ يفقد القدرة على الصمود امام المواد الكيمياوية الحارقة التي بدات تحيل هذا النسيج الى رماد . هل هم الشيعة ام السنة ام هو الاحتلال .. والبعثيون والتكفيريون .. وحكام يفتقدون الى الكفاءة والنزاهة او الى كليهما؟!!
أننا نسير نحو الكارثة النهائية .. والاغلبية تمثل الرقم صفر في الاقتصاد وعلى المستوى الفكري .. وهي لا تمتلك سوى الرضوخ لمصيرها الدموي .. ولا توجد حلول سحرية .. ولكننا نعتقد بان الحلول الاساسية يمتلكها المثقفون العراقيون بتضحياتهم واصالة العراقيين المسحوقين ومن المؤكد بان العبد حين يثور لا يخسر سوى قيوده .

 

 

المثقف .. القوة التي ترهب السلطة
والسلطة التي ترهب القوة ...
عبد الهادي فنجان الساعدي
لماذا لا يمتلك المثقف العراقي اية سلطة ، بينما نجده في الدول المتقدمة يقف في الصف الأول من القادة والموجهين لكل منظومات المجتمع هناك ؟!! هل هو ذنب المثقف نفسه .. ام الدولة .. ام المجتمع .. ؟ .. أم أن هذه الاسباب كلها مجتمعة هي التي جعلت من حالة الثقافة مهنة المهمشين والذين لا يعكسون تاثيراتهم في المجتمع العراقي كما يعكسها اقرانهم على مختلف مناحي الحياة .
(لا يمكن لاحد ان يصبح مفكرا عظيما ، ما لم يكن العقل دليله ، مهما كانت النتائج)(1).
لقد استطاع المفكر والاديب الفرنسي الوجودي جان بول سارتر ان يقود اكبر مظاهرة سياسية تندد بالاحتلال الفرنسي للجزائر في داخل باريس عاصمة فرنسا . صحيح ان جبهة التحرير الوطني الجزائرية هي التي كانت تكافح من اجل استقلال الجزائر الا ان التظاهرات التي كانت تقودها العناصر الثقافية في فرنسا كان لها تاثير كبير في الشارع الفرنسي وقد جعلت من القيادات السياسية في البلد تعاني من ازمة ازاءاهم عنصر من عناصر الحراك الفكري والثقافي في بلد الثقافة وعاصمة الفن باريس .
(أن رجل الفكر هو الذي يمد الممارسة السياسية باراء واحكام وقيم ونظريات وفلسفات المعادلة الضرورية لوجود الدولة والثقافة والتاريخ والسياسة والفكر وبدونها لا يمكن توقع شيء افضل لما هو موجود في ظروف العراق الحالية)(2).
كيف سيقف الفكر امام البندقية الغبية او الكاتم المبرمج على تصفية الصفوة وشرايين البلد وركيزة المجتمع من الشباب . انها معادلة رهيبة اصبح من الصعب حلها في الظرف الحالي بعد ان وقفت الدولة بكل غباء امام القتل بنوعيه الفردي والجماعي وهي لا تمتلك سوى كتل الكونكريت والسيطرات التي لا يمتد حكمها الا لاربعة امتار مربعة من كل جانب . اما هذا التكبيل المريع للاجراءات فلا يفسر الا بارتباطه ببرامج الاحتلال متعدد الجنسيات وكومبيوترات الدوائر المخابراتية الاجنبية او بعدم وجود القدرة على السيطرة لقلة الخبرة وعدم وجود النزاهة والطمع بحيازة اكبر قدر ممكن من اسلاب الاضطرابات . وهذا ما يفسر وجود الجثث مرمية بالقرب من المناطق المحاذية للامتار الاربعة التي تحكمها السيطرات الحكومية .
(خلافا للعسكريين الذين لم يروا من الهزيمة غير مظهرها العسكري . كما فعلنا مع هزيمتي 1948-1967 ، في حين راى المثقفون فيها هزيمة للمجتمع كله، بسائر مؤسساته التي لم تعد معاصرة لعصرها ، وطالبوا بالتماهي مع فرنسا التي (حققت العقل) بثورتها وكذلك فعلت اليابان في 1868 وفي 1945 ، وكذلك فعلت تركيا بعد اسقاط الخلافة في 1924)(3).
كيف يتاتى للمثقف ان يعيش كل هذه الظروف ولا يصاب بازمة قلبية او سكتة دماغية بعد أن فقد القدرة على مواصلة الحياة اقتصاديا وبعد أن فقد سلطته التي يتمتع بها اقرانه في مختلف انحاء العالم . لقد اصبح المثقف اكثر عرضة للقتل والتشريد والدمار من غيره لانه يزاحم اكثر الناس فقرا على الارصفة واصبح اكثر الناس تسكعا وهو يتابط كل معاناته المشتركة مع سكان الارصفة والعوائل التي تعيش تحت الجسور وفي مؤسسات الدولة المدمرة والمعسكرات التي هجرها الجيش بعد ان هربت قياداته العسكرية والسياسية في اول يوم من دخول الامريكان الى العراق او بشكل ادق الى بغداد والذين يحسدون سكان الصرائف واحياء التنك على السقف الذي يؤيهم .
(أن المثقف الحقيقي هو صانع المستقبل العراقي ، فالمثقف الحقيقي هو العنصر الجوهري في تاريخ وعي الذات القومي والاجتماعي والسياسي والروحي كما ان المثقف الحقيقي هو موقف اجتماعي وفي هذا يكمن مضمون وظيفته السياسية انه يصنع ويؤسس المضمون الاجتماعي للسياسة عبر وضعها الدائم على ميزان الحكم الاخلاقي والجمالي فهو القوة التي ترهب السلطة كما انه السلطة التي ترهب القوة)(4).
عندما وظف المثقف امكانياته في خدمة الدولة فقد سلطته على الدولة واصبح شرطيا سلاحه القلم . لقد حدث ذلك منذ قرون عديدة عندما اصبح على مفترق طرق بين ان يكون مع الحق فيكون مصيره الموت او الحرمان من العطاء كما حدث مع المحدث الاسلامي وركن السنة النبوية عبد الله بن مسعود عندما حرمه الخليفة الراشدي الثالث من العطاء حتى وفاته او ان يكون مع السلطة الغاشمة كما حدث مع الكثير من المثقفين والمحدثين واصحاب النفوذ الذين التجاوا الى احضان معاوية بن ابي سفيان هربا من العدالة المحمدية التي انتهجها علي بن ابي طالب في توزيع العطاءات دون تمييز عرقي او اثني او اجتماعي . والتيار الثالث هم الذين فضلوا الجلوس على التل وهو اسلم الطرق .
عندما التجأ عقيل بن ابي طالب الى معاوية هربا من عدالة علي وطمعا في عطاء معاوية سأله هذا الاخير عمن هو افضل ، هو ام علي بن ابي طالب قال عقيل (الصلاة وراء علي اتم واللقمة مع معاوية أدسم ولكن الجلوس على التل اسلم) .
(ليس هناك من قوة لا تعترف بالسلطة كالمثقف والثقافة ، كما انه ليس هناك من سلطة اقوى من سلطة الثقافة والمثقف . وهي مفارقة تعيها السلطة دوما بينما يجهلها المثقف غالبا . وهي الثغرة التي تتغلغل منها السلطة الغاشمة وفيها تعبث ايضا بالسلطة الديمقراطية)(5).
أن هناك يقينا مفقودا الان وهو ان القوة التي تملكها الثقافة والمثقف الحقيقي تتحكم في مستقبل أي امة من امم العالم وليس الدولة فقط . ولكن بافتراض الدولة فليس هناك من مستقبل حقيقي ثابت من دون الثقافة والمثقف ، فروسيا لم تنهض من خلال الكرملن ولا من خلال الجيش الاحمر ولكن الكرملن والجيش الاحمر نهض من خلال سلطة بوشكين وديستويفسكي وجايكوفسكي وتولستوي وليرمنتوف وغوغول وهؤلاء هم الذين صنعوا لينين وقادة ثورة اكتوبر الكبرى والجيش الاحمر والاتحاد السوفيتي الذي دمرته السلطة البيروقراطية . فحيث تحل البيروقراطية تزيح الثقافة التي هي السلطة الحقيقية وديناميكية التقدم والتطور وعنصر الحيوية في أي نشاط سياسي او انساني او اجتماعي . لقد دمرت البيروقراطية اكبر دولة اشتراكية في العالم وها هي تدمر في طريقها كل المؤسسات والاحزاب الثورية العريقة وتقتات على كل منجزات الثقافة وتحتل كل المواقع التي خلقتها الثقافة ليقود المثقف من خلالها حركة الحياة .
ليس هناك من بلد يستطيع ان يقف من خلال رجل واحد كبريطانيا . فلو قدر لبريطانيا ان تدمر بعد ان ذهبت كل المستعمرات التي كانت لا تغيب عنها الشمس وانتهت سلطة بريطانيا العظمى وبدأ الايرلنديون يغزون لندن عاصمة اكبر دولة استعمارية في القرن التاسع عشر والعشرين لكان شكسبير واعماله الرائعة كافية ان تبقى اسم بريطانيا في الاذهان الى قرون عديدة. لقد بقي هذا الشاعر المسرحي العبقري مؤشرا على عظمة بريطانيا من خلال مؤلفاته منذ القرن السابع عشر وحتى الان والظاهر انه سيبقى هكذا مع عظماء ومثقفي بريطانيا يحملون بلدهم ليعبروا به عبر المحيطات .
لقد قتل فاتك الاسدي اكبر شعراء العربية والاسلام بعد ان تنقل هذا الكيان الذي كان وما زال (ماليء الدنيا وشاغل الناس) في كل ارجاء هذه الصحراء التي بقيت تحمل القاتل والقديس وتحمل في باطنها النفط وعلى اديم رمالها الدم .
ما زال المتنبي يتكرر مفردا بين جيل وجيل حتى القرن العشرين عندما ظهر الشاعر الفذ محمد مهدي الجواهري . اما فاتك فما زال يظهر بكل سؤاته جماعيا حتى لقد اصبح فاتك القرن العشرين اكثر فتكا ودموية من فاتك الاسدي .
اننا من اكثر الامم التي تقتل أنبياءها(6) وهي بذلك تقتل الثقافة والعلم والفكر والمستقبل . فاية لعنة تحمل هذه الصحراء اللعينة الغريبة .
(مصطلح مثقف نحته السياسي الفرنسي جورج كليمنصو (1841-1929) زعيم الجمهوريين الراديكاليين ورئيس وزراء فرنسا (1906-1909) (1917-1920) وهو من نفذ قانون فصل الدولة عن الكنيسة . وكان سبب نحت هذا المصطلح تسمية نفر من (الصهاينة الفرنسيين) منهم اميل زولا ومارسيل بروست واندريه جيد الذين انتصروا للضابط الفرنسي اليهودي (دريفوس) الذي لفقت له قيادة الجيش الفرنسي تهمة التخابر مع العدو الالماني فحكم عليه القضاء العسكري بالنفي الى (جزيرة الشيطان) وشق هؤلاء الكتاب عصا طاعة الامة وطالبوا باعادة محاكمة دريفوس وثم العفو عنه . ومنذ ذلك الوقت اصبح المثقف يدافع عن الحقيقة ضد الامة وعن الفرد ضد المؤسسات)(7).
ان الاسئلة تتراكم وهذا الكم الهائل من الكوارث لا يمكن الوقوف ازاءه مفردا ولكن بالتاكيد لن يكون السلاح البندقية ، لانها اصلا هي السبب في كل هذه الكوارث فما من تهديد بسيط او اعتداء ساذج الا وينطلق العربي الى البندقية لحل هذا النزاع الذي كان من الممكن ان يحل باشارة بسيطة من العقل . اننا امة الثارات وامة السيف وامة البندقية ولهذا السبب اصبحنا امة الهزائم والكوارث المتكررة . كل ذلك لم يدفعنا الى التفكير في يوم ما بسبب هزائمنا وانكساراتنا المتتالية .
(ان المثقف من يتمتع بالشجاعة والجرأة الفكرية والسياسية الكافية لطرح الاسئلة عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها مجتمعه والتعرف على الانسدادات المزمنة التي تشل الفكر وتغيب العقل ، وتسبب العقم في المواهب وتطرد الادمغة المفكرة خارج حلبة الاوطان)(8).
اتفق مجموعة من اقرباء احد الشهداء المغدورين في شارع من شوارع بغداد الراقية والهادئة التي اصبحت صالحة للغدر ورمي الجثث ، مع سائق اسعاف حكومي على انتشال شهيدهم بمبلغ (300) دولار وعندما وصلوا الى مكان الجثة وجدوا قريبا منها جثة اخرى لشاب صغير لا يتجاوز عمره (13) سنة قضى مغدورا ايضا فحاولوا ان ينتشلوه الا ان سائق الاسعاف رفض ذلك قائلا بانهم اتفقوا معه على نقل جثة واحدة فقط واصر على ذلك .. قلت بان هذا السائق هو الارهابي الحقيقي الذي شارك في قتل كل هذه الجثث التي كانت مرمية على جانبي الطريق .
هل لهذا الحادث علاقة بالمروءة ام الشهامة ام ان الثقافة والمثقف ليس لهما مكان في هذا البلد الذي لم يكن يوصف الا مقرونا بكلمة السلام فهو بلد السلام ودار السلام ومدينة السلام .
(ليس هناك من قوة في ظروف العراق الحالية قادرة فعلا للنهوض به من خراب الماضي اكثر من المثقفين رغم كل الدمار والخراب الهائلين اللذين تعرض لهما او تعرضت لهما الثقافة والمثقفين والقضية هنا ليست فقط استعداد المثقفين التلقائي لقبول فكرة الحرية والاحتمال فحسب بل بسبب الترابط العضوي بين الرؤية العقلانية والنزعة الانسانية القائمة في صلب فكرة الثقافة)(9).
(ما من قوة في الارض / ترغمني على محبة مالا أحب / وكراهية مالا اكره / ما دام هناك / تبغ وثقاب وشوارع)(10) وهكذا يصنع المثقف سلطته بعيدا عن السلطة وبنفس الوقت تعرف السلطة كيف تستفيد من الثقافة والمثقف في اعادة ترميم كل الخراب والدمار الذي اصاب مكوناتها والحلقة الاخيرة والاساسية هو المجتمع ويقينه الاكيد بانه لا يملك مقومات وجوده الحقيقية الا من خلال سلطة المثقف الذي يعتبر (مكان القطب من الرحى)(11).
الحواشي:
(1) جون ستيوارت مل (1806-1873) .
(2) انظر صحيفة المدى العدد 851 في 13/كانون الثاني/2007 لقاء اجراه مازن لطيف علي مع المفكر د. ميثم الجنابي .
(3) انظر محامي الشيطان شاكر النابلسي ص102-103 .
(4) د. ميثم الجنابي المصدر نفسه .
(5) المصدر السابق نفسه .
(6) قول الرسول (ص) (علماء أمتي افضل من انبياء بني اسرائيل) .
(7) شاكر النابلسي / محامي الشيطان ص263 .
(8) العفيف الاخضر / من المواطنة السالبة الى المواطنة الموجبة / جريدة (الحياة) لندن 19/7/2001 .
(9) د. ميثم الجنابي المصدر نفسه .
(10) من قصيدة للشاعر المبدع محمد الماغوط .
(11) من خطبة للامام علي بن ابي طالب .

العودة إلى الكتابة قرب الخط الساخن
عبد الهادي فنجان الساعدي
نتذكر من ايام العسكرية ان الاوامر العسكرية هي اجراء وتنفيذ .. فما لم يتم الاجراء لا يحصل التنفيذ .. فكلمة (استاعد) وهي من المصطلحات العسكرية التي يبدأ بها الاستعداد لتلقي الاوامر الاخرى . والكلمة بموجب ذلك تنقسم الى قسمين فهي في حالة الاجراء (استا) وما لم تسمع (عد) لا يمكن ان تقوم بالتنفيذ الذي هو القيام بعملية الاستعداد المملة والمتكررة والرتيبة والمحفزة (من ايام اللعنة) .
وعندما نعود للكتابة قرب الخط الساخن .. نعود للكتابة عن المشكلة الابدية والمستعصية .. مشكلة المرأة ، وكأن لا عمل لدينا سوى هذه المشكلة اللعينة .. مشكلة المرأة . علما ان هذه المشكلة في حد ذاتها هي شائكة وعلاقتها بتطور المجتمع اكثر مما هي مشكلة متجسدة ذات ابعاد فردية يمكن حسابها ومعالجتها كحالة فردية .
المشكلة هي مشكلة المرأة ذاتها .. بالرغم من انها مشكلة كل مواطن يعيش في احضان هذه الصحراء المليئة بالنفط والدم والمعادن وكانها تمتد الى الابدية مجسدة عطش الانسان العربي البائس بشكل لا يمكن ان يوصف بالكلمات .. فبين بئر نفطي واخر هناك بئر نفطي اكثر عمقا وتدفقا وغزارة . وبين مقتلة دموية ومقتله .. مقتلة اخرى . وتمتد الصحراء بمعادنها الثمينة ورمالها الصفراء الغنية بالسليكات المعدنية الاف الاميال دون ماء (تصف فقرة في احدى رسائل مس بيل المسافة بين بئر في الطريق الى تدمر وبين مدينة حائل في الصحراء السعودية بانه لا يوجد بئر في هذه المسافة التي تقطع على الجمال لمدة اربعة واربعين يوما).
مشكلة المرأة هي مشكلة المواطن الذي يعيش في بلدان اسفل البحر المتوسط وفي المساحة الممتدة الى شرقه فهو يقرأ لمدة نصف ساعة في كل عام في الحين الذي بدأت عملية القراءة والكتابة في هذه البقعة بالذات وفي بلاد ما بين النهرين بالتحديد . ان هذا التاريخ يمتد الى سبعة الاف سنة حسب الاحصائيات التاريخية . وقد اثبتت الدراسات الاثارية من قبل العلماء والمتخصصين الغربيين ان عملية القراءة والكتابة بدأت في بلاد ما بين النهرين قبل ان تبدا في اية بقعة من بقاع العالم خلافا للادعاءات السابقة وبطريقة علمية بحته وغير متحيزة ولا تشبه الادعاءات العشائرية الفارغة .
عند العودة الى فجر الاسلام نجد ان الخطاب الالهي يبدا بكلمة (اقرأ) فاين هي المرأة العربية التي تذرف الدموع الساخنة على الامام الحسين وعلى فاطمة الزهراء البتول وعلى ابنها هي بالذات عندما يرسب في الامتحان .. وعلى ذكر البتول فانها كانت قارئة من الدرجة الأولى عدا عن كونها ربة بيت لم يسجل لها أي تقصير ولم يشتك منها زوجها الامام علي بن ابي طالب في يوم ما وهي الخطيبة المقنعة في براهينها وطروحاتها وتشهد لها بذلك خطبها في الدفاع عن حقها في (فدك) وعن حق ابن عمها في الخلافة والكثير مما لا نريد الخوض فيه مما يبعدنا عن الهدف في بيان كون هذه المرأة قارئة بشكل مختلف تماما عن معاصراتها وخطيبة مفوهة اثبتت خلال خطبها بانها امرأة عربية لا تختلف عن باقي النساء ولكنها اكتسبت العلم وحولته الى سيف وادلة قاضت بها الكثير من الرجال ممن كانوا يمثلون اعمدة الدولة الاسلامية في بداية تكوينها .
أما مدام كوري فهي طالبة المدرسة البولونية التي كانت تعيش في بيت يتكون من غرفة واحدة هي وعائلتها ولكنها كانت تضع حاجزا نفسيا بينها وبين الموجودين من عائلتها في هذه الغرفة لكي تستوعب ما تقرا .. وقد نجحت بتفوق وحصلت على زمالة دراسية واستطاعت من خلال البحث المكثف والدراسة المضنية ان تكتشف عنصر الراديوم الذي غيَّر من مجرى الاحداث في تاريخ اوربا بغض النظر عن حصولها على جائزة نوبل نتيجة بحوثها وانجازاتها المستمرة .
ومن المشاهد الشخصية هناك ظاهرة في اوربا اذ تلاحظ المرأة في القطارات تقرا في كتاب في الحين الذي تجلس ابنتها بعمر اربع او خمس سنوات الى جانبها وهي تقرا ايضا في مجلة للاطفال وهذا القياس قد لا يكون عاما ولكنه بالتاكيد يؤشر اهتمام المرأة الاوربية بالقراءة بشكل مفرط حتى اثناء السفر او التنقل بالقطارات او المواصلات وهذا احد اسباب القفزات العلمية للبشر الذين يعيشون خارج اسوار الطين .
(أطلب العلم من المهد الى اللحد) (اطلب العلم ولو في الصين) أن هذه الكلمات تتعارض مع الايديولوجيا الفكرية الحديثة والممارسات الساخنة للمرأة التي تعيش في مدن جنوب وشرق المتوسط . فالقراءة ترف للمرأة التي تعيش في هذه المدن .. اما بالنسبة للمرأة التي تعيش في ظل شجيرة صبير في صحراء الوطن العربي الغالي فالقراءة لا يمكن تشبيهها باي شيء .. لانها ليست من ضمن مكونات هذا المجتمع الصحراوي الغارق في عصور العجمة الحضارية .
عندما نعود للماركسية نجد ان الرجل الذي برمج الماركسية بحيث اصبحت (الماركسية اللينينية) واستطاع بواسطتها ان يخرج روسيا القيصرية من حياة القرون الوسطى الى حياة القرن العشرين يقرأ بحدود ثلثي اليوم .. وهو نفسه الذي قال (فلتعم العين التي لم تقرا الام في ليلة واحدة) .. ورواية الام لمكسيم غوركي تتكون من 450 صفحة .. وفي مجال اخر يقول (اعطني خبزا ومسرحا اعطيك شعبا مثقفا) .. من هذا نعرف كيف اصبح هذا الرجل مبرمجا لفلسفة كارثية قلبت الكثير من مفاهيم العالم .
أما في الجانب الراسمالي فالشعوب الاوربية والامريكية تقرا بشكل مهول وما يطبع في شهر يعادل ما يطبع في سنة في انحاء الوطن العربي الكبير .. واما ما يباع في اسبوع في أي معرض من معارض الكتب الاوربية او الامريكية فهو يعادل ما يباع في كل الوطن العربي خلال عام كامل .. اننا بلد الاغاني الحزينة والمظالم والهزائم ونحن نغني اكثر مما نقرا برغم حاجتنا للقراءة اضعاف حاجتنا للبكاء .
لقد اختصت اليابان باستعمار الدول الكبرى وعلى راسها امريكا .. فلقد بدأت بتاسيس فروع لمصانعها في داخل امريكا .. اما في اوربا فقد بدأت بذلك منذ امد بعيد . وحينما نبحث عن الاسباب والعوامل التي اوصلت اليابان الى هذه الصورة المعكوسة (وهي مستعمرة منذ 1945 او محتلة من قبل الامريكان) فهي ان المواطن الياباني يقرأ (144) مرة اكثر من المواطن العربي الشريف .
اين تقف المرأة من حالة الامية الثقافية هذه بعد ان احتلت 25% من مقاعد البرلمان في العراق و 5/1% من مقاعد برلمانات بعض الدول الخليجية المتقدمة و -1% في الكثير من الدول الشرقية التي تمتاز بالدكتاتوريات البائسة .
أن احتلال المرأة لهذه النسب وعلى راسها نسبة 25% لا يعني انها اجتازت حاجز التخلف وبدات بالعد الى الامام في مسيرة الكفاح البطولي ضد تسلط الرجل .. انها الان تقف اكثر من السابق في طوابير الوقود ورعب القرون الوسطى والاغتيالات الطائفية والدينية . وبالرغم من كل ذلك فما تزال المشكلة هي مشكلة المرأة ذاتها بالرغم من انها جزء من هذا النسيج المتخلف .. نسيج المجتمع الذي يصر على ان يمارس التخلف بجدارة .. فهو ما زال يفضل المعرفة على الكفاءة والنزاهة اما المرأة فما زالت بعيدة عن حل مشكلتها الاساسية التي يمكن حلها في ثلاث كلمات (القراءة .. القراءة .. القراءة) . لان القراءة اجراء .. والاجراء بحاجة الى التنفيذ .

 

 

 

 

 

الصراع في بابل
عبد الهادي فنجان الساعدي
كان "الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم" يكرر باستمرار (الرحمة فوق القانون) . ونحن نباشر بالمراحل الاخيرة من تاريخ الانسان قبل ان يتحول الى كائن اخر . قد يحتفظ بهيكله الحالي وقد يغير من ملامحه الا انه بالتاكيد ليس الانسان العراقي .. ذلك الكائن الذي استطاع ان يقاوم لآلآف السنين من اجل البقاء والتطور هجمات البرابرة الشماليين والشرقيين وفيضان دجلة والكوليرا في ان واحد ولم يسقط ولو لمرة واحدة .. لم يغب عن بالي عام 1831 .
ما يحدث الان هو هجوم البرابرة الاجانب وابناء العم من كل حدود البلد الذي فتحه بوش ليصل الى منابع النفط في بابل(1) (والناس نيام اذا ماتوا انتبهوا)(2).
(تلك هي امريكا ، لن تكون الا هكذا ، كانت دائما هكذا . انها اختراع شيطاني عند البعض . اما عند البعض الاخر فهي اختراع رباني)(3).
انها صرائف الطين واحياء التنك مقابل الاستثمارات العملاقة (ما ترى من نعمة موفورة الا بجانبها حق مستلب)(4). الاستثمارات العملاقة تلكم القيمة الوحيدة التي يعترف بها الامريكان بمقابل تدمير أي بنية تشكلت خلال قرون او حتى خلال الاف السنين . انها الهدف وراء الفوضى التي خلقها الامريكان في العراق، انهم يعرفون النتائج مسبقا من خلال مراكز الدراسات الاستراتيجية المستقبلية ان هذه الفوضى يقابلها – كمنطق – قوات مسلحة وطنية تتوازن فيها المعادلة لصالح الانسان ولصالح الوطن المحتل . ولكن الحسابات الامريكية التي اظهرتها النتائج من خلال تلكم الدراسات هي بمعنى (احزموا امتعتكم) . او ان هذه القوات ستنقلب لمحاربة الامريكان أو لاسقاط الحكومة التي تعبت في تصنيعها بهذا الشكل الاخرق .
(ان لوبي الشركات النفطية قوي جدا في الولايات المتحدة الامريكية ويحرك الحكومات ضد أي مطالبة مقبلة لاية حكومة عراقية ديمقراطية مقبلة في تعديل صيغ العقود لتحقيق مصالح العراق او لا يقبل بالحلول الوسطى وحل المنازعات سلميا اذ دائما يفكر ان العسكرية الامريكية معه. في مثل هذه الظروف ستكون دائما هناك مشاكل مع امريكا وتهديد بالحرب او المقاطعة وخلق الفتن فنحن في قلب الشرق الاوسط الملتهب ومن يقرا الكتاب الموسوعي القيم (الجائزة : النفط من بابل الى بوش) لمؤلفه دانييل يرى ما تستطيع الشركات الامريكية النفطية عمله . علما ان هذه الشركات تركض وراء الحقول (العملاقة))(5).
لقد منحت الولايات المتحدة الامريكية العراق هبة المحاصصة التي حاولت ان تعيد للشيعة والاكراد حقوقهم من السنة التي اغتصبوها منهم على مدى قرون . الا ان الحقيقة هي انها صنعت من هذه الهبة مشكلة ابدية استطاعت ان تجعل منها نفق الموت الذي ادخلت فيه الشيعة والاكراد والسنة والذي لا يؤدي الى نهاية .
أن تفكيك البنى التحتية لعدد من المؤسسات بقرار واخرى بدون قرار هو من اجل خلق حالة من الفوضى والتسيب وضياع الرقيب التي تؤدي الى انشغال الناس بالنهب والسلب وحرق المؤسسات وقد حدث ذلك في بلدان كثيرة احتلتها امريكا وهذه هي اصول اللعبة .. وبعكس ذلك فسوف يتوجه ابناء البلد لمحاربة المحتل او اعاقة احتلاله وبذلك تم لهم ما ارادوا بكل سهولة مستغلين الفوضى والعوامل النفسية التي خلقها النظام السابق لتدمير روح المقاومة عند الناس مما ولد حالة التشفي بسقوط النظام وكلها عوامل ساعدت المحتل لان يتم الوصول الى بابل التي خدع صدام الشعب عندما صورها وهي تنهض من جديد وهذه هي اصول اللعبة القذرة .
كيف تطورت الاحداث من النهب والسلب الى السيارات المفخخة ، أي القتل الجماعي وتدمير رموز الطوائف لتحريك الطوائف الاخرى . ثم الضربة شبه القاضية وهي التهجير الداخلي والخارجي بالقوة والترهيب والاغتيالات بالقتل المبرمج والمنوع لارهاب الناس وخلق الفوضى ومحاولة تعطيل الحياة؟!!
أن لعبة تلاقي الاضداد وجدت نموذجها الحيوي في تلاقي انصاف العلمانيين قتلة الامس والتكفيريين لتشكيل قاعدة تدميرية من اجل تحقيق حلم مستحيل تحاول كل هذه القوى المراهقة فكريا تحقيقه والعودة بالارض الى الدوران بالاتجاه المعاكس .
أن اشد ما يؤلم هو ردود الافعال الساذجة للطوائف الاخرى التي تتمثل في القتل السادي الثأري والتهجير المعاكس والشراسة في التعامل البربري مع الابرياء من كلا الطرفين دون البحث عن الفاعل الحقيقي ، أو حتى دون العودة الى منطقة محايدة من التفكير العقلاني من اجل اعادة تشكيل حساباتنا بعقلية واعية ودون النظر الى المسالة وكانها دم مقابل دم وليست دم مقابل نفط.
موجات من الافعال الدموية وردود الافعال الاكثر دموية . كل ذلك من اجل ايصال البلد الى مرحلة الياس والقبول باي افتراض لغرض تمرير اتفاقيات المشاركة في الانتاج مع الشركات الامريكية دون غيرها . والبعد الاخر هو اعادة تشكيل كيان المنطقة بالصورة التي يعتقد الامريكان من خلال الكومبيوتر بانها الصورة المقبولة لغد اكثر ملائمة للذوق العام ورسم الخطوط بما يتلاءم مع المخيلة الامريكية .
النتائج يتحملها اثنان .. المواطن صفر .. والمثقف .. المواطن صفر يحلم بالغد والمثقف يحلم بالامس .. ولا يمكن ان تكون النتائج صحيحة اذا لم نعكس الحلم لنجعل المثقف يحلم بشكل اكيد بالغد .. ليرسم للمواطن صفر صورة هذا الغد الذي سيحلم به الاثنان سوية ليكونا الرقم الصعب في معادلة الدم .. مقابل النفط.
الحواشي:
(1) النفط من بابل الى بوش : تأليف دانييل .
(2) الإمام علي بن أبي طالب .
(3) حدائق الله للصافي سعيد ص159 / أنظر الشرق الاوسط العدد 10218 19/11/2006 .
(4) الإمام علي بن أبي طالب .
(5) فؤاد قاسم الأمير / مسودة "قانون النفط والغاز" موضوع على الانترنيت .

التسامحية .. وأصول الفتنة
رؤية مستقبلية
عبد الهادي فنجان الساعدي
بعد الفتنة التي حدثت في اواخر عهد الخليفة الثالث وانتهت بمقتله ، تم اختيار علي بن ابي طالب كخليفة رابع . وبغض النظر عن اعتبار البعض له كخليفة من ضمن الراشدين واسقاط البعض الاخر له من هذا التعداد العربي الاسلامي الذي ولد كنتيجة حتمية لما هو اسوأ في العهدين الاموي والعباسي .. تبرز عقد وانعطافات في التاريخ تضطرنا الى أن نأتي بها للاستدلال والاستفادة فانها في رؤيتنا المستقبلية لعملية التسامح والتسامحية كمستقبل يختاره الناس لسلوكه بعيدا عن كل عقد الماضي والنظرة المبتورة للدين والحياة والخروج من اطار التخلف وذلك بمسح التراب عن رؤوسنا بدل وضعه كدليل على الحزن العميق والأخوة اللعينة .
ومن هذه الانعطافات التي تبين سعة الافق الفكري لبعض الصحابة والتابعين وضيق الافق للبعض الاخر حيث استدعي احد ابناء الصحابة ليبايع الخليفة الرابع بين فتنتين فقال له (أنا لا ابايعك) .. فاستقبلها الامام علي بن ابي طالب بسعة افق فكري لا يمكن ان يتكرر بسهولة الا بعد نفض التراب عن رؤوسنا وقبول الاخر كبديل موضوعي للعداء الساذج والمر الذي يغلف علاقاتنا منذ اربعة عشر قرنا، اجابه الامام (وانا في حل من بيعتك) لقد وظف هذا الامام مبدا التسامح ليجعله نصا قانونيا استعمله في كثير من المواقع وبصيغ شتى مع الناكثين والقاسطين والمارقين(1).
(لا شيء ادعى الى جعل العالم مسرحا داميا للاضطراب والمذابح من تقرير هذا المبدأ القائل بان كل المعتقدين بحقيقة دينهم يحق لهم ان يبيدوا سائر الاديان . ان هذا يؤدي الى ارجاع الجنس البشري الى نفس الحال التي يتحدث عنها رجال السياسة والتي كان فيها كل فرد سيدا وله الحق في كل شيء ما دامت لديه القوة للاستيلاء عليه . ان من الواضح ان الدين الحق ايا ما كان لا يحق له ان يدعي أي امتياز يخول له العنف مع الديانات الاخرى ولا يحق له ان يدعي أن الافعال التي يرتكبها هو بريئة لكنها تكون جرائم اذا ارتكبها الاخرون)(2).
ان حديث الفرقة الناجية هو من اكثر الاحاديث التي ولدت جدلا عنيفا وعقيما في المجتمعات الدينية الساذجة وحتى في المجتمعات التي تعتبر من الملل الكافرة في نظر معظم الملل والاديان السماوية .. حتى هذه الملل تعتبر نفسها في احاديثها القدسية المحصورة في خلاياها التثقيفية دينيا من ارقى الملل وانها هي الفرقة الناجية وبقية الملل هالكة . وفي لحظات الاشراق التي تكتنف العلاقة في لحظاتها الحميمة بين الملقن الديني وبين الفرد العادي نجد أن الاعتقاد يستمر حتى اليوم التالي وهو يحمل اثار الافيون الذي وزعه الملقن في عقول وقلوب الجمهور المتحسس لقضاياه الدينية المصيرية بعد أن طرحنا العلم جانبا وكانه الجانب الدنيوي البذخي الكمالي الذي يجب ان لا ينظر اليه الا من الجانب المادي الدنيوي الفاني .
(هذا التعدد الهائل في الفرق والمذاهب افضل من المذابح والمشانق والغارات الهمجية وكل الاضطهادات القاسية التي سعت الكنيسة الرومانية (الكاثوليكية) بواسطتها الى المحافظة على الوحدة دون ان تفلح في ذلك ابدا)(3).
في نفس الوقت والدورة الحياتية نفسها تتكرر في بقية الاديان ومذاهبها اذ يتكرر دون النظر الى الدرس السابق كل ما دار بالامس من مذابح وهذيانات مذهبية تصل حد اللعنة .
وفي غياب الفكر العقلاني تصل الصراعات حد الحروب الصليبية وبعدها الحروب بين اصحاب الدين الواحد ثم الحروب بين ابناء المذهب الواحد . ويضيع الانسان من خلال الانتساب الذي يرثه دون ان يعلم اصل الفكرة وهل بنيت اصلا على اسس سليمة أم على اسس واهية .
(لا التشيع هو الاسلام الخالص والحق المحض ولا التسنن على الرغم من ان اتباع هاتين الفرقتين لا يرون هذا الرأي فيما يخص حقيقتهم، لا الا شعري حق مطلق ولا الاعتزال ولا الفقه الجعفري ولا تفسير الفخر الرازي ولا تفسير الطباطبائي ، لا الزيدية ولا الوهابية . لا كافة المسلمين ينزهون في توحيدهم وعباداتهم عن الشرك ولا جميع النصارى يصح ان يقال عن وعيهم الديني انه مشوب بالشرك وليس فيها حق صراح في جانب وفي الجانب الاخر باطل محض)(4).
اننا ازاء كم هائل من الهذيانات الطائفية والملية في الوقت الذي يفكر فيه الاخرون على الجانب الاخر من العالم باجتياز القرن الذي هم فيه ليدخلوا في قرن اخر قبل ان يخرج عالمنا من القرن الماضي. وحين يستفتح العالم القرن الجديد بانقلابات في عالم الصناعة والاتصالات والفتوحات العلمية المذهلة الجديدة نستقبل نحن دخولنا المتأخر الى القرن الجديد بطرق واساليب مبتكرة للغباء ومعالجة الامور بدونية لا يمكن ان تقارن بدونية عصور ما قبل التاريخ او عصر انسان نياندرتال .
كل العقد التي توصف بانها مستعصية تم حلها الا العقد التي يكون فيها المسلمون طرفا فهي من العقد التي ليس لها حلول نهائية الا بالقضاء على هذا الجانب المظلم من اطراف الصراع .
لم أجد مشكلة مستديمة الا وقد كان احد اطرافها مسلما او عربيا !! انها لعنة ابدية وليست انتماء دينيا او قوميا ، كل هذه اللعنات تؤشر بداية انقراض بشري اممي في حالة غياب الفكر العقلاني .. والا فلماذا نجد ان اكبر الكوارث تقع وتجد في اليوم التالي حلولها التي تدخل من كل المنافذ التي كانت بالامس مغلقة، اننا نختار اكثر مواطنينا حمقا لنوليه رقابنا وكأنه رقية تبعد عنا الحلول الفكرية الصائبة والتي لابد من وضعها على هذه الرقاب الغليظة والملامح الهزيلة.
لقد اوردَنا هذا الكم الهائل من القواد الحمقى المهالك (اذا قادا أحمقٌ قوما اوردهم المهالك) .. وقد فعلوا !! وما زلنا نبكي على اغانينا اكثر مما نبكي على هزائمنا وخيباتنا .
ما هو الحد الفاصل بيننا وبين العصر ؟!! ان الفكر العقلاني الذي كان يقودنا عبر اسيا وافريقيا واوربا حتى القرن السابع الهجري والذي فرقنا فيه بين الحياة والموت لافكارنا فاخترنا الموت وهكذا عشنا هذه القرون السبعة الباقية ننحدر نحو الاعماق وتقودنا الهاوية الى هاوية اخرى حتى لقد فقدنا التوازن ونحن ندخل القرن الهجري الخامس عشر وما زلنا لا نعرف الفرق بين التسامح واللاتسامح وما يقود الى احدهما.
(ليس لاي انسان السلطة في ان يفرض على انسان اخر ما يجب عليه ان يؤمن به او ان يفعله لاجل نجاة روحه هو ، لان هذه المسالة شان خاص ولا يعني أي انسان اخر، ان الله لم يمنح مثل هذه السلطة لأي انسان ولا لاية جماعة ولا يمكن أي انسان ان يعطيها لانسان اخر فوقه اطلاقا)(5).
لقد قرات مسودة (قانون النفط والغاز) وهي مجموعة ملاحظات كتبها الاستاذ فؤاد قاسم الامير بعد نشرها في احد المواقع الالكترونية وقد هالني ما فيها من ملاحظات حول ازمة الانسان العراقي ازاء ما حدث وما يحدث وما سيحدث . وقد تكررت الحالة بعد قراءتي لملاحظاته التي عنونها (مرة ثانية ملاحظات حول مسودة قانون النفط والغاز) . وقد التقت وجهات نظرنا في الكثير من الجوانب عند طرحها في المقالات السابقة .
أن اشد حالات الالم التي تنتاب الانسان هي عندما يجد حالة التدهور المريع في المجتمع ولا يجد من يشعر بهذا التدهور والانحدار الشديد نحو الكارثة وذلك لشدة العوز والذهول الجماعي الذي وضعته فيها قوة قاهرة تغيب قوة الخالق لشدة الصدمات التي تخلقها له وهول الواقع المزري الذي يعيش فيه .
لقد غابت عنا فكرة التسامح والتسامحية ونحن نخوض في دماء بعضنا البعض .. انها تمثل حالة القطيعة بين الشعور واللاشعور . لقد خاض البعض في دماء البعض الاخر وهي احتفالية تسيح على جوانبها سوائل ممزوجة بالدم والنفط .
كانت التسامحية الخطوة الأولى لكل شعوب العالم في سيرها بعيدا عن حالة الغرق في أوحال الجاهلية ، وهي تُعد في وادينا اولى الملاحظات التي يجب ان نكتبها في دفتر ملاحظات الخروج من وهم الخلافة الراشدية الجديدة الى الوعي بواقع الصراع الدموي من اجل النفط .
الحواشي:
(1) قال الرسول (ص) للامام علي (انك تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين).
(2) انظر جون لوك رسالة في التسامح ترجمة د. عبد الرحمن بدوي ص35-36.
(3) المصدر نفسه ص37 .
(4) التعددية الدينية بين النفي والاثبات / د. عبد الكريم سروش / مجلة قضايا اسلامية معاصرة العدد 20 ص157 .
(5) جون لوك رسالة في التسامح ص47 .

تيار السيد الوزير
عبد الهادي فنجان الساعدي
العودة الى الماضي تثير الشجن او الاحساس المرهف بالحزن الشفيف لانها مرتبطة بايام الشباب والقوة واللحظات الجميلة. اما العودة الى الماضي سياسيا فلا تثير الشجن او الاحساس المرهف ولا حتى الاحساس المثقل بالثورة ، انما تدفع بالانسان بقوة مليون حصان نحو الياس والقناعة بانتظار الموت في ظل حالة حصار وعمى وطني لا يمكن تجاوزها حتى لو كان الثمن ثلاثة ارباع الشعب العراقي لان التضحيات بشكل اكيد ستذهب الى اناس اخرين هم ليسوا ضمن الربع الباقي من هذا الشعب البائس وهذا مما يدمر الروح الوطنية ويقتل حالات العطاء ويخلق عوالم نفسية انكفائية وحالة ياس واحباط جماعي كارثية .
في احدى الاحتفاليات اليتيمة التي اقامها وزير علماني واحد في كل الدولة العراقية ، قلت في بداية كلمتي بان السلام واجب كفائي ولذلك سنلغي هذه الفقرة التي سبقني اليها العديد من المتكلمين ونبدأ باعطاء (الزبدة) للموضوع الذي اجتمعنا من اجله، ضحك الحاضرون .. وكلما كنت اعدد لهم مآسي الوضع الذي تمر به المرأة كان الحضور يضحكون وكانهم لا يعرفون شيئا عن الكوميديا السوداء او السخرية الماساوية .
قارنت بين هذا الوزير المتفرد وبين بقية الوزراء الذين التقيت بعضهم او عايشت احدهم من خلال تفاصيل بسيطة حيث عرض علي بعض المسؤولين احد المناصب فرفضتها لسببين لانني اولا احب العطاء الفكري والثقافي اكثر من حبي للمنصب وهذا يعتبر كذبة لا يمكن ان يصدقها احد وحتى زوجتي رفضت تصديقها . والسبب الثاني لان هؤلاء المسؤولين الذين عرضوا علي هذا المنصب (لا يعرفون ما في الانجيل) ، فلقد تم شغل هذا المنصب من قبل احد الشخصيات التي تسير في تيار السيد الوزير قبل اربعة اشهر من هذا التاريخ الحافل بالمنغصات والانفلات الوظيفي ، حيث ان هذا المسؤول الجديد يحمل تركيبة خاصة وحاضنة للاساءات البعثية بشكل ايديولوجي ديني لا يمكن ان تخرج دون ان تكون من ضمن التركيبة الفلسفية والنفسية التي تكون منها هذا الملاك المليء بالتفاهات .
عندما نعود الى الحلقة الثانية في سلم الوظيفة نجده من تيار السيد الوزير ايضا وهو مليء بالوعود المليونية التي لا تقف عند حدود التعليمات الوزارية انما تتجاوزها الى حد الضيافة العشائرية على حساب الدولة .
لقد أمر الوزير أن يغير كل الكادر السابق ، لان الكادر السابق هو بطانة حمراء علمانية وهم بقايا الجيش الاحمر السوفيتي في العراق ، دون النظر الى الكفاءات او النزاهة التي من المفترض ان ينظر اليها او يقف عندها متاملا الاساسيات في اتكاء الوطن على ركائز صلبة تعتمد الكفاءة والنزاهة ولم يقف سيادته يوما لألتقاط الانفاس لان ذلك يُعد خروجا على الاعراف السياسية التي ينتهجها تيار السيد الوزير في توحيد المسيرة .
وعندما نحلل هذا الكائن الخرافي نجده قد تكون من بقايا العصور الغابرة ، عصور (الثارات) و (الشرف الرفيع) و (السيف اصدق انباء من الكتب) . وهذا الكائن الخرافي ولد كائنات اصغر منه لتقود مؤسسات الدولة الجديدة التي كتب عليها ان تبدا من الصفر بعد سبعة الاف سنة من التكوينات الحضارية و 1400 سنة من التكوينات الفلسفية الاسلامية و 83 سنة من التكوين الحديث للدولة العراقية وغير عابئين لكل التكوينات السابقة و (لنبدا من الصفر) وكأن اللعبة ما زالت تعتمد على عملية (الصح والخطأ) والاعتماد على التجريب او اعتماد ما في ذهن السيد الوزير او السيد المسؤول من خطط كان يلعبها في ايام الطفولة او ايام المراهقة السياسية خلف السدة .
وما دمنا نسير خلف تيار السيد الوزير وفلسفته في الاعتماد على الثقة وليس الكفاءة في التعيين في المراكز القيادية فسنبقى نسير للخلف في مسيرة البحث عن المجهول في عصور الظلام وكهوف التخلف .
(وكانت هناك مقولة ترى انه كلما اقترب شعب من مركز الاديان كان اكثر تخلفا سياسيا وتقليدية من الشعوب الاخرى البعيدة عن مركز الاديان وهذا ينسحب في بعض الاحيان على النواحي الاخرى الاجتماعية والعقلية والاقتصادية لما لهذه الاديان باوامرها ونواهيها وقوانينها المتناقضة من اثر اجباري وقسري على الشعوب القريبة من مراكز انتشارها)(1).
عندما يتم الحديث عن السلوكيات الدينية ترتفع الايدي كلها لتطلب نقطة نظام وكان الحديث عن السلوكيات الدينية للمسؤولين هو اقتراب اكثر من المسموح به عن الخط الساخن او الخطوط الحمراء التي خلقت المقدسات الحاجزة لكل تطور فكري او اجتماعي او فلسفي او بقلب العبارات السابقة لجعل الفلسفة في اول المحرمات التي دمرتها المقدسات الحاجزة .
وبالرغم من كل ذلك فسنبقى ننتظر دورنا في ظل حالة الحصار الثقافي وتجاوز الامية الثقافية للكثير من الكوادر القيادية التي تقود الدولة بالتاكيد الى عصور العجمة الثقافية .
متى يقف هذا النزيف الكارثي لهجرة الشباب وبالمقابل تجاوز الحدود المعاكس لعناصر اكثر شباباً ولكن اكثر دموية ؟!! اننا ازاء حالة من الامية الثقافية يتسع معها نزيف القتل والتهجير وحالة اللاوعي العام الذي يدخل ضمن الهدر الماساوي لقيمة الهوية والانتماء للوطن ويحيد المواطن الفقير لا لعزلة من اجل السلامة بل من اجل جعله هدفا للممارسات التصفوية للمسلحين من جهة وهدفا للشروط المجحفة في ظل قانون لم ينضج ولم يكتمل وفي حالة اكتماله فسيخرج مشوها بالتاكيد .
أن الأهم من التحييد هو جعل المواطن في مركز الحدث والغاء حالة اللاوعي واللامسؤولية التي خلقتها مؤسسات الدولة وذلك بخلق دولة المؤسسات اولا واعطاء الكفاءات دورها القيادي ونقل الانسان من حالة اللامبالاة والاستسلام لقدره المكتوب وحظه العاثر الى دور الانسان الذي يشارك بكامل وعيه في صنع القرار الذي يمس حياته بعيدا عن تيار السيد الوزير .
الحواشي:
(1) أنظر خالد القشطيني : الجذور التاريخية للسلطوية العربية ص186 .

