مقاومة التغيير. يقبل الناس عادة على كل ما هو جديد بكثير من الاهتمام والتعلق، غير أن هذه القاعدة ليست صحيحة عندما يتعلق الأمر بأفكار جديدة. فقد عرف التاريخ البشري نزوعا يتكرر باستمرار نحو رفض التغيير ومقاومته بكل الوسائل الممكنة. وفي كل الحالات يتستر هذا الموقف السلبي بغطاءات معينة ايديولوجية أو عرقية أو دينية للابقاء على الوضع القائم، وتفويت الفرصة أمام التطلع الى واقع جديد.
نقرأ في القرآن الكريم عددا من القصص التي تتقاسم أحداثها ثقافة " مقاومة التغيير"، وهكذا تعرض كل الأنبياء و المرسلين الى شتى أنواع التهميش والرفض و الايذاء بسبب الأفكار التي كانوا يحملونها في ثنايا رسائل التوحيد التي كلفوا بتبليغها. وكان جدار الصد يتكون في الغالب الأعم من علية القوم وسادتهم، لكن وقود الرفض و الممانعة كان في كل الحالات يصنعه عامة الناس من الأتباع . ومن تم فان الدواعي الأساسية المتحكمة في هذا الرفض كانت نتبع من المصالح الشخصية للأفراد المستفيدين من البنية الاجتماعية والاقتصادية السائدة. فعندما نستدعي تجربة نبي المسلمين " محمد" صلى الله عليه وسلم، نتوقف عند هذه الحقيقة بشكل جلي. فقد كان سادة قريش هم المبادرون الى انكار الرسالة ومعاداة حاملها وكل الذين اختاروا الايمان بالدين الجديد... والسبب واضح طبعا. فقد أدرك هؤلاء أن مثل هذا الدين الذي يدعو الى التوحيد والمساواة من شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدام أولي النعمة وذوي الجاه والسلطان، فكان خيار المقاومة ، سواء عبر المقاطعة أو التحريض أو العنف... وتلك دائما هي أدوات مواجهة كل جديد ينحو الى التغيير.
ولم يسلم العلم بدوره من هذه المقاومة، فقد عرفت أوربا أكبر انقلاب علمي في التاريخ ، عندما طور الفيلسوف والفيزيائي الايطالي " جاليليو جاليلي " (1564 – 1642) الأبحاث التي بدأها " كوبرنيكوس " حول مركز الكون. وكان " جاليلي" من أشد المؤمنين والمدافعين عن مركزية الشمس ودوران الأرض. ولقي جراء هذا الايمان العلمي كل أشكال التنكيل من طرف محاكم التفتيش الكنسية التي فرضت عليه الاقامة الجبرية، بعد اتهامه بالهرطقة ومخالفة روح النص الديني... ومحاكمة هذا الفيزيائي الفذ تمت تحت سلطة الكنيسة التي كانت في ذلك الوقت ماسكة بزمام الدين والدنيا في أوربا العصر الوسيط.... ولا تتوقف مشاهد التاريخ عند هذا المثال وحده، فقد كان المحافظون دائما بالمرصاد لكل محاولات التجديد. وبذلك فالجنوح نحو رفض التغيير تكاد تكون خاصية بشرية مشتركة. لكن الشعوب والمجتمعات تستفيد من تجارب الماضي، أما في بلاد الاسلام فيبدو أن " دار لقمان مازالت على حالها ".
عندما نستقرئ الواقع الاسلامي، نتوقف عند الصعوبة الشديدة التي يلاقيها كل مشروع تنويري يبتغي التحديث و التغيير. فقد استطاعت قوى " التراث " تكريس ثقافة مجتمعية تنهل من معين الممانعة. لذلك ليس من السهل اطلاقا تحقيق أي نجاح منتظر من مثل هذه المحاولات. وتجتمع طبيعة الممارسة الدينية مع العادات والتقاليد والأمية لتشكل الصفوف الأمامية التي تنكسر عليها موجة العقلنة والتحديث. والأدوات التي استعملتها الكنيسة لمحاصرة فكر الأنوار في أوربا هي ذاتها التي يستخدمها التكفيريون اليوم في بلاد المسلمين، لأن أسهل الطرق وأنجعها للوصول الى اجماع الناس على رفض الجديد هي مخاطبة ودغدغة المشاعر الدينية عند عامة الناس . وكل محاولة للعقلنة يتم مجابهتها بسياط التكفير وتهمة التآمر، والنتيجة سقوط العقل في المهد و بالضربة القاضية.
ان المستفيد الأكبر من هذه الثقافة في مجموع العالم الاسلامي هو النظام السياسي الذي ينام قرير العين بمساعدة من الشعوب التي تسير على نهج " الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه". وهكذا نشأت علاقة مودة شديدة بين معظم الحكام وشعوبهم في أغلب دول العالم الاسلامي. وأصبحت مجتمعاتنا نفسها ترفض التغيير وتقاومه، بالرغم من أنها تنشده وترنو اليه في كل لحظة. وتلك احدى مفارقات هذا الزمان. محمد مغوتي.19/05/2010.
التعليقات (0)