مقال مهم للباحث علي حسين باكير، الباحث المهتم بالشؤون الاستراتيجية، وارتأيت أن أورده في مدونتي لأنه يلخص واقع الحرب على غزة من قبل العدو الصهيوني. سالم أيوب
الأجندة العسكرية الإسرائيلية في العدوان على غزّة
تاريخ النشر: 5-1-2009
مكان النشر: مجلة العصر
بقلم: علي حسين باكير/ باحث مهتم بالشؤون الاستراتيجية
- الخطّة العسكرية الإسرائيلية
- أهداف العدوان العسكري على غزّة
- تطور العمليات البرية في القطاع
- السقف الزمني للعدوان
من خلال اليوم الأول من العدوان، بدا أنّ الخطة الإسرائيلية العسكرية اعتمدت على المفاجأة والسرعة، ولا شكّ انّ مقاومة العدو تستلزم الوقوف الدقيق على خطّته والتفاصيل المتعلّقة بها، حيث يسهّل ذلك فيما بعد مواجهتها سواءا بشكل ميداني عسكريا أو بشكل سياسي في مرحلة لاحقة.
الخطّة العسكرية الإسرائيلية:
ويظهر انّ الخطّة العسكرية الإسرائيلية، هي خطّة تقليدية تقوم على ثلاث عناصر أساسية هي:
1- القوّة الجوّية الضاربة التي تقوم بقصف بنك من الأهداف وتعمد أيضا إلى إيقاع عدد كبير من الشهداء في صفوف المدنيين للضغط على حماس وتحميلها مسؤوليتهم لكونها السلطة السياسية الرسمية في القطاع، ومن المعلوم أنّ القوّة الجويّة في العالم لا يمكنها أن تحسم معركة مهما كانت قدرتها، اذ لا بد من تدخل على الأرض مهما كان قليلا وضعيفا.
2- القصف المدفعي الثقيل تمهيدا لدخول قوّات بريّة من المشاة والمدرعات والدبابات الثقيلة.
3- دخول القوات البريّة في المعركة ليس بهدف احتلال غزّة حيث سينعكس ذلك سلبا على تحقيق أهدافها، وإنما تقطيع القطاع إلى عدّة محاور والتعامل مع كل قطاع على حدا وذلك لتطهير المناطق التي يتم الدخول إليها ولاسيما من منصّات الصواريخ وشبكة الأنفاق ومخازن الأسلحة، وتأمين هذه المناطق ثمّ التوغل أكثر إلى حين تطهيرها كليّا ومن ثمّ الانسحاب.
أهداف العدوان العسكري على غزّة:
طبعا في إطار العدوان على غزّة هناك مستوى متعدد من الأهداف المعلنة والغير معلنة، فهناك الأهداف المباشر والأهداف الغير مباشرة وهناك أيضا سلسلة من الأهداف المتحرّكة التي سيتم إعادة تقييمها تبعا للتطورات الميدانية على الأرض وللعمل العسكري. ما سنناقشه هنا يتعلّق بالأهداف المباشرة والمعلنة للعدوان إلى جانب سلسلة الأهداف المتحرّكة تبعا للتطورات الميدانية الإسرائيلية على الأرض.
أ- الأهداف المباشرة والمعلنة للعدوان:
1- "خلق واقع أمني آخر في الجنوب، على مدى الزمن، في ظل تحسين الردع الإسرائيلي"، كما صيغ في المجلس الوزاري الإسرائيلي ونشر.
2- "المساس وبشدة بالبنى التحتية الإرهابية التابعة لحماس والدفاع عن مواطنينا من أجل تحسين الواقع الأمني في جنوب البلاد ولمدة طويلة" وذلك كما ورد في بيان على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.
3- "إن الهدف من الهجوم على غزة ليس الإطاحة بنظام حماس الذي يحكم القطاع، على العكس فإن الهجوم يهدف إلى خلق رادع يقوض بشكل جدي الحافز لدى حماس لإطلاق المزيد من الصواريخ في المستقبل" وذلك كما ورد في بيان الجيش اثر بدء الحملة العسكرية وأدلى به المتحدث باسم الجيش "إفي بنياهو".
ب- الأهداف المتحركة وفقا للتطورات على الأرض:
في النقاش الداخلي الإسرائيلي هناك 3 توجهات رئيسية يمكن تلخيصها في إطار الأهداف المتحركة التي تعتمد على تطورات العمل العسكري على الأرض وهي:
1- التوجه الأول: وهو توجه يقول بإنهاء سلطة حماس بالكامل على قطاع غزّة، وهو توجّه يتطلب احتلال كامل القطاع والسيطرة على جميع محاوره وبقاء الجيش الإسرائيلي مرابطا في ارض القطاع وبالتالي يعني تحمّل خسائر بشرية عالية، واستنزاف طويل لا يطاق. ويقود هذا التوجه "بنيامين ناتنياهو" ونلاحظ انّ سقفه عال وكأنه يأتي من منطق المزايدة على غرمائه السياسيين الذين يقودون الحملة كي يضغط عليهم ليتبنوا أهدافا كبيرة وبالتالي يفشلون في تحقيقها لأسباب موضوعية ويسقطون سياسيا نظرا لعدم قدرتهم على انجاز أهدافهم ويستفيد هو في الانتخابات القادمة بالاعتماد على هذه الحجّة في حملته.
2- التوجّه الثاني: وهو توّجه يقول انّ هدف إسرائيل النهائي تحقيق هدنة طويلة الأجل مع الفلسطينيين ولكن وفق شروط تفرضها إسرائيل أو تكون مستفيدة منها على الأقل عمليا على أكثر من صعيد، ويبدو انّ هذا التوجه هو التوجه الأكثر واقعية ومنطقية في ظل التطورات الحالية الحاصلة. ويتبنى هذا التوجه كل من رئيس الوزراء "أيهود أولمرت" ووزير الدفاع "أيهود باراك"، وهما من يقودان المعركة عمليا على الأرض ويتوقف مصيرهما السياسي ومصير حزبيهما على أدائهم.
3- التوجّه الثالث: وهو توجّه تقوده وزيرة الخارجية الإسرائيلية "ليفني" ويقوم على خطّة مفهومها إلقاء تبعات قطاع غزّة بالكامل عل مصر وتحميلها المسؤولية كاملة عن القطاع وكل ما يتعلق به وبالتالي التخلص من مشكلته سياسيا وعسكريا. لكنّ مشكلة هذا الخيار انّه يضع إسرائيل في مواجهة مصر التي سيكون عليها رفض هذا المشروع وبالتالي الدخول في مواجهة مباشرة مع اسرائيل.
تطور العمليات البرية في القطاع:
التقدّم الإسرائيلي داخل قطاع غزّة يعتمد على الدخول من 3 محاور في الشمال والوسط والجنوب والتعامل مع كل محور بشكل منفصل على حدا نظرا للأهداف المرسومة للتدخل.
1- فالمحور الشمالي على سبيل المثال يعدّ مكانا ملائما لانطلاق صواريخ المقاومة وبالتالي فالتعامل معه يتم على أساس انه منطقة عمليات مهمة للمقاومة ويجب تدمير البنية التحتية التي يتم استخدامها لدعم اطلاق الصواريخ على ان لا يتم التوغّل كثيرا في هذا المحور والبقاء في حدود منطقة "بيت لاهيا"، و"بيت حانون" بعيدا عن "مخيّم جباليا" المكتظ بالسكان حيث ما يقارب 107 آلاف نسمة، لان التوغل الإسرائيلي سيضطرهم إلى دفع الكثير من الخسائر البشرية نظرا لقدرة المقاومة التي تزيد قوة كلما كان قدر التدخل العسكري البري اكبر من ناحية العمق نحو الكثافة السكانية. وهذا المحور صعب جدا، وللمقاومة قدرة كبيرة على الاشتباك وإيقاع الخسائر بالعدو.
2- محور الوسط عبر شرق غزّة، "محور مفرق الشهداء" وتستهدف إسرائيل من خلال التوغل فيه إلى فصل شمال غزة عن جنوبها وأيضا إلى قطع طرق الإمداد والتواصل، ولكنها ستقع في مشكلة كيفية تأمين الإمداد لقواتها في حال قامت بالتوغل من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في هذا المحور بشكل كامل.
3- محور الجنوب وهو محور مطار غزّة و"فيلاديلفي"، وهو محور استراتيجي مهم للمقاومة، ويسعى التوغّل الإسرائيلي البرّي عبر هذا المحور الى تدمير قدرات المقاومة التكتيكية وقطع طرق الإمداد والتمويل والتحصين، خاصّة ان هذا المحور يمكن تسميته بمحور "الأنفاق"، و"الخنادق" بما لها من أهمية في تهريب الأسلحة والذخائر، ويجب على المقاومة عدم التفريط بهذا المحور نظرا لأهميته البالغة حاليا ومستقبلا أيضا.
وبالتالي يكون على جيش الاحتلال تحقيق عدد من الأهداف ضمن إطار الحملة البرية العسكرية الهدف منها على نختلف المحاور:
- منع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بعمق 15-20 كم، خاصة في الشرق من غزة على طول الشريط الممتد بمحاذاة إسرائيل، ويشمل هذا النطاق صواريخ القسام ولكن يبقى بالإمكان إطلاق صواريخ "غراد" من الخلف والتي تصل إلى عمق 40 كلم إلى 60 كلم.
- القضاء على الأنفاق الموجودة في جنوب القطاع، وعلى مخازن الذخيرة والأسلحة والصواريخ.
- السيطرة على المعابر، وإقفالها وبالتالي عزل المنطقة عن العالم ومنع الإمداد.
- تدمير البنية التحتية لحماس وحركات المقاومة الأخرى، وللبيئة الحاضنة لهذه المقاومة.
السقف الزمني للعدوان:
ليس هناك من توقيت معلن لانتهاء الحملة والعدوان على غزّة، لكنّ بالتأكيد لا يمكن لهذا العدوان ان يكون مفتوحا بهذا الشكل الى ما شاء الله، وبالتالي ومن هذا المنطلق نستطيع ان نستشف حدود انتهاء العملية أو سقفها الزمني من خلال عنصرين أساسيين:
1- تحقيق الحملة لأهدافها المعنلة المباشرة، وهذا صعب للغاية خلال وقت قصير، وبالتالي يأمل الجيش الإسرائيلي تحقيق القدر الأكبر منها ومن ثمّ الضغط باتجاه عقد اتفاق سياسي، وبالتالي يصبح سقف الحملة الزمني محكوما بالتحرّك السياسي والاتفاق الدولي على مبادرة معيّنة او صدور قرار واضح من مجلس الأمن بهذا الشان، ومن المعلوم انّ التحركات السياسية والدبلوماسية تحتاج الى أن تأخذ وقتها، فالتصعيد العسكري أسرع دائما من العمل السياسي، وقد يحتاج العمل السياسي هنا إلى أسبوع في حدّه الأدنى على الأقل لكي يتم ايقاف العدوان، امّا في حدّه الأقصى فغير مقيّد بوقت.
2- من المستبعد أن تبقى الحملة العسكرية إلى ما بعد 20 الشهر الجاري حيث سيتم تنصيب الرئيس الأمريكي اوباما في الشهر الجاري، وعليه لا بد انّ إسرائيل لا تتوخى إحراجه عند بداية استلامه للمنصب، كما انّ عمليتها العسكرية البرية ستكون ذات فعالية اكبر بالنسبة لها كلما قصر وقتها وانتهت بسرعة، والاّ فان عليها تكبّد المزيد من الخسائر وهو ما من شانه ان يضر بمعنويات الجيش وبالتالي بأدائه وبأهدافه المعلنة من الحملة.
التعليقات (0)