الشاعرة العراقية.. لا تريد دخول ميدان السياسة لأنها ترفض إقصاء الآخر
سارة السهيل تكتب لها وللأطفال في وقت واحد: قلت لوالدي" لماذا رحلت وتركت غزالتك بين الوحوش?"
أنا جاهزة لتحويل رواياتي إلى أعمال سينمائية.. لكن أين هم المنتجون?
علينا إنقاذ الطفل العربي من هذه الأفلام غير المحترمة التي تعرض له
بيروت - من سجا العبدلي:
تقول الشاعرة والأديبة العراقية سارة السهيل في رثاء والدها الشيخ طالب السهيل في قصيدة " أبي":
كنت في ليلنا الطويل هلالا
كنت شمسا في يومنا الحيران
أيها السائلي عن الوجد أقصر
لوعة الفقد والهوى والأمان
ملء عيني وملء قلبي وروحي
وسري خاطري وفي وجداني
معها كان الحوار التالي:
ديوانك الأول (صهيل كحيلة) كتبته حينما كنت على مقاعد الدراسة وغلب عليه اللهجة الخليجية البدوية حدثينا عنه?
" صهيل كحيلة" أول ديوان شعري قدمته وانا على مقاعد الدراسة وكان بالعربية العامية او البدوية وغلب عليه اللهجة الخليجية, وهو أقرب ديوان لقلبي وشِعري كان دائما يعبر عن الاصالة والحنين للوطن والاعتزاز بالقبيلة والعشيرة, في هذه القصيدة اعبر عن فكري الحر, ومعتقداتي ومخاوفي وتوقعاتي, اتقلب بها حيث المتاح والمباح والممنوع واتنقل بين المعقول واللامعقول واغرس زرعاً باراضي الحب وبساتين الانسانية. تأثرت كثيرا بوالدي واخذت منه الكثير رغم حرماني منه في سن صغيرة جداً الا أن الدروس كانت مكثفة والحب الذي اعطاني اياه مركز لدرجة انه سيصطحبني طول العمر اضافة الى طبيعة الحياة السياسية التي عاشها أبي كمناضل سياسي كل هذا انعكس على بداياتي الشعرية بشكل أو بآخر لاشعوريا. وقد يكون هذا سبب أنه غلب على ديواني الأول "صهيل كحيلة" اللهجات العربية المتعدده, بالاضافة لتأثري بالشعراء القدامى أمثال أبي فراس الحمداني والمتنبي وحديثا الأمير خالد الفيصل والبياتي والجواهري وأحمد شوقي وبيرم التونسي ونزار قباني وبدر بن عبدالمحسن وغيرهم.
ما الذى أثرى تجربتك فى كتابة الشعر?
كل مبدع ينطلق من المحيط الذي نشأ وترعرع فيه, وبالنسبة لي فقد نشأت وترعرعت في أسرة تشتغل بالسياسة وتحتضن الفكر وتنتصر لقيمة الثقافة في تشكيل الوعي, ففي مكتبتنا تعرفت على عالم الكتاب الذي اتخذته صديقا ورفيق درب, تعرفت على الأدب الجاهلي ومس قلبي رغم انني كنت طفلة ولم يكن عقلي يدرك المعاني, وفي بيت ابي كان هناك صالون أدبي يفد اليه الساسة والمثقفون, وعن طريقه عرفت معنى النضال ضد المستعمر وتيقنت بحقوق الشعب الفلسطيني ومآسي الشعب العراقي الذي مرت عليه اهوال كثيرة من حرب ايران الى الحصار الى المعاناة الداخلية من الديكتاتورية والقمع وكتم الاصوات والحريات الى الابادة والقتل والتهميش ثم الاحتلال ومابعده من معاناة, وكانت أولى قصائدي عن نضال شعب فلسطين التي أخذتني لاحقا للاهتمام بالشعر الحديث, وفي خضم ذلك انفتحت على التراث العراقي وعمقت احساسي بالوطن الذي لم أعش فيه بسبب ظروف والدي السياسية. هذه هي المؤثرات التي شكلت وجداني في مجال الأدب والشعر بصفة خاصة. اضافة لتشجيع والدتي التي اخذت بيدي وساعدتني وزرعت بي الطموح وحب العلم والقراءة وحفزتني دائما لاكون افضل.
