مقبرة الأبيض المتوسط
لاجئون هاربون من جحيم الموت ونيران الكراهية و مقامع القمع والاضطهاد , يركبون عرض البحر في محاولة بائسة للنجاة وكأنهم يدركون أن فرص النجاة قليلة ورغم ذلك فأهوال البحر لا تساوي مثقال ذرةٍ عند الذي رأوه وعايشوه من أهوال ؟
قبل الربيع العربي كان البحر الأبيض المتوسط يستقبل في اليوم الواحد أعداداً غفيرة من المهاجرين الهاربين من الفقر والاستبداد تتقطع بهم السٌبل فيغرقون وتغرق معهم أحلامهم ويضحك السياسي على تلك الكوميديا السوداء التي أخرجها وأنتجها وكتب فصولها , من مشرق العالم العربي إلى مغربة يهرب الشباب بحثاً عن سعة رزق ويهرب العقل المفكر بحثاً عن مأوى وحرية بدلاً عن زنزانة واضطهاد هكذا كانت أسباب الهجرة قبل الربيع العربي , أما اليوم فالبحر المتوسط لم يكن يتوقع استقبال هاربين من جحيم الموت والدمار فأعداد الهاربين والمهاجرين تزداد يوماً بعد يوم والأسباب ما تعيشه بلدان الربيع العربي من قتل وتدمير وصراعات سياسية طاغية دموية وسوريا وليبيا من أكثر البلدان دموية وهجرةً لمن نجى من جحيم الموت فالصراعات دخلت أنفاق لا نهاية لها و التفكير في الهروب واللجوء هو الخيار الأمثل لمن أنجاه القدر من الموت ببرميل متفجر أو قاذفةً بعد حصار طويل , كم من مركب غرق براكبيه وكم من رحلة شاقة لم تصل لوجهتها وكم من رحلةٍ مبكية لم تنتهي بسهولة وهذا هو الواقع .
مخيم الزعتري بالأردن ومخيمات اللاجئين بتركيا لم تعد قادرة على استيعاب شعب أعزل كشعب سوريا الذي وقع بين مطرقة طبيب عيون بلا قلب أو عقل وسندان الجماعات والقوى والحركات المسلحة فأخذ السوري يفكر في الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط هرباً من كوميديا الأسد ومؤيدية وداعميه وهرباً من شعارات وصراعات القوى والحركات المسلحة الثورية والغير ثورية فقد كٌتب عليه الشقاء وكٌتب على أشقاءه من العرب البكاء والحزن أيضاً ؟
استقبال اللاجئين السوريين والغير سوريين واجب عربي ولا أعلم حتى هذه اللحظة لماذا لا يتم استقبال اللاجئين وتركهم يخوضون أهوال البحر هرباً وكأن الدم العربي ماءٌ نتن ؟ منظمات وهيئات ونٌخب ووسائل أعلام تسلط الضوء على قضية اللاجئين الهاربين من جحيم الموت التسلطي بخجل وكأن أولئك البشر لا يستحقون حتى المناصرة ولو بالكلمة الصادقة , النمسا و المانيا فتحت أبوابها للمهاجرين العرب الهاربين من جحيم الموت والدمار مناصرةً بذلك القضية وداعمة للشعوب في كل وقت وهذا هو التفسير الحقيقي لذلك الاستقبال الذي كٌنا كعرب نتمنى أن تفعله الدول العربية بدلاً من الدول الأوروبية !.
البحر الأبيض المتوسط لم يعد أبيضاً فرائحة الموت امتزجت به وفاحت منه فهو مقبرة لكل شريف وصاحب حق وقضية في عالم الإنسانية الشعاراتية فمرحباً بالمناضلين في مقبرة الأبيض المتوسط التي لن تضيق أبداً .
التعليقات (0)