ماذا و بعد أن أصابتنا عدوى إغواء الغرب ؟ عدوى عدميته عدوى أنانيته و عدوى دورانه في عالم اللامعقول. كان الشرق ينعم في دفئ سمائه المرصعة بالنجوم المتلألئة في فضاءات لا تعرف الانتهاء وكان يترنح نشوة في حب السماء العذري والطبيعة المئناث يغني على نايه المغرد أناشيد المعنى والحياة الجذلة أعطر باقات الطمأنينة.
كانت الحياة تتدفق في عيون الشرقي كنهر من الحب المتجدد الذي يحمل أسرار الآلهة الخالدة وعوالمها الطافحة بالعجائب كنزا لا تقدره مواقيت الزمن البارد.
تقلبنا في متاهات الغرب و مقولاته العمياء تغطينا بعرائه و لبسنا من تصاميم أناجيله وكتبنا مثله من اليسار إلى اليمين .
أكلنا كما يأكلون من لحوم البشر و شربنا مثلهم من دماء المستضعفين كؤوسا لا تحصى وسكرنا حتى الثمالة بكلامهم المعسول عن الإنسانية وحقوقها وعن التقدم الوحشي.
طاردنا أحلام طيورنا في أن تقيم أعشاشها على أغصان الحرية والكرامة
تهاوينا كالحشود المجنونة متوقفين في طوابير النظريات الغربية ننتظر فتات تجاربهم عن العولمة والديمقراطية واقتصاد السوق المتهاوي كالعهن المنفوش.
لم نكن نصدق أن أسطورة الغرب لا بد لها أن تتهاوى يوما كما هوت كل إمبراطوريات الشر قديما.
ما هي التعاليم التي علمها الغرب لنا سوى تعاليم قدت من روايات مليئة بالموت والقتل و الوحدة و الوحشة والخوف .
روايات مضرجة بالفتنة والخوف من الموت العنيف. روايات زينتها مقولاتهم الإيديولوجية الزائفة عناوينها ممتلئة بأساطير الإرهاب والعداء لسامية .
لقد مللنا أفكاركم المريضة المعقدة وعذبنا صلفكم وتمركزكم حول أوهامكم مللنا أساطيركم المزعجة وريبتكم التي فاقت كل ريبة .
سئمنا نظرات الاتهام المتقدة في عيونكم الممتلئة بسوء النية والاحتقار والتطرف في معاداة الآخر .
أتعبنا جبروتكم وقوتكم العسكرية الغاشمة ولا عدالتكم المتمسكنة في ثوب العدالة.
أيها الغرب أنت لست سوى دائرة مهوسة بفكرة الموت والانتهاء أنتم فقط تتقنون فنون اللهو بجثث الأموات والأحياء أنتم من جعلتم وجودنا مجرد وجود من أجل الموت ألم تعرفوا الإنسان بأنه كائن من أجل الموت ؟ لذلك تتقنون اللعب بالموت والموت لعبتكم المفضلة منذ قرون.
أنتم من كسيتم وجودنا أكاليل الشوك الدامية. أنتم من صحر حياتنا من القيم وحولتم مثلنا إلى مجرد منافع آنية مادية لا تسمن ولا تغني من القاحلة في شيء.
هل قدرنا أن نتوضأ من ماء ماديتكم ونعبد أصنامكم المتهرئة بفعل جشعكم حتى تعترفوا بإنسانيتنا و تقروا أن بشريتنا تضاهي بشريتكم و تزيد.
لماذا تريدون أن نوجه وجوهنا شطر آلهتكم الميتة من الغثيان إلى الوجود والزمان إلى عدو المسيح المتسربلة بأفكار العدم .
يا قتلة الآلهة و الأنبياء أتراكم أغرقتم الوجود الصائر إلى التجلي في اللانهائية في حالة من الفوضى الفوضوية و السديم الغائم كالغمام .
سلبتم المسيح سلامه وخلاص البشرية و ألبستموه صليب الآلام والكفر بأحزان الآخرين سلبتم أحمد هجرته من أجل الإنسانية و انبعاثه كرحمة للعالمين و ألبستموه رداء التطرف و الإرهاب.
يا من صلبتم كل البشرية على صليب أنانيتكم وفردا نيتكم وعبادتكم للمال وعمدتموها بالدموع والأحزان.
يا من حولتم حياتنا إلى وجود بلا ثمن و بلا قدر و بلا معنى و جعلتم من الإنسان مجرد صدى لصوت يتلاشى غريبا في وادي الوحوش ولا مجيب .
يا من جعلتم من العدم صوت الوجود الوحيد المسموع ولا صوت في العدم يعلوا على هذا الصوت وجعلتم من الكون نوتة نشزة تعزف سنفونية حزينة واحدة سنفونية "الوجود عدم " و أن علاقة الكلمات بالوجود هي مجرد علاقة اعتباطية و الكلمات لا تقول الأشياء ...
يا لها من متاهة و ياله من عبث يسلب الوجود ماهيته الممتلئة بالصيرورة والحياة ويقذف به في لجة العدم المباح... أين ذهبت آلهة الكون و مشيئتها ؟ أين سافرت أنبياءه؟ أين رحلت الفضيلة ؟ أين هربت الأرواح؟ أين هاجر الخير ؟
كم أنت بائس أيها الوجود المحكوم عليه بالإعدام عبثا يتلقفك العدم هازئا وقد اخترت التلحف بسخرية رداءه الخشن.
ما أشقاك في لباسك الرث الذي حاكته يد التمرد على أصالة الوجود الحق.
و لم تعد سوى مجرد وجود يثير الغثيان و الدوار و يبحث عن الخلاص في اللاخلاص.
يا له من وجود ..إنسانه بلا وظيفة بلا هدف بلا فعل" كن". ميزته الوحيدة اللاانتماء , وفعله الوحيد الممكن التجيدف ضد المشيئة والمصير.
أما البقية الباقية من الأشياء هو اللاشيء لأن كل شيء فائض وزائد عن القيمة حتى وجودنا ذاته مجردة زائدة من زائدات الوجود يمكن ترحيلها بقرار عبثي يأتي في لحظة انكسار إنه الإنتحار لذلك يمكن الاستغناء عن كل شيء حتى عن ذواتنا .
يعلمنا الغرب صباحا مساء أن وجودنا يحكي مجرد قصة عبثية مملة تبشر بانحطاط الحضارة واستقرارها في قرارة اللامعقول و اللايقين .
و اليوم وبعد مرور زمن الأنوار نجد أنفسنا من جديد في عصور الظلمة والوجود البذيء و الانحطاط المتعمد هي حكاية يتقن الإنسان في كل مرة حبك خيوطها المعمدة بالدماء و كأن ليس أسهل على الإنسان من صناعة الألم و ترويجه سلعة خاسرة وحياكة العذاب من نسيج خيوط المعاناة .
و حتى عقدة الهوس بالذنب الناشئ عن القتل التي كانت تشغل مدن الإنسان قد تلاشت وحلت محلها عقدة الانتقام المجاني بذنب وغير ذنب .
لم نعد نؤمن سوى بالرغبة في الانتقام من القاتل لا قتله ونعتقد أنها أكثر عدالة من العدالة لان العدالة يكون أوانها قد فات.
علمتنا تعاليكم النظر في عيون الآخر كالخوف المسكون بذعر فضاءات اللامتناهي موثقة بفلسفة "الآخرون هم الجحيم" و"الإنسان ذئب للإنسان" و" الإنسان شرير بطبعه" روعتم الكون بصور الإنسان الوحش . وحولتم عالمنا مقبرة فخمة ضاقت لحودها بالجثث الممزقة بالموت المجنون وتحول ما تبقى من بني البشر لحفارين قبور.
حولتم مستقبل الإنسان إلى مجرد غريب تصفعه أركان الوجود المنهك باللاجدوى فانفلت زمانه من الأبد على حين غرة واستقر في حمم الآن المدمرة لكل كيان و سرقتم روحه من حلم نشيد الأبدية التائقة للمطلق.
ماذا تنتظر حضارة متعبة بحمل الإنسان المنشغل باللهو بالانتحار و باحتقار الآلهة و بالتمرد على المشيئة الناعمة المسكونة بخلاص الإنسانية.
أيها الغرب المغرم بممارسة فن إغواء البشرية والنزول بها إلى الهوة السحيقة من الجحيم حيث شهوة اللامعقول جنونا يشربه المتمردون على أصالة الكينونة المضيئة في قلب الوجود كفوا عن الإغواء فلا نريد الخروج من جنة المطلق مرتين.
أ. سلمى بالحاج مبروك
التعليقات (0)