مواضيع اليوم

مقال : الإصلاح صلاح وفلاح والتغيير خراب ودمار ( 2 )

محمد المودني

2013-10-22 15:12:59

0

 .. لا ، لا يا عزيزي ، ليس هكذا تدار الحياة وفصولها ولا بهكذا الفكر الجامح تبنى الأوطان وصروحها :

ليس فقط على النجاح والفرح أو على الإخفاق والإحباط تقام المبادئ ، ولا على المصالح الخاصة أو على الربح والخسارة تثبت المواقف .. لا يجب أن نترك الهم واليأس يدفعا بنا إلى الانتقام من العالم ، ومن الوطن ، ومن الطبيعة .. ومن أنفسنا . فهل من لا هم ولا متاعب له ولا أورام في حياته ( وهذا من المستحيلات ) لا مبدء ولا موقف ولا رأي .. ولا روح له ؟؟  وهل من له من يخاف عليه وما يخسره ملزم ومرغم على تقبل الظلم والاستبداد والاستعباد ، ومكره على النوم مع الفساد في غرفة واحدة وعلى  سرير واحد ؟؟  

نعم ، كل هذا وأكثر قد يكون صحيحا بالنسبة للأميين والأغبياء من السلطويين والإداريين والسياسيين والبورجوازيين والنقابيين والإعلاميين والجمعويين في بلد غارق إلى وريديه في

التخلف العام بطوله وعرضه على امتداد تاريخه الحديث مثل بلدنا هذا .. لكني أعتقد – حسب

رأيي المتواضع –  أن من له مبدأ عليه أن يتشبث به في كل الأحوال والظروف وفي ومن أي

موقع كان دون أن يندفع لحرق العالم أو الوطن أو القرية أو الحي ، أو لحرق جاره أو أسرته ..

أو لحرق جسده وروحه .

محاربة الاستبداد والظلم والفساد وحمولاتهم ومجروراتهم تكون ، يا صديقي ، من القلب أولا

وبالعقل ثانيا .. يكون الإصلاح عنوانها ومقدمتها ، والإصلاح فالإصلاح تفاصيلها وخاتمتها . والإصلاح هذا لم ولن يتأتى إلا بقوة العزيمة مع الإرادة اللا منتهية وثبات المبادئ والمواقف ،

وبكبح النفس وحواسها وبصدق القول والفعل ، وبالسلاسة والنهي والإرشاد والسالمة ،.. وبالقسوة والزجر عند الضرورة النافعة وصولا إلى إصلاح غايته صلاح النظام ومؤسساته وهدفه فلاح الوطن ومواطنيه دون خسائر:  بلا جرح ولا قتل ، وبلا تدمير ولا تخريب وبلا إهدار للزمن وللثروات ، فيكون بذلك الربح مضاعفا وفي جميع الحالات .. حتى وإن كان تحت وطاة الظلم والفقر والامراض والبطالة والأمية والجهل . الإصلاح والإصلاح من القلب وبالعقل خير وأفضل من التغيير العنيف ألف مرة ومرة :

إصلاح الإنسان .. كل إنسان إنسان ، الذي لم ولن ينصلح حاله إلا بإصلاح عقليته ، وهو أمر جد صعب وفي غاية التعقيد  يستوجب إصلاح ثقافته الباطنية إصلاحا جذريا وعميقا لتصحيح - بها ومعها –  فكره ، وظبط نبظات قلبه وتقويم غرائزه وسلوكياته .

بمثل هذا الإصلاح تتحقق العدالة .. العدالة العادلة : في السياسة والسلطة وفي القضاء والإدارة ،  وفي الأمن والإعلام ، وفي الاقتصاد والثروة .. وفي السكن والتطبيب ، وفي التعليم والتشغيل .. ، وينتصر الحق ويعود على الأكتاف لمنصبه كحاكم فعلي قوي ووحيد .. ، ويزهق الباطل وينقرض ومعه الاستبداد والاستعباد والظلم والفساد ، والفقر والبؤس والتخلف . فتعاد الكرامة لمن سلبت منه وتعم الفرحة والسعادة كل المجتمع ، فتتلاحم كل أطيافه وتتعاضض كل قواه ، وتتقوى وحدته فيتقوى بها ومعها الوطن .. ويسمو ويتعملق إلى أن يستعيد عظمته ومكانته وهيبته وكل ما سلب من سيادته السياسية والجغرافية والبشرية والاقتصادية ..                 