رسالة الاغتيال
ماذا عن حادثة اغتيال والدك كيث أثر ذلك في سارة الابنة والشاعرة?
والدي الشيخ "طالب السهيل" الانسان الطيب الكريم المضياف الرجل الشهم الذي فتح بيته لكل العراقيين بل لكل العرب ولاكون اكثر دقة لكل الناس لا يفرق بين اصل او دين او قومية او عرق. ابي الوطني المناضل الذي كان زاهدا بالدنيا متطلعا للآخرة هو قدوتي ومثلي الأعلى في الحياة, أبي ورفاقه وامثاله ممن قالوا كلمات الحق وكلمات حرة بزمن الشتاء العربي العاصف ببرقه ورعده وليس بزمن الربيع العربي الذي يستطيع اي كان ان يرفع صوته ويحتج ترك في اغتياله رسالة ذات مغزى, وهي الفداء والتضحية بالنفس والروح. والدي لم يرحل وحيث أني رأيته بالمنام يرتدي الأبيض والعمامة وكأنه شاب يشع وجهه نوراً وجمالاً وقد سألته لماذا تركتني وحيدة يا أبي أنا حزينة وخائفة فهذه الدنيا كالغابة فهل يترك الوحوش الغزلان فأجابني (ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) فاستيقظت من النوم أبكي حزناً وفرحاً. من المؤكد أن حياة والدي السياسية وحادث اغتياله كان لها أثر كبير علي وخاصة أن والدي كان مناضلاً ووطنياً من نوعية فريدة وخاصة جدا, عندما أغتيل كنت في سن صغيرة شعرت وقتها أني فقدت شيئاً كبيراً يربطني بالعالم, وهو ما انعكس على كتاباتي الشعرية بل على حياتي الخاصة أيضا وشعوري باليتم لكوني يتمت بحرماني من أبي وأنا في سن صغيرة أجد سعادتي وسط الأطفال وخاصة من الايتام منهم.
حدثينا عن قصيدة أبي?
تصادف أن قرأت في ديوان سقط الزند لأبي العلاء المعري قصيدة له يداعب بها صديقا شاعرا علويا, ولكنها لم تكن من قصائد الرثاء, ولكنها تبدأ ببيت وجدته يحرك شجني ويغمر نفسي بأجواء الفقد والألم. فكتبت هذه القصيدة التي تتحدث عن ابي منذ استشهاده (علي يد النظام العراقي السابق). لقد اكتفيت من قصيدة أبي العلاء بالشطر الأول من مطلعها الذي يقول فيه مخاطبا رفيقيه " عللاني فان بيض الأماني فنيت والظلام ليس كان" هذا الشطر كان قادرا على أن يتفاعل مع انفعالاتي ويمدني بهذه القصيدة. ومن المهم أن أشير أيضا أن شطرا واحدا في ثنايا هذه القصيدة قد أخذته من شعر عمر بن ربيعة - الشاعر الغزلي الأموي المشهور, وهو قوله: "وسهيل اذا استقل يماني" وقد أغراني بهذا الاقتباس, وحسنه لي, أن جدي اسمه سهيل. واسم عائلتي السهيل.
تهتمين كثيرا بالأطفال وبالكتابة لهم وتحديدا الأيتام لماذا?
عالمنا مليء بأشكال من الفساد والنفاق اللذان يدنسان تدنس النفس الانسانية ويخراجها من فطرتها التي فطرها الله عليها, ومايتمتع به الأطفال من طهر ونقاء يسرق قلبي مني ليذهب اليهم ويعيش معهم كواحد منهم يتطهر دائما بمعاني الاخلاص والصدق والحق. وقد تعلمت منهم الكثير والكثير مما تعجز الكلمات عن وصفه ويكفي أني عرفت مع الأطفال أن العالم فضاء واسع لايعرف نهاية تنطلق فيه الأحلام والطموحات تبحث عن سبيل وتتخطى الصعاب من دون أن تعرف معنى المستحيل فالأمل المتجدد في نفوس الأطفال حفزني على حب الحياة كما أن مايتمتع به الأطفال من نعمة الدهشة سرعان ما ينتقل لي ليغمرني بالسعادة. فالانسان اذا فقد معنى الدهشة فقد معنى وجوده. الطفولة عالم خاص جداً شديد السحر لأنه لايعرف المستحيل, هذه المعاني أعيشها وأنا أكتب قصصي للأطفال, فأنا أكاد أعيش سنهم لحظة الكتابة اليهم وأتقمص شخصياتهم وأفكر بطريقتهم, لكني وسط ذلك كله لا أنسى الرسالة الهادفة من وراء فعل الكتابة بغرس قيم العدل والحرية والمساواة والتعاطف والرحمة.هذا مطلوب من المثقف, فتبلغ سعادته الذروة عندما يتكاتف انسانيا مع كل فئات بني الانسان وان يرسم ابتسامة على وجه طفل يتيم وهذه هي قناعاتي. أشعر بأن بداخلي طفلة كبيرة, وهذا يدفعني دفعا للكتابة للأطفال, فأنا أكتب لهم ولي في وقت واحد. فان سحر الطفولة الآخاد يسرقني من عالمنا البشري المغرق في المادية, ويرتحل بي مع رحلات سندباد, وكل أخيلة الأطفال وأحلامهم فأجدني جزءاً من عالمهم أتفاعل معهم وأعبر عنهم.
