مقاومة المشروع الصهيوني
إن من حق القارئ أن يقف على حقيقة الصراع وماهيته, فهل هذا الصراع الدائر منذ أكثر من قرنٍ من الزمان هو صراع وطني أم قومي أم ديني؟ حيث أنه من الثابت أن الشعب الفلسطيني الممتدة جذوره في فلسطين منذ أكثر من 7500 عام, لم يهجر وطنه طوال هذه المدة, وكان بأمان ولم يُقم هذا الشعب أيضاً بغزوِ أي بلدٍ في العالم.
إن العرب في فلسطين "مسيحيين ومسلمين" لم يتعاملوا مع الصراع على أنه صراع ديني, فالمسيحية الحقة بطبيعتها دين محبة وسلام, وأكد المؤرخون أن المسيحيين قاوموا الصليبيين وشاركوا في طردهم (1).
وإن الشعب الفلسطيني تحمل مسؤولية كاملة في الدفاع عن وطنه, إلا أنه لن يستسلم و
لم يُساوم بعد أن علمتهُ الليالي وشدت من أزره أرض المقدسات. ويوم قررت دول الجامعة العربية, الدخول إلى فلسطين لتحريرها, يوم قالوا للمناضل الفلسطيني: كُف يداك, فقد انتهى دورك, ونحن سنُكفيك, يومها ضاعت فلسطين (2).
كان النضال العربي الفلسطيني في مواجهة الاستيطان الصهيوني, بداية ظهور الوعي السياسي والتنبُه لأهمية الرابط القومي, والمطالبة بالتحرير والاستقلال, سابقة لبداية بروز الحركة الصهيونية في طورها التنظيمي, حيث بدأت الإرهاصات للحركة العربية الحديثة منذ
(1) إبراهيم سليمان مهنا, مقدسات تحت الاحتلال, ط1, جمعية عمال المطابع التعاونية, عمان- الأردن, 2002م, ص 23.
(2) مصطفى طحان, مصدر سابق, ص 13.
عام 1967م في الجمعية العربية السورية العلمية السرية, حيث أطلق رواد النهضة الأدبية والعلمية العربية الحديثة, مقولتهم الشهيرة: " تنبهوا واستفيقوا أيها العرب", والتي بفضلها أمكن عام 1975م تأسيس أول حركة قومية بدأت بخمسة أشخاص (1). وتنبه عرب فلسطين الى أخطار الحركة الصهيونية منذ بروزها على مسرح السياسة العالمية, وبدأت مقاومة عرب فلسطين منذ بدأت الهجرة اليهودية الى فلسطين تتخذ طابع الاستيطان والاقامة الدائمة.
فقد تنبه عرب فلسطين الى أطماع وأهداف الغرباء الوافدين الى أرضهم, وطالبوا في التماسٍ رفعوه الى الاستانة عام 1891م بوضع حدٍ لدخول المهاجرين ووقف بيع الاراضي إليهم, وأمام كل هذه الاحتجاجات اضطرت السلطة العثمانية إلى استبدال متصرف القدس عام 1906م بسبب تأييده للهجرة اليهودية إلى فلسطين, وطالبت المتصرف الجديد العمل على تطبيق القوانين العثمانية بحذافيرها, وتمثلت المقاومة منذ مطلع القرن العشرين بالتظاهرات والخطب (2). إلى أن وصل الشعب الفلسطيني في أوائل عام 1920م إلى قناعة أكيدة, أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى, وأن ألف احتجاج لا يعطي الشعب الفلسطيني حريته وأن انجلترا التي احتلت فلسطين بالمكر, والخديعة, والتآمر, والقوة, والمنظمات اليهودية التي تُعد نفسها وجيشها للسيطرة على فلسطين, كل ذلك, أقنع الشعب الفلسطيني أنه لا يمكن استنقاذ البلاد من مخالب القوة الغاشمة إلا بقوة الحق الرادعة, وكان الشعب يرى بلدة يتهود يوماً بعد يوم, المهاجرون يزدادون, واللغة العبرية تصبح لغة رسمية, القضاء, والمحاكم يهود حيث شكلت هذه الابتزازات, المقدمات الضرورية لأول ثورة عام 1920م (3).
(1) طلال ناجي, الاستيطان والمقاومة الفلسطينية, ط1, مطبعة دار القدس للنشر والتوزيع, 1987م, ص 273.
(2) منير الهور وطارق الموسى, مصدر سابق, ص 18.
(3) مصطفى طحان, مصدر سابق, ص 103.
ومما لا شك فيه أن قيام دولة إسرائيل في قلب الوطن العربي, يُعتبر التحدي الرئيسي للأمة العربية وإن وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي أيضاً العامل الأساسي في فشل الثورة العربية الفلسطينية.
وعلى أثر تزايد الوجود اليهودي في مدينة يافا في شهر أيار من عام 1921م نشبت ثورة كبيرة استمرت أسبوعاً واحداً, سقط فيها مئات الشهداء والجرحى العرب, وقتل وجرح أكثر من 550 يهودياً وبريطانياً. وبعد إخماد الاضطرابات على أيدي القوات البريطانية بمنتهى القسوة والوحشية. شكل المندوب السامي لجنة تحقيق وحل النزاع الدائر في فلسطين, واتخاذ الوسائل اللازمة لإزالة شكاوي العرب وإنشاء مؤسسات الحكم الذاتي في البلاد حيث توالت بعده ثورات منها ثورة البراق وغيرها (1).
في عام 1899م تم تأسيس المصرف اليهودي الاستعماري تحت اسم صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار, لتمويل النشاطات الاستيطانية في فلسطين وتأمين الخدمات المالية التي تحتاجها الحركة الصهيونية. وفي عام 1901م تم تأسيس الصندوق القومي اليهودي للمباشرة في شراء الأراضي في فلسطين, وشُكلت شركة انجلوا-فلسطين في يافا لتعمل كفرع من فروع صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار. وفي 1908م بُدئ بتنفيذ سياسة التغلغل الاقتصادي. وفي عام 1913م جرت الموافقة المبدئية على إنشاء الجامعة العبرية في فلسطين (2).
فلهذا, يجب أن نعي بأنه ليس العدو يهود إسرائيل فحسب, بل هو الصهيونية العالمية, وهي حركة منظمة تنظيماً مركزياً عالمياً تستهدف استعمار أرض العرب وإجلائهم عنها من النيل إلى الفرات واحتلال جميع منابع البترول والمضائق المطلة على البحر الأحمر وبذلك تتحكم في الشريان الحيوي لمواصلات العالم وهو قناة السويس.
(1) مصطفى طحان, مصدر سابق, ص 113.
(2) منير الهور وطارق الموسى, مصدر سابق, ص 9-10.
فالصهيونية العالمية كانت ولا تزال تخطط في سكون, قامت على أهداف محددة وواضحة وهي من النيل إلى الفرات (1) فالخطة السرية التي تقدم بها أحد فلاسفتهم لاستعمار العالم والاستيلاء على خيراته, وفكرة إنشاء عصبة الأمم المتحدة ويتبعها إمبراطورية صهيونية عالمية قد طرحت بهذا الترتيب الزمني على بساط البحث في مؤتمر بال الصهيوني والسيطرة على ثروات العالم وإغراق حكومات الأمميين (2) بالديون عن طريق الاقتراض. وكذلك عصبة الأمم وليدة الصهيونية وكذلك الأمم المتحدة وأدواتها التنفيذية تضم 60% من موظفيها من اليهود وهي التي أقامت إسرائيل حين قررت عام 1947م بتقسيم فلسطين وفي عام 1948م قررت بإنشاء دولة إسرائيل. وأصبحت إسرائيل اليوم الولاية الأمريكية الـ 51.
إن العنصرية الصهيونية هي أيديولوجية شوفينية للطبقات الرجعية في القضية القومية, تستند إلى أسطورة مناقضة للعلم حول "تفوق" أو "نقص" هذه الأجناس أو تلك, مُحاولة بذلك تبرير وإثبات سياسة الحقد العدوانية ضد الكائن البشري التي تقوم على اغتصاب أراضي الغير, والاستبعاد والإرهاب والاغتصاب وهي السياسة التي تلاءم الطبقة الرجعية.
ولهذا بالذات فإن العنصرية, كنظرية, كأكثر التصورات رجعية للعلاقات القومية, استغلت ولا تزال تُستغل من قبل الامبرياليين, كأساس نظري, لسياسة استبعاد وتدمير الشعوب (3). فالصهيونية المعاصرة: هي إيديولوجية رجعية وفي الوقت نفسه نظام متشعب ذو فروع عدة,
(1) محمود دياب, الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني المعاصر, مطبوعات الشعب, القاهرة –مصر, 1976م, ص 7.
(2) المقصود بها: الأمم الرجعية, المتخلفة, أو دول العالم الثالث.
(3) الصهيونية والعنصرية, أبحاث المؤتمر الفكري حول الصهيونية- بغداد, 8-12-1976م, المجلد الأول, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت – لبنان, 1977م, ص52.
سياسية وتنظيمية وعملية للبرجوازية اليهودية الكبيرة مع الأوساط الاحتكارية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بقية الدول الامبريالية. الصهيونية المعاصرة تناضل لأسرة الاشتراكية والحركة الشيوعية العمالية العالمية ضد حركة التحرر الوطني للشعوب (1).
وتقوم الصهيونية على أساس أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار – اختاره الله على غيره من الشعوب, "والحقيقة أننا نحن شعب الله المختار- لقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس" ... الخ.
وهذا الاعتقاد بالتفاوت يقود إلى التمييز بين الشعوب وغيرهم من أبناء الشعوب الأخرى. وانعكس هذا التفاوت العنصري, ليس فقط على الفكر الصهيوني وإنما أيضاً على إسرائيل وليدة الصهيونية, فأصبحت عنصرية الدولة هي السائدة في الكيان الصهيوني. ودرج الصهاينة على بث الأساطير والأكاذيب والخرافات في نفوس اليهود وشحنهم بأفكار التفوق العنصري والذكاء اليهودي العرقي وإيقاظ مشاعر التعصب والانعزالية, كانوا يقولون عن فلسطين وهم أقلية قليلة: مولاذيسنوا, أي وطننا (2).
ليس من يأس في إعادة التذكير بأن الصهيونية هي حركة يهودية عالمية تطبيقية تعبر تعبيراً واضحاً عن نظرة دينية متحجرة إلى الوجود الإنساني, نظرة تصلح للعصر الحجري الذي اجتازته المجتمعات البشرية منذ آلاف السنين (3).
ومما لا شك فيه الذي ساعد إسرائيل على أن تكون ما أرادة لها الاستعمار من أداة شر, أنها قامت على أساس من الشر. فالفكرة الصهيونية كما قلنا, فكرة عنصرية تعصبية قامت لتحقيق المخطط الذي رسمه حكماء صهيون في بروتوكولاتهم الشهيرة.
(1) الصهيونية والعنصرية, مصدر سابق, ص 52.
(2) المناهضة: نشرة خاصة, جمعية مناهضة الصهيونية, العدد الرابع, تشرين أول, 1995م, ص8.
(3) المناهضة, مصدر سابق, ص 3.
تلك البروتوكولات التي بثوا فيها سمومهم ووضعوا فيها تعاليمهم الكريهة الداعية إلى القضاء واستبعاد شعوب العالم قاطبة وإخضاعها لليهود, الشعب المختار على حد زعمهم. ففي نظرهم أن اليهودي سيد, أما غير اليهودي فمن البهائم (1).
وكم من مذابح ارتكبها هؤلاء الصهاينة! وكم من حادث اعتداء شنوه! وكم من قتيل سفكوا دمه ! وكم من حق سلبوه! فهي مبعوث الشر والعدوان في المنطقة, وهي قاعدة عدوانية ينطلق منها الاستعمار الذي يهدد حريات شعوب المنطقة (2).
