صنفت قواميس علم الاجتماع .. العراقيين .. شعبا صعبا، صعب المراس.. معقد التركيبة.. اثني موتور.. يذهب فيه الفرد الى ما يخالف ارادة المجتمع، من دونما هدف ولا اسباب.. يؤمن بالرأي ونقيضه، متحمسا لكليهما معا في وقت واحد.. يؤمن بشيء ويقول شيئا آخر ويفعل شيئا ثالثا.. يوافقك الرأي وهو يهيئ جملة للموافقة على ما سيقوله غريمك والنيل منك. دوخوا الامام علي بن ابي طالب (ع) وملأوا قلبه قيحا حتى ود لو يصرفهم كالدراهم بالدنانير... دعوا الحسين بن علي (ع) لتصحيح مسارات الخلافة التي اشتط بها الامويون عن الراشدين (رض) فاقبل يحمل رسائلهم، الا انهم لم يكتفوا بخذلانه، انما انقضوا عليه في واقعة (الطف) المعروفة. والحال نفسها تكررت مع هولاكو الذي قدم بجيوشه الجرارة تحاصر بغداد، شهرا، والبغداديون داخل الأسوار يهللون لمقدمه، حاملا رسائلهم التي بعثوها اليه يستنجدون به، ولما فتحت بغداد اسوارها امام جيش هولاكو المحرر، واستتبت طمأنينة العراقيين الى ان الخليفة الارعن الذي لم يدخر وسعا لاهانتهم وتجويعهم واذلالهم والتفنن بظلمهم، لن يعود؛ تنكروا للمحرر واعتبروه غازيا يعلنون الجهاد ضده ويتراسلون مع اهل مصر لـ (إخراج المحتل) في حين المصريون وقتها عملوا على الاطاحة بهولاكو في بغداد انطلاقا من احقاد طائفية يتضادون بها مع العراقيين الذين انساقوا وراءهم كانسياق ساسة ما بعد 2003، هذا مع ايران وذاك مع السعودية اللتين تجيرانهم لستراتيجيات خاصة بكلا الدولتين داخل العراق وما العراقيون الا حطب للنار التي تنضج ايران والسعودية اهدافها عليها. وطال استنجاد العراقيين ببريطانيا لإنقاذهم من الدولة العثمانية التي تسومهم مر العذاب بالضرائب التي ترفع الممتنعين عن الدفع فوق الخازوق، يغرز في عجيزته ويدور الجند به في المدينة محمولا على الخازوق حتى ينفذ في احشائه خارجا من هامة رأسه. استنجدوا ببريطانيا العظمى لانقاذهم من الخازوق العثماني، وجاءت بجيشها الجرار العام 1914، ظلت ترزح في البصرة.. تواجه مقاومة عثمانية شرسة، انفلتت منها نافذة الى بغداد العام 1917، لكن بعد ثلاث سنوات، اي في العام 1920 ثار العراقيون.. نفسهم الذين استنجدوا ببريطانيا من العثمانيين ثاروا بعد ثلاث سنوات، وهم نفسهم الذين انتظروا من شغاف قلوبهم منقذا من صدام حسين، ثاروا على قوات الائتلاف بقيادة امريكا عقب سبعة اشهر مرت على تحريرهم من مخالب الطاغية. هؤلاء هم العراقيون فـ (طلع هالـ... من هالوحلة) وعلى من يتبوأ منصبا ان يستعد لغدر العهدود ونقض الوعود ونكث الاتفاقات، بعد ان اتفقوا معه من دون ان يدروا لماذا وعلام اتفقوا وعلام ولماذا اختلفوا بعد اتفاق (وياهم.. وياهم.. عليهم.. عليهم) ايمانا بالرأي ونقيضه والمجاهرة بما يناوئ سرهم؛ فهم عراقيون، يحق لهم ما لا يحق لغيرهم من الشعوب القياسية؛ لأنهم شعبٌ لا قياسي (قلوبنا معك وسيوفنا عليك). وفعلا استقوى بهم يزيد على الحسين واستقوى بهم صدام حسين على انفسهم.. وهناً على وهن. لكن هل جاء الحسين من اجل العراقيين ام لاجل كرسي الخلافة؟ كي يقوم الحكم الذي اشتط به الامويون عن الراشدين! استجابة لطالب المؤمنين برسالة جده محمد (ص) فامتثل لطلبهم الذي عده امر الله فاطاعه، لكن العراقيين لم يتقوا الله بالحسين وعياله سبايا يسلبونهم ما حوسموه بعد الف واربعمائة عام (أولئك اجدادي فجئني بمثلهم.. اذا جمعتنا يا جرير المجامع). وبريطانيا جاءت لاسبابها الاقتصادية في 1914 ومثلها هولاكو الذي شكل العراق جزءا من فتوحاته العسكرية وامريكا التي عاقبت صدام في العام 2003 على ضربه (حلبجة) بالكيمياوي العام 1987 وقمعه الجنوبيين منذ وجدوا على وجه الارض، فلماذا انتفضت نخوة الامريكان العام 2003. لكن على العراقيين ان يحمدوا الله لخلاصهم من صدام وهم في حل من شكر امريكا لانها صفت حساباتها مع موظف في البيت الابيض الامريكي كلفته بمهمة حكم العراق باعتباره مستخدما محليا، وعند حلول موعد تقاعده رفض التقاعد وتمسك بالمهمة خارجا على طوع امريكا لمدة خمس عشرة عاما اي منذ انتهاء حرب ايران التي كان على صدام حسين ان يتنحى عن الحكم بعدها، لكنه اجرى اخطاءً تكتيكية ابقته خمسة عشر عاما بعد انتهاء حرب ايران لأن مصالح جديدة استحدثتها اخطاؤه لامريكا، اي انه (خبطها وشرب صافيها). هذا العراق وهذا بعض غضبته فانظر لأي (الذرى!) جياشه زحفا هذا هو واقع العراق.. هنا والان.. امام دولة رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو يسعى للانتقال به من تبعات 2011 التي سيرثها 2012 امورا جسيمة ظلت عالقة، لم تحسم، وهناك الكثير مما لم يحسم في شخصية الانسان العراقي، برغم تعاقب الاحتلالات (التحريرية!) والثورات والحكومات التي دالت جورا مرة ورحمة مرات، استكان للجور وانتفض على الرحمة، فهو شعب لا يقر بالمنطق انما يخنع للاكراه. شعب جاء بالملوك ثم ثار جيشه عليهم تحت حجج واعذار واهية تفيد الطمع بالكرسي الذي ما زال ناعور دم يدور من دون هدوء؛ لذا لن يأمن رئيس وزراء منتخب للبطاقات التي اودعوها في صناديق الاقتراع. لكن على المالكي ان يستعير مبدأ كارل ماركس (هنا والان) اي فوق هذه البقعة الملعونة من الارض في هذا الزمان بكل التداخلات العراقية التي لا تنتهي.. كلما سد بابا فتحت ابواب وكلما حل مشكلة تفجرت مشكلة، وهذا هو شأن العراقيين الى يوم القيامة. بكل هذه التداخلات يجب ان ينفذ الخيط في ثقب الابرة وتسير الامور، اذ صرح الرئيس العراقي الراحل عبد الرحمن عارف خلال لقاء صحفي بان نفوس العراق البالغة عشرة ملايين حينها، تضم عشرة ملايين اسلامي وعشرة وملايين قومي وعشرة ملايين شيوعي وعشرة ملايين بعثي وعشرة ملايين مستقل.. حشر مع الناس عيد.. مع الهبة.. مع القوي ضد الضعيف. هذا التوصيف الدقيق للعراقيين يجب اعتماده في تحييد القضايا التي لم تحسم في 2011 واعتماد قضايا جديدة تحل هذا العام 2012 وفق مخططات عمل تتخذ من العراق كاملا ميداناً لـ 2012 باعتباره مدى مفتوحا للحكومة على مستقبل بكر لم تسبر اغواره، يتوجب النفاذ اليه من دون اغلال 2011 بغية الانطلاق في فضاء الانجازات الخدمية والامنية والسياسية، خفيفا من اعباء 2011 وسترى الحكومة كيف يتبنى العراقيون القضايا الجديدة بحماس الـ (وياهم.. وياهم) والـ (عليهم.. عليهم).
المقال كتبه الكاتب عمار طلال تحت عنوان " المالكي في ارض عكس دوران الكوكب "
التعليقات (0)