أعمال سينمائية
تفكرين في تحويل بعض رواياتك الى أعمال سينمائية على ماذا وقع الاختيار?
أنا جاهزة لكن أين هم المنتجون فهم يركزون على عدد قليل من الكتاب, فلا يوجد دم جديد في الكتابة. بعض المنتجين طلبوا مني سيناريوهات لكني أنتظر المنتج المناسب لأتعاون معه سواء في عمل فني للكبار أو للأطفال, حاليا أكتب سيناريو لفيلم لم أنته منه بعد وهناك مسرحية للأطفال وفيلم كرتون تحت التجهيز. ولدي قصه بعنوان "أميرة البحيرة " تصلح لعمل فني كبير. كما كتبت قصة حب صينية بعنوان -سور الصين الحزين- التي تحكي عن عمل الفقراء في السخرة لبناء سور الصين الحزين وهى عمل أدبي مستوحى من التراث الصيني. اخترت قصة (نعمان والأرض الطيبة) التي أفكر بشكل جدي في تحويلها لعمل سينمائي ومرشح لبطولته النجم يحيى الفخراني. ونفس قصة (نعمان والأرض الطيبة) أستعد لتحويلها لعمل مسرحي أجهز له من فترة ليظهر بشكل سليم لأن العمل يحتاج لعوامل ابهار كثيرة لأنها ليست مسرحية عادية وهي تعتبر ثاني عمل مسرحي لي بعد مسرحيتي الأولى (سلمى والفئران الأربعة) الذي قامت ببطولتها النجمة دلال عبدالعزيز.
شقيقتك عضوة في البرلمان العراقي, ألم تفكري فو ولوج عالم السياسة أسوة بها?
شقيقتي الشيخة "صفية السهيل عضوة البرلمان وهذا اقل شيء تستحقه نسبة لخبرتها وحنكتها وعطائها وقد تمرست على السياسة منذ صغرها وكانت تحضر كثيرا مع والدي الاجتماعات واللقاءات السياسية التي كان يقوم بها والدي وقد أخذت منه شقيقتي الكثير في هذا المجال وشربت السياسة منه وتعلمت اللعبة السياسة على أصولها لكن أنا عندما أغتيل واستشهد والدي الشيخ طالب السهيل كنت في سن صغير لا أدرك الأمور السياسية ولكن هذا لم يمنعني من أخذ جزء كبير من والدي ومن شخصيته وحبه للوطن العراق فوالدي هو قدوتي ومثليى الأعلى في كل المجالات وليس السياسة فقط اخذت منه التواضع وحب الناس وخدمة المجتمع بما استطيع فعله وعلى قدر قدرتي وما تصل له يدي واخذت منه العطف على كل مظلوم ومحتاج وفقير او فاقد ابويه او كبير السن واخذت منه الجوانب الثقافية والاجتماعية والانسانية اما السياسة فلا اعتقد انها تليق بي كون معتركاتها قاسية وحروبها ظالمة فكل سياسي وكل حزب وكل طائفة وكل كتلة تريد ابراز نفسها ونسف الاخرين ولكن ليس بالطرق المشروعة لهذا ابتعد عن هذه الاجواء التي لا اجيد لغتها لفهمها ولا الرد بالمثل. بالاضافة الى أن عملي في المجال الثقافي لاينفصل عن العمل السياسي فكلاهما يستفيد من الآخر, وان كان العمل الثقافي أوسع وأشمل في مفهومه وميدانه ومجالاته من العمل السياسي في رأيي الشخصي, وقد لا أمارس العمل السياسي المتخصص لأنه لايستهويني من ناحية, أخرى فان السياسة هي فن الممكن, أما العمل الثقافي والابداعي الذي يقوم بشكل كبير على الخيال والتجريد للمعاني والقيم الكبرى فلا حدود ولا سقف له, فلا سقف للحرية وللمثل العليا في دنيا الأدب والثقافة.