فالإصلاح الإنساني إذا يكون غير مكلف لا بشريا وماديا ولا زمنيا وطبيعيا ، وفيه الخير والبركة للأرض وما حملت ولكل الخلق والكائنات .. إنه صلاح وفلاح .  

أما التغيير ، الذي لا يكون إلا بالقوة والعنف حسب أحداث التاريخ الغابر والقديم والمعاصر ،  فخسائره لا تعد ولا توزن ، ولا تحد في الفئة والنوع ولا بالزمن والمكان كما كان حاله بفرنسا في القديم البعيد وبروسيا وتركيا والصين وإسبانيا والبرتغال في القديمين القريبين ، وكما هو جاري حاليا في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ، وكما حصل قبلها في الجزائر والعراق .. تغييرات أحدثت وخلفت خسائر بالجملة لا حدود لها في الإنسان والحيوان والعمران والطبيعة ، وفي الثروة والزمن . التغيير الإنساني إذا هو شر إجباري عنيف .. إنه خراب ودمار للأوطان ، لكنه قد يكون مفروضا في بعض حالات الإصلاح الجذري المستعصية .    

كل إنسان كيفما كان ومهما كانت صفته ومهما تجبر واستعصى فيه خير وشر ، وفي قلبه وعقله نور وظلام .. ولإصلاحه ومحيطه يجب فقط العمل ، دون كلل ولا ملل وبصدق وبلا نفاق ، على جانب خيره وتحت نوره فقد يكون غارقا في ظلامه مزهوا بشره وأشراره ، وإصلاحه من خارجه ومن داخله بلا عنف سيكون إنقاذا له ولمحيطه ولبيئته ولمجتمعه .. وبالتالي لوطنه . وقائد نظامنا يبقى إنسان كأي إنسان - مهما تغول وتجبر وانتفخ وتقدس واستبد وتغطرس - قابل للإصلاح ، وإصلاحه ممكن ومؤكد ككل إنسان . وفي هذا الصدد علينا أن نتذكر ونستحضر فقط بعض الأحداث وبعض المحطات والمواقف التي توحي بل تأكد إمكانية إصلاح كل إنسان وكل نظام وكل مجتمع بإصلاحه من داخله أولا ومن خارجه ثانيا :

بداية علينا أن نتذكر هنا الخطابين الأخيرين لدكتاتور تونس بنعلي ( ولا أقول زين العابدين ) قبل سقوطه وفراره ، حيث بدا في أولهما ثعلبا ماكرا مذعورا وفي ثانيهما حملا وديعا ، وفي الحالتين كان قابلا لأي إصلاح بل كان مستعدا للتخلي وللتنازل ، وإن على مضض ، عن جبروته وقدسيته وعرشه مقابل فقط سلامته الجسدية وسلامة ليلاه ..

نتذكر كذلك وضعية المنافق الأعظم حسني مبارك قيصر مصر وحالته النفسية في خطابيه الأخيرين التي لم تختلف في شيء عن حالة دكتاتور تونس بنعلي رغم أنه لم يفر خارج الحدود ربما لأنه كان محميا ويعلم أنه سيعود يوما لعرشه ..

وكذلك كانت وضعية ونفسية دكتاتوراليمن علي عبد الله صالح ( الغير الصالح ) مثل حالتا نظيريه السابقين .. والذي حسنا فعل برضوخه لظغوطات نظرائه من أشقائه في الخليج ومن أسياده في الغرب بعد طول صياح ونواح ونباح ..  

وأما حالتي ملك الملوك معمر القذافي الأجوف والأسد المزيف الجبان فقد يكونان حلقتين فريدتين في السلسلة العربية الصدئة الآيلة حلقاتها للتساقط والتحلل .. 

لكن المهم بالنسبة لنا نحن المغاربة علينا أن نتذكر ونعي جيدا كيف سارع الملك ، بعد هبوب دخان التغيير العربي تحت ظغط الشارع بزعامة حركة 20 فبراير التي لم تطالب بأكثر من الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي ، إلى الرضوخ والاستجابة لبعض مطالب الشعب وإن كانت فقط انحنائة ماكرة للعاصفة في ظاهرها ولقمة مسمومة بالتضليل والخداع في جوهرها .. نظرا لقلة تجربة زعماء الحراك وضعف إلمامهم بالسياسة وبالقوانين الفقهية ، وطهارتهم من نجاسة الدسائس والمدسوسين ووسخ النفاق والمنافقين وعفونة الخيانة والخونة ..      