 

هؤلاء .. لا يقرأون
عبد الهادي فنجان الساعدي
عندما استنكر السيد رئيس الوزراء فاجعة شارع المتنبي كانت هناك امرأة في الستين من العمر تفتش بين الانقاض عن ولديها . كان عندها اربعة اولاد وبنتان ، اثنان رحلا في القادسية الثانية قبل رحيل (السيد الرئيس) بعشرين عيدا ليستقبلاه في ملابس بيضاء واجنحة من دم . واثنان رحلا بعد رحيله في العيد الكبير ليحضرا حفل الاستقبال الدموي وهما بلا ملابس وقد نسي المحتفلون بالفاجعة ان يجمعوا اشلائهما من بين انقاض الشارع لانها اختلطت باشلاء الاصدقاء والاحبة وورق الكتب المحترق ليحكي سفر الانسان العراقي وسفر الثقافة المغتالة .
لقد كانت كلمات هذه المرأة الستينية المفجوعة اكثر بلاغة من استنكار السيد رئيس الوزراء ولم تشفع له كلمات الرثاء ولا الوعود المليونية بالمطاردة واخذ الثار وتعويض المتضررين .
إن الشارع لا يحتاج الى التعويض ولكنه يحتاج الى رفع الاشلاء من بين الانقاض لنعرف عدد المحتفى بهم قبل البدء باستنكار جديد واحتفالية اخرى اكثر عنفا ودموية .
هل انتهيتم من تعويض شهداء فاجعة جسر الائمة او فاجعة شهداء الحلة او الفاجعة التي خلفها وزير الكهرباء السابق (أيهم السامرائي)(1) الذي اختلس من اموال سكنة حي طارق وحي النصر واحياء التنك الاخرى في العراق بقدر ميزانية الاردن الشقيق السنوية(2).
في تقرير ثقافي لأحد المغتربين العراقيين في دولة عمان الشقيقة والذي غطى به زيارة السيد وزير الثقافة العراقي السابق قال بان السيد الوزير نقل للاشقاء العمانيين وللجالية العراقية في عمان احوال الثقافة العراقية وذلك باحصاء عدد التفجيرات وعدد القتلى وكم من الجثث يدخل الى الطب العدلي في بغداد !!!
لقد استنكر السيد الوزير فاجعة شارع المتنبي ولم ينس أن يعد بان وزارة الثقافة سوف تقوم باعادة اعمار الشارع لتجعله قبلة الثقافة في بلاد ما بين النهرين.
يقال بانك اذا اردت ان تعقِّد المشكلة فشكِّل لجنة . اما اذا اردت ان تجعل المشكلة غير قابلة للحل فشكل عدة لجان !!!
(جملة اعتراضية) .
(سيعلمون غدا من الكذاب الاشر)(3).
استنكر الاتحاد العام للكتاب والادباء العراقيين فاجعة شارع المتنبي واقام عدة فعاليات منها مهرجان شعري على انقاض شارع المتنبي واصبوحة دموية في نفس الشارع . كما اقام اصبوحة اخرى في الاتحاد صدحت بها الحناجر بالقصائد الشعرية والنثرية وقد اجاد الاتحاد في عزائياته الحالية كما اجاد في عزائياته السابقة حيث انه استغل كل الفواجع لتجييرها في صالح الاتحاد ومن اجل الثقافة العراقية التي لم يعترف بها عربيا لحد الان بعد الطلاق الكاثوليكي بين اتحاد الادباء العراقي وبين الاتحاد العام للكتاب والادباء العرب الذي يمثل كل الارادات الحكومية العربية .
لقد قدم الزملاء في الاتحاد اقتراحات واقعية وكلها ترتكز على المطالبة الجادة من الحكومة ومن وزارة الثقافة بالالتفات الى هذا الشارع المغتال واعادة الحياة له لانه يمثل شريان الثقافة العراقية . انهم يتكلمون بثقة وكأن لدينا حقيبة وزارية اسمها وزارة الثقافة .
لقد تركت الاتحاد وانا افكر باقتراح سيعتبره البعض فنتازياً وهو الغاء وزارة الثقافة وتحويل كل اموالها ومحتوياتها ومبانيها وموظفيها لبناء مؤسسات ثقافية ودور نشر واعادة اعمار المثقف وشارعه اليتيم .
في بعض الدول (الكافرة) تقوم بعض الشركات بانشاء مؤسسات ثقافية على حسابها الخاص وعندما سالت : ما علاقة صناعة الجلود بالثقافة ؟!! قالوا بان هذه الشركات التي تقوم بهذه المشاريع تعطيها الدولة امتيازات على شكل اعفاءات ضريبية سنوية .
(جملة اعتراضية) .
(يقول العلامة الفقيه ابن طاووس : حاكم عادل كافر خير من حاكم مسلم جائر).
في بعض الدول التي هي أشد (كفرا ونفاقا) تقوم الدولة باقتطاع جزء بسيط من رواتب العمال والموظفين من اجل بناء صرح ثقافي في ولاية لا يتجاوز عدد سكانها عشرة الاف نسمة ويقبل العمال والموظفون الذين يقتطع هذا المبلغ البسيط من رواتبهم دون ان يسالوا عن اصل هذه الولاية وهل هم من (البروتستانت) أم من (الكاثوليك) .
في احدى الولايات الامريكية التي اصابها الاعصار تم ترميم واعادة بناء المؤسسات الثقافية عن طريق اقامة يا نصيب اسبوعي ولم يتوقف هذا اليانصيب حتى تم اعمار كل المؤسسات الثقافية في تلكم الولاية .
(جملة اعتراضية) .
(اليانصيب في بلاد الرافدين حرام شرعا) !!!
يقول الباحث والاديب العراقي معن حمدان بانه طلب من جامعة ميامي تصوير مخطوطة عربية من محتويات الجامعة بعد ان اعطاهم رقم المخطوطة واسم المؤلف وكافة المواصفات، بعد أن وصلت المخطوط المصورة وجد انها مغلفة بكاغد والغلاف الاخر (سيلوفين) والغلاف الاخر خيوط حافظة من الصدمة والغلاف الاخر مشمع مع مواد حافظة !!! سالته : هل هي تايتانيك .. ام هو احترام المخطوطة .. أم احترام الانسان لنفسه وللمقابل ولمنجزاته ؟!! قال : كلها.
كلما دخلت الى شارع المتنبي بعد الفاجعة احالتني رائحة الكتب المختلطة برائحة الجثث المحترقة الى ان اسال نفسي : هل ان السادة المسؤولين والسادة اعضاء مكتب الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق يعرفون حجم الفاجعة ؟!!
انني متاكد تماما بان هؤلاء جميعا (لا يعرفون ما في الانجيل)(4).
الحواشي:
(1) أيهم السامرائي : وزير سابق للكهرباء في حكومة اياد علاوي ويقال بانه اختلس 6.900 مليار دولار وهو عراقي يحمل الجنسية الامريكية واستطاعت القوات الامريكية اخراجه من السجن وتسفيره على طائرة امريكية (على عينك يا تاجر) .
(2) ميزانية الاردن الشقيق السنوية المعلنة تبلغ 7.000 مليار دولار أي هي اكثر بقليل مما اختلسه السيد وزير الكهرباء الاسبق أيهم السامرائي .
(3) الاية 26 من سورة القمر .
(4) مثل عالمي شعبي ويقول (لا يقرأون او لا يعرفون ما في الانجيل) وهو من الامثال المشتركة بين الشعوب وهو يدل على عدم معرفة دواخل الامور .


إنجيل بوش(1)
(الحلقة الأولى)
عبد الهادي فنجان الساعدي
سألني احد الاصدقاء عن الانجيل الحقيقي الذي انزله الله على رسوله عيسى "ع" واي الاناجيل هو الصحيح . اجابه احد الواقفين (كعادة العراقيين) أنه في روما في الفاتيكان . اما انا فقد كنت اعتقد بان متن الانجيل الحقيقي موجود في القران ويتكرر في الكثير من الايات . ولم يغب عن بالي بان الاناجيل الكثيرة الموجودة هي نقل نصوص حكائية وحكمية عما صرح به المسيح من تعليمات ربانية لحوارييه والاختلاف هو في طريقة النقل من قبل الحواريين والقديسين وقد تدخل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في صياغة بعض التفسيرات التي تلائم العصر الذي هي فيه والحديث في هذا المجال طويل جدا ومتشعب وليس هذا هو المهم بل ان المهم هو ما غاب عنا وعن الكثير من المتحدثين وخصوصا العراقيين وهو احدث انجيل في العالم الحاضر .. انه انجيل بوش !!!
بعث لي احد الاصدقاء(2) بملاحظات الاستاذ الفذ فؤاد قاسم الامير حول (مسودة قانون النفط والغاز) . وقد هالني ما فيها من معلومات وتحليلات خطيرة لهذه االمعلومات التي تضمنتها فقرات المسودة ، حيث أن المسودة المؤرخة في 15/1/2007 اعتمدت بشكل اساسي على المسودة التي قدمها السادة فاروق القاسم وثامر الغضبان وطارق شفيق باللغة الانكليزية في تموز 2006 .
بالرغم من ان التصريحات اختلفت حول الملاحق الثلاثة للمسودة وهل صدرت ام لا ، فقد ذكرت الـ (CNN) في 28/1/2007 في نشرتها بالعربية بان من المنتظر ان يناقش البرلمان العراقي مسودة الدستور في 10/شباط القادم (في حين ان مسودة القانون لاقليم كوردستان والتي صدرت في 9/9/2006 نشرت واصبحت متوفرة لمناقشتها ولم تعرض على مجلس نواب الاقليم لحد الان ، ان المناقشة المسبقة لمسودة (قانون النفط والغاز) مسألة ذات أهمية قصوى..(3)
لقد سقط صدام حسين لانه قاتل هو والذين امنوا (به) فقط . وهرب كذلك هو والذين امنوا (به) من ارض المعركة وسكنوا الجحور والعار يلاحقهم . ولم يشارك الشعب في القتال الهزيل والمتخلف ضد الاحتلال متعدد الجنسيات الا في مواقع قليلة وذلك لانها كانت جمهورية تعيش في بقعة خاصة مليئة بالنفط بينما كان الشعب يعيش في بقعة مليئة بالدم .
نعود لنضع مكعبات الثلج التي قدر لها ان تقودنا في مرحلة السفر الأولى من انجيل بوش في العراق أمام المرآة لتعكس لنا صورة هذه المكعبات في حالة محافظتها على تماسكها الان اما في تموز فان الشمس كفيلة باذابة مكعبات الحديد (وسيعلم...)(4).
(أن وجود قانون اتحادي تعتمد عليه القوانين الاخرى يتضمن بنود صريحة واضحة بان الحكومة المركزية هي المخططة لطريقة استغلال الثروة النفطية والغازية ولها الكلمة النهائية في جميع العقود الموقعة اتحاديا او اقليميا هو امر واجب وهذا ما حاول ان يضعه (القانون الاتحادي) ولكن السؤال المهم هل يستطيع ذلك في ضوء بنود الدستور الحالي)؟!!(5).
هناك الدستور والحكومة وانجيل بوش في جهة وفي الجهة المقابلة يقف الشعب العراقي عارياً الا من قيوده (هاهم قادمون/ وكأن المعسكرات هبت بجلاديها للقائي / وكأن الكلاب كلها قادمة/ هاهم قادمون بكل الاسلحة / وانا لا املك سوى الاستسلام/ الا انني لن استسلم / لن استسلم ابدا)(6).
هناك جمل اشراقية في الدستور العراقي المؤقت (ان الثروات الطبيعية من صلاحية الحكومة الانتقالية حصرا) و (ان التشريعات الصادرة من قبل السلطات التشريعية الاتحادية ستعلو على اية تشريعات اخرى صادرة من قبل سلطة تشريعية اخرى وذلك في حالة التعارض) . اما ما جاء في الدستور الدائم فهو مغاير لهذه الجمل الاشراقية حيث تقول المادة (11) (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات) . لا أعرف لماذا اضاف المشرع ((في كل الاقاليم والمحافظات)) باقحامها وبدون حاجة اليها . وما هي هذه الستراتيجيات اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي (معتمدة احدث تقنيات ومباديء السوق وتشجيع الاستثمار) . والجملة الاخيرة موضوعة وباعتقادي للسماح للاستثمار الاجنبي والمحلي الخاص(7).
عندما تقرأ مسلة حمورابي تجد ان اكثر القوانين التي تحتويها المسلة ما زالت لحد الان تجد لها مكانا في الكثير من النظم والقوانين الدولية وحتى في مبادئ حقوق الانسان . كيف تسنى لهذا العراقي ان يورث احكامه لهذه الاجيال الخائبة التي لا يمكنها ان تخلق انجيلها الخاص الذي تحكم به نفسها . ان الكثير من الفقرات الموجودة في الدستور الدائم ، ووليده البكر الذي عمده مجلس الوزراء وينتظر ان يعمده الاخرون في مجلس النواب (قانون النفط والغاز) ماخوذة من انجيل بوش الذي يشبه الى حد بعيد تمثال الحرية الذي يقف على البر الامريكي مواجها المحيط ، حاملا الانجيل باليد اليسرى والسيف باليد اليمنى ولا ادري لماذا احلم بهذا التمثال في كل ليلة وهو يحمل السيف بدل مشعل الحرية!!
(المادة 114) تتكلم عن الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقليم وتشمل (الكمارك) و (مصادر الطاقة الكهربائية) و (رسم السياسات البيئية) و (سياسات التنمية والتخطيط العام) و (رسم السياسة الصحية العامة) و (رسم السياسة التعليمية والتربوية) و (رسم سياسة الموارد المائية الداخلية) (علما ان الصلاحيات (الحصرية) للسلطات الاتحادية . والتي حددت في المادة (110) لا تتضمن الثروات الطبيعية وبضمنها الثروة النفطية) (من هنا نرى ان للاقاليم والمحافظات الكلمة النهائية للسياسة النفطية ، وهو امر يثير الاستغراب ان لم نقل الشك والريبة ، او كيف يمكن ان تسار الدولة والكلمة النهائية لثروتها التي تخص الاجيال الحالية والمستقبلية هي بيد الاقاليم والمحافظات اضافة لذلك فان الكلمة النهائية لسياسات التنمية والتخطيط العامة ايضا للاقاليم والمحافظات وهو من المضحك المبكي . الان وحسب الدستور يستطيع أي اقليم (وحتى المحافظات) ان يصدر قانونه النفطي الخاص وسيكون تسابق لانتاج النفط اضافة الى الاحتمالات العالية للفساد المالي وستضيع ثروة العراق كاملة في هذه الفوضى)(8).
(الان عرفت صراخي الصاحب حين مجيئي العالم/الان عرفت)(9).
سيبقى بوش يشكر الرب في كل صلاة على تمكينه من الحفاظ على وزارة النفط دون ان تحرق او تسرق ولكن مَنْ مِنْ هذه الامة التي تحتضر سيغفر له ترك ابواب المتحف العراقي مشرعة امام السراق والقتلة لارتكاب اكبر جريمة حضارية في بداية القرن الحادي والعشرين . وان لم يكن هو الفاعل .. فمن الفاعل ؟!!
بالتاكيد بعد ثلاثين سنة من الان سنجد الفاعل عندما تكشف الصفحات السرية من السفر العراقي من انجيل بوش .
الحواشي:
(1) هذه مجموعة من المقالات حول الدراسة القيمة المعنونة (مسودة "قانون النفط والغاز") التي اصدرها الاستاذ فؤاد قاسم الامير ونشرت على مواقع عديدة في الانترنيت بالعربية والانكليزية .
(2) هو الصديق الحميم (ابو ذر) عقيل الخزاعي.
(3) انظر الدراسة ص1 .
(4) الاية 227 من سورة الشعراء (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .
(5) انظر الدراسة ص3 .
(6) من قصيدة في ديوان نبوءات مبكرة كتبت في 17/12/1978 قبل اعتقال الشاعر بليلة واحدة .
(7) نفس الدراسة ص4 .
(8) المصدر نفسه ص4 ، 5 .
(9) من ديوان شعر نبوءات مبكرة – دار المرتضى للطباعة والنشر والتوزيع .

إنجيل بوش(1)
(الحلقة الثانية)
عبد الهادي فنجان الساعدي
الشيخ كاظم الشيخ جواد الساعدي صاحب جريدة (الفيحاء) في العهد الملكي وفي عهد الزعيم هو احد اقربائي وكان كلما وجد فرصة لاثارة الجماهير نتيجة اختلال الموازين السياسية يستغلها ويشعل فتيل التظاهرات الجماهيرية وخصوصا في مدينة النجف الاشرف وعندما نحلل الدوافع والنتائج نجد ان الدوافع هي دوافع وطنية (باعتقاده) اما النتائج فكانت ترتكز على نقطتين ، الأولى هي الوعي الجماهير ي- ولو بصورته البسيطة او الساذجة – وثانيا الجانب الاعلامي الذي يرتبط بهموم الشارع، والسؤال المهم هنا هو اين ذلك الوعي الشعبي حتى ولو بصورته البسيطة – واين ذلك الاعلام الذي كان يحدد المسارات لتغيير الموازين؟!!
عندما نقرأ دراسة الاستاذ فؤاد قاسم الامير نجد ان المبالغ التي تحاول الحكومة العراقية الاتفاق عليها هي مبالغ خيالية بالنسبة لميزانية العراق وحتى لاستيعاب خططه المستقبلية ، فهي مبالغ كبيرة ومن الممكن ان تعطي نتائج معكوسة في حال حصول الشركات الامريكية على امتيازات وحقوق المشاركة في الانتاج . اما الجانب المهم فهو الجانب المنطقي الذي حدده الاستاذ فؤاد في دراسته القيمة (فوق كل هذه ، هناك الوضع الاهم وهو ان العراق تحت الاحتلال والقرارات الناجمة عن مختلف السلطات العراقية ستكون تحت ضغط ورحمة المحتل وشركاته النفطية العملاقة ، والذي بالاضافة الى ضغوطه يبحث دائما عمن يستطيع ان يرشيه من العراقيين الموجودين في مراكز السلطة لتمشية مصالحه الاقتصادية . لهذا في هكذا ظروف لا يمكن ان يمرر قانون يخدم الشعب العراقي فعلا)(2).
اذا كان الراي العام ضعيف الذاكرة كما يقول نابليون فاننا لا نستطيع ان ننسى تصريحات الصحف الامريكية التي نقلتها عن الدوائر المسؤولة عن صنع القرار وهي انها اتفقت مسبقا مع التكنوقراط السياسي في المعارضة على وضع سياسة نفطية تسمح باستغلال الشركات النفطية الامريكية للحقول العملاقة في العراق وذلك قبل حدوث الزلزال في 9/4/2003 .
(نحن نعرف اين تقع احسن الحقول النفطية العراقية وننتهز الفرصة للحصول عليها)(3) وكذلك تصريح شركة شل فان (غايتها هو وضع اساس وحضور مادي في العراق).
أن الهدف من كل هذه المهاوي التي يحاول الاحتلال متعدد الجنسيات خلقها للعراق هو استغلال الحقول النفطية الى اقصى مدى لغرض الاستفادة من كل ذلك في زيادة عوائدها وتكبيل العراق بمعاهدات تشبه الى حد بعيد المعاهدات التي كان العراق يلتزم بها في العهود الملكية اضافة الى أن العوائد النفطية التي سوف يجنيها العراق هي عوائد كبيرة جدا لا يمكنه استيعابها بكل الخطط الانية والمستقبلية مما يدفعه الى نفس السلوك الذي سلكه صدام حسين حين لم يستطع ان يستوعب العوائد الكبيرة التي كان يجنيها العراق ولذلك حاول أن يستغلها في ارضاء عقده النفسية من خلال ايحاءات السياسة العالمية له بانه الاقوى والاكثر قدرة على قيادة المنطقة .
أن الكارثة التي سقط فيها الدب القطبي الابيض (روسيا) في تجربته التي فتح فيها الطريق للاستثمارات الاجنبية النفطية ما زالت اثارها لحد الان منذ زمن يلتسين الزعيم الروسي السابق حيث ادت الى فقر الشعب الروسي وقد حاول الرئيس التالي بوتين تعديل الأمور وارجاع تأميم النفط حيث اضطر للقول (أننا نسمح للاستثمار الاجنبي عدا قطاع النفط او استخراج الذهب)(4).
عند السؤال عن نجاح الخطة الامنية اشعر بالفشل الذريع الذي يصيب هذا الكائن الحضاري الذي يعيش في بلاد ما بين النهرين وبودي لو ابكي على كل هذا الخداع الذي يصيبنا ونحن نيام (لا نعرف اجيالا قادمة ننشدها / ولا فما قديما نعود اليه)(5).
كم من المؤلم أن تكون حضاريا في تكوينك الجسدي والروحي والاخلاقي وترغم على ان تعيش غبيا ومخدوعا ومستلب الارادة وتمارس الضد الاخلاقي لكل الجينات التي تمتلكها والتي ورثتها منذ سبعة الاف سنة .
انها طريقة همجية تمارس باسلوب حديث لفرض غرامات اخلاقية وانسانية من قبل عدو محتل ، حررك من عدو شرس وغاب عنا بانه اشرس بكثير من مخلوقاته التي حكمتنا في مرحلتها الاخيرة لاربعة عقود . الكل يبحث عن الحل في لحظة محاسبة يمكن اقتطاعها بين سيل الرصاص والدم والكل يشارك في المقتلة (من كل حسب جهده ولكلٍ حسب حاجته)(6).
هل قرأتم سفر (قانون النفط والغاز) من انجيل بوش .. وهل من الممكن ان نسال عن الحاجة الملحة التي خلقت هذا القانون . هناك الكثير من القوانين المملة التي ما تزال تحمل شعار الجمهورية العراقية المستورد من الجمهورية العربية المتحدة (مصر العروبة في زمن الاخوين عارف) ورقم وتاريخ السبعينيات والثمانينيات ومصطلح الرعب البعثي الصدامي (مجلس قيادة الثورة) ولماذ لا تغير هذه القوانين بدل البحث عن قوانين تجعل من الاحتلال شرعيا والاستثمار الاجنبي تسمية مقبولة مثل (القفص الذهبي) . فبدلا من ان نقول (استعمار) نقول (استثمار) وهو واقع مفروض علينا وعلى الحكومة والا فالدم والمقاتل ستبقى مستمرة والثمن هو النفط ولنقرأ اسفار الصحف الامريكية الماخوذة من سفر (الدم مقابل النفط) من انجيل بوش .
(يشدد عاملو صندوق النقد الدولي على أهمية الضغط باتجاه اصلاحات نقدية بنيوية وتشمل الاصلاحات بشكل عاجل .. صياغة قوانين جديدة للنفط)(7).
(انهم بحاجة الى اصدار قانون للهايدروكاربون يمكن الشركات الاجنبية أن تستثمر بموجبه)(8).
(أن ما يحتاجون اليه هو قانون للهايدروكاربون لان من الواضح أن اكبر مصادر هذه الدولة هو البترول ويجب ان يتمكن جميع العراقيين من تصديق أن هذا المصدر سيتم اختياره لما فيه مصلحتهم وليس مصلحة الجهات الطائفية)(9).
(أننا نعمل على مساعدة القادة العراقيين على اكمال ميثاقهم الوطني وعلى القوى السياسية الاساسية ان تاخذ قرارات صعبة في الاسابيع القادمة .. سن قانون للنفط يعمل على اشتراك العراقيين في عوائد النفط بطريقة توحد البلاد .. وهذا الامر على قدر كبير من الاهمية)(10).
(يتوجب على العراق ان يكمل التقدم في سن قانون وطني للهايدروكاربون وان يتابع العمل فيه والذي سيضمن توزيع المصادر الوطنية الحيوية بشكل مناسب بين العراقيين ويضمن اكبر قدر ممكن من الاستثمار الاجنبي في هذا القطاع)(11).
في هذا الحال نستذكر في الجانب الاخر قوة الضغط الشعبي التي كانت تسقط وزارات ومعاهدات دولية مجحفة .. وهل هي نفس هذه القوى الشعبية التي عملت كل ما بامكانها لجني ثمرة التأميم وقد استطاعت . اما اليوم فليس هناك قوى ضغط شعبية تساهم في صنع القرار بدمائها لان ما يقرر النتائج هو الكومبيوتر والدراسات المستقبلية الستراتيجية التي لا نملكها نحن .. انما هم الذين يملكون هذه الامكانيات التقنية واستطاعوا من خلالها التحكم بالقوى التي تصنع القرار .
(اه ايها العرب يا جبالا من الطحين واللذة)(12). اننا بازاء الهة تقنية تتحكم بمصائرنا ونحن لا نملك غير قيودنا وعندما نثور فبالتاكيد لن نخسر غير تلكم القيود .
الحواشي:
(1) هذه مجموعة مقالات حول الدراسة القيمة (مسودة النفط والغاز) التي اصدرها الاستاذ فؤاد قاسم الامير ونشرت على مواقع عديدة في الانترنيت بالعربية والانكليزية .
(2) مسودة (قانون النفط والغاز) ص7 .
(3) آرجي دنهام مدير الشركة النفطية الامريكية العملاقة كونكوفيليبس (Conco phillips) نفس المصدر السابق ص9.
(4) المصدر نفسه ص12 .
(5) من قصيدة للشاعر العربي الفذ محمد الماغوط .
(6) من قوانين الاشتراكية والاستخدام هنا مجازي .
(7) صندوق النقد الدولي كانون ثاني / 2005 المصدر نفسه ص17.
(8) سام بودمان وزير الطاقة الاميركي في تموز / 2006 / انظر ص17
(9) المصدر نفسه .
(10) كونداليزا رايس ، وزيرة الخارجية الامريكية في تشرين أول / 2006 / المصدر نفسه ، ص17 .
(11) زلماي خليل زادة ، سفير الولايات المتحدة في العراق / تشرين ثاني / 2006 المصدر نفسه ، ص17 .
(12) من قصيدة للشاعر العربي المبدع محمد الماغوط .

إنجيل بوش(1)
(الحلقة الثالثة)
عبد الهادي فنجان الساعدي
في لقاء مع المبشر الامريكي بيلي غراهام نشر في مجلة نيوزويك جاء فيه (وقد شعر برغبة في الاتصال بالرئيس الامريكي جورج دبليو بوش قبل حرب العراق ليطلعه على الفرق بين السنة والشيعة لكنه قرر الامتناع عن ذلك)(2).
هذا من جانب وفي الجانب الاخر نرى أن الخميني يوافق على اعادة طبع كتاب (بحار الانوار للمجلسي) الا انه يقترح رفع بعض الاجزاء من هذا الكتاب الضخم االذي يتكون من 25 مجلدا ضخما لان تلكم الاجزاء تثير الحساسية بين الشيعة والسنة . وفي موقف اخر يقول (من يتكلم عن الشيعة والسنة لا هو من الشيعة ولا من السنة ولا هو من الاسلام) .
انهم يعرفون دقائق الامور (الامريكان) وقد استعملوها في حربهم ضد الفرد العراقي في اعمق نقطة من داخل نفسه ضد حليف الامس صدام حسين الذي يستعملون اعوانه اليوم ضد نفس المواطن المستلب .
اننا نعرف بان هذه الدراسات والمقالات والاعتراضات لن تحول دون تطبيق (قانون النفط والغاز) لان الاغلبية (الساحقة) في مجلس النواب تسندها الاثنيات الطموحة (الساندة) موافقة عليه ولكن كما سجل الشيخ كاظم الشيخ جواد الساعدي(3) اعتراضاته على السياسة سابقا نسجل نحن اعتراضاتنا على سياسة النهب والاستغفال وانهار الدم التي ولدتها اسفار انجيل بوش .
في حقل مهم من حقول دراسة الاستاذ فؤاد قاسم الأمير بعنوان (صيغ مشاريع تطوير حقول النفط) يعدد بعض الصيغ البديلة ويسجلها بالشكل التالي (أ/الصناعة المؤممة) (ب/الامتياز) (جـ/عقود اتفاقيات مشاركة الانتاج) والعقود الاخيرة هي اكثر العقود دموية (وهي المحور الاساسي للقانون الاتحادي والقانون الاقليمي. في هذه العقود يعتبر النفط ملك الحكومة عندما يكون في المكمن وكذلك يعتبر ملك الحكومة عند الانتاج "شكليا" ولكن للشركة حصة فيه عند استخراجه(4).
أما عندما يناقش العقود فيصفها على الشكل التالي (أولاً/عقد الخدمة مع المجازفة . Risk service Contract) (ثانياً/عقود شراء المباع . Buyback Contracts) (ثالثاً/عقود التطوير والانتاج . Contracts Development & production).
(أن عقود التطوير والانتاج مشابهة وقريبة جدا الى عقود المشاركة بالانتاج وهي تكون في بعض الاحيان فقط تلاعبا بالكلمات لتجنب ذكر عقود المشاركة بالانتاج غير المرغوب بها في الصناعة المؤممة وخصوصا في استغلال الحقول المكتشفة والموثقة والكبيرة مثل مجنون او غرب القرنة او شرق بغداد أو غيرها)(5).
أن الزواج الكاثوليكي الذي تم بين التكنوفراط السياسي في المعارضة وبين الدوائر الامريكية المسؤولة عن صنع القرار لا يفرقه الا الموت . وهذه النقطة يجب أن يعرفها المواطن البائس .
يصرح احد نواب رئيس الوزراء في ابي ظبي بتاريخ 10/9/2006 (أنا شخصيا افضل اتفاقيات مشاركة الانتاج وعلينا ان نضمن زيادة المنافع والايرادات لاقصى حد للشعب العراقي) ولكن البروفيسور توماس والده من جامعة داندي يقول عن هذه العقود (انها زواج مناسب .. فهي تعطي الحكومة رضى سياسيا وتعطي الشركات الاجنبية رضى تجاريا وتبدو الحكومة وكانها تدير المشهد ويمكن للشركة الاجنبية ان تديره من وراء تمويه التعبير القانوني الذي يرمز الى تاكيد السيادة الوطنية).
أما المواطن فله علب الصفيح الفارغة لكي يبني بها عش حياته الجديدة لانه ما زال ذلك السومري الذي يبني بالطين ويسقف بجذوع النخيل في الحين الذي دخل العالم في الالفية الثالثة منذ تسع سنين دموية تشبه الى حد بعيد قرون الظلام بالنسبة لنا .
فقرة دستورية مهمة يؤكدها الباحث في دراسته القيمة (نؤكد، لا يمكن تمرير هذا القانون دستوريا وبالتاكيد لا يمكن امرار القانونين ((الاتحادي والاقليمي)) سوية فهما متناقضين واذا تم ذلك سيكون بنظرنا استهزاء بالمواطن العراقي وستنقضه اية محكمة دستورية مقبلة)(6).
كما يشير الباحث الى فقرة مهمة اخرى (رفض الاستثمار الاجنبي في الانتاج واذا كان لابد من ادخال الاستثمار الاجنبي فيكون في العمليات النفطية اللاحقة للانتاج او الاستثمار في حقول صغيرة مكتشفة او في اراضي قد تكتشف فيها حقول نفطية لاحقا)(7).
أننا ازاء كارثة مستقبلية وبالتاكيد ستظهر نتائجها في السنوات المقبلة بعد أن يتم التوقيع والموافقة على قانون النفط والغاز الحالي ولكنها ستبقى كلعنة الفراعنة تلاحق المشرعين والموقعين والمنفذين لهذا القانون الذي يبيع دماء العراقيين وثرواتهم كما تباع الاكفان المستعملة .
هناك فقرة مهمة يشير اليها الاستاذ فؤاد في ص32 وهي تقارن بين القانون الاتحادي والقانون الاقليمي من خلال مفهوم ((عقود المشاركة بالانتاج والتلاعب بالالفاظ من اجل تمرير فقرات مهمة على الجمهور وهي (يتكلم (القانون الاتحادي) عن عقود التنقيب والانتاج) ولا يذكر (عقود المشاركة بالانتاج) بينما المفهوم الواضح بالقانون عن عقود التنقيب والانتاج هي نفس مفهوم (عقود المشاركة بالانتاج) المعروفة عالميا بينما ((القانون الاقليمي كان واضحا وبدون لف استعمل التعبير الصحيح . وهو (عقود المشاركة بالانتاج) )). نرى وضع ما يراد بصراحة اذا كانت (عقود التنقيب والانتاج) تختلف عن المشاركة بالانتاج فالمفروض ان يوضح المعنى والفرق بالقانون .
يختم الاستاذ فؤاد دراسته بالفقرة المهمة التالية ص34 (من كل ما جاء اعلاه نرى ان وجوب اصدار قانون اتحادي (للنفط والغاز) الان لا يمثل اجندة عراقية ملحة وانما يتم بضغوط مختلفة تخدم اجندة اجنبية . من المهم اصدار (قانون اتحادي) ولكن بعد حل المشاكل التي طرحتها في هذه الملاحظات وفي ظروف طبيعية يكون فيها العراق في وضع أمني ونفسي سليم للوصول الى قانون سليم) .
مع احترامي وتقديري العالي لاستاذنا الفذ فؤاد الا انني ارى بانه يختلف في طرح فقرته الاخيرة (وهي مهمة جدا) عن طروحاته السابقة التي يؤكد فيها ان ما يجري الان من تآمر واحداث دموية وفقدان للامن هو من اجل تمرير قانون النفط والغاز وهو بالمحصلة النهائية سبب لكل ما يجري وليس نتيجة .
(جملة اعتراضية) يقال بان تركيا ضيعت قبرص من تحت سيادتها نتيجة كلمة انكليزية كان يتضمنها الاتفاق التركي الانكليزي لم يفهمها المفاوض التركي وكانت السبب في كارثة – بالنسبة لتركيا – استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى الان كما لا تزال نتائجها السلبية تنعكس على كل الاتفاقات التي تطمح بموجبها تركيا للدخول الى الاتحاد الاوربي . أن ما يجري الان (خلف السدة) من تفاوض غرضه استغفال الانسان العراقي تستعمل به اللغة الانكليزية في الكثير من صيغه وفقراته . لقد اصبح من أولى الموجبات هو ترجمة كل اسفار انجيل بوش لكي لا يضيع العراق مرة اخرى كما ضاعت قبرص نتيجة كلمة انكليزية لم يفهمها المفاوض التركي .
الحواشي:
(1) هذه مجموعة مقالات حول الدراسة القيمة (مسودة النفط والغاز) التي اصدرها الاستاذ فؤاد قاسم الامير ونشرت على مواقع عديدة في الانترنيت بالعربية والانكليزية .
(2) مجلة نيوزويك العدد 15 اغسطس 2006 ص38 .
(3) الشيخ كاظم الشيخ جواد الساعدي هو أحد الشخصيات الدينية والسياسية وكان يراس تحرير صحيفة (الفيحاء) في سنوات الستينيات .
(4) الدراسة ص22 .
(5) المصدر نفسه ص21 .
(6) الدراسة ص25 .
(7) المصدر نفسه ص27 .



هناك .. خلف السدة .. شرقي بغداد
عبد الهادي فنجان الساعدي
سياسي واحد فاشل توصله اربع سيارات حماية بايدهم السلاح وهو موجه نحو المواطن صفر في الحين الذي يترك التكنوقراط والاكاديميون الجامعيون لتدمرهم اسلحة التخلف والمخابرات الاجنبية. انه نفس النمط الحياتي الذي كنا نعيش فيه ونمارسه حين نضع الاحذية في معارض زجاجية انيقة في الحين الذي نعرض فيه الفاكهة والماكولات التي ناكلها ليزاحمنا عليها الذباب(1)
يطلب مني الكثير من الاصدقاء ان اربط فقرات ما اكتب !! ما ذنبي اذا كانت الامور لا تتمتع بهذه الصيغة العادية .. أن الحياة فنتازيا حد السخرية كما ان المشكلة ليست فيما نكتب بل بمالا نكتب ومالا يكتب اكثر مما يكتب !!
في مراجعة مقرفة لاحد مستشفياتنا الحالية ذكرتني بحادثة نقلها احد الرحالة الانكليز في كتاب غرترودبيل (أن ثمة رحالة بريطاني كان قد زار في مناسبة معينة قبل اندلاع الحرب مستشفى تركيا عسكريا في الموصل . وقد وجد ان السجل الرسمي لهذه المستشفى قد بوبت محتوياته وفق اربعة محاور هي كالاتي : الدخول : الخروج بعد الشفاء : الوفيات : الهروب من المستشفى . وقد شملت الصفحة الأخيرة من هذا السجل المعلومات التالية : عدد الذين دخلوا الى المستشفى : ستة : عدد الذين تم اخراجهم نتيجة تماثلهم للشفاء : لا يوجد : عدد الموتى : اثنان : عدد الهاربين : أربعة !!!(2)
اين الربط في جدلية العلاقة بين ما يحصل عليه ممثل الشعب .. وما يحصل عليه المواطن صفر .. انها فنتازيا ساخرة.. مرّة .
لفتت انتباهي حالة مريرة جدا وهي كثرة المشاركين في مسابقات المعوقين من العراقيين ، وكان بودي ان اسال أي مواطن عراقي معوق هل هو خريج السجون العراقية الخاصة ام الحروب العراقية الحديثة ؟!!
ميزانية الاردن الشقيق سبعة مليار دولار فقط وميزانية سوريا الشقيقة حد اللعنة تسعة مليارات . أما ميزانية العراق لعام 2007 فهي تسعة وثلاثون مليار دولار وما زالت الحالة العراقية كاللغم الذي في باطن الارض لا تدري متى ينفجر فيدمر ما فوقه.
لا أدر ي ما الذي اوصل المواطن العراقي الى هذا المستوى المتدني في الاقتصاد مع العلم انه كريم وسخي وأمين – بشكل عام – وهي كلها صفاة الهية فهل ان الاله يقبل لشبيهه أن يموت كمدا في الحين الذي يتقلب ثله من التافهين في اجمل الافرشة ويترأسون اللجان التي تحاول تقرير مصير المواطن الذي اوصلوه الى مرحلة الصفر والذي يتقلب بين نيران التفجيرات والاغتيالات التي تتخذ مختلف الصيغ والاشكال .
(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، أن اكرمكم عند الله اتقاكم)(3).
أحد معلمينا القوميين في الابتدائية حوالي سنة 1959 كسر واقية القلم الجاف بصورة تدل على الحقد والتشفي لانها كانت حمراء !!
لقد رضينا بالقليل ومع ذلك فلقد جاءوا اخيرا كي يتقاسموا معنا هذا القليل بصيغ وقوانين هم وضعوها في مجالس ومؤسسات لا تعرف الرحمة .
(انتحار فتاة عراقية في الشيشان)(4) .. أنها ليست الشيشان الروسية انما هي الشيشان العراقية احدى مدن الصفيح التي تشكو من نقص حاد في كل مستلزمات الحياة .. كم من المقاتل تقع في حي طارق وحي النصر والشيشان وسبع قصور والاحياء التي بدات تنمو حول المزابل ومقالع الطين ومعامل الطابوق ..(بحار.. بحار من الشكوى والدموع .. والدم)(5) وكأننا نعيش في ضفتين تفصل بينهما صحارى ومفازات لا يمكن اجتيازها .. لقد نمت احياء ومدن جديدة كالطحالب البحرية دون ان تحسب لها الحكومة او أي منظمة انسانية حسابا. انها مدارس مستقبلية تبشر بسقوط ما بقي من بنية تحتية لاي بناء حضاري وهي في نفس الوقت نفس الاماكن التي خرجت منها ومن شبيهاتها التنظيمات السلفية والثورية الراديكالية . مدارس ومدارس تبشر بالثورة .. مدارس ومدارس تبشر بالبركان القادم بعد جيل او جيلين على اكثر تقدير. فهل سنكلف انفسنا عناء الذهاب لننظر الى التجمعات والاحياء التي تنمو بشكل كارثي (خلف السدة) .. ام سننتظر زحف الفيضان من خلف سدة ناظم باشا(6)؟!!
الحواشي:
(1) يقال بان احد الاجانب جلب انتباهه هذا السلوك العربي الغريب !!
(2) جيرترود بيل / من اوراقها الشخصية 1914-1926 تاليف اليزابيث بيرغوين تقديم عبد الرحمن منيف : ترجمة وتحرير وتعليق نمير عباس مظفر . ص114-115 .
(3) سورة الحجرات الاية 13 .
(4) صحيفة المدى العدد (961) الاحد 3 حزيران 2007 ص1 .
(5) من قصيد مراكب الامس / ديوان نبوءات مبكرة / دار المرتضى 2007 .
(6) سدة ناظم باشا تقع في شرقي بغداد / الرصافة .

 

 

 


وداعا كوردستان .. والى الابد ..
(الحلقة الأولى)
عبد الهادي فنجان الساعدي
نتيجة الظروف الامنية التي تمر بها العاصمة بغداد نصحني بعض الاصدقاء بالسفر . وقد قررت السفر لفترة قصيرة بالرغم من كل الجذور القوية والعميقة التي تربطني بمكاني وبمدينتي وباهلي وباعمالي وبالقراءة والكتابة والصحيفة وبكل البرامج التي كنت قد رسمتها للايام القادمة لغرض الوقوف الى جانب هذا الانسان العراقي المكافح والذي يقف عاريا على رصيف ساخن في درجة حرارة تفوق احتمال الانسان في أي مكان في العالم .
عندما خيروني اخترت كوردستان الحبيبة للسفر والاستجمام ولانحيازي الشديد نحو بلدي . موضوعنا هو كوردستان وبالرغم من كل ذلك فقد ذقنا الامرين حتى وصلنا مطار بغداد .. تلكم المعضلة التي تحتاج الى ربطها بكل عناصر التخلف واسبابه واعطاء النتائج لنجد أن السفر بالطائرات وصل درجة الصفر بالمعدل العام للتقدم في كل انحاء العالم .
في الوقت الذي تفتخر كل شركات العالم بانها تمتلك مواعيد سفر مضبوطة (We have exacte table time) نفخر نحن باننا نستطيع ان ننزل أربعة ركاب من طائرة لان اربعة ركاب غيرهم قد تم دسهم في قائمة المسافرين من قبل احد الموظفين بحجة انهم يحملون جوازات سفر دبلوماسية او انهم بمهمة امنية او حتى بدون حجة ودون اعطاء أي تفسير لان الانسان في هذا البلد مسلوب الارادة والكرامة وفي بعض الاحيان يحيا في العراء من دون أي سقف .
عندما عرضوا علي تقديم موعد السفر في الطائرة العراقية المتجهة الى اربيل (والعملية لم تتم اصلا) رفضت ذلك لانه يتم على حساب ركاب اخرين وسالتهم هل هي (TATA) أم (KIA).. قالوا أردأ !!
خرجنا من حصار بغداد لندخل في حصار اربيل اذ يتم التدقيق في هويات المسافرين . كان بعض الموظفين في مطار اربيل دبلوماسيين اما البعض الاخر فكانوا يذكروننا بايام البعث وروح الشك التي تصاحب نظراتهم وحركاتهم وقد ذكروني بالجملة الانكليزية المشهورة التي كنا نتداولها في تلك الايام
(you are looking for me by accusing eyes) انك تنظر لي بعيون متهمة . وقد سالني احدهم عن كلمة (جيش القادسية) التي كانت تثبت على هويات الاطفال الذين يولدون ايام (القادسية الثانية) الحرب العراقية الايرانية :- جيش القادسية .. قلت : لم نحصد من القادسية ولم نزرع في اليرموك .
سلمنا هؤلاء الموظفين الى باصات نقلتنا من الصالة الى ساحة في المطار فيها سيارات خاصة للمستقبلين اخذوا اقرباءهم وبقينا نحن تحت الشمس اللاهبة لمدة نصف ساعة جاءت سيارات (تكسي المطار) حيث نقلنا شخص – وكالعادة – تعمد عدم معرفة عنوان الفندق الذي نريد النزول فيه واخذنا الى فندق اخر (كوشكى شاهان) . وهذا الفندق يعتبر من فنادق الدرجة الأولى السياحية الا انه يعتبر مصيدة للمغفلين والذين اخذهم التعب وقسوة الطريق .
ذكرني ذلك بأحدى السفرات في السبعينيات عندما نزلنا في مطار لندن حيث وجدنا حافلات لندن الشهيرة الحمراء وقد اوصلتنا الى قلب المدينة بسعر بطاقة رخيص جدا . وقد حاولت المقارنة بين الامم التي تخلق سياحة في بلدانها وبين الامم التي تدمر نفسها تدميرا ذاتيا. كانت اجرة المنام في كوشكى شاهان (50) الف دينار لليلة الواحدة لغرفة بسريرين فقط وعندما يكون العدد اربعة فمعنى هذا أنك ستدفع (100) الف دينار في كل ليلة مع الافطار حيث كان الافطار (بيض مع جبن مثلثات) . وقبلها في احد فنادق الناصرية بمناسبة مهرجان الحبوبي كنا نفطر في كل صباح (بيض مع جبن مثلثات) وقد تكررت هذه الحالة في فندق الفرقدين السياحي بعد ذلك بمدة في مهرجان المربد التربوي الشعري حيث كان الفطور (بيض مع جبن مثلثات) وهذه الحالة تكررت في معظم فنادق دهوك التي نزلنا فيها حيث يقدم الفطور (بيض مع جبن مثلثات) وقد ذكرني ذلك بطريفة من ايام الدراسة الثانوية اذ كان احد الطلاب مولعا بجملة انشائية هي (الماء والخضراء والوجه الحسن) وكان يكتبها في كل انشاء وفي أي موضوع مثل (صف سفرة مدرسية) أو (حديقة عامة) أو (كيف قضيت العطلة) يذكر هذا الطالب جملته المشهورة حتى ضاق المدرس فكتب على السبورة (موضوعنا لهذا الاسبوع في الانشاء هو (صف الجحيم) ) فكتب ذلك الطالب وصفا دقيقا للنار وبان الجحيم محرقة وهنالك انواع عديدة من العذاب في الجحيم وهي النار المستعرة والحميم والعذاب النفسي والجسدي وهي عكس الجنة التي فيها (الماء الخضراء والوجه الحسن) .
عندما فاز (ليش فاليزا) رئيس اتحاد النقابات البولونية الحرة ومجموعته السياسية في الانتخابات واصبح رئيسا لجمهورية بولونيا صرح بعد مدة بانه ومجموعته قد ارتكبوا خطا في استلام الحكم في بولونيا اذ ان الحكومة السابقة كانت توفر للشعب (500) نوع من الأجبان فكيف سنوفر للشعب هذا العدد الهائل من الاجبان .. ولم تكن هذه هي المعضلة الوحيدة التي واجهتها حكومة ليش فاليزا في بولونيا .
في فرنسا يوجد اكثر من (500) نوع من انواع (الجبس) وعندما اردت تعداد انواع الجبس الموجود لدينا لم استطع تجاوز العدد (10) عشرة .
عندما قال الرسول (ص) (احمل اخاك على سبعين محملا) حاولنا ان نعدد المحامل فلم نستطع ان نتجاوز العدد (17) فكم هي سعة التسامح في قلب الرسول وكم هي ضيقة هذه المساحة في قلب امة الصحراء .
عند ذهابي الى (كراج الشمال) نصحوني بالذهاب الى المكاتب الخاصة بالنقل وهناك التقيت صاحب المكتب (هلمت) الذي نصحني بعدم المجازفة والسفر الى دهوك اذا لم يكن لدي (كفيل) من الاسايش (الامن) او كفيل يقبل به جماعة الاسايش . وعندما اريته هوية الجريدة وكتاب التوصية باللغة الكوردية شكك بنجاح الفكرة وقال (حاول) .
الطريق الاعتيادي اجرته تختلف عن الطريق الثاني (طريق الضيوف) . اجرة الطريق الاعتيادي بين اربيل ودهوك هي (60) ستون الف دينار اما اجرة الطريق الثاني فهي (80) ثمانون الف دينار ولأني صحفي جعلوا الاجرة (70) سبعون الف دينار ولا علاقة للاجرة بنجاح السفرة او فشلها (الاكيد) بنظرهم .
السائق ازاد كان شابا لم يتجاوز الثلاثين من عمره يتكلم الكوردية وقليلا من العربية . ما لاحظته هو ان كبار السن يتكلمون الكوردية والعربية بطلاقة . اما اجيال الشباب من سن عشرين سنة فما دون فلا يتكلمون العربية بتاتا . الاسباب والموجبات تحتاج الى مراجعة طويلة – سياسية ووطنية – وجادة لان هذا الجانب يشكل خطرا اكيدا على الاجيال القادمة في علاقة القوميتين العربية والكوردية .

 



وداعا كوردستان .. والى الابد ..
(الحلقة الثانية)
عبد الهادي فنجان الساعدي
كان الطريق بين اربيل ودهوك يحتوي على سيطرات كثيرة لم نستطع عدها الا أن المهمة منها والصعبة هي ثلاث سيطرات بحيث ان في كل تقاطع سيطرة وفي كل شارع طويل العديد من السيطرات والمدن العربية والكوردية متداخلة كتداخل العلاقات العربية والكوردية وكانت المدن الكوردية اكثر نظافة وترتيبا من حيث الارصفة والتبليط والتشجير واجمل ما في المدن الكوردية هي مداخلها ومخارجها التي تدل على العناية الشديدة والذوق الجميل .
كانت هناك سيطرة تسمى سيطرة (الشيخان) وهي من اصعب السيطرات واكثرها دقة وتفتيشا وقد اوقفونا بأمل ان نرجع الى اربيل لاننا لا نحمل الكفالة واخذوا كافة الهويات والاوراق الثبوتية وبعد نصف ساعة خرج الضابط وهو شاب في الثلاثين من العمر ويتكلم الكوردية والعربية فقلت له بانني صحفي في جريدة الاهالي فقال : لولا انني اعرفك واقرا مقالاتك الجريئة لما سمحت لك بدخول دهوك .. ثم صاح على السائق واوصاه ان يذهب بنا على طريق الضيوف وهو طريق وعر وقد دمرته الشاحنات الكبيرة وصعوبته تتمثل في العشرين كيلومتر الاخيرة . لقد كان هذا الضابط يمثل الجانب الايجابي من هذه الرحلة وهكذا يثبت الجانب الثقافي تفوقه على الجانب السياسي لانه الاجدر والاكثر صحة وفعالية .
كانت هناك سيطرة قبل الشيخان او بعدها ايضا لاقينا فيها الامرين في التفتيش واخيرا وصلنا الى اخر سيطرة قبل الدخول الى دهوك وهي سيطرة المصير .. حيث فتشوا السيارة تفتيشا دقيقا وفتشونا ايضا تفتيشا دقيقا ثم اخذوا الهويات والاوراق وقد اعطيتهم هويتي الصحفية .. فسالوني : هل هي مهمة صحفية .. هل انت قادم لكي تكتب عنا ؟ قلت : لا .. أنها زيارة لمكتب الجريدة في دهوك .. ولم نسمع كلمه : تفضلوا مع السلامة .. حتى تغير كل شيء .. وكانت الزيارة بالفعل لمكتب دهوك ومدينة دهوك .. ولم تكن بقصد العمل .
بعد هذا المكان مباشرة .. وصل مضيفنا الاستاذ رئيس التحرير واستلمنا من السائق .. شكره بالكوردية ورحب بنا بالعربية ثم بدأت رحلة الداخل . في هذه الاثناء سالني عن السفرة قلت بانها (ولاده) !! . حيث لم نصدق باننا وصلنا الى هذا الجزء من اجزاء بلادنا .. وكاننا مسافري التهريب الى بلد اخر .
رحلة الداخل حوالي ثلاث ساعات حيث نزع مضيفنا روح المدينة وارتدى روح المضيف الريفي الذي يحاول ان يبذل اقصى ما لديه من الخدمة . واخذنا على طريق جبلي يكثر فيه الصعود والنزول والاستدارات والاشجار والزرع والجبال والمياه والسدود حيث تحس بانك تتجول في مجاهل لم تالفها من قبل من الاراضي التي لا تنتمي الى هذه الصحراء القاحلة .. وبعد فروض الضيافة من الاكل والاستراحة اعادنا مضيفنا الى دهوك عن طريق اخر اكثر استقامة واكثر سهولة من الطريق السابق وشرح لنا الكثير من تاريخ المنطقة وكفاح البيشمركة والمواقع السياحية المهمة والطرق التي تؤدي اليها ثم عدنا للحجز في الفندق والاستراحة حتى يحين المساء .
عندما حان المساء ذهبنا الى (مازي). وهذا البناء الحديث يمثل دار استراحة متكاملة حيث فيه اسواق مركزية وكافتيريا يحيط بها اللون الاخضر من الحشيش والاشجار الجميلة اضافة الى مكان مسقف ولكنه مفتوح على هذا المحيط الاخضر وعلى مرأب للسيارات كبير جدا ومسيج بسياج من الاشجار الجميلة وبعده سياج حديدي ذي اشكال رائعة .
اهم شيء .. انك تشعر بالامان وتستطيع أن تسهر الى ساعة الاغلاق . ولكن هذا الامان كان ثمنه غاليا حيث ان كوردستان اشترت القليل بالكثير فقد انتهت السياحة الخارجية وبقيت السياحة الداخلية لابناء كوردستان وعوائلهم فقط وعوائل عربية قليلة جدا كانها جالية صغيرة تعيش في بلد غير بلدهم .
نظرة الاجيال الكوردية الجديدة هي غير نظرة الاجيال الكوردية القديمة حيث تجد الغرابة والدهشة في العيون الشابة اما الاجيال القديمة فتجد فيها الشفافية والود القديم الذي يربط الاجيال العربية والكوردية برباط الاخوة القديم البسيط . ونجد ذلك في سائق السيارة القديم والبائع كبير السن وكانهم يستنشقون عبير التاخي القديم الجميل .
بجانب (مازي) كانت هناك مدينة العاب حديثة ومتقدمة وهي غير مدينة الالعاب القديمة التي تشبه الى حد بعيد حديقة الزوراء في بغداد . أما الجديدة فهي مدينة العاب غربية وفيها انماط جديدة وغريبة من العاب التسلية .
في اليوم التالي افطرنا في الفندق (بيضا وجبن مثلثات) ثم سافرنا الى المصايف حيث مصيف سولاف الجميل وكنا قد رايناه قبل حوالي 30 سنة فكانت انفاس الجبل التي تتردد في خرير الماء منذ الابدية وحتى الان .. ولكن المجرى اختلف حيث تم رصفه بالحجر والكونكريت وكان مصيفا رائعا جدا الا انه يشكو قلة السياح وخصوصا في الصباح والظهيرة اما في المساء فتاتي العوائل الكوردية الى هذا المكان الجميل الذي ينبع قريبا من اعالي الجبال (سولاف .. ايتها الانشودة الجميلة التي بدات ولم تنته) .
أما العمادية فهي مدينة معلقة في اعلى الجبل وهي من مدن كوردستان العجيبة الا انك ستشعر بعد ان تصلها بانها مدينة اعتيادية لا تختلف عن باقي مدن العراق او كوردستان بشيء ولكن يعوزها برج عال يتمتع بالسكن فيه السياح لانه يطل على اجمل بقاع العالم . بين سولاف والعمادية هناك مشروع فندق سياحي حيث تم زرعه في مقدمة الجبل بمواجهة الوادي والمشروع ينم عن ذكاء وذوق سياحي لمصممه .
لن تستطيع الكلمات ان تصف سولاف رغم بساطتها فهي تحمل عمق الانسان الكوردي وبساطته وشفافيته ومعاناته من بيع الكثير بالقليل . انها تشكو فراق الاحبة في ظل حصار كوردستان من اجل الامان .
لقد تركوا سرسنك ، ذلك المصيف الرائع الذي قضينا فيه اجمل ايام شبابنا حيث قضينا فيه سبعة من ايام العسل الثمانية (سرسنك .. اه ايتها المدينة التي كانت شاهدة على الكثير من افراح العراقيين وبارودهم ودمائهم) .
عندما عدنا الى دهوك – المدينة، عدنا الى محطة الاستراحة (مازي) الذي كان محطة للاجساد التعبة . وفي اليوم التالي افطرنا على (بيض وجبن مثلثات) ونحن نغني (الماء والخضراء والوجه الحسن). زرنا مكتب الجريدة في اليوم التالي وكانت التهيئة لاصدار العدد الجديد جارية وهيئة التحرير منهمكة كالعادة في هذا الاصدار حيث يتركز العمل في هذه الايام وياخذ منحى الجدية . بعد ذلك ذهبنا الى (مازي) وعدنا لنتعشى في المدينة حيث تختلط اسماء الاكلات بغريبها .
في اليوم التالي تهيأنا للسفر الى اربيل حيث كنا في الليلة السابقة قد اتصلنا بازاد سائقنا القديم فرد علينا بانه سياتي في العاشرة صباحا لينقلنا من دهوك الجميلة التي رأينا فيها ان نسبة البناء والتطور هي تقريبا 30% اما نسبة الغلاء فهي 300% حيث ان سعر البانزين التجاري (1250) دينار للتر الواحد . اما الحكومي فيستطيع السائق ان يحصل على 40 لترا في الاسبوع بالسعر الحكومي لقضاء اشغاله الضرورية . بقية المواد تتراوح فروقات اسعارها عن باقي مدن العراق بالضعف او الضعفين بشكل عام .
في حديث لوزيرة الاعمار بيان دزه ئي ظهر في تلفزيون العراق بان هناك 500 شركة تركية تعمل في العراق وعند التاكيد على مناطق عملها قالت انها تعمل في كوردستان حصرا عدا شركة واحدة تعمل في تلكؤ في احدى مدن الجنوب !!
لم نشاهد الا القليل من الشركات ولم نشاهد الا القليل من الاعمار. اين هي النهضة التي بشرونا بها وقالوا بانهم سيبنون العراق كما بنوا كوردستان . اعتقد بان المسؤولين في كل هذه المنطقة المحصورة بين قوس الاطلسي وقوس الصين هم تجار كلام فقط .. فلقد رايت بعيني وسمعت باذني ولن اكذب ما رايت او ما سمعت !!

وداعا كوردستان .. والى الابد
(الحلقة الثالثة)
عبد الهادي فنجان الساعدي
يقال بان العيش في سوريا في شقة يكلف في اقصى الحالات (250) الف دينار في الشهر أما نحن فقد كلفنا المبيت فقط في كوردستان لسبعة ايام اكثر من (500) الف دينار عراقي . يقول الامام علي (ع) (اللهم اعذنا من وعثاء السفر) . واشهد باننا شهدنا وعثاء السفر الذي انسانا جمال الطبيعة في كوردستان الحبيبة.
في طريق العودة من دهوك الى اربيل وكذلك من اربيل الى المصايف شاهدنا الكثير من المزارع والبساتين والاراضي الزراعية المسيجة باسيجة حديثة .. وهناك تذكرنا مزارع عدي وقصي وسجودة وبرزان ووطبان والحاشية الكريمة وكل املاكهم ومزارعهم التي تركوها لياكلها من جاء بعدهم (باردة) وليعيد التاريخ نفسه على شكل كوميديا سوداء .
لقد سن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قانون (من أين لك هذا) ولكن هذا القانون الانساني للاسف لم ياخذ مجراه وإلا لأخذ كل ذي حق حقه .
عدنا الى اربيل وصعدنا الى القلعة الشهيرة التي بدت اكثر مبانيها ايلة الى السقوط وبالخصوص المباني التي تشكل سياج القلعة حيث جرت ترميمات عديدة في العهود السابقة ولكنها تركت في الفترة الاخيرة ولا ندري ما المقصود .. هل هو الاهمال ام عدم الاختصاص .. أم انها تعود الى امة غير الامة العراقية . ان الالم يعتصر الانسان وهو يرى اثاره التي تمثل كيانه الحضاري تنهار وكأن البلد لا أهل له .
في اليوم التالي ذهبنا الى المصايف في اربيل وكانت تمثل الجانب الساحر من هذه المدينة الجميلة وكانت كذلك تشكو فقر السياحة وقلة السياح في هذه المناطق الرائعة . ذهبنا الى شلالات بيخال الهادرة ومالا حظناه هو انقضاض اصحاب المرافق السياحية على هذه الشلالات الجميلة وتغطيتها بالمسقفات التي حجبت الكثير من جمالية هذه المياه التي تهدر منذ الازل . اما الاسعار فكانت عالية جدا ازاء خدمات فقيرة بحيث ان الاسعار كانت تساوي سعر الكراسي والمنضدة التي كانت توضع للسياح دون ان يكلف العمال انفسهم عناء النظافة والترتيب .
جمال فائق يقابله جهل في استغلال هذا الجمال وتحويله الى قطعة من المرافق السياحية المتطورة . كل هذه المظاهر تدلل على عدم وجود حس سياحي او تجاري متطور . انها الحضارة.. كيف تولد .. وكيف تموت !!!
عدنا بعد ذلك الى شلالات كلي علي بيك الشهيرة ولم يكن بجمالية شلالات بيخال الكبيرة . كان شلالا واحدا يهدر والجميع يستمع الى هذا الهدير الجميل . هناك مسقفات وغرف بدائية يعوزها الكثير من الوعي السياحي والفكر التجاري . اعتقد بان السبب هو عدم تشجيع السياحة . ومنع المرور الى كوردستان لغير الاكراد من قبل السلطات بدواعي امنية في زمن فقد فيه الوعي الامني والوازع الوطني والمعالجات الامنية كانت بدائية ولا تتسم باي حس حضاري . فهاهي اوربا تتلقى التهديدات والتفجيرات ولكنها لم تضع هذا العدد الهائل من الكتل الكونكريتية. والسيطرات الامنية التي تدمر الانسان واقتصاد البلد وتعيده الى قرون انسان نياندرتال وعصر الكهوف .
ذهبنا بعد ذلك الى مدينة شقلاوه وهي مدينة حديثة رائعة بكل مفاصلها الحياتية وكانها ليست تلكم المدينة القديمة ذات الطابع الجبلي . تقع على سفح جبل رهيب وتنحدر الى وادي جميل وهي نائمة طيلة فترة الصباح والظهيرة ولا تستيقظ الا في المساء فتراها مدينة مكتظة بكل انواع الخدمات وتلتقي هناك بالوجوه الجميلة التي انحدرت من الوسط والجنوب نتيجة التهجير وفقدان الامن لتختلط بوجوه ابناء كوردستان الحبيبة والقريبة الى القلب طلبا للعيش والامان الذي وفرته سلطات كوردستان مقابل القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد (للسياحة) واقتصاد البلد .
عندما تغادر أي مرفق او مدينة من هذه المدن الجميلة فبالتاكيد تحس بانك تترك قلبك وكل احاسيسك هناك . (شقلاوة .. ايتها المدينة الرائعة اعيدي لي قلبي الذي تركته في شارعك الوحيد الجميل).
كلما حاولت أن تنسى وتتفاعل مع هذه المدن الجميلة والطرق الساحرة ، تتذكر فجأة (عجوز منببج)(1) وتتأسى ، وفجأة توقظك سيطرة تدفع لها الكثير من راحة اعصابك وتحرق الكثير من دمك القليل .
لقد المتني معاملة المسؤولين في احدى السيطرات فهم لا يقرأون العربية ولا يقراون الكوردية وكانهم آتون من احدى قبائل الزولو . لم استطع التخلص منهم الا بعد أن جئنا بمترجم يتكلم الكوردية بلهجة غير اللهجة التي يتكلم بها سائقنا ، وقال لهم باننا ذاهبون الى جهنم فاتركونا .. وعندها تركونا نرحل دون عودة .
لقد لاحظنا بان المناطق التي ليس فيها مرافق سياحية وهنالك مناطق ساحرة اكثر من المناطق السياحية ولكن لعدم وجود الماء لم تصبح سياحية وهنا ذكرت الاية الكريمة (بسم الله الرحمن الرحيم وجعلنا من الماء كل شيء حي)(2).
بالامكان استغلال هذه المناطق للتسلق او اية فعالية سياحية اخرى وتوفير الماء اللازم لها او نصب (تلفريك) بين الوديان والجبال لاحياء السياحة. ولكن الظاهر ان هذا البلد .. لا اهل له .
في الطريق بين لبنان وسوريا محطات استراحة صغيرة وخصوصا في الجانب اللبناني من الطريق كانت تمتلك كل مقومات المدينة المصغرة حيث تجد كل انواع الماكولات والمعلبات والمشروبات والدخان والكماليات والمقبلات وتحس بانك تنزع جلدك لتلبس جلدا اخر اكثر شفافية وراحة .. اما القائمين على الخدمة فيها فهم يملكون حس الفكاهة وروح النكتة وعنصر الحكمة في السكوت والاجابة. انهم سكان الموانئ وورثة اجيال خلقت السياحة والتجارة والسفر وصنعتهم اقناع الناس بالتعامل معهم بروح الحضارة وتعليم الاخرين (الصنعة) دون معلم.
لم اجد انسانا واحدا في كل هذا البلد يمتلك هذه المواصفات لكي يعلم الناس (الصنعة) دون معلم . لقد بدأنا نتعلم القتل العمد لكل ما هو جميل وانساني في حياتنا وفي بلادنا وفي نفوسنا من دون معلم .
عندما ذهبنا الى اربيل في الطائرة كنا قد قطعنا تذكرة للذهاب والاياب ولكن عند العودة لم نستطع الحجز في الموعد الذي تنتهي فيه اجازتنا ولذلك الغينا حجز العودة وعند مراجعتنا لمكتب الخطوط الجوية العراقية في بغداد قالوا بانهم يستقطعون (25) دولارا عن كل تذكرة عند الغاء الحجز عن الرحلات الداخلية و (50) دولار عن الرحلات الخارجية . هل عدنا الى عصر الجزية أم هي (كوده) ورثناها عن العثمانيين أنك لتقف عاجزا ازاء هذه التصرفات البائسة لمؤسساتنا الحكومية في استغفال الناس والاستهانة بهم وهذا مما يدل على عدم احترام انفسهم وقراراتهم والذي ينعكس على عدم احترامهم للاخرين . سمعنا التهليل الذي صدر في الصحف عن اجراء تخفيض 50% عن التذاكر للصحفيين ولكن لم يكن هناك أي صدى لهذا القرار في مكاتب شركة الخطوط . فهل ان الوزير يكذب ام ان النقيب يكذب ام ان العشو اصاب عيوننا !!
الحياة اخذ وعطاء .. اما ان تاخذ كثيرا لتعطي قليلا فهذا هو الاجحاف بعينه وهذا ما حدث في كل مراحل سفرتنا البائسة الى كوردستان .
سألنا عن الامان في الطريق البري فقالوا بان طريق الموصل غير امن اما طريق كركوك بغداد فهو امن قليلا، اسعار النقل قبل الساعة التاسعة صباحاً هي غير الاسعار بعد التاسعة والنصف حيث يخلو الكراج من سيارات اربيل بغداد ولتذهب الى كركوك ثم الى بغداد . السيارات معظمها غير مكيفة والطريق بائس والتفجيرات تركت اثارها على جوانب الطريق كما قطعت الجسور الصغيرة والقناطر فضلا عن المناظر التي تدمر الذاكرة حيث تم تدمير كل ابراج الكهرباء بين كركوك وبغداد وكأن البلد لا اهل له .
وصلنا بغداد في طريق يقال بان اللحظات تحكمه وليس الساعات ففي أي لحظة من الممكن ان تقف امامك مجموعة من الملثمين قد تغير مسار حياتك بمعدل 180 درجة على مقياس الدائرة.
وصلنا بغداد واحتضنا ترابها المليء برائحة الدم والبارود ثم التفتنا الى الوراء فالتفت السائق من دون ان يعرف السبب ولم يكن يعرف باننا نتمتم مع انفسنا (وداعا كوردستان ومن الممكن ان تكون الى الابد) .

 

أمة تحتضر
عبد الهادي فنجان الساعدي
خطفت مجموعة مسلحة ثلاثة شبان على طريق العظيم وهم في شاحنتهم وطلبوا الفدية من ذويهم. عندما اطلق سراحهم قالوا بان الذين خطفوهم ارغموهم على ان يصلوا مثل صلاة الخاطفين لان ما يخالف صلاتهم باطل !!!
يقول الرسول "ص" (لا يجوز ترويع المسلم وروعة المسلم ظلم) .. كيف تتلاءم الصلاة الصحيحة .. مع الترويع واخذ الفدية من المسلم المحمدي ؟!!
قال لي جاري بانه في احد الايام راى شابا سكرانا الى درجة انه فقد طريقه الى بيته فطلب منه ان يدله على الطريق . وفي هذه الاثناء جاء شخص اخر وقال لجاري : كيف تدله على الطريق وهو سكران. لقد ارسلته الى شارع اخر . التفت الرجل السكران وقال له (من صلى وصام بلا معروف فلا صلى ولا صام) !!! وعندما اوصلته الى بيته شكرني الا انني كنت اكثر منه امتنانا لأنه اضاف لي حكمة انسانية لا يمكن انكار علاقتها بالاسلام العقلاني .
أحد الأخوة في دولة اجنبية قال لي في التلفون : كيف تتقاتلون بينكم والقران يبدا بكلمة الرحمن الرحيم (فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم)!!!(1) قلت له باننا امة تحتضر .
يعلق الكاتب ادونيس في كتابه المحيط الاسود ص (184) على النظام العراقي السابق (كيف امكن ان يحكم فكر ونظام في هذا المستوى من الانحطاط رؤية وتعقلا واستبصارا طوال ثلاثين سنة بلادا هي التي افتتحت كتابة التاريخ البشري) .
لقد فات الكاتب والشاعر الكبير أدونيس بان النظام السابق هو نظام بلا فكر، فلقد اثبتت التجارب ودراسة ذلك النظام بانه لا يمتلك أي نوع من انواع الفكر التي تؤدي الى سلوك يمكن الاشارة اليه او التدليل عليه .. انما هي مجموعة طروحات مبتورة ومستنسخة من الفكر القومي الالماني ومن خطابات فيلسوف الامة الالمانية (فيخته) ومن الفكر الماركسي ومن العديد من الطروحات الصينية وفي ظنهم ان اللغة الصينية ليست في متناول المترجمين . أن اغلب الطروحات الرومانسية القومية كان من الممكن ان تخدم مرحلة من مراحل الاستقلال الوطني الا انها لا يمكن ان تبني نظاما يؤسس لوطن او دولة تحمل في طياتها حضارات امتدت في المكان والزمان دون أن يحدها او يوقفها غير انهيارها الذاتي (ترى أهناك بلدان – كما تتهدم الابراج ... تتهدم هي كذلك؟)(2).
يقول أدونيس في نفس المصدر (تسكنني كلمة لكونراد يقول فيها (ان نقتل او لا نقتل تلك هي الحقيقة ، لا الايمان او الالحاد ، لا الغرب ولا الشرق ، لا الشمال ولا الجنوب ، فالمشكلة الجوهرية هي هذه : هل لنا الحق في ان نقتل انسانا) .. استطرادا: أي مستقبل يبنيه هؤلاء الذين يؤسسون حاضرهم بالقتل؟!!
هل يكتب لهذه الامة ان تعيش بعد هذه القرون من الاحتضار البطيء ؟!! لقد بدأت اشك بكل ما يقال عن مستقبل مشرق .. او الوان وردية .. أو زهور .. وحتى الكلمات لم يعد لها غير طقوس المآتم .
ايهود اولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية قال (قتلنا 300 فلسطيني منذ اختطاف الجندي الاسرائيلي لحد الان .. التصريح 29/10/2006 .
هل هناك امة تحتمل كل هذا القدر من القتل والاذلال وتمارس السبات ولا تفتش عن طريق الخلاص الا من خلال حمقاها .. (قتلنا 300 فلسطيني) .. من الذي قتلهم .. ايهود اولمرت أم من خطف الجندي الاسرائيلي .. وكان ليس هناك طريق للخلاص الا بالبندقية المجردة التي تشبه الى حد بعيد حاملها .. أو كأن حاملها هو الجزء البليد من الحديد البارد لهذه البندقية .
كنا نصف عامل البناء فنقول (عامل طين) .. في الحين الذي كان العامل في اوربا وامريكا يعمل في المعمل الذي يشكل جزءا مهما من حياة ومستقبل تلكم الامم . وحتى بعد أن تحول البناء من الطين الى الاسمنت والطابوق فما زال العامل عندنا يسمى (عامل طين) وعمال المسطر هم شريحة من افقر شرائح المجتمع واكثرها تحملا لذل الفقر وهجمات التكفيريين الدموية . لقد انحدرت المفاهيم الانسانية حتى لقد وصلت الى مرحلة التدمير الذاتي التي تمارسها مجتمعاتنا ضد نفسها .. انه ليس التيه ذلك الذي نمارسه ضد انفسنا ولكنه الانحدار السريع نحو الهاوية التي تقود الى مجموعة من الانحدارات نحو هاوية اخرى اكثر عمقا وظلمة (العامل التقليدي في مجتمع المعلوماتية صار يعمل في المصرف او في شركة حاسبات او مطعم او جامعة او في وكالة للخدمات الاجتماعية بدل العمل في مصنع للسيارات او معمل للحديد لقد تعاظم دور المعلومات والبراعة الذكية التي يمتلكها الاشخاص والمكائن المتقدمة بأطراد ، واحتل الجهد الفكري مكان الجهد البدني واصبح الانتاج معولما بعد ان فتحت تكنولوجيا المعلومات الرخيصة طرق انتقال المعلومات عبر الحدود القومية. بينما الغت طرق الاتصال السريعة بواسطة التلفزيون والراديو والفاكس والبريد الالكتروني الحدود التي كانت قائمة لحقب طويلة امام مجتمعات حضارية عدة)(3).
يقول نابليون (أما أن نكون ملوكاً او ان نكون عبيدا) وانني لاعجب لاصرارنا على ان نعيش الحالة الثانية ونمارسها كواقع بكل قناعة بالرغم من مظاهر الاصرار الكاذب امام الاخرين على اننا ملوك عبر التاريخ وما زلنا .. وبالرغم من وحل الهزائم .. وكوارث الذات العربية .
الحواشي:
(1) سورة فصلت الاية 34 .
(2) كتاب المحيط الاسود / أدونيس / ص189 .
(3) التصدع العظيم / فرانسس فوكوياما / ترجمة عزة حسين كبة / منشورات بيت الحكمة ص7 .