من وحي اهتمامك وانتاجك الأدبي للأطفال هل أنت راضية عن ما يعرض للطفل في التلفاز?
بالطبع انا غير راضية تماما عن ما يعرض للطفل في التلفاز وذلك لأن ما يعرض بات الاطفال بعيدين عنه. لذا لجأوا لبرامج الكبار لانهم لم يجدوا في البرامج المخصصة لهم ما ينسجم يشدهم. فطفل اليوم فقد الكثير من مقومات الطفولة واصبح شبه رجل صغير او امرأة صغيرة ولكي نحقق المعادلة الصعبة وننقذ اطفالنا من انعدام البراءة ودفن الطفولة والغاء اهم مرحلة من مراحل العمر التي لو الغيت من حياة اي انسان اصابة نفسيته بشرخ كبير وعلة واضحة من الصعب علاجها لاحقا لهذا من المهم جدا ابقاء الاطفال بطفولتهم الى ان تنتهي المرحلة العمرية للانتقال للمراهقة. بالتالي يجب تعاون الكتاب والمخرجين والمنتجين ومصممي الكارتون والبرامج والافلام الخاصة بالاطفال وتوعية المسؤولين لاهمية هذا الامر لننقد الطفولة البريئة ويتم ذلك عن طريق اعادتهم لبرامج تليق باعمارهم بعيدا عن المسلسلات المدبلجة بقصص الغرام غير المحترمة او متابعتهم لقصص العنف والاجرام التي تخلق منهم اشخاصا عدائيين وتؤثر على شعورهم بالامان وتزرع الخوف والصراع بنفوسهم كما انه يجب انتاج برامج هادفة لا تفتقر لعنصر التسلية والاثارة.
ماذا عن تأثير الربيع العربي في أدب الطفل?
ثورات الربيع العربي كان لها تأثير كبير على المبدعين والأدباء لأنها جاءت لتقضي على الديكتاتورية وأساليب القمع السياسي والضغوط التي كانت تمارس على المبدعين وتكمم أفواههم وهو ما انعكس على مايقدمونه من اعمال فلم يكن الأدب انعكاسا حقيقيا للواقع وانما كان صورة من وحي خيال المبدع ولم يستطع معظم المبدعين أن يقدموا الصورة الحقيقية للواقع خوفا من بطش الحكام وكبار المسؤولين. ولكني أؤكد أنه يوجد عدد ليس بالقليل من أدبائنا حاولوا أن يقدموا الواقع في أعمالهم الأدبية الموجهة للأطفال وتحملوا الكثير من الظلم والاضطهاد وكانت أعمالهم عبارة عن نقد لما هو كائن وأمنيات بما يجب أن يكون عليه الواقع. هناك نماذج من أعمالي تعبر عن ذلك مثل "اللؤلؤ والأرض" وهي قصة عن الشعب الفلسطيني, "نعمان والأرض الطيبة" وتتحدث عن فكر تنموي وتربية سياسية للأطفال ومعارضة قوى الشر حتى يرفض الطفل الظلم منذ صغره ويتمكن من قول لا على أي شيء لا يقتنع به. انه من الأهمية بمكان أن يتضمن كتاب الطفل الفكر والخطط للمرحلة الحالية والمستقبلية, كما لا يقل أهمية دمج الثورة مع الكتابة للأطفال كدور من التوعية ليمكنه من اختيار مسار ثوري بطريقة فكرية حضارية راقية.
ما آخر أعمالك?
رواية للكبار هذه المرة اتمنى ان يتم طبعها لتكون متاحة للقراء بأقرب فرصة والكثير من المشاريع التي تحتاج لجهات انتاج تكون مستعدة للعطاء من اجل الاطفال وايضا مشاريع ادبية للكبار اتمنى تنفيذها في الوقت المناسب.
التعليقات (0)