في الوقت الذي نرى ونسمع الإعلام بكل أطيافه في العالم بأسره (حتى في أحدث وفي أفقر دوله ) يتحسن ويتطور من جيد إلى أجود على مدار الساعة واليوم والشهر والسنة ، سياسة وتخطيطا وشكلا ومضمونا ، نجد إعلامنا بكل مكوناته – مع الأسف الشديد مثله مثل كل القطاعات في بلادنا - مازال متشبثا ، بإصرار وعناد شديدين وعن قصد وترصد ، بالتخلف ومسبباته وغارقا في النمطية حتى وريديه . يدار ويسير ويشتغل ويتعامل بعقلية بدائية ، يجتر نفسه منذ أن أسس إلى اليوم بمفاهيم وأفكار وبآليات وأداوات جد تقليدية .. لا يتحدث إلا لنفسه ولا يعبر إلا عنها . هي جملة نظريات وقواعد وخطوط التي قام بها وعليها وبينها إعلامنا لم تتجدد ولا تتغير رغم تغير أشخاصه بعد طول مقامهم ، ولم تتطور رغم تطور المجتمع ولا تتحسن رغم تحسن درجة وعيه :
نفس الفلسفة ونفس التوجهات ونفس التقنيات ونفس المخططات ونفس المواضيع ، بل وحتى نفس الأساليب والمفردات والكلمات ظل يتنفسها ويدور بها ولها وتحتها وحولها في يقظته ومنامه منذ يوم ميلاده . والغريب في غرائب إعلامنا الرسمي – الذي هو قاطرة كل عناوين الإعلام في بلدنا السعيد – هو أن حتى مواقع وبنايات مؤسساته لم تتحرك قيد أنملة لا صعودا ولا قدما حيث مازالت مدسوسة ومختبئة بين الدروب والأزقة مركونة في زوايا التخلف والبؤس .
بحكم تطوره المتسارع كما وكيفا وتصاعد قوة تأثيره المباشر والفوري على الإنسان وعيشه وتعايشه في كل الدول المتنورة والمتحضرة والراغبة في التنور والتحضر والسائرة بصدق وثبات إليهما ، عريقة كانت أم حديثة العهد بالوجود ، فالإعلام لم يعد فقط سلطة رابعة – التي مازال إعلامنا يسمع عنها من وراء الفج البعيد ويجهل معناها في اللغة وفي الاسطلاح – بل تجاوزها بجودة مهنيته ، وفرض نفسه بصدقه ومصداقيته وسرعة أدائه على كل السلط والمؤسسات ، وأصبح هو الموجه والمرشد الرئيس للمجتمعات ولسياسات قياداتها :
فهو يقوم بأدوار دبلوماسية واقتصادية واجتماعية وأمنية في غاية الخطورة وعلى درجة عالية من الأهمية لخدمة أوطانه .
وأما إعلامنا بكل مكوناته فمازال كما أنشئ أول مرة مجرد آلة نفخ هوائية تقليدية متهالكة ليس إلا :
ينفخ في العقول الميتة والجثث الهامدة التائهة بين تضاريس هذا الزمن الرديء .. ينفخ في الباطل ، بالكذب والتضليل والنفاق ، لتطهيره ونصرته ونشره وتعظيم صاحبه وتوشيحه وتكريمه ، ولإزهاق الحق ومكافحته وإدانة صاحبه ومطاردته .
كل شيء في العالم نراه ونسمعه ينصلح حاله ، ويتغير بالأحسن ويتجدد بالأفضل على رأس كل ساعة بما في ذلك الإعلام إلا نحن المغاربة بعقليتنا وإعلامنا وكل ماهو فينا ومنا وإلينا .. على العهد باقون ، ببدائيتنا متشبثون وعلى التخلف ثابتون صامدون .
الإعلام في هذا العصر الصاخب الهائج طوى العالم كله ببره وبحره وفضائه القريب والبعيد آلاف الطيات إلى أن حشره في أضيق زاوية من زوايا المكتب والسيارة والمقهى والمطبخ .. بل دسه حتى تحت أزرار أصغر هاتف نقال . الإعلام في عالمنا الضيق الوهاج هذا أصبح وأمسى هو مقياس تحضر وتقدم أو بدائية وتخلف الأمم بأفرادها وجماعاتها :
فعلى كل من أنيطت به مسؤولية تسيير هذه البلاد ( بالحق أو بالباطل ) في ومن أي موقع وبأية صفة إعادة النظر في فلسفته الإعلامية الصدئة ، والاعتراف بالأدوار الطلائعية للإعلام بكل مكوناته وتفاصيله والاهتمام به أكثر وأعظم بالعمل الصادق الجاد على تطويره وتقويته بداية من تفكيك طلاسيم قيوده وإطلاق صراحه السياسي والفكري والإداري والمالي ، مع مراقبته من بعيد مراقبة مهنية مشروعة ومهذبة حتى لا يغرق ويغرق معه البلاد في الفوضى والتسيب والفساد والانحطاط .. وعلى كل الإعلاميين ومعاونيهم أن يطهروا أرواحهم قبل أجسادهم ويخرجوا أنفسهم ومهنيتهم من دائرة الصراعات السلبية والمتوحشة ويطوروا ، بالاجتهاذ النافع ، أنفسهم خلقا ( بضم الخاء ) أولا وأداء ثانيا . ويبدعوا إبداعا نبيلا ويتنافسوا فيه تنافسا نزيها وشريفا حتى يجعلوا من الإعلام سلطة قوية تهابها كل السلط ، تكون في خدمة الشعب والوطن .. " والرزاق الله " .
- محمد المودني – فاس .
( أكتوبر 2013 )
التعليقات (0)