نتذكر جيدا كيف كان منظر ومظهر محمد السادس ، وكيف كانت حالته النفسية وهو يلقي خطاب الإنقاذ .. خطاب 09 مارس 2011 :  

كان جد مرتبك وهو يقرؤ فقرات خطابه وعلامات الخوف الشديد بادية بوضوح على ملامح وجهه وحركات يديه ، والعرق الغزير تتساقط حباته من جبينه على أوراقه وطاولته .. ونتذكر كذلك كيف أن ذئاب نخبه اختفت عن الأنظار العامة ولم يعد لها وجود عمومي في تلك الأسابيع العصيبة ..

علينا ان نعي جيدا كيف أصبح الملك يخشى غضب الشعب وردة فعله على كل هفوة من هفوات ترسانة  نظامه ويبادر لإطفاء شرارة نارها قبل اشتعالها :

نتذكر كيف كانت ردة فعله على المشتكى بهم من أصحاب سلطانه في الحسيمة والدار البيضاء وفي العديد من المناطق ..

نتذكر كيف نزل من برجه العاجي وخرج من عرينه رغم تردده ليعتذر للشعب عن الزلة من  العظمى لخدام وحراس نظامه الذين دفعوه بغبائهم ، كما يفعلون دائما ، لارتكابها في حق صبيان الوطن ضحايا جريمة الوحش الإسباني ..

ونتذكر أيضا كيف حاول كسب  ، بالباطل والتضليل ، ود وتعاطف مواطني المغرب المنسي في خطاب 20 غشت 2013 باجتهاد وبإحاء وباقتراح وبتخطيط وبأقلام نخبته السياسية والقانونية والأمنية المحصنة لنظامه - كما هو الحال في كل الأنظمة الدكتاتورية - وبدا ذلك جليا وواضحا للعيان من خلال قرائته لصفحات خطابه كما جرت العادة في خطبه عند كل زلة من زلات نخبه المحاربة لأي إصلاح حتى وإن كان شكليا وذلك عندما زاغ ، بلا حياء وبلا خجل ، عن نص دستوره وقاوانينه وداس بإصرار وترصد وبقوة ( تماما كما فعل سيسي مصر وعلمانييه ومهندسيه ومموليه ومشجعيه) ، وبعنف سياسي على أصوات وكرامة من دعموه من المغاربة في فرض ذلك الدستور وقوانينه ، وركب بقدسيته على ظهر حكومته الموقرة وضحى ببنكيران ، الذي لم يكل من الانبطح له أكثر وأعظم مما فعله غيره من قبل ، وبحزبه الذي كان ورقته الأخيرة في أزمته العصيبة والذي رمى بمبادئه تحت طاولة المصالح الفردية والجماعية ووضع نفسه خادما طيعا ومطيعا له ومنقذا للنظام برمته .. لقد أديا دورهما كما أرادت لهما ترسانة النظام وانتهيا ولم يبق إلا رمي الأول في المزبلة واجتثاث أنياب الثاني بعنف عنيف ، وكلاهما يستحقان الجلد والشنق قبل ذلك بتهمة كبائر العصر في الغرب وتوابعه والتي لن تكن أقل من جريمة الإرهاب ..  

خلاصة هذا التحليل المتواضع لأحداث ومواقف ومحطات موضوعنا نستشف منها أن الإصلاح العميق الإرادي السلس فيه خير وبركة وصلاح وفلاح للوطن بكل أركانه ( أرضا وشعبا ودينا ولغة وتاريخا ومؤسسات ) وأما التغيير العنيف ( الإصلاح اللا إرادي ) فهو خراب ودمار له ، وأن إصلاح نظامنا ومنظومته ممكن إذا ما أجبر الملك بصدق ونبل الوسيلة والغاية على تطهير محيطه ، وانتزاع أظافر وأنياب نخبه وتقليم غرائزها وتهذيب نفوسها ، وتخليق ملكيته التي هي ملكية كل فئات الشعب ، كما هو شأن الملكية في بريطانيا وهلاندا وبلجيكا واسبانيا.. ، وليست هي فقط ملكية الملك ونخبه وخدامه وكل المنتفعين بقدسيتها وتغولها . لأنها بالشعب وبدينه ولغته وعلى أرضه قامت ، وبسواعده وقوته وبإخلاصه عاشت واستمرت .. ولن تعمر وتخلد إلا بحبه ووفائه .   


- محمد المودني – فاس .

 (شتنبر 2013 ) 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات