مواضيع اليوم

مقال : إعلام الزور وديمقراطية الباطل

محمد المودني

2013-09-11 17:35:29

0

 انتظرنا نحن المغاربة ما يزيد عن نصف قرن من الزمن لتحقيق أقل ما أنجزته الدول ، التي تحترم  نفسها بخدمة شعوبها ، قبل أضعاف عقود انتظارنا . مع طلوع فجر عهد الملك الراحل الحسن الثاني      ( غفر الله لنا وله ) أخذنا مواقعنا على حافة الانتظار وأعناقنا مشرئبة لأبسط ما اكتسبته شعوب اقتنعت واجتهدت وانجزت منذ أفول عهود أجداد أجدادنا .. انتظرنا حتى أدمى الانتظار أرواحنا ونوفسنا قبل أعناقنا وأقدامنا ليكون لنا إعلام وطني ككل شعوب العالم حر وغيور وقوي ونزيه يخدمنا خدمة صادقة بالبحث عنا أينما وجدنا والتقرب منا ومعايشتنا والغوص في أعماقنا وملامسة همومنا واستكشاف تطلعاتنا وطموحاتنا والأخذ بأيدينا لانتشالنا من مستنقع تخلفنا وإنزالنا بين الأمم منزلة جغرافيتنا وتاريخنا .. انتظرناه أكثر من خمسين سنة لنفتخر به في الفضاء العالمي ويسطع نجمنا بين نجومه .. نعم انتظرناه طويلا ولم ينزل إلينا حتى أنهكنا ويئسنا فولينا وجوهنا صوب الغرب والشمال والشرق مكرهين لنستنشق نسائم حريتنا ونتفرج على واقع همومنا ، و إن كانت استفزازية ، وفي نفوسنا غصة لأننا غير راضين على تهجيرنا من وطننا بآلياتنا .. ومع ذلك مازال في نفوسنا شيء من الحب والأمل في حياتنا وسنبقى ننتظر إعلام اليقين .. فهل سيكسر قيده ومعها قيودنا يوما ؟؟ الأكيد هو قصر عمر الظالم وظلمه ومذلة نهايتهما حسب سنن الكون وفرائض خالق الكون ، وعبر التاريخ الغابر والجاري . 

من المعلوم أن كل إعلام وطني حر صادق في وطنيته ما هو إلا فقرة طويلة وعريضة مستقلة في نص ديمقراطي عريض وطويل بصدقه ومصداقيته الذي لا يستقيم إلا بنص دستوري عريض وطويل بصدقه ومصداقيته ووضوحه يسطره ويختمه الشعب .. ونحن المغاربة انتظرنا الإفراج عن دستورنا منذ أن قامت مملكتنا قبل ما يزيد عن اثنتي عشر قرنا ليعرف بنا في زحمة المعمور ويوحدنا وينظم حياتنا ويشرفنا أمام الشعوب . وبانتظاره على رصيف عصرنا الحديث انتظرنا ديمقراطيتنا ، ومعها حريتنا وعدالتنا وإعلامنا المنتظر ، أكثرمن خمسة عقود خلت من عمر استقلالنا لتخلصنا من عبودية مذلة موروثة عن عهود غابوية كانت وانقرضت مع انقراض العصور المظلمة وتعيد لنا كرامتنا فلم ترد علينا رغم غزارة دمائنا التي روت أرضنا لإزهاق  سلطان الاستعمار وإرجاع تاجنا لعرشه وما زلنا في زنزانة الانتظار وديمقراطيتنا المغتصبة هي همنا بالليل ومذلتنا بالنهار ، بينما نظامنا بنخبه متشبث بشكيمتنا ومصر على الاستمرار في مراوغتنا وإيهامنا وتنويمنا بشعارات شفوية غليظة وعريضة تنشر وترسخ من بين طياتها مبادئ الاستبداد بالسلطة والثروة وتكرس ثقافة الاستعباد وتثبت من بين معسوليتها وشعبويتها استمرارية الديكتاتورية المطلقة ، وتشحذ أنياب الفساد ( الديني والأخلاقي والإداري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ) وتحمي أبطاله المفسدين وتقوي شوكتهم وأظافرهم ، وإعلامه يتقدمه ويليه " بالنافخ " يبلسم بغباء شديد محيطه ، الذي لا يتعدى المنتفعين بقدسيته ، بعبق التبجيل والتعظيم والمديح التي لم يبدع في غيرها على امتداد ما يزيد عن خمسة عقود من عمره الغير النافع .

وعلى هذا الدرب الطويل الذي رصع بقوانين القدسية والثوابت والخصوصية المضللة منذ قيام المملكة الشريفة هاهم صقور وحمائم النظام على السواء شكلوا قبل مدة ليست بالقصيرة جوقة من دخان لتهرج ، بالأمر والطلب تحت ظغط الخوف الرهيب ، بالاستنكار والتهديد والاستهجان تارة وبالنصح الكاذب والنفاق المقيت مرات ومرات لإزهاق حق الشعب وترسيخ باطلهم كما عودونا دائما كلما ألم بهم مغص  نفسي أو عقلي أو ألم عضوي بفعل خوفهم الفضيع من هيجان الشعب مرددين ، بوجوه منافقة لا تخجل ولا تستحيي ، ادعاءاتهم المملة برتابتها : (( .. إن المغرب انخرط في الإصلاحات السياسية منذ ما يزيد عن خمسين سنة وبها ينعم المغاربة اليوم ومنذ أكثر من عقد من الزمن بديمقراطية " فريدة من نوعها بين ديمقراطيات الكون " .. وما الدستور الجديد إلا عصارة آخر إصلاحاتنا ، وبهذا النهج  فإعلامه قد راكم تجارب رائدة في التحرر والانفتاح والتعددية " لا يشق لها غبار " .. وبالتالي فهو ( الإعلام ) كباقي أدوات ديمقراطيته ( المغرب ) غني عن كل إصلاح وإذا ما كان فهو فقط إفساد لها ( الديمقراطية ) ..))  .. وحتى نذكر المنافقين الدخلاء على الصقور الذين تحولوا في ظرف وجيز بقدرة قادر من أبطال الشعب إلى أبطال النظام - رغم أن التذكير لا ينفع إلا المؤمنين - وأسيادهم وطيبي الشعب : فبالأمس القريب ( قبل 1998 ) كان كل هؤلاء المنافقون يهرجون وبالدموع - قبل أن يغيروا جلودهم - بما يتناقض مع ما يهرجون به اليوم منقلبين بذلك على الشعب بثلاثة مائة وستين درجة دفعة واحدة بعدما تمكنوا من ملذاتهم المتعفنة التي رميت لهم بذكاء على جنبات المائدة . وعلى الطيبين من شعبنا أن يراجعوا تاريخ هؤلاء المنافققين الذين استعملوا -  منذ مطلع سبعينيات وإلى ما بعد ثمانينيات القرن الماضي - كل أساليب العنف والخيانة والمكر لتضليلنا حتى يتمكنوا بنا فقط من الصطو على مراكز السلطة والثروة ، وهو اليقين المؤكد من سياساتهم على مدى أكثر من عقد من الزمن والتي أثبتوا من خلالها للخاص والعام  للأمي وللعالم أن حقيقة أهدافهم لم تكن غير الاستمتاع ولأطول مدة بالمناصب الصاعدة حتى وإن كانت مفخخة بلحوم الشعب .

وهكذا يحاول اليوم كل المنافقون من السلطويين والمتحزبين صقور ( أصليون ودخلاء ) وحمائم كما حاولوا دائما ، دون كلل ولا ملل ودون استحياء ، بكل ما أوتوا من عبقرية التحايل والنفاق ، كما ألفناهم حتى مللناهم إلى أن كرهناهم ، أن يضللوا ويوهموا شعب المغرب العميق بأن الدستور " الجديد " الذي أنزله النظام ونخبه قد أنهى ازدواجية السلطة في المغرب وأطاح بحكومة الظل ، وأزال يد الميت عن الحياة السياسية وأزاح العصا الغليظة من فوق رقبة كل السلط وفك قيود الإعلام ، وأعاد بذلك الحكم والثروة للشعب من خلال برلمان يرسم خريطته بإرادته في قلب الصناديق ليفرز سلطة تنفيذية لا سلطة فوقها غير السلطة التشريعية الشعبية .. فهل فعلا نعيش نحن المغاربة اليوم في كنف نوع من الديمقراطية ، دينية كانت أم كونية كي لا نقل فريدة في الكون كما يردد المنافقون المضللون ، حتى يكون لنا إعلام وطني مهني حر وشجاع وصادق وما قبله وما يواكبه وما يليه من آلياتها وأدواتها ومظاهرها ؟؟ 

على أرض الواقع التي نعيش عليها ونعايش ضلال المضللين منذ أن كنا ما أن بدأت تلوح في أفق مملكتنا الشريفة بعض الإشاعات الخافتة والشائعات الشفوية ( المضللة ) بمحاربة الفساد بكل صوره داخل وحتى خارج الدوائر الحمراء المخزنية ، ومن ضمنها دائرة الإعلام ، باسم ذلك الدستور العجيب الغريب حتى انتفض حراسها الأشاوس وشهودها المزورون المنافقون وهم من خيرة صقور النظام والدخلاء عليهم ونخبه لوئد طموحات الشعب بمحاربة وإسقاط  ، بالباطل الرذيل ، كل من حاول ويحاول ، ولو شفويا ، التمرد على الاستبداد وتحرير الشعب من الاستعباد  .. : 

وهكذا ما أن نشرت أسماء وصور بعض الفاسدين في الاقتصاد وفي القضاء - وأكيد من خلالهم " السياسيين والنقابيين والاعلاميين " -  حتى أعلنت عصابة عمالقة اللصوص والمفسدين حربا مضادة بكل الأدوات ومن كل المواقع وبدأت تدفع بأقزامها للصراخ والنباح . فهناك من " القادة السياسيين " من وصف نشر لوائح الانتهازيين المهيمنين على رخص النقل والصيد البحري ورخص استغلال المقالع الرملية والحجرية والرخامية بالسياسة الشعبوية وبالعمل اللاأخلاقي ، وعلى نفس النهج سارت جرائد ومجلات ومواقع الدعارة والرذيلة ، التي هي ألسنتهم النتنة وعصاهم الهشة في التسول السياسي ، حيث طلعت علينا بما لا يصدق من آراء لا تمس للمواطنة بصلة :  

فربابنة ومنظري هذه الأوكار الإعلامية التي هي جزء من إعلامهم " الحر والشجاع والشفاف الذي هو في غنا عن أي إصلاح " نعتوا المبادرة - رغم أنها لم تكن سوى زوبعة في تنور لرمي الرماد في عيون المواطنين وتضليلهم وإخماد نار صراخهم – بأصابع أقدامهم ووصفوها بالتافهة ، وبالمسرحية الهابطة النص والإخراج والأداء ..   
وفيما يخص إصلاح الإعلام من خلال إنزال دفاتره التحملية الجديدة المغايرة لسابقاتها فقد أعلنوا على صاحبها وعلى المشروع برمته حربا ضارية استعملوا فيها الحلال والحرام ، القانوني والغير القانوني من الأسلحة حتى أطاحوا بهما : فنفس الغربان بنفس الجرائد والمجلات والمواقع وبمؤازرة الصقور المأجورة ببعض القنوات الإذاعية والتلفزيونية وصفوا الإصلاح الإعلامي المطروح بأنه مشروعا ظلاميا .. واعتبروه تدخلا سافرا في حرية إعلامنا ( يقصدون إعلام المخزن ) يهدف من خلاله الخلفي وإخوانه إلى " إغلاق انفتاحه لطمس حضارتنا وقيمنا والحد من حريتنا الفردية والجماعية وبالتالي أسلمة الإعلام كبداية لإعادة المغرب إلى عصر الظلمات .. " . أما أقزام السياسة الفاسدة ومن خلفهم عمالقتها فقد رفعوا الدعوى باسم ديمقراطيتهم الفريدة إلى " السدة العالية بالله المبدعة والراعية الأولى لها " ضد المشروع وأصحابه الذين لم يترددوا في التراجع والتخلي عنه وعن ما وعدوا به الشعب عشرات المرات بالانسحاب من المنصة الحكومية عند أول عرقلة حتى وإن كانت بأوامر القصر .

من خلال ما سبق والآتي تبين وسيتبين أن صقور النظام المحافظين الأصليين (( من غير ألئك المنافقين الدخلاء عليهم )) منسجمون ومنطقيون مع أنفسهم وأهدافهم بمعارضتهم ومحاربتهم لأي نوع من الإصلاح في بلدنا على اعتبار أنه يتناقض مع مبادئهم الواضحة المعلنة والغير المعلنة التي تكرس بالزور طقوس المخزن وحرسه وتتعارض كليا مع كرامة الشعب عكس المنادون بإصلاح الإعلام عامة والعمومي منه على وجه الخصوص وما قبله كالمنظومة السياسية وما حوله كالمنظومتين الاقتصادية والاجتماعية وما بعده كمنظومة العدالة .. الذين ، بسذاجتهم أو بغبائهم أو بنفاقهم ، يحلمون خارج الصرب المخزني اعتقادا منهم أنهم فعلا يعيشون ديمقراطية مغربية تجاوز عمرها عشر سنوات بإصلاح سياسي مزعوم انخرط فيه المغرب قبل نصف قرن من الزمن كما يتوهمون ويوهمون معهم مغاربة المغرب العميق وجب إصلاح كل شيء باسمها .. وهذا تطاول سافر منهم على مقدسات المخزن ونخبه يستحقون عليه الرجم بقانون الركوع والسجود والانبطاح الذي لم يعد له وجود على الخريطة البشرية إلا على خريطتنا وإعلامنا :

فالرافضون لأي إصلاح  ( المحافظون الأصليون والدخلاء على السواء ) ، سياسيا كان أم اقتصاديا أم اجتماعيا أو إعلاميا  ، لا يخجلون أمام الشعب وتحت أنظار وعلى مسامع كل شعوب العالم من تشبثهم الأعمى بتقاليد المخزن وطقوسه ودفاعهم المستميت عن الاستبداد وقواعد الفساد لكونها مظاهر شاذة تقويهم وتحافظ على قلاعهم وكل ما يلبي ويشبع غريزتهم الذئبوية من السلطة والثروة وما يتصل بهما .. أما فصيل الحمائم المنادون بضرورة الإصلاح في السياسة والإدارة والعدالة والاقتصاد والإعلام .. يضعون أنفسهم في موقفين متناقضين ما يجعل منهم منافقين ، سياسيا على الأقل ، أمام الشعب وأمام العالم كسابقيهم : فرغم أنهم يعلمون أن المغرب بريء ، براءة الذئب من دم يوسف ، من أي إصلاح سياسي الذي هو قاطرة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والقضائي .. وبالتالي فالديمقراطية الحقيقية بريئة كل البراءة من ادعاءات نظامنا بكل ترساناته .. فمن جهة يقولون أنهم عازمون على تنفيذ وعودهم الانتخابية بإنزال الإصلاحات من ألفها إلى يائها يتوسطها إصلاح الإعلام .. ومن جهة أخرى يقولون أنهم لم يأتوا إلى " الحكم " لمنازعة الملك في سلطاته المقدسة ومطاردة الساحرات كما أعلن عن ذلك زعيمهم في أكثر من مناسبة .. فالسي بنكيران ما أن كرم خارج العاصمة بأريكة " رئاسة  الحكومة " ، وقبل أن يستعيد وعيه الذي انزلق من دماغه من شدة فرحته بالتكريم ( وإن كان من دون طعم ) الذي لم يحلم به لا في منامه ولا في يقظته وقبل أن يلتقط أنفاسه ، حتى صرح ( لموقع كود ) بما لم يصدق حينها بقوله : (( .. حنا بغينا نحكموا بخاطر صاحب الجلالة .. )) .. ياااااال الهول .. ما الذي أصاب الرجل .. لما لم يقل مثل هذه الحكم أيام كان يتسول عزائم وصراخ القوم .. أهكذا أصبحت السياسة في هذا الزمن العاهر داخل هذا البلد المنكسر تباع وتشترى بالجملة والتقسيط لا يستحيي ولا يخجل منها حتى تجارها والمسترزقون باسمها ؟؟ .. طبعا ، متسولوا المناصب وما تحمله وما تجره وراءها في حاضرها ومستقبلها لا يستحيون ولا يخجلون إلا من الخوف الرهيب .

وواصل " رئيس الحكومة " صطوه على تضحيات المغاربة المستضعفين ووأد أحلامهم وتطلعاتهم بتراجعاته عن وعوده التي لم تكن - كما تبين - غير أكاذيب مضللة ، وتنازلاته الجبانة المتتالية عن ثقتهم ، واستسلامه لأهدافه ولرغباته الحقيقية الدفينة التي لم ولن تختلف عن أهداف ونذوات مرافقيه وكل من مر وسيمر مروره : فالسي بنكيران " رئيس حكومة الشعب " لم يخجل ، لا من المصوتين عليه ولا من العالم بأسره الذي كان يراقب عن كثب مراوغات النظام وأحزابه ، عندما قال للصوص وللمفسدين " عفا الله عما سلف .. " وعندما استسلم  لجشع الأثرياء وتنازل عن واجباتهم الوطنية وعن تلك الاجتماعية منها على الخصوص مثل الضريبة على الثروة .. بينما اهتم وتشبث كثيرا بتجويع الفقراء بإلهاب نار معيشتهم مثل الزيادة في أثمنة المحروقات وما اتصل بها والقادم بعدها بحجج كاذبة ومظللة .. وعندما أهان كل المغاربة وداس على الدستور " الجديد " وعلى " الديمقراطية الفريدة " بتنازله الكلي " باسم الشعب " عن تعيين السفراء والولاة والعمال وكبار موظفي الدولة ... للملك الذي ، كما بدا للعيان ، أنه قبل التنازلات التي زادت من صورية الدستور والمؤسسات التي قامت باسمه مما جعلها ، كما كانت منذ أن كنا ، خارج حكم الحكومة التي أتى بها " الشعب " من خلال البرلمان وبالتالي فهي مؤسسات خارج دائرة المحاسبة الشعبية .. وكان مسك ختم سقوط بنكيران وحزبه من ذاكرة الأمل الشعبي ما قاله على مسامع وتحت أنظار العالم كله ودون أي حرج : " .. أنا ملكي أكثر من الملك إذا سمح لي جلالة الملك بذلك .. " .. الله أكبر .. أيها الناس ، اسمعوا واستمعوا واستمتعوا وتخشعوا يرحمكم الله .. كل هذه التراجعات والتنازلا ت المذلة كانت فقط ليعبر بها " السيد رئيس الحكومة المغربية المحترم " عن مدى قوة انبطاحه الأعمى اللامنتهي ليحافظ على منصبه بمغانهمه لأطول مدة مثله في ذلك وأعظم من سابقيه ومعاصريه وأكيد حتى لاحقيه ..

بكل هذا وربما أكثر يكون السي بنكيران وفريقه قد فنذ بشدة ، عن غير قصد ، ادعاءاته وادعاءات رفاقه و" خصومه " السابقة وتهريجات الإعلام الممخزن حول نبل ديمقراطيتهم وطهارة دستورهم ، وكشف بالواضح عن نفاق النظام برمته وقوى من عزيمة أبطال الشعب .. فلماذا كان الاستفتاء على الدستور إذا وقبله كان الهرج والمرج وبعده كانت الانتخابات وبعدها استمر التطبيل والتزمير وتسول الشهادات الغربية المزورة ، وما جرفا من أموال المستضعفين وهم في أشد الضيق والحاجة .. أبهذه الديمقراطية الباطلة سنتحرر من الاستعباد والاستبداد والظلم والفساد ومن النفاق والنصب ومن الفقر والجهل ومن زور الإعلام وضلاله ، ونأسس لدولة وطنية يحكمها القانون بعدالة شمولية وبإعلام حر ومهني وشجاع .. ؟؟ فأي نفاق هذا ، ومن أجل ماذا كل هذه المراوغات المستمية الطويلة النفس ؟؟ أهكذا تكون الإصلاحات ، وهل بمثلها تعملقت الشعوب ، وهل بها سنقارع أعداء الوطن ؟ ما هذا الغباء .. أيوجد من بين البشرية أغبى من الماسكين على ناصيتنا المستأسدين علينا والمنهزمين أمام أضعف أعداء تاريخنا  .. ؟؟ ألا يدل كل هذا النفاق والتحايل على أن المناصب وملذاتها وحدها فقط كانت دائما وستبقى هي أهداف الوعود الطويلة والقسم بأغلظ الأيمان وأنها قبل وبعد الشعب وفوق كل المغرب .. ؟؟

على ضوء هذا اليسير من كثير الأحداث والممارسات المقززة للنفوس ، وما خفي قد يكون أعظم ، يسطع دليل آخر أقوى وأفضع من سابقيه – وبالتأكيد لن يكن الأخير –  ، إن كان أمر صورية ديمقراطيتنا مازال بحاحة لمزيد من الأدلة ، يجزم على أن المغرب هو القصر والملكية ونخبها هي المغرب وما على المنافقين في مختلف المواقع إلا التهريج بما يؤمرون ويذرفون الدموع متى وكيفما أومروا بذرفها ، وما على الرعية إلا السمع والطاعة والخدمة في صمت وإن تعبت وتألمت فلا تبكي ولا تئن إلا في قرارة نفسها .. فهل ننتظر إذا من ديمقراطيتهم الباطلة هاته أن تنجب لنا إعلاما مواطنا حرا ومهنيا وصادقا بشجاعته وغيرته يشرفنا بعلمه ومهنيته وباجتهاده وإبداعه ؟؟

في اسبانيا ، الخارجة لتوها من عباءة الديكتاتورية المتوحشة والتي دخلت نادي الديمقراطيات العتيدة من أوسع أبواب الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة بالإضافة إلى الحلف الأطلسي بديمقراطية أصغر سنا من عصرنا الحديث ( عهد استقلالنا ) بعقدين من الزمن وأصبحت سيدتنا في أقل من ذلك نلتمس شهادتها المسمومة وشهادات إعلامها وجمعياتها –  وقبلها شهادات قطط أمريكا وبريطانيا وفرنسا والبرتغال .. وبعدها بوركينا فاسو والنيجر ومالي .. - على صدق ديمقراطياتنا المزورة ونتسول رضاها وكرمها .. بعدما كنا أسيادها ، ما أن عين رئيس حكومتها وفي نفس الوقت الذي عين فيه " رئيس حكومتنا " حتى أدخل التغييرات التي أراد على كل الإدارات والمؤسسات التي أراد ، من بينها مؤسسات الإعلام العمومي ، كيفما وبمن أراد وفي الوقت الذي أراده وانتهى الأمر بلا عراقيل ومن دون لغط وانصرف وفريقه على الفور إلى العمل الجاد المطلوب منه شعبيا كما وعد ناخبيه .. وإذا ما رغبنا في التأكد من صدق ديمقراطيتها ومواطنة وحرية إعلامها ، الذي لا يبخل على نظامنا و" ساساتنا " وإعلامنا بالاستهزاء والاحتقار ، يكفينا فقط الاستماع إلى قنواتها الإذاعية أو مشاهدة قنواتها التلفزيونية أو الاطلاع على مضمون مطبوعاتها :

فهل مازال الإعلام العمومي في إسبانيا وفي نظيراتها كبريطانيا العظمى وهولندا وبلجيكا وفي كل الملكيات الرشيدة والمحترمة يقدس ويمولو ويعظم ويسيد ملوكه ، وتقاليدهم وخصوصياتهم أطول وأعرض وأضخم من تاريخ وجودنا ، كما يفرط إعلامنا في ذلك حتى ذللنا بين شعوب الدنيا .. هل مازال إعلام عمومي في دولة من بين كل هته الملكيات يتستر على الفساد ( إن كان ) في أسلاك السلطة والإدارة وفي الوزارات وبين المنتخبين ، وفي التعليم والصحة والرياضة ، وعلى الدعارة التجارية ، ويشجع السياحة الجنسية ؟ هل يوجد إعلام عمومي في مثل هته الديمقراطيات يكذب على مواطنيه حتى في أحوال الطقس ودرجات الحرارة .. كما هو حال إعلام ديمقراطية نظامنا ؟ هل مازال إعلام عمومي في مثل هته الديمقراطيات يشغل على أمواجه وشاشاته وبين صفحاته إعلاميين بلا علم وبلا صوت وبلا صورة وحتى بلا إحساس إعلامي ، يكون مقياسه الوحيد والأوحد في تشغيل إعلامييه هو الرشوة المالية والجنسية كما يفعل إعلام ديمقراطيتنا ..؟

في إسبانيا وفي الغرب عموما رغم تغول الأثرياء الشرعيين والغير الشرعيين واللوبيات المتعددة الوجوه والأهداف ، والعنصرية المتوحشة فإعلامهم ينشر ويرسخ تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم ويعظم مواطنهم ويراقب أنظمتهم ويغري حتى أعدائهم بحريتهم ، وإن كانت فاسدة في منتصفها ، للهجرة إليهم والقبول بالعيش ولو على هامش حياتهم ..

الإعلام في إسبانيا وفي الغرب كله أنجز الشيء الكثير والعظيم من أجل نصرة شعوبه وإعلاء مكانتها العالمية وإضعاف أعدائها وإخضاعهم لها كالأدوار التي لعبها في الإطاحة بالأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا .. وما فعله ويفعله بالديكتاتوريين العرب .

وفي عالمنا الإسلامي توجد تجربة قناة الجزيرة التي رسمت لدولة جغرافيتها بديموغرافيتها أصغر من أصغر جهاتنا صورة عملاقة على مداخل كل مراكز القرار الدولي وفوق مكاتب أعتد الزعماء العالميين وفي أذهان معظم ساكنة المعمورة ..  قناة استطاعت أن تعظم دولتها الصغيرة وتبني لها برجا صلبا ينطح السحاب تهاب الالتطام به كل الأنظمة الهشة بديكتاتوريتها وفسادها  .. 

فأية الديمقراطيتين باطلة إذا .. المغربية أم الإسبانية ونظيراتها في ملكيات أوروبا ؟

وأي الإعلامين يشهد الزور على مواطنيه لينصر بالباطل نظامهم .. المغربي أم الإسباني ونظرائه في    ملكيات أوروبا ؟؟    

الشعب المغربي لم يتذوق طعم الديمقراطية ، لا الدينية ولا الوضعية ، منذ أن كان حسب إفادات التاريخ والأحداث وحسبما نعيشه ونلمسه يوميا في واقعنا على أرضنا خلال عصرنا . وبما أن الديمقراطية الحقيقية هي الرحم الشرعي للإعلام الشعبي الحر الشجاع الصادق فالإعلام المغربي منذ تأسيسه لم يكن في يوم من الأيام حرا ومستقلا عن سلطة المخزن ونخبه حسب تتبعنا جميعا له ، بل كانت الإذاعة والتلفزة ، وحتى معظم الجرائد التي تدعي الاستقلالية ، وما زالت أداة جائرة من أدوات الحكم الجائر .. على اعتبار أنه إعلام ممخزن أسس  ، بثقافة مخزنية على مبادئ الاستبداد ، فوق أكتاف الشعب فقط لترسيخ سياسة مخزنية تخدم بالتبييض مصالح النخب المولوية الفردية والعائلية وتلغي بالإقصاء والتهميش وبالنفاق والتحايل والتضليل الشعب صاحب رأسماله :

عاش المغاربة دائما - ومنذ أكثر من إثنتي عشر قرنا – بين سندان سلطان السلطان ومطرقة جشع حاشيته وتغول حرسه ، واليوم –  ومنذ ما يزيد عن خمسة عقود – هاهم يعيشون مرارة ديمقراطية الباطل وإعلام الزور .. ديمقراطية الواجهة ، ديمقراطية الديكتاتورية ..  ديمقراطية تشهد لمبدعيها ولرعاتها ولا تشهد بما هو لها وبما هو عليها .. وإعلام لا يجتهد ولا يبدع إلا في نصرة هذا الباطل وتعظيم الفاشل وتقديس من لا قدسية له والتستر على الفاسد وتبييض وجه الطالح ، وتهميش واحتقار الصالح والفالح .. إعلام لا يشهد بما عليه أن يشهد .. إعلام لا يشهد إلا الزور ..

الإعلام في بلدنا ، منذ أن وجد ، كان فقط آلية لنشر وترسيخ مظاهر العبودية والإذلال . . كان ومازال وسيبقى - ما دامت ديمقراطيتنا مغتصبة - مكبرا ومرددا وناشرا لفنون مدح وتعظيم وتقديس النخب المولوية ، وتضليل المواطنين وتيئيسهم وإحباط عزائمهم وتنويمهم في عسل ديمقراطية الباطل ، ومنبرا مباحا للتطاول بالمجان على الشعب وعلى معتقداته الدينية ومشاعره الأخلاقية والدوس على كرامته :

فالتطاول عبر الإعلام الفاسد وبتيسير وبتشجيع منه على الإسلام باسم الحرية الفردية والجماعية وحقوق الإنسان وعلى الشعب باسم الثوابت والقدسية والخصوصية المضللة ، وعليهما باسم الزعامة وقانون المسؤولية والنبوغ ، والدفاع عن الظالم وظلمه وعن الفاسد وفساده باسم الحسب والنسب .. أصبح في السنوات الأخيرة تجارة رأسمالها النفاق والكذب والنصب والاحتيال والمكر والتضليل ، وربحها لا حدود له وجدها كل ضعاف النفوس وفقراء البصيرة والفكر ، وأباطرة الفساد والرذيلة أسرع وأرخص آلية لإبراز بطولاتهم وأقصر وأسلم مسافة لبلوغ منصة التتويج حتى وإن كان تتويجا مزيفا ونجسا ، في حين توجد أقلية الأقلية تسيطر بالباطل وبيد من حديد على كل مفاصل السلط ومنابع الثروات لا يجرؤون حتى على الإشارة إليها ولو في أحلام منامهم .

إن مظاهر الصلاح والفلاح وحب الوطن أصبحت في إعلامنا وعند " ساستنا " خلال هذا الزمن الرديء رمزا للتخلف وشبهة وحجة للإدانة والتهميش .. ومظاهر العبودية والاستبداد والفساد ( الديني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والسلطوي ) والانحطاط الخلقي والخيانة أضحت فيه وعندهم هي أسس وثوابت ومبائ المواطنة والبطولات ومقياسا للتحضر والرقي والقوة ..

لكنهم تجاهلوا أو تناسوا عن قصد تحت ظغط شهواتهم وتبعيتهم أن الإسلام جاء ليخرج العباد من عهود عبادة العباد ويدخلهم لعصر عبادة رب العباد .. أي أن الإسلام جاء ليحرر الإنسان من العبودية ومن مظاهر الاستضعاف والاستغلال ( كالطقوس المخزنية ) .. الإسلام جاء ليعتق الناس من الظالم ونار الظلم .. الإسلام جاء ليحرر الإنسان من الإنسان .. الإسلام إذا جاء ليعيد للعبد إنسانيته وكرامته.  

لذا ، فالاعتداء على حرية وخصوصيات الفرد ( ذاتيا كان أم معنويