في الفيلم العربي..
وكعادته في كل فيلم عربي، يطلق الزعيم عادل إمام عبارة معينة. مؤكد أنها لم تكتب في حوار الفيلم، لكن الناس تتلقفها وتظل ترددها في الحياة، كما لو أنها عبارة مأثورة. من حكم وأقوال الأجداد!
وفي ذلك الفيلم العربي..
يظل عادل إمام يقول عباراة واحدة وهو في منتهي السعادة: أنا من البلد دي.. أنا من البلد دي!
>>>
ولم اختلف في حياتي مع صديقي الجميل الزعيم عادل إمام سوي في هذه العبارة بالذات. وتحديداً في هذه الأيام من عمري. وأظن أني أرغب وبشدة في أن أردد كل ساعة، عبارة عادل إمام هذه، لكن مع تعديل عكسي، وأريد والله أن أقولها بصوت عالي.
> أنا »مش« من البلد دي.. أنا »مش« من البلد دي!
>>>
هل هذه بلدي.. مصر؟!
لا اعتقد ذلك، ولا أشعر بذلك!
مصر التي ولدت فيها وعرفتها »مصر التي في خاطري« كما تغنت بها أم كلثوم »مصر أم الدنيا« مصر النيل والناس الطيبين - ليست هي - مصر التي أعيش فيها الآن، أتعذب فيها، وأتعذب من أجلها!
والله العظيم هذه ليست مصر. أو يبدو أنه لم تعد هناك مصر واحدة. بل هناك أكثر من مصر، هناك »مصر بتاعتي« و»مصر بتاعتك« و»مصر ملايين الغلابة البسطاء«. الذين يصنعون رغم الظروف الصعبة. وجه الحياة علي أرض هذه البلد الغلبانة!
>>>
وهناك مصر أو أكثر من مصر.. »بتاعتهم«!
هناك »مصر الخرابة«.. التي تصورها لنا كل صباح. كل هذه الأقلام المغرضة وترسمها لنا علي أنها فساد في فساد، وأنه لا أمل أمامنا في أي شيء. وأن كل شيء أسود »منيل بنيلة«!
وهناك »مصر الكافرة« كما تصورها جماعات التطرف والجهل. هذه الجماعات التي تتاجر بالدين والدين بريء منها. وكل هدفهم الوصول إلي السلطة!
وهناك »مصر الفتنة« بينما لا فتنة ولا يحزنون. لكنها مؤامرات دنيئة من بعض المسلمين، وبعض المسيحيين الجهلة الحاقدين المغرضين!
>>>
نعم وهناك »مصر الغلبانة«!
التي كان قدرها أن تكون عظيمة فقط في كتاب التاريخ. وكان نصيبها أن تدور عليها الأيام. وبعد أن كنا ندرس في المدرسة أن »مصر بلد زراعي يزرع ويصدر القطن والأرز والقمح والبصل«. أصبحنا اليوم نستورد الملابس وفوانيس رمضان والثوم من بلد بعيد بعيد اسمه الصين!
وهناك أيضا.. مصر المظلومة!
وأول من ظلمها ناسها. وهذا أغرب ما في الحكاية. نفس ناس مصر الذين كانوا زمان يشتهرون بالطيبة والسماحة والحب. نفس الناس الذين كانوا لطفاء ظرفاء مهذبين، نفس ناس مصر الذين كانوا يزرعون الخضرة والخير علي ضفتي النهر الخالد.
نفس ناس مصر زمان. الذين خرجوا في »هوجة عرابي« و»أعطوا توكيلا بالوطنية لسعد زغلول. نفس ناس مصر الذين خرج منهم طه حسين والعقاد ولطفي السيد. ناس مصر الذين كان منهم أحمد شوقي أمير الشعراء. وأم كلثوم كوكب الشرق، وعبدالحليم حافظ العندليب الأسمر. ناس مصر الذين أنجبوا الدكتور مشرفة والدكتورة سميرة موسي.
كل هؤلاء وغيرهم، كانوا ناس مصر التي عرفتها وولدت فيها في خمسينيات القرن الماضي. مش من بعيد أوي، من ستين سنة بس، وحتي في تلك الأيام كانت مصر هي مصر. مدارس الحكومة قديمة وواسعة وجميلة، معظم الشعب من الطبقة المتوسطة. والمرتبات متواضعة. لكن الناس يأكلون ويشربون ويعيشون حياتهم بلا شكوي ولا يأس.
والله يرحمك.. يا مصر زمان!
>>>
أما هذه البلد التي أنام واصحو واتعذب فيها كل يوم. فهي ليست من بعيد أو قريب مصر التي عرفتها.
هذه.. مصر تانية!
أو في الحقيقة.. »أكثر من مصر واحدة«!
هذه مصر التي فيها مرتشون كبار وصغار. مصر التي امتلأت بالأبطال علي الورق وعلي شاشات الفضائيات وكل واحد من هؤلاء - الله يخرب بيوتهم - يتصور أنه احتكر وحده الوطنية. والباقي خونة وعملاء و»حكومة«!
وتاني.. الله يخرب بيوتهم!
الذين جعلوا حياتنا سوداء. مليئة باليأس والاحباط والاكتئاب. الذين يشككون في أي شيء وكل شيء. وليس لهم من هدف سوي الهجوم عمال علي بطال. علي أي شيء رسمي تابع للحكومة. حتي لو كان مصلحة الأرصاد. التي يتهمونها بأنها مسئولة عن الحر الفظيع الجاثم علي صدورنا هذه الأيام!
>>>
وحتي الناس العاديين. الذين كانوا طوال سنوات. مجرد مواطنين أبرياء مسالمين، حولتهم الظروف الصعبة والدنيا القاسية إلي وحوش ينهشون بعضهم البعض البلطجة أصبحت في كل مكان. والأزواج والزوجات يقتلون بعضهم البعض. والأولاد يتزوجون عرفيا وهم مازالوا تلاميذ يأخذون المصروف من ماما. وبعضهم تحولوا إلي مدمنين لا علاج لهم. يدخلون المصحات فيبيع لهم التمورجية المخدرات في حجرات المستشفيات!
وحتي صحافة مصر الجميلة. تحولت إلي مانشيتات تحرض علي اليأس والانتحار. وتكذب كل شيء. وتشوه كل شيء. وتشكك في كل شيء!
>>>
مين الناس دول؟
»شيء يجنن. كل واحد عايز يبقي زعيم. وكل واحد عايز يبقي رئيس. وكل واحد منهم هو المصري الوحيد. وإحنا مش مصريين. إحنا زبالة وقطيع مالوش رأي وما نعرفش حاجة عن الوطنية«!.
ناس مالهاش أي ماضي في الوطنية أو الكفاح. بين يوم وليلة بقوا أبطال وزعماء. هم بس اللي يحددوا مصير شعب مصر. وهم قضاة. يحكموا في أي قضية. وهم اللي يقولوا ايه صح وايه غلط. عيال أولاد امبارح. بقوا صحفيين كبار وكتاب لهم احترام. منفوخين علي الفاضي. عايزين الناس توطي لكلامهم ومقالاتهم. كأنه كلام جاي من السما. كأن كلامهم قرآن لازم نصدقه ونعمل بيه!
دول.. ناس
وناس غريبة. يزعمون أنهم مصريون أكثر مني ومنك. ناس يتحدثون عن مصر. بينما هم في الحقيقة ينهشون لحم مصر.
رجال أعمال سرقوا وباعوا أرض بلدنا »حتة حتة«. ونواب يقولون ما لا يفعلون. وصحفيون يا منافقين يا تجار وكذابين. وكل واحد من هؤلاء وهؤلاء. يطلع علينا كل يوم ويغني »بحبك يا مصر«!
>>>
أيوه..
23/06/2010 03:06:41 ص
اخبار الحوادث - مصر
التعليقات (0)