الجنرال غارفيلد(1)
والطبقة المستنيرة
عبد الهادي فنجان الساعدي
(في محفل باريس تصف "كلوتيلد" تجربتها في الاغتصاب حينما اغتصبها (ابرام غارفيلد) الجنرال الامريكي الذي كان رئيساً لمحفل باريس الكبير والذي اصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة الاميركية عام 1881 ثم تعرض لمحاولة اغتيال عام 1882 حين اطلق عليه الرصاص . وبعد أن تشافى من اصابته اغتيل سرا في العام نفسه بأمر من "بسمارك" السياسي الايطالي المعروف ، عضو الاخوية كما تقول الكتابات الكاثوليكية لان "غارفيلد" خان قسمه وتدله في عشقه "لكلوتيلد" ومضى قدما في مقاصده وغاياته الشخصية)(2).
عندما قام احد اعضاء اتحاد الادباء والكتاب في العراق(3) بالقاء مداخلته الشديدة التي تنم عن الم شديد مما يجري في العراق في الحين الذي يختار رؤساء "الطبقة المستنيرة" مجموعة من المثقفين وعلى راسهم الجنرال غارفيلد ليذهبوا الى عمان للاحتفال بافتتاح محفل جديد تحت مسمى (المجلس العراقي للثقافة) ، وقد سبق هذا الاحتفال جلسات واصبوحات في الاتحاد العام للكتاب والادباء في العراق لتابين هذا المجلس المنوي تشكيله خارج العراق لانه محفل لا تعترف به الطبقة المستنيرة في العراق لان تمويله سيكون مشبوها واعضاءه مشبوهين ولذا فقد ولد هذا المحفل خارج البلد ميتا .
كيف استطاع الجنرال غارفيلد أن يقود مجموعة من اعضاء (الطبقة المستنيرة) ليذهب بهم لغرض تعميدهم في محفل عمان المشبوه !!
"من ادرانا ان صحابيا سيقود الفتنة في احدى زوجات محمد/ أنبيك عليا / لو جئت اليوم / لحاربك الداعون اليك / وسموك شيوعيا/)(4).
(كذلك يحدد هؤلاء اهداف اخوية "الطبقة المستنيرة" التي تتلخص بالغاء الحكومات الوطنية والغاء الاديان جميعا باستثناء عبادة الشيطان)(5).
في ملف سابق لصحيفة الاهالي كنا نرسم ليقود الثقافي السياسي وقلنا بان اشور بانيبال هو اول قائد عراقي اشوري مثقف يقود السياسة عبر التاريخ لانه كان يمتلك اكبر مكتبة في عالم تلكم القرون التي قادت الدول العراقية فيها العالم لفجر الحضارة كما قلنا بان علي بن ابي طالب رابع الخلفاء الراشدين هو اول خليفة كوني يقود الثقافة الاسلامية ليطوع بها السياسة السائدة انذاك . وقد اعتبرنا القائد السوفيتي لينين هو اول من استطاع ان ينقل روسيا من القرون الوسطى الى القرن العشرين من خلال منهجة الفكر الماركسي ليحوله الى "الماركسية اللينينية" التي انشات دولة عظمى في القرن العشرين هي الاتحاد السوفيتي.
أن رسمنا لتاسيس منهج حقيقي يقود فيه الثقافي السياسي يستند الى ان (الثقافي) هو (كل) والسياسي (جزء) من هذا الكل فكيف يقود الجزئي ، الكلي . أن ثورة اعضاء اتحاد الادباء في مداخلاتهم كانت نابعة من هذه الاشكالية .. اشكالية الثقافي والسياسي .. من اعطى الجنرال غارفيلد الحق في بيع النهج الذي دعونا له وهو ان يقود الثقافي السياسي ليبيع الثقافة العراقية لمحفل يقوده سياسي تقلب في انتماءاته وتحالفاته السياسية . ان هذه الاشكالية التي نعاني منها والتي سببت انهار الدم الحالية تعود في "المجلس العراقي للثقافة" من اجل تسيس المثقفين العراقيين وقلب المعادلة التي ندعوا اليها وهي من ضمن معادلات عديدة تسير عليها المجتمعات العربية والاسلامية دون أن تعي بانها سبب ماسينا وكوارثنا .
لقد لعب الجنرال غارفيلد كثيرا في مجال اختصاصه حتى لقد ابدل الكثير بالقليل . اننا على يقين بان بسمارك اخر سيخرج من بين جماهير المثقفين (وقد حصل بالفعل) ليامر باغتيال هذا الجنرال (ثقافيا) الذي اكثر من الوعود دون أن يعي الفرق بين ما يقول وما يفعل .
اخبرني أحد الاصدقاء(6) بان الاديب والمفكر الدكتور جابر عصفور كان قد تراس المجلس الاعلى للثقافة في مصر لمدة اربعة عشر عاما انتج المجلس خلالها الف كتاب فكري ومئات من الكتب المنوعة بين المسرح والسينما والقصة والشعر ومن منا لا يتذكر سلسلة المسرح العالمي المترجمة والتي كانت تباع باسعار لا تضاهي وزن الورق او الحبر الذي كانت تكتب به تلكم الكلمات المنيرة . هل سنرى ذلك في المجلس العراقي للثقافة !!!
(أنا لست بيائس فحسب / انما انا نرام سين العصر الحاضر / ملك الجهات الاربع / لمملكة الياس)(7).
الحواشي:
(1) الجنرال (ابرام غارفيلد من شخصيات رواية (كلوتيلد بيرسون) مسارات س3 ص120 عدد 1 .
(2) راجع مجلة مسارات العدد الأول / السنة الثالثة (صانعوا الشفرات) صفحة 121 .
(3) الكاتب والناقد المبدع والمشاكس العذب شوقي كريم حسن .
(4) من قصيدة للشاعر العراقي الفذ مظفر النواب .
(5) راجع المصدر السابق ص120 .
(6) هو الناقد والشاعر المبدع علي شبيب .
(7) من قصيدة (نرام سين) في ديون شعر لم يطبع بعد .

 

ما حدث .. وما سيحدث .. الرؤية المستقبلية
عبد الهادي فنجان الساعدي
دعاني أحد الاصدقاء القدامى من خريجي قسم اللغة الانكليزية، والذين خدمتهم الظروف والحذاقة أن يختصوا بهذه اللغة السهلة الممتنعة التي اختصصت بها ايضا . الا ان حالتين من الحالات العراقية المزمنة هما اللتان سببتا عدم تواصلي باستمرار مع هذه اللغة الجميلة . اولاهما هي انني لم اكن مصابا بعاهة الانتماء الى حزب البعث ، والحالة الثانية هي اصابتي بفايروس الاهتمام الفطري المبكر بالادب والشعر ونهمي للقراءة .
نعود الى دعوة الصديق القديم للكتابة في احدى الصحف الامريكية بعد ان تجاوزنا مسالة اللغة حيث قال بان شروط الكتابة لهذه الصحيفة لا تشترط اتقان اللغة بقدر اتقان الفكرة .
لقد طرحت له معظم المواضيع التي نكتب بها في صحفنا العراقية والعربية اضافة الى المواضيع الموسوعية والتاريخية وما يشمل اللهجات المختلفة والاديان والمعتقدات والشعر واللغة وما يكتب في المجالات الثقافية والسياسية والمؤتمرات والتعليقات والطروحات المختلفة ، الا انه رفض كل ذلك وقال بانه يريد ((ما سيحدث .. لا ما حدث)) .. وهنا تذكرت مداخله كان قد عرضها الكاتب والصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل في احد برامجه عندما عرض صورة للمفاوضات الامريكية – العربية ، المتمثلة بالجانب الامريكي .. والجانب العربي المصري . وكانت المفاوضات – من المفترض – أن تدور حول القضية الفلسطينية. كانت شروط المفاوض الامريكي هي (أن ينسى المفاوض العربي – المصري – التاريخ والجغرافيا القديمة وان يتفاوض على الوضع الراهن .. أن ينسى تاريخ الامة العربية وامجادها القديمة والحدود القديمة . ويتركز التفاوض على الوضع الراهن وما موجود على الارض الان فقط) أي القبول بالوضع الراهن والامر الواقع واعتباره امرا نهائيا وان تبدأ المفاوضات من هذه النقطة. لقد كانت صدمة للمفاوض العربي – المصري الذي كان في الحقيقة هو هيكل نفسه وقد اعادها بنفس الصورة ونفس الاندهاش السابق دون ان يضيف تحليله او استنتاجاته المستقبلية والانية .
(ومن هنا كان تجاوز الماضي بل محوه في السير العلمي امرا بدهيا ، فماضي العلم هو الخطا من حيث ان التعديل في العلم ليس على ما مضى بل على ما ياتي ولذلك فان العلم الغربي بحدوسه وبنتائجه التطبيقية هو الحدث الاكثر ثورية في تاريخ الانسان)(1).
اننا نتكلم ونكتب بنسبة 90% عن الماضي و 10% عن الحاضر أما هم وخصوصا الامريكان ، فيتكلمون ويكتبون بنسبة 10% عن الحاضر و 90% عن المستقبل. وفي حالة طرح الماضي وتجاربه والكتابة عنه فلا يتم ذلك الا لغرض الاستفادة منه في الكلام او الكتابة ولغرض توظيفه بشكل يخدم طروحاتهم المستقبلية والا فالماضي طواه النسيان وليس هناك من وقت لاعادة صياغته او صناعته لانهم يعرفون تماما انه في حالة اعادة صناعته سيصبح "معاد" .
(لا يزال الفرد المسلم – العربي في بنيته العميقة كائنا دينيا، سلفيا ، يرث اكثر مما ينتج وينقل اكثر مما يبدع ، لا يعيش دينه بوصفه تجربة روحية خلاقة في الوجود والمصير بل بوصفه اوامر ونواهي يسهر على حراستها الشرع والشرطي وفي هذا ما قد يفسر انعدام التجارب الانسانية الكبرى في العالم العربي – الاسلامي ، في جميع الميادين الثقافية وانعدام التساؤلات الابداعية الكبرى وفيه الى ذلك ما قد يفسر الاسباب التي تجعل المسلم العربي السلفي لا يعترف بغيره المختلف ، بوصفه شريكا له في الحقيقة ولا ينظر اليه تبعا لذلك الا بوصفه ضدا ، ونقيضا وضالا. وكان على الفرد في هذه الرؤية السلفية أن يعيش كمثل تمثال على صورة النص لا يتغير حتى ياذن الله)(2).
لقد وجدنا بان هناك اكثر من (3500) مركز دراسات مستقبلية في الدول المتقدمة ، نصفها في امريكا وهي مهيئة او لديها دراسات عن كل الامور المستقبلية أو المتوقعة في المستقبل القريب او البعيد . تقول احدى الباحثات في احد مراكز الدراسات هذه بان لديهم معلومات عن كل التوقعات المستقبلية للولايات المتحدة لمائة سنة قادمة . صحيح أن الغيب لا يعلمه الا الله ولكن الدراسات المستقبلية تستند في نتائجها على معطيات الحاضر وتجارب الماضي اضافة الى تحليل المعطيات والنتائج التي تتم الدراسة واستخلاص الحقائق من خلالها (علم الانسان ما لم يعلم)(3).
أن هذه المراكز بامكانها ان تعد دراسة بالف صفحة حول أي موضوع يطلب منها من قبل الرؤساء والوزراء والاكاديميين ورجال الصحافة ورجال الاعمال ويمكن اختزال الالف صفحة بمائة صفحة او عشر صفحات او حتى بصفحة او صفحتين وذلك بحسب أهمية المركز الذي يشغله المسؤول وكبر مسؤولياته .
لم تات العولمة اعتباطا انما هي نتيجة لمتطلبات العصر الحاضر في تهيئة الوسائل لمعرفة النتائج وقد اعترف الكثير من العلماء والباحثين باهمية التطورات التقنية في مجال الكومبيوتر ووسائل الاتصالات التي ساعدتهم في استخلاص تلك النتائج التي توصلوا اليها .
(قتل الانسان باسم الله والدين كما يقتل الحيوان ، قتل يفرغ الدين من معناه محولا اياه الى شكل من اشكال التوحش . هكذا بدلا من ان يكون الدين العون الأول للانسان في بناء عالم اكثر حرية واخاء ، واعمق انسانية، يصبح على العكس اداته الأولى في التاسيس لكل ما يفسد الحياة البشرية ويشوهها ويدمرها)(4).
أما نحن فنستخدم اخر المبتكرات العلمية والتقنية في عالم الاتصالات في ممارسة اكثر اعمال الانسان تخلفا ووحشية نستعملها في اقتناص الناس وذبحهم باكثر الطرق بشاعة في الحين الذي نرفض العولمة لاستيضاح المستقبل ، فنستخدم ادواتها في اعمالنا اليومية وبرمجة كل ما تركه السلف قبل الاف السنين من تراكمات وكانها مقدسات لا يمكن النقاش فيها حتى لقد اصبحت مسلمات او مقدسات حاجزه لاية خطوة من الممكن ان تؤدي بنا الى قليل من النور .
وهكذا نعرف الفرق الشاسع بين ما وصلت اليه الامم الاخرى وما وصلنا اليه .. لقد قطعوا الكثير من مسيرة الالف ميل الى الامام .. اما نحن فما زلنا نناقش ونشكل لجان تناقش الخطوة الأولى في مسيرة الالف ميل .. وهل هي للامام .. أم للخلف .

الحواشي:
(1) المحيط الاسود / أدونيس : ص50 / دار الساقي ط1 / 2005 .
(2) المصدر نفسه ص70-71 .
(3) سورة العلق الاية 5 .
(4) المصدر السابق ص101 .

 



هوامش ساخنة
بشأن المادة (140) من الدستور
(الحلقة الأولى)
عبد الهادي فنجان الساعدي
في الطريق الى التاجي كنت اشاهد باستمرار ما كتبناه في الستينيات (اوقفوا القتال في كوردستان) على جدران معمل الغزل والنسيج في الكاظمية ، وكانت الكتابة ما تزال الى سنة 2003 بعد السقوط .
لقد قررنا الكتابة عن المستقبل ولكننا بكل تاكيد لن نتخلى عن حقنا فيما كتبناه وتحملنا مخاطره ومسؤولياته في الماضي . صحيح ان سنة التطور تشمل حتى الاحجار ولكننا بالرغم من كل ذلك لن نتخلى عن حقنا فيما كتبناه ، وما ناضلنا من اجله ، انه الانسان الكوردي الذي يشبه الى حد بعيد الانسان العربي في كل مآسيه والكوارث التي مرت وتمر بالاثنين . اننا من اجل أن نكتب عن المستقبل لابد من الاستناد الى الماضي القريب على اقل الفروض حيث كوردستان كانت القضية المركزية لمعظم الاحزاب اليسارية العراقية والانسان الكوردي هو الوجه الثاني للانسان العربي في العراق ، وعندما تصبح كركوك محل نزاع بين عربيتها وكورديتها دون الرجوع الى عراقيتها فبالامكان حل النزاع بالطرق الحضارية واحلال الفكر والحلول الثقافية المتقدمة على الحلول الشوفينية الرديئة.
من ضمن فقرات المادة (140) هو تعويض المواطن العربي الذي يرغب في الرحيل عن كركوك بمبلغ عشرين مليون دينار عراقي وهذا ما تم الاتفاق عليه بين الاطراف ، وبغض النظر عن اسعار السكن في بغداد العاصمة وبقية المحافظات وكم هي عالية فان المبلغ توافقي ولا يستحق الجدال حوله ولكن المشكلة فيمن لا يرغب في الرحيل بعد ان اصبح لديه اطفال ولدوا وتربوا في كركوك وتكونت لديه شبكة من العلاقات والمصالح وامتدت جذوره عميقا في هذه البلدة .. هل هناك فقرة ترغمه على الرحيل ؟!! أن لم تكن هناك فقرة .. واذا كان هناك محافظ ومدير شرطة يتصفان بالانسانية وروح المسؤولية العالية.. فهناك من لا زال يحمل جرثومة الشوفينية التي يوظفها لابتكار طريقة معينة لترحيل هذا العربي (اللعين) الذي يصر على البقاء في (كوردستان/كركوك) والذي يحمل رائحة البعث وقرارات الصدامية المقيتة من وجهة نظر الكثير من هؤلاء الاكراد الذين يريدون ان يعيدوا التاريخ البعثي الصدامي بكل طرقه المبتكرة .. فاللعبة الان اصبحت معكوسة وعليه فتبادل الادوار لابد أن يتم بتقنية عالية .
يقول صديقي محمد سليم سواري ان العرب العراقيين هم اكثر شعوب المنطقة عطفا وتحسسا وانسانية في التعامل مع الانسان الكوردي والقضية الكوردية إذ لا تجد هذا التعامل الانساني الحقيقي في معظم دول الجوار الصديقة اللدودة بالرغم من اختلاف لغاتها ولهجاتها ومع ذلك نجد ان اصحاب القرار الكورد ينظرون الى الانسان العربي العراقي نظرة دونيه باعتبار أن الدور اصبح عليه بعد أن امطر عليهم انواع الموت من الارض والسماء حتى اختتمها بالخردل الاصفر والتفاح الكيمياوي. وكاننا سناخذ كل العرب العراقيين بجريرة علي الكيمياوي ، علما ان خارطة علي الكيمياوي شملت العراق من الجنوب الى الشمال ولن ينسى الكويتيون اصحاب الديون القذرة والديون البرلمانية المستعصية مواقف علي الكيمياوي وكذلك مواقف الجيش العراقي حراس البوابة الشرقية الذين انتهكوا كل البوابات العربية والاسلامية لغرض التمرين على غزو اسرائيل اخيرا وازالتها من الوجود بعد ان تعطينا احدى دول المواجهة لاسرائيل بعض الاشبار من ارضها !!!
بغض النظر عن موقف الدول الدائنة للعراق التي تنتمي الى نادي باريس وبعض اشتراطاتها لاطفاء ديون العراق ، يبقى موقف اليابان متفردا إذ انها اطفات ديونها على العراق من دون شروط مسبقة ومنحته مليار دولار لاعادة اعماره.
هذه المواقف الانسانية تذكرني دائما باصرار مجلس النواب الكويتي الشقيق المصمم على استيفاء الديون الكويتية وعدم التنازل عنها وكانها لم تكن ديون بغيضة وكان الكويت لم تسحب سابقا وما تزال من حقل الرميلة الجنوبي ما يعادل كل ما اخذته زمرة صدام من اسلاب حرب واموال احتلال .
نعود الى داخل البيت العراقي لنرى مصداقية الاخوة التي تربط قابيل بهابيل وما السبب في قتل احدهما للاخر !!! الم يكن هناك متسع من الارض ليعيش فيه الاثنان ؟!! هل كانت هناك حقول نفط ليتنازع عليها الاثنان قابيل وهابيل .. ام ان ما استجد اصبح اكبر مما كان ؟!!
يقول الخبير النفطي الاستاذ فؤاد قاسم الامير صاحب كتاب (ثلاثية النفط العراقي) الذي استطاع أن يعطي كل واحد من خبراء النفط الذين كتبوا قانون النفط والغاز استحقاقه من الطين ليضعه على خده(1) وليثبت لرعاة البقر بان العراق هو الذي كان يؤسس للعالم قوانينه قبل أن يولد اصحاب الرقاب الحمر (RedNecks) ويهاجروا الى امريكا لاستعمارها : يقول : دع الاكراد يستثمرون نفطهم الذي يساوي (5%) فبعد سنوات قليلة سينفد هذا النفط ولن يبقى لهم من شيء يستندون اليه في طلب الاستقلال عن العراق وهناك سيعودون للمركز حتما.
لقد تم الكشف عن عمليات استثمار كوردية في المناطق (المتنازع عليها) وهذه مسالة جديدة ففي نفس الوطن هناك (مناطق متنازع عليها) .. وكما يقول احد اصحاب القرار الكورد عن اتفاقيات النفط : أننا سنستمر في الاستثمار الى حين حل النزاع حول هذه المناطق حتى لو كانت عربية بعد عشرات السنين وفي ذلك الوقت سيكون النفط قد نضب في هذه الحقول !!! كيف تكون الكوميديا السوداء والضحك الذي يشبه البكاء ؟!!!
أننا لسنا ضد الانسان الكوردي ولكننا ضد كل من يحاول ان يدمر هذا الانسان ويستغل وجوده لمصالح شخصية وعشائرية رخيصة . لقد سمعنا الكثير عن استغلال النفوذ حينما كنا في كوردستان ولكننا لم نحاول أن نطرح تلكم الفضائح النتنة دون وجود مستندات ووثائق رسمية ، وسنبقى نواصل طروحاتنا من دون اتهامات ولكن بموجب الوقوف الى جانب الانسان مهما كان هذا الانسان عربيا أم كورديا أم تركمانيا (فانا في صف الجوع الكافر)(2).
وعند العودة للكتابة عن المادة (140) من الدستور نقول بان اعمال العصابات والتهجير القسري والترهيب واستغلال السلطة والنفوذ والتفجيرات .. هذه الاعمال المتبادلة بين كل الاطراف لن توصل كركوك وقضيتها الى جرف الحل العادل ففي الوقت الذي تعتبر كركوك جوهرة كوردستان يعتبرها البعض الاخر معقلا من معاقل الانكشارية التي تركها جحا بعدما استعمر هذه البلاد لثلاثة قرون كالقطران وهرب لئلا يذبحه (العربان) قبل القوات الانكليزية المحتلة الجديدة(3). أما القسم الثالث فيعتبرها البركان الذي يوشك أن ينفجر في اية لحظة .. اما نحن فنقول مسكين هذا الانسان الكركوكي فهو يعيش على خط الفقر المترب في اغنى بقعة في العالم .

الحواشي:
(1) مثل عراقي (يعطي كلمن طينته بخده) أي يعطي كل انسان استحقاقه من الرد المفحم الذي يستحقه .
(2) جزء من قصيدة للشاعر العراقي الكبير مظفر النواب .
(3) عندما كانت القوات التركية تنسحب امام القوات الانكليزية في الحرب العالمية الأولى كانت (العربان) تتبع القوات التركية لسلبها ما تمتلكه وعندما يسال هؤلاء الجندي التركي الذي يقبضون عليه : اين الليرات الذهبية يؤشر على بطنه ، أي انه ياكل بها الطعام الذي يشترية فكان (العربان) يبقرون بطنه ظنا منهم انه يخفي الليرات الذهبية في معدته !!!

 

 

 

 

هوامش ساخنة
بشأن المادة (140) من الدستور
(الحلقة الثانية)
عبد الهادي فنجان الساعدي
يقول احد المواطنين الزمبابويين المضطهدين : لقد اصبحنا متحفا للقتل !!! كم زمبابوي في العالم ؟!! كم موغابي وكم صدام .. ولكن هل هذا هو المهم ؟!!! أن المهم هو .. عندما يذهب الطاغية موغابي .. فكم موغابي سيخلف .. هل سيخلف مثلما خلف صدام في العراق .. مئات الالوف من النماذج الجرثومية المصغرة لصدام ؟!!!
عندما كنا في محافظة النجف في نهاية السبعينيات مبعدين وظيفيا بموجب قرارات تبعيث التعليم (جعل التعليم مناطق مغلقة للبعثيين فقط) ، كنا نضطر للمبيت في بيوت بعض الاقرباء في حي العمارة .. وحي العمارة من الكوارث البيئية والاحياء التي تنتمي الى عالم اخر وزمن اخر ، ويعتبر من الاحياء الغريبة في طراز بنائه وفي علاقاته ومكانه وكانه عالم قائم بذاته من السحر والرهبة والعلاقات الحميمة التي تعود الى الاجداد وكانك عندما تدخله .. تدخل الى قرن اخر غير القرن العشرين ، حيث يحيطه من الجانب الايمن للقادم من العاصمة ..، مقبرة النجف ومن الجانب الخلفي والايسر انحدارات بحر النجف (وما بقي منه واحة في واد عميق تملؤه اشجار النخيل بعد أن كان بحيرة كبيرة تتصل بنهر الكوفة ولهذا السبب سمي بحر النجف ، ولهذا السبب ايضا كانت المراكب المحملة بالجثث والمسافرين القادمة من عمان ودول الخليج تصل الى النجف مباشرة عن طريق هذه الطرق المائية المتصلة) ومن الامام يواجه قبة الامام علي بن أبي طالب (ع) . قد تكون هناك اختلافات في وصف الخارطة ولكن ليس هذا هو المهم بل المهم اكثر هو نوعية البناء حيث أن معظم المباني تتكون من طابق واحد وطريقة بناء البيوت تسمى (البناء الشيطاني) حيث ان الطابوق من نوع (الفرشي) ويبنى (قيناص – كاز) أي بوقوف الطابوقة التي ابعادها 25×25 سم على احد زواياها بحيث ان سمك الجدار لا يتجاوز عشرة سانتيمات وبين كل متر واخر هناك دعامة من الطابوق تربط بين هذين المترين والبناء كله بالجص ولهذه الاسباب سمي بالبناء الشيطاني ، ولا ادري كيف يقف هذا البناء عشرات السنين وكان الشياطين هي التي بنته وهي التي حرصت على المحافظة عليه . ما زالت هذه الصورة عالقة في ذهني وكذلك حالة اقربائي هؤلاء لا زالت عالقة ايضا في ذهني حيث (عيش الكفاف) وعندما سنحت الفرصة لهذه العائلة لكي تذهب الى كركوك لتحصل على قطعة ارض وقرض للبناء وتسهيلات في نقل هوية الاحوال المدنية والوظيفة وكل الامور الادارية لم يكن يخطر في بال هذا الانسان العراقي النازح من حي العمارة في النجف الذي يُعد من اكثر الاحياء السكانية في العراق فقرا وانسحاقا بانه سيصبح احد ادوات تنفيذ اكبر عملية تغيير ديموغرافي في العراق على حساب القوميات الاخرى ، يخطط لها النظام العراقي انذاك وينفذها بموجب معطيات السلطة التي اتخذت من اسلوب الاستبداد والدكتاتورية وسيلة للتعامل مع الواقع الجغرافي والاثني والسياسي والديموغرافي عموما وتغييره من اجل التفاوض مستقبلا بحسب واقع جديد فرضته هذه السلطة بموجب كل المعطيات السابقة التي فرضتها قسرا .
مثل هذه الحالة هناك حالات كثيرة وجدت في هذا القرار فرصة للعيش بكرامة ، وكركوك هي مدينة عراقية لا تختلف عن بقية المدن العراقية في شيء طالما أن الفرصة سانحة للعيش بكرامة واطمئنان ، فحدثت الهجرة العربية وتوازت معها عملية التهجير من كركوك لبقية الاثنيات الاخرى لكي تتم عملية التغيير الديموغرافي التي كانت السلطة في ذلك الوقت تقصد منها تغليب جانب معين الذي هو الجانب العربي على الجوانب الاخرى ، وبالرغم من كل ذلك فقد رضي الجميع مرغمين بالواقع الجديد ولكن ذلك كان يشبه الى حد بعيد وضع جسم غريب في جسم اخر اكبر في عملية جراحية كبيرة وبعدة اجزاء بطريقة بدائية لم تستعمل فيها طرق الزرع الحديثة والتقنيات المتقدمة لذلك اصبح هذا الجسم مليئا بالجراح والتغييرات الغريبة والمعقدة التي انعكست بشكل سلبي وسيء على الاوضاع النفسية لهذا الكائن .
(في تقرير لاحدى الفضائيات يقول بان امريكا التي تحاول ان تحد من الهجرة اليها لا يمكنها ان تستمر في الديناميكية والعيش بحيوية دون عمليات الهجرة واستيعاب المهاجرين الجدد الذي يمثلون التغيير والحيوية المطلوبة في الحياة الامريكية) .
أن أي تغيير في حياة المدن يجب أن يكون تغييرا معتمدا على اسس علمية ودراسات سابقة تاخذ الواقع والاستيعاب لهذه المدن ماخذا جديا تحاول فيه دراسة كل الاحتمالات الواردة والتي من الممكن ان تاتي بنتائج غير مرضية لكل الاطراف المشتركة في عملية التغيير الديموغرافي .
لقد تغير الوضع واصبحت دوائر صنع القرار متعددة فالجانب العربي الان اصبح كثير المشاكل نتيجة تدهور الاوضاع الامنية في البلد ونمو جانب على حساب جوانب متعددة ، هنالك العسكر والفساد والجانب الاكبر في اندحار الاغلبية الحاكمة هو التاكل الداخلي الذي تنميه سياسة تفضيل الثقة على الكفاءة . ان كيسنجر مهندس السياسة الامريكية في الستينيات والسبعينيات هو ابن مهاجر من احدى الدول الاوربية ، لم يصل الى موقعه هذا نتيجة علاقات اثنية او طائفية مع احد الرؤساء ، انما نتيجة الكفاءة وكذلك الكثير من المسؤولين الاوربيين والامريكان لم يصلوا الا عن طريق الكفاءة . اما نحن فمنذ 1400 سنة نعاني من نفس العقدة ولم نزل نراوح في مكاننا نتيجة الولاء وليس نتيجة الكفاءة . يقول الامام علي (ع) (لو كان المال يجمع بقدر ما عند الانسان من علم لكنت اغنى الناس) .. وكان بحسب (نهج البلاغة) و (البيان والتبيين) و (لمحات اجتماعية من تاريخ المجتمع العراقي الحديث) للدكتور علي الوردي يؤكد على الكفاءة والنزاهة في توظيف الولاة والقضاة والمسؤولين في الدولة .. هاهي ارصفة ومحطات الدول العربية والاسلامية والاجنبية تمتليء بالكفاءات العراقية وكذلك المقابر ، لقد خلق صدام المقابر الجماعية ولكننا قتلنا في اربعة اعوام اضعاف ما قتله صدام في ثلاثة عقود .. ان الكفة تميل الى جانب صدام ونظامه الان .. بالرغم من ان زمنه كان رديئا ودمويا ولكن بجانب الرديء هناك الاردا والاكثر دموية ، وبالتاكيد فقد انحدرنا للاردا لان التغيير لم يكن تغييرا للهيكلية الاساسية للقوانين التي تحكم العلاقات بين المجتمع والدولة أي بين الناس والحكومة بكل مؤسساتها . اننا لا نعرف لحد الان الفرق بين مؤسسات الدولة ودولة المؤسسات والنتائج التي نجنيها من كل نوع من هذين النوعين .
أن المادة (140) هي ضحية اخرى من ضحايا الاختلاف بين دولة المؤسسات ومؤسسات الدولة وبين دولة الثقة ودولة الكفاءات . لقد اصبحت المادة (140) وسيلة للعرب والكورد والامريكان والاتراك للمساومة والتخطيط لمستقبل كركوك الأثني والطائفي من دون العودة لأصحاب الشأن، وهل هناك من ينصف هذه الطبقات المسحوقة من الكورد والعرب والتركمان ويعيدها الى عراقيتها ، أم ان القضية اصبحت دولية اكثر مما هي عراقية.
أن الضغوط الان تمارس على العرب المهاجرين الى كركوك لكي يهاجروا مرة اخرى الى المحافظات البائسة التي جاءوا منها وكانهم جاءوا من قطر اخر ليس له علاقة بهذا القطر الغني البائس . وبغض النظر عن اتساع رقعة الانسانية واتساع رقعة الوطن ولكن ما هو موقف اصحاب القرار من القبائل العربية التي كانت تسكن في هذه المحافظة من مئات السنين ؟!! صحيح ان الكثير من هذه القبائل بدات تمارس عملية التغزل القديمة بالقادة واصحاب القرار الكورد ومخاطبة مشاعرهم البليدة ولكن هل هذا هو السبيل الصحيح لايجاد الحل لهذه المعضلة التي خرجت من ايدي ابنائها لتكون في ايدي دولية لتقرير هل أن كركوك كوردية أم عربية أم تركمانية بموجب مبادئ المساومات القديمة ومن يدفع اكثر من ارض الوطن ونفط الوطن .. وما زالت الدماء كثيرة .. والنفط كثير .. والبارود اكثر ..
هل من المعقول ان نخاطب الجانب العربي وكذلك كل الاطراف الاخرى بان ينظروا بجدية اكبر وتفعيل الجوانب الفكرية في ايجاد الحلول الملائمة التي تنصف الانسان الذي يعيش في هذه البقعة قبل النظر الى ما تحويه هذه البقعة من نفط وغاز وماء وجبال وتاريخ مليء بالماسي والكوارث . انني اشك بان هناك من يسمع الخطاب العربي المليء بالتشنج مرة وبالتوسل بالاخوة مرة اخرى .. حيث لا زالت لغة القتل والتفجير ولغة السيف اصدق انباء من الكتب .. هي السائدة..
لن نفترض بان الحل يمكن في غير النظر الى المادة (140) من الدستور بنظرة عراقية قبل ان ننظر اليها نظرة اثنية او طائفية وبانها ستنصف الجانب الاقوى او الاغنى او الذي بيده تغيير ميزان القوى اليوم .. اننا بانتظار الغد وبالتاكيد سيكون الغد عراقيا والا فسيكون المواطن الكركوكي المسكين من أي فئة كان هو الضحية وهو الخاسر الاكبر في ظل الصراعات الطائفية والاثنية ومطامع دول الجوار والاصدقاء الامبرياليون الجدد (اعداء الشعوب) بالامس .


هوامشي ساخنة
بشأن المادة (140) من الدستور
(الحلقة الثالثة)
عبد الهادي فنجان الساعدي
كان لدينا مشروع ثقافي هو اصدار ملف القصة الكوردية وبالفعل فقد صدر الملف في جريدة الاهالي من خلال كادرها الثقافي وعن السؤال عن السبب في تسمية الملف بهذا الحيز الضيق وهو القصة الكوردية . وليس القصة العراقية قلنا بان المثقف العراقي يعرف عن القصة الروسية والقصة الامريكية وكذلك الاوربية واللاتينية التي تبعد بلدانها عن العراق الاف الاميال اكثر مما يعرف عن القصة الكوردية التي تقع في نفس المساحة الكونية للعراق وفي نفس الهم المشترك فالمعاناة واحدة الا ان اللغة تختلف وقد نظرنا اليها بنظرة وطنية بحته وكان الهدف هو تسليط الضوء على كل الاماكن المظلمة في ساحة الثقافة العراقية ومن هذا الباب حاولنا ان نصدر ملفا اخر عن القصة التركمانية كهم عراقي وكمنطقة معتمة اخرى ليس في انتاجها ولكن في عدم تسليط الضوء عليها بسبب قرون التخلف الحضاري ولهذا السبب ذهبنا في زيارة الى نادي الاخاء التركماني العراقي في بغداد (قارد اشلق) واتصلنا بالمسؤولين وكان على راسهم مسؤول النادي وهو دكتور حيث طرحنا المشروع عليه وعلى القائمين على النادي وعلى مسؤولي المكتبة الا ان القضية تحولت الى عتاب سياسي عن حقوق تركمانية مهضومة في كركوك . وتعود مظلومية هذه الشريحة الكبيرة من العراقيين التركمان بحسب كلام الدكتور الى تاريخ العراق القريب ومنذ تشكيل حكومة العراق في سنة 1921 . وهكذا ضاع ملف صحيفة الاهالي عن القصة التركمانية وفشل مشروع ثقافي اخر في زحمة التراكم السياسي للمظلوميات التي بدأت تتضاعف في متوالية عددية مؤلمة .
هذا الموقف دفعني للتفكير باحداث كركوك الرهيبة في اواخر الخمسينيات والمواقف التركمانية الوطنية والقومية والتي حيرتني في توجهها حيث نعرف ان الاقليات تتوجه نحو الافكار اليسارية والمتطرفة وذلك لايجاد مخرج لازماتها المستديمة والاضطهاد اليومي المستمر ولكن ما الذي يربط التركمان بالقومية العربية والتوجه العروبي في بداية نشاة ذلك التوجه عند بعض العرب القوميين .. اسئلة عديدة اجاب عن نتائجها الكاتب التركماني عزيز قادر الصمانجي ولم يجب عن اسبابها بشكل يعكس صورة المؤرخ الناقد انما بصورة المؤرخ الذي نقل الحدث كما تنقل الكاميرا تلكم الصور المؤلمة مع تعليقات تكاد تكون عاطفية اكثر منها نقدية. اعترف بان الصمانجي والهرمزي قد اضافا لي الكثير من المعلومات ولكن اين هي النظرة التحليلية او النقدية لديهما ؟!! اننا بانتظار الكثير من الاجوبة عن اسئلة تزداد مع انتقال العالم الى القرن الجديد بعد ان ودعنا القرن الماضي بماسي كانت صغيرة بالنسبة لماسي التركمان العراقيين في القرن الجديد .. ولكن خيبتي كانت تزداد كلما امعنت في التفكير بمواقف القيادات التركمانية .. لقد قاد التركمان العراق في سنوات عديدة وكانت لهم اثار على مجمل الحركة السياسية والاجتماعية والدينية في العراق ولكن ذلك لا يعكس ابدا صورة التركمان في العراق الان وهم يقفون بانتظار بطل يحارب الان ايضا في جبهة اخرى حربا خاسرة بكل المقاييس من اجل الدخول في الاتحاد الاوربي بعد ان ترك القارة التي يقع ثلاثة ارباع بلده فيها ليلتحق بالربع الاوربي ، اما الحلم الذي يراوده عندما ينظر الى الخلف فلا يعدو ان يكون حلما تغلفه النظرة الانكشارية في التعامل مع قارة اسيا باكملها ومع العراق بشكل متدني سياسيا ولا يعكس اية نظرة حضارية حيث لم يتمكن من نسيان هزائمه في العراق وانسحابه البائس من بغداد والمدن العربية امام قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وكانها معركة خسرها وليست حربا مصيرية تقرر بموجبها تغيير وجه التاريخ واختزال الامبراطورية العثمانية بكلمتين (الجمهورية التركية) حيث علقت البدلات الامبراطورية والنياشين السلطانية في متحف (توب كابي سراي) الرائع الذي يحمل عبق الماضي وذكريات اكثر من ثلاثة قرون من الاحتلال الرديء بكل مقاييس العصر.
اننا نعرف ان اربيل كانت تركمانية وليست كركوك فقط بمعنى الثقل السكاني والكثافة السكانية (كان التركمان يحتلون المرتبة الأولى سكانيا في اربيل الا انهم اخذوا يشكلون الثقل السكاني الثاني فيما بعد تزايد هجرة سكان القرى الكوردية المحيطة بها نتيجة حملات الانظمة العراقية على تلك القرى خلال حركة ملا مصطفى البارزاني)(1). ولكن ما فائدة ذلك واليوم وبموجب الاحصائيات المعتمدة يشكل الاكراد 90% من سكان اربيل وهي عاصمة كوردستان الجميلة .
ان الحلم الانكشاري التركي يلتقي مع احلام بعض التركمان العراقيين الذين يقفون بانتظار البطل كما يقف الكثير من العرب والمسلمين في قوسي الاطلسي وحدود الصين الغربية .
(أن التركمان ظلوا لفترة طويلة يعلقون الامل على (تركيا الفتاة) على انها ستكون قادرة على حمايتهم وصيانة حقوقهم لدى الحكومة العراقية ان لم تطالب باستعادة ولاية الموصل التي كانت موضع الخلاف بين الدولتين للفترة السابقة وهكذا ظل التركمان في سبات عميق لفترة طويلة تحت تخدير ذلك الامل الاقرب الى الوهم منه الى الخيال .. فلم يتحقق وكان من الطبيعي ان لا يتحقق لانه كان مبنيا على مقاييس خاطئة بعيدة عن الواقعية لذا لم يرَ التركمان بموجبه الا ذاتهم دون اعارة أي اهتمام للحقائق الكبرى)(2).
أن حال العرب كان كذلك وتعلقهم بالامال الكاذبة التي صورتها حركة (تركيا الفتاة) لكل الشعوب التي تقع في محيط الامبراطورية العثمانية .
لقد كان تحليل الاستاذ الصمانجي هذا صائبا ولكنه لم يستعمل نفس هذا الاسلوب الراقي النقدي في التحليل في كل استنتاجاته السابقة واللاحقة .
وعند العودة الى المادة (140) من الدستور العراقي تركمانيا نجد ان التركمان ما زالوا يمثلون (وديعة) عند الجمهورية التركية وكانهم لم يكونوا قد شاركوا في صنع مصير الدولة العراقية وشاركوا في الكثير من اجهزة ومؤسسات الدولة العراقية على مدى تاريخه المليء بالدم والبارود وبناء العسكرتاريا التي كانت تزداد مع تزايد مساهمات العسكر في الحركات الانقلابية البائسة. اننا نقف مذهولين امام المواقف والاجراءات لشريحة التركمان الواسعة والمؤثرة في مناحي الحياة العراقية وكان انتظار حركة (تركيا الفتاة) ما زال الحلم الذي يراود هذه الشريحة العراقية التي تمتد مع امتداد شرايين الماء والنفط العراقي ومع نخيله الى الجنوب بموجب معطيات الحياة الجديدة ولا دور لهم في قانون الفعل ورد الفعل او في جملة الفعل التي تتالف من الفعل والفاعل والمفعول به في زمن تشكل معطيات العولمة ادوات مهمة بايدي اردا انواع البشر من القتلة ، ولكن التركمان للاسف لا يعرفون كيف يوظفون القانون الفيزياوي الثالث إذ ان لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه فكريا وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني وكشريحة تمثل جزءا هاما من النسيج العراقي الذي يبدأ بالتفكك بمجرد اخراج هذا الجزء المهم من هذا النسيج .
انها ليست دعوة للثورة ولكنها سؤال بصيغة التعجب : هل فعلا ما زال التركمان بانتظار (تركيا الفتاة) في الحين الذي ما تزال تركيا تنظر الى العراق ولاية عثمانية بحاجة الى فرقة من الانكشارية الحالمين لكي تعيده الى الحضيرة؟!!
ان المادة 140 من الدستور العراقي تحتاج بشكل اكيد الى الضلع الثالث في مثلث الحل العراقي البسيط دون الدخول في لعبة التحالفات الدولية البائسة والمركبة .
حاشيتان:
(1) التاريخ السياسي لتركمان العراق / عزيز قادر الصمانجي / دار الساقي / ص105 .
(2) المصدر نفسه ص127 .