إن وجود الكيان الصهيوني في قلب وطننا العربي واعتماده على منطق القوة والعدوان في تعامله مع العالم منذ اليوم الأول لوجوده الغريب ولمتطلبات الصراع معه والتي يجب أن تشمل كافة الجوانب مما سيلقي المسؤولية على رجال الفكر والقانون لدراسة مرتكزات منطقة العدوان هذا, أي القوة الغاشمة وتوسعه وعدوانه.
بل أننا نراه وهو يقلب المفاهيم الشريفة, للمُثُل والقيم الإنسانية, فيُسمي العربدة والغطرسة حفاظاً على الأمن ويتذرع بمبادئ القانون الدولي, وما عدوانه, كاعتدائه على المفاعل النووي العراقي الذي أنشئ لأغراضٍ سلمية مساء يوم 7/6/1981م (3).
وقبل أن نستطرد الوقائع التي انتهت بقيام دولة إسرائيل وشرح أبعاد المؤامرة العالمية والانجلو- فرنسية التي استهدفت فلسطين كجزء من ديار المسلمين, لا بد لنا من إلقاء نظرة على هؤلاء اليهود على النحو التالي: منها
(1) علي محمد علي, وإبراهيم الحمصاني, إسرائيل قاعدة عدوانية, ص3.
(2) المصدر السابق, ص4.
(3) علاء الدين حسين خماس, استخدام القوة في القانون الدولي, رسالة ماجستير, جامعة بغداد, 1981م, ص17.
فالإله, تلمودهم هو الذي قسم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة, يلعب في الساعات الثلاث الأخيرة مع اللافياتن ملك الأسماك. واليهودي جزء من الله, والنفوس اليهودية مُنعمٌ عليها بأن تكون جزءاً من الله, فهي تنبثق من جوهر الله, وينبثق الولد من جوهر أبيه. أما سائر الشعوب الأخرى فتشتق نفوسهم من الشيطان وهي مشابهه لنفوس الحيوانات. وعندهم المسيح هو إسرائيل, والشعوب في نظرهم كلاب فالأعياد المقدسة وضعت لإسرائيل وليس للأغراب والكلاب بل ليسوا كلاباً بل حميراً أيضاً, وأن بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات وهم لا يختلفون بشيء عن الخنزير البري. والمرأة الغير إسرائيلية فهي بهيمية, أيضاً يخلق الله غير اليهود بالصورة البشرية إلا إكراماً لليهود, ومحرم عليك أن تأخذك الشفقة على غير اليهودي, بل عندما تراه قد تدهور فكاد أن يموت, أجهز عليه ولا تخلصه (1). ويقول تلمودهم أن من يرتكب الفحشاء مع أمه أو خطيبته أو أخته له أمل كبير بإنارة نفسه (2).
ومن المفيد أن نستعرض بعض سمات الفكر الاستيطاني ومنها:
المنطلق الأول: الإيمان بأن الدولة قد قامت على جزء من أرض إسرائيل التاريخية.
المنطلق الثاني: أنشئت الدولة في جانب فقط من دولة إسرائيل.
ومن هنا فإن قضية الاستيطان الصهيوني في فلسطين تُعد في طليعة القضايا لأن فهم هذه القضية سوف يفسر لنا الأوجه المختلفة للمشكلة الفلسطينية, وقضية الصراع العربي – الإسرائيلي.
كما أن دراسة هذه الظاهرة تُساعد في فهم تطور الوجود الصهيوني في فلسطين. وأن
(1) مصطفى طحان, مصدر سابق, ص55.
(2) أنظر, يولس حنا, همجية التعاليم الصهيونية, ص34.
الفهم الحقيقي للسياسات الإسرائيلية في هذا المجال يتطلب النظرة إليها كوحدة متكاملة يصعب فيها الفصل بين الأفكار الصهيونية والمخططات والسياسات العملية على أرض الواقع. كذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار دور هذه السياسات في خدمة المخطط الصهيوني العام في إقامة الدولة الصهيونية الكبرى على الأرض العربية (1).
(1) نظام محمد بركات, الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين, ص2.
00972592838491
التعليقات (0)