 

عربة بثلاث عجلات
يابائعي السكائر ايها الاطفال العراة
متى ينتهي تجوالكم (من نص باللغة المسمارية
في القرن الحادي والعشرين الميلادي)

عبد الهادي فنجان الساعدي

هل بامكان العربة ذات العجلات الثلاث أن تنقل العراق من ضفة البؤس والوحشية الى ضفة السلام والامان ؟!! لقد لبست عباءة المذهبية وحضيت بمباركة المرجعية ولكن هل لموزع الصمون على الدراجة الهوائية الذي تعرفه دمشق ان يمنح الميزانيات السنوية البركة كي تغطي حاجة العراق فقط وليس العراقيين .. لقد استطاع محمد حديد وزير المالية في زمن عبد الكريم قاسم ان ينقل اقتصاد العراق من التخلف الى (سكة السلامة) .. فما الذي فعله موزع الصمون في شوارع دمشق عندما كان تسونامي العراق يمزق مفاصل الدولة العراقية وما الذي فعله باقتصاد العراق . (ما دعاه ادم سميث بـ"القاعدة الفاسدة" للاسياد : كل شيء لنا ، ولا شيء للبشر الاخرين)(1).
من اعجب ما وصل اليه الفساد في الجانب الاقتصاد هو احتراق طابق في المصرف الصناعي العراقي لمرتين متتاليتين. اما المعالجة التي كنا نتصورها كما صرحت هيئة النزاهة وهي قطع الرؤوس الكبيرة ، فقد جاءت من لدن السيد الوزير مباشرة وهي نقل الحراس من الـ(FPS) جميعا في (الشفت) الليلي والنهاري والمجازين وحتى الذين يمضون شهر العسل مع زوجاتهم الى دوائر اخرى .. وعندما سالني احدهم عن هذه الصيغة في المعالجة قلت له بان هذه المسالة كانت تجري منذ (14 قرنا) في هذه البقعة المقدسة .. حيث كان الكبار يبحثون دائما عن (كبش فداء) من الصغار وكان كبش الفداء دائما من المكاريد (وبالمناسبة فقد وجدنا بان كلمة (مكرود) ماخوذة من اللغة (الاكدية) وتعني الفقير او المسكين او احد سكان المناطق التي تعيش على خط الفقر الساخن . فكم هي عريقة هذه الكوارث التي تتجدد بتجدد العصور وقد اوصيته (بالصبر والتقوى) فليس لنا سوى هذا الطريق الذي لا نملك غيره (واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)(2) كانوا يتصورون بانني املك قوة لايقاف هذا الامر .. قلت بان الدكتور العلامة مصطفى جواد (رحمه الله) لا يملك قوة معاون مدير عام في أي دائرة في العراق الجديد فكيف بهذا الفقير المشاكس ان يمتلك القوة لايقاف الكارثة التي ولدتها العربة ذات العجلات الثلاث .
كم من فاجعة اصابت هذه الامة وهي تمارس دفن اصحاب المواهب وهم احياء ؟!! اين هي الشفاعة في هذا القتل الجماعي لكل هذه المواهب ولهؤلاء الشباب الذين ذاقوا الامرّين امس واليوم وبالتاكيد غدا وهم يحاولون بناء مستقبلهم اللعين.
(تطرق ديفيد هيوم David Hume الى هذه المسائل منذ مئتين وخمسين عاما. وما اثار فضول هيوم هو "السهولة التي تحكم بها الكثرة من قبل القلة ، والخضوع الضمني الذي يسلم به الرجال مصيرهم لحكامهم" وقد وجد هذا مدهشا لان "القوة هي دوما الى جانب المحكومين" واذا ادرك البشر ذلك ، فسوف ينقضون ويطيحون باسيادهم ، واستنتج ان الحكومة مؤسسة على التحكم بالراي ، وهذا مبدأ "يشمل الحكومات الاكثر طغيانا وخضوعا للعسكر ، بالاضافة الى الاكثر حرية وشعبية")(3).
منذ سنة 61 هجرية ونحن نتاجر بمقتلة الحسين وهي كارثة لم تتحملها اية امة في العالم ، ولكننا جعلنا منها وسيلة للعيش . اخبرني احد المؤرخين من الذين ينتمون الى طبقة المؤرخين المسحوقين (بدون) وهو يشغل وظيفة رئيس قسم في احدى دوائر وزارة التربية باننا اما ان نولد ملوكا او عبيدا .. فاذا ولدنا وكانت تسبق القابنا كلمة (ال) فنحن ملوك اما اذا لم نكن نمتلك هذا الامتياز فنحن عبيد . كان يتحدث بمرارة عن تجربته في دائرته اللعينة اذ تم تعيين (عاهرة) من احد تيارات المحاصصة بمكانه ليصبح موظفا لديها مع كل الكفاءة والنزاهة والشهادة التي يحملها اضافة الى خبرته التي اسس بها هذا القسم . ان مثل هذه الكوارث تحدث يوميا في عراق الديمقراطية الجديد .
(أن الحرية دون فرصة هي هبة الشيطان ، أما رفض منح فرص كهذه فهو عمل اجرامي . يقدم مصير الاكثر تعرضا للاذى مقياسا اكثر وضوحا للمسافة من هنا الى شيء ما يمكن ان يدعي بـ"الحضارة". بينما انا اتحدث سيموت الف طفل من مرض تمكن الوقاية منه بسهولة، وسيموت تقريباً ما يبلغ مقدار هذا العدد مرتين من النساء او سيعانين من عجز خطير في الحمل او الانجاب بسبب عدم توفر العلاج والرعاية . وتقدر اليونسيف ان التغلب على ماسي كهذه وضمان مدخل كوني الى الخدمات الاجتماعية الاساسية ، لا يكلفان سوى ربع الانفاقات العسكرية السنوية للبلدان النامية)(4).
أما هؤلاء "اللطامة" الذين يحملون الـ "آل" المقدسة والعيش على دماء ودموع الفقراء والمسحوقين والذين انتخبوهم بامكانهم في المرة القادمة ان يرمونهم خلف الحدود مرة اخرى لولا اصحاب القفازات البيضاء الذين يلوحون بعصى الطائفية والسلفية وتجربة الحكم الذي دام ثلاثة وثمانين عاما من التخلف والدكتاتورية والانقلابات العسكرية البائسة.
الحواشي:
(1) كتاب الربح على حساب الشعوب / نعوم تشومسكي ص57 ترجمة اسامة اسبر / دار نشر بدايات .
(2) سورة الاسراء / الاية 17 .
(3) كتاب الربح على حساب الشعوب ص47 .
(4) اليونسيف ، حالة اطفال العالم 1997 (مطبعة جامعة اكسفورد 1997) اليونسيف ، تقدم الامم (يونسيف هاوس ، 1996) .



الطريق إلى الجنة
عبد الهادي فنجان الساعدي
"تتجلى الازمة في البلاد النامية بشكل رئيسي عبر الانهيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتزايد مخاطر التهميش الجماعي . وتتباين ردود الافعال عليها بين تمزق الطبقات والنخب السائدة وعجزها عن بلورة استراتيجية عقلانية وفاعلة لمواجهتها والخروج الواسع على النظام ، وهي تقضي قضاء نهائيا على الدول الصغيرة والضعيفة وتقود الى تفككها الكامل"(1).
يسألني الكثير من الاصدقاء والمثقفين عن الازمة التي تولدت عن تفجير ضريحي الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام ، وعن رأيي فيها وموقفي منها . اما الشارع فلا يسال عن الاسباب انما يسال عن النتائج وتكون مواقفه – للأسف الشديد – انعكاسا عاطفيا لتلكم الحادثة في نفس الوقت يتطور هذا الموقف العاطفي الى اعمال عنف طائفية تجد الارض الخصبة مهياة لدى جماهير الطوائف الاخرى و"لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه"(2).
أما النخب السياسية فهي اخر من يعلم واخر من يتحرك وكان الاخوة الاعداء لم يلطخوا اصابعهم بالامس بالحبر البنفسجي من اجل عيون "لم تقرأ الام في ليلة واحدة"(3).
"يقتضي العمل من اجل تغيير النظام القائم في بنياته الوطنية المحلية المشوهة التبعية وفي بنياته واستراتيجياته العالمية وما ينجم عنها من تهميش للاغلبية البشرية وازدهار متصاعد للاقلية ، نظرة مختلفة للتاريخ والراسمالية وطبيعة التغييرات الاجتماعية واهداف النزاعات الاجتماعية ، وهو يستدعي قبل هذا وذاك تجاوز الحرب الاهلية التي تهدد بها الازمة الراهنة جميع المجتمعات الضعيفة التي خسرت رهاناتها التاريخية . وبالعكس لا تعمل الطوباويات ولا تفيد الا في تغذية هذه الحرب وصب الزيت عليها بقدر ما تساعد على اغلاق الباب امام أي تواصل او حوار عقلاني بين القوى والتيارات الوطنية المتنازعة"(4).
نعود لنؤكد على السؤال الوحيد الذي لم يساله احد لحد الان وهو عن المسبب الرئيسي لهذه الازمة بغض النظر عن نتائجها التي من الممكن ان تكون ترميم كل ما خلفه الانفجار المدمر أو ان تكون النتائج كارثية .
والغريب في هذا الامر ان الراي العام ليس ضعيف الذاكرة فحسب كما قال نابليون ولكن مصاب بالعجمة الفكرية وكان كذبة واحدة بدأت بعد وفاة الرسول "ص" لم تكن كافية واستمر التاريخ يؤكد على الكذبة الأولى بكذبات اقسى وأمر ، واكبر من الكذبة الأولى كالملك العضوض والشورى ، وكان العجمة الفكرية التصقت بهذه الشعوب التي تسكن هذه الارض التي يقال عنها بانها مقدسة وانها ارض الانبياء ولا ادري مدى صحة هذه التسمية فهل من الممكن التصديق بان الارض المقدسة تسفك فيها كل هذه الدماء البريئة ام ان الاسطرلاب قد اخطا في حساباته وانزلنا في ارض اخرى غير الارض التي تمتلي بالنفط والدم .
لقد امتزجت المصالح البعثية البائسة من خلال طروحاته المشلولة لشراذم تحاول ان تعيد الزمن الى الوراء مع عناصر من خريجي كهوف تورا بورا ذات الشخصيات الشيزوفرينية وحاملة عقد التاريخ وطفح الطائفية ليمزقوا كل الصفحات الجميلة التي رسمتها الاجيال على جدران الاضرحة التي تمثل تراث وعراقة هذا الشعب العنيد ومرافيء الشكوى والدموع .
ان التقاء خبراء المتفجرات مع خبراء القتل الجماعي الهمجي يمثل التقاء الدكتور فاوست مع الشيطان(5). ولكن بشكل اكثر دموية واكثر تخلفا وعقدية .
والسؤال الذي يختمر خلال مرحلة الاجيال الماضية ولم يجرؤ احد على طرحه هو "الا تكفي حدبة واحدة؟!!" .. انها عند الجمل تسمى السنام .. اما عند الانسان فتسمى الحدبة .. وبما ان لبعض الجمال سنامين فهنالك مجتمعات لها حدبتين .. المشكلة ليست في الحدبة أو الحدبتين انما المشكلة في ان هذه المجتمعات لا تفكر في استغلال هذه العاهة كما يفكر الجمل .. ولا تفكر بهذه العاهة لا لشيء الا لانها في الظهر وهي لا تراها .. والا قسى من ذلك هو اعتقادها بان الاخرين لا يرونها .
"لقد انطبعت استراتيجية دول الجنوب والدول الضعيفة عامة بالمقاومة والاحتجاج والتمرد خلال كل الحقبة الماضية . وكانت هذه المقاومة ترمي الى ارضاء الشعور بالكرامة اكثر مما كانت تطمح الى تغيير شروط الوجود الجماعي او تامل في امكانية احداث ثغرة حقيقية في جدار السيطرة والهيمنة الخارجية . وقد قاومنا بالفعل وقاوم الهنود الحمر في القارة الامريكية وقاومت جميع الشعوب، السيطرة الاستعمارية لكن الانتصار لم يتحقق الا لتلك الشعوب التي نجحت في الانتقال من مفهوم المقاومة الذي يستجيب لقيم الكرامة الى مفهوم البناء والتغيير والتعديل الذي يخلق شروط المشاركة في العملية التاريخية"(1).
لقد سقطت الاغلبية الساحقة في فخ العاطفة وتلتها الاقلية الطائفية في السقوط في نفس الفخ كرد فعل طبيعي لانها لا تمتلك الحصانة الفكرية التي تمنعها من السقوط في الفخ . كما ان قياداتها لم تكن تمتلك الحكمة والقدرة على امتصاص الغضب العارم المتوقد من خلال العاطفة وكذلك لانها لا تمتلك عمق التجربة التاريخية التي بموجبها تستطيع قيادة الجماهير في حالاتها المتقلبة وتتحكم في توجيهها الوجهة البناءة التي بامكانها ان تستفيد من كل طاقات الناس التي تكون خلاقة في الحالة الموجبة ومدمرة في الحالة السالبة. ونستطيع القول بان القيادات السياسية والطائفية لم تكن تعلم بان من واجبها التحرك بشكل مواز لحركة الشارع ان لم يكن اسرع منها لكي تحقن بعض الدماء التي اريقت من دون سبب مباشر واستمرت المعادلة الوطنية بالهبوط لصالح الطغم الظلامية.
أن الصراعات الموجودة على الساحة الان لا يمكن ان تكون صراعات حقيقية بقدر ما هي صراعات مفتعلة تعمل بموجب توجيه فئات خارج نطاق السلطة وخارج نطاق بعض قوى المعارضة، تعمل على تاجيجها وتحويلها الى مرحلة الحرب الاهلية بعدها طريقا يؤدي الى الجنة عند البعض او باعتبارات مادية اخرى عند البعض الاخر ممن يقودها الطرح العلماني البعثي الذي يلتقي مع الطرح السلفي المبتور بموجب دوافع طائفية متخلفة ، وهو بالتاكيد صراع يحاول ان يحول اتجاه الصراع الحقيقي البناء الى وجهة اخرى لا تهدف سوى الى الوجهة التي تخدم السائرين في الطريق الى الجنة المزعومة الذي يؤدي الى الحرب الاهلية والدمار الكارثي .
وعندما نعود الى تحليل الصراع الحقيقي بغض النظر عن التفجيرات المفتعلة "نستطيع ان نقول ان الصراع الراهن على السلطة ليس صراعا من اجل الديمقراطية ولا من اجل التنمية ولا من اجل الوطنية والقومية . ولكن مع ذلك ليس صراعا فارغا من المعنى. انه صراع هدفه الواضح اعادة توزيع الثروة الوطنية من خلال تغيير نصاب السلطة . اعادة بناء الشخصية الجمعية من خلال اعادة توزيع القيم الثقافية ومكانتها في العقيدة الاجتماعية"(7).
اذا لم يكن الهدف هو خلق كيان التبادل ، لا تبادل او تبديل الكيان فبالتأكيد لن يؤدي طريق الحرب الاهلية في النهاية الى الجنة انما سيؤدي الى طريق اللاعودة واستمرار الكذبة الأولى بكذبة اكبر هي كذبة الخلافة الراشدية الجديدة .
"أن الخطوة الأولى في مسيرة بناء الارادة الجماعية هو درء مخاطر الحرب الاهلية واقامة الحياة الوطنية على اسس وقواعد واضحة ومقبولة وشرعية. فهذا هو الذي يسمح للقوى بالتالف والتجمع والتفاهم . أي بتجاوز مذهبياتها جميعا ، او نزعتها التمذهبية في سبيل بناء علاقة سياسية وهو ما يضمنه مبدأ الديمقراطية الذي يعني التوافق على طريق المفاوضة والحوار على قاعدة المعاملة بالمثل واحترام ما ينبغي ان يصبح حقل المصالح الوطنية .. ويتطلب هذا موقفا يربط الايمان بمثل عليا وبالانفتاح على اراء الاخرين ومواقفهم واحترامه مصالحهم الحيوية ايضا . وهذا المبدأ ليس شرطا لتحقيق السلام الاهلي وحسب ولكنه شرط ايضا لبناء اية قوة سياسية يسارية كانت ام يمينية"(8).

الحواشي:
(1) حوار الدولة والدين : سمير امين وابراهيم غليون ص167 / المركز الثقافي العربي .
(2) قانون فيزياوي .
(3) قصة الام : تاليف مكسيم غوركي قال عنها لينين "فلتعم العين التي لم تقرا الام في ليلة واحدة" .
(4) حوار الدولة والدين ص168 .
(5) الدكتور فاوست : مسرحية للكاتب الانكليزي كرستوفر مارلو الذي ولد في كانتربري عام 1564 وهو يعتبر اعظم كاتب مسرحي في القرن السادس عشر سبق شكسبير في الظهور في عالم الكتابة المسرحية الحديثة : والمسرحية تتلخص في وقوع الدكتور فاوستس بطل المسرحية في حبائل التعاون مع الشيطان .
(6) حوار الدولة والدين ص169 .
(7) المصدر نفسه ، ص175 .
(8) المصدر نفسه ، ص178 .

 

الإنسان .. والآثار .. والفكرة(1)
عبد الهادي فنجان الساعدي
من خلال فرضية الانسان .. والالة .. والفكرة استطعنا ان نبني فرضية اخرى هي .. الانسان والاثار .. والفكرة. والانسان هنا هو الانسان القديم، والاثار هي كل ما صنعه الانسان من موروثات لحياته العامة والخاصة والتي استطاع بواسطتها بناء حضارته والفكرة هي الصورة المشرقة التي عكست ما وصل اليه الانسان في ذلك العصر من خلال الاثار التي تركها .
الصورة الثانية للفرضية هي الانسان والانسان هنا هو الانسان في العصور الحديثة الذي اكتشف هذه الاثار .. والفكرة هي انه بنى المتاحف ليعرض فيها هذه الاثار ليعكس صورة الجذور الانسانية الممتدة عبر التاريخ لتلكم الحضارة وليثبت تسلسله الدرامي من خلال هذه الموروثات .
الصورة الثالثة هي الانسان المعاصر والاثار هي الاثار الموجودة في المتاحف وفي المواقع الاثارية .. والفكرة هي سرقة هذه الاثار .. وهذه الفرضية تعكس صورة الانسان في عودته الى عصور الهمجية والخروج على القوانين التي كانت تفرضها الحاجة للثقافة الاخلاقية قبل الحاجة المادية .
الصورة الرابعة هي الانسان ويمثله هنا انسان اللحظة الانية والاثار هي الاثار المسروقة والفكرة هي كيفية اعادة هذه الاثار المسروقة .. وهنا تكمن اهمية هذا البحث المستقبلية .
من خلال التجارب الشخصية .. كلفني احد الاصدقاء بعرض مخطوطتين احداهما للطبيب المجريطي والاخرى لجزء من القران الكريم وهي في غاية الروعة والاتقان وتعود الى القرن الثاني عشر الهجري وقد حددت ذلك من خلال خبرتي في تحقيق الوثائق التي اكتسبتها من عملي في متحف ثورة العشرين في النجف الاشرف في الثمانينيات وخبرة الاستاذ عبد الله حامد مدير عام المركز الوطني للمخطوطات انذاك اضافة الى خبرة بعض المختصين في هذا المجال . عندما سالت صاحبها عن السبب في بيعهما قال : كفرا .. وكان يعني قول الامام علي (ع) (كاد الفقر ان يكون كفرا) . وقد بقيت احدى هاتين المخطوطتين في المركز الوطني للمخطوطات لمدة ثلاثة اشهر ثم سحبتها بعد ان كتب عنها الاستاذ عبد الله حامد مدير المركز تقريره وعرضتها على الدكتورة اميرة الذهب التي كانت انذاك مديرة قسم الدراسات والبحوث فاستدعت احد اعضاء لجنة تقييم وتثمين المخطوطات فقال : يجب أن تعيدها الى المركز الوطني للمخطوطات لكي يرسلها الينا عن طريقه .. قلت بانني احد منتسبي هذه الدائرة وقد عرضتها على المركز وقيموها ثم ارسلوها اليكم لغرض التقييم والتثمين اما انا فمهمتي هي ايصالها اليكم لانني اعرف بانكم اذا لم تستلموها فسوف يرسلها صاحبها الى احدى الدول المجاورة لغرض بيعها بمبلغ يعادل اضعاف ما تباع به في العراق .. رفض استلامها .. واعدتها لصاحبها .. وعرضت الامر في اجتماعنا مع السيد رئيس الهيئة السابق ولكن المخطوطتين عبرتا الحدود بخمسة الاف دينار .. والف دينار لختم الجواز بعبارة (خالي من مرض الايدرز) .
التجربة الثانية هي ان احدى مراسلات جريدة الاهالي كلفتني بان اعرض امر وجود اثار مسروقة في الاحياء التي تحيط بالمتحف ولكن اصحابها لا يعرفون كيف يعيدونها جهلا وخوفا .. وعندما عرضت هذا الامر في نفس الاجتماع وعلى نفس المسؤول .. قال : الاعلام ووسائل الاعلام خط أحمر .. لا يجوز التعامل مع الاعلام بتاتا .. وقطعنا حينها حبل السرة مع الاعلام .. وبقي الحال كما هو عليه .. ولا ندري متى وصلت هذه المسروقات الى الدول الشقيقة والصديقة ودول الائتلاف حتى ظهرت على الانترنيت لتعرض للبيع .
التجربة الثالثة هي ان أحد الاصدقاء بعث لي احد الاشخاص ومشكلته هي انه جلب قطعتين اثاريتين منذ سنة 2003 ولم يحصل على مبلغ المكافاة .. واخيرا وبعد تدخلات عديدة تم تقييم القطعتين بمليون دينار عراقي في الحين الذي اقسم لي هذا الرجل بانه اشتراهما بمبلغ (23) ورقة والورقة كما يعلم الجميع هي مئة دولار امريكي وكان بامكانه كما قال ان يشتري بذلك المبلغ سيارة حديثة في حينه ولا ادري مالذي دفعه لاعادة هاتين القطعتين الى المتحف العراقي .. هل هي (كفرا) .. أم هي حالة اخلاقية ام وطنية. لا ادري ولكنني سمعته يقسم للمرة الثانية بان احد الاشخاص في احدى المحافظات الجنوبية القريبة من بغداد لديه 100 (مئة قطعة) عرضها عليه للبيع ولكنه قرر عدم الخوض في مثل هذه التجربة اللعينة .
لقد طرحت الحكومة شعار اعادة اعمار العراق اما نحن في جريدة الاهالي فقد طرحنا شعار اعادة اعمار الانسان العراقي وكانت المعالجة تتم بطرح اسلوب اعادة اعمار البنية التحتية لاخلاق الانسان وذلك باعادة صياغة القوانين التي تحكم العلاقة بين الانسان والدولة والمنهجية التي تتم بها تلك المعالجة هي تقسيم المجتمع الى شرائح مثل شريحة المتقاعدين وشريحة الطلاب وشريحة الموظفين وشريحة الخريجين وشريحة العاطلين وشريحة الارامل وشريحة اطفال الشوارع وصياغة قوانين انسانية تنصف كل شريحة من هذه الشرائح .
وعندما نعود الى الفرضية السابقة .. التي هي الانسان .. والاثار .. والفكرة المتمثلة بكيفية اعادة هذه الاثار تتوضح امامنا الصورة وهي اعادة صياغة العلاقة بين المواطن ودائرة الاثار والتراث وذلك من خلال اعادة صياغة تلكم القوانين التي تحكم العلاقة بين الانسان وهذه الدائرة ... اننا بحاجة الى اعادة صياغة الهيكلية العامة لقوانين هذه الدائرة وجعلها تعي بان البيروقراطية، تدمر كل الصياغات الانسانية والعلمية التي افرزتها الحضارة وكانت في خدمة الانسان حيث ان اثر الحروب على الاثار تكون نتائجها كارثية ولكنها محدودة بوقت حدوث تلكم الحروب والنزاعات .. اما العلاقة البيروقراطية بين الموظفين والمواطنين في مجال الاثار فهي كارثة يومية تتكرر طالما بقيت هيكلية الدوائر بهذه الصيغة اننا في هذه الدوائر لسنا في خدمة المواطن ولا في خدمة الاثار .. ولا حتى في خدمة انفسنا .. لاننا ما زلنا محكومين بقوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل .
هنالك مثل عالمي يقول بان للنجاح الاف الاباء .. ونحن اذا لم نساهم في صياغة قوانين جديدة تحكم جدلية العلاقة بين هذه الدوائر والمواطن فبالتاكيد لن يكون هناك فسحة لنجاح هذه العلاقة وسيكون الخاسر الاكبر هو المواطن بعد ان توزع ثروات هذا البلد على دول الجوار ودول الائتلاف وحتما سيبقى هذا المواطن بلا جذور .. لان الاثار هي الجذور التي تربط هذا الانسان المبدع بتاريخه الرائع . هنالك تساؤل وهو اذا اردنا ان نشتري قرطاسية فسوف نشكل لجنة مشتريات من امناء القانونية والحسابات والادارية .. فلماذا لا نشكل لجنة من امناء او مختصين او اصحاب الصنعة في الحين الذي يتطلب الظرف التعامل مع عناصر الحضارة وحلقاتها المهمة وهي الاثار. الا يستحق المواطن الذي يجلب لنا هذه العناصر ان نعامله بشكل يليق بانسانيته .. الا يستحق التكريم بحسب قانون نيوتن الثالث في الفيزياء (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه) لقد سمعت بان اللجان السابقة كان يمثلها خيرة المختصين من الاثاريين الافذاذ امثال الدكتور بهنام ابو الصوف والاستاذ فوزي رشيد وكانت تقيم الاثار بملايين الدنانير العراقية التي كانت في ذلك الوقت تعادل واحد الى ثلاثة من الدولارات الامريكية التي دمرت البنية التحتية لاخلاق الانسان العراقي .
وبحسب نابليون بونابرت .. اما ان نكون ملوكا او نكون عبيدا .. ولا اعتقد بان الانسان العراقي يستحق ان يعيش عبدا بعد ان خلف كل هذا الكم الهائل من الاثار .. والحضارات التي ايقظت الانسانية من سباتها .
الحواشي:
(1) محاضرة القيت في الندوة العلمية الاثارية التي اقيمت على قاعة الهيئة العامة للاثار والتراث في سنة 2008 "اثر الارهاب والحروب على الآثار والتراث في العراق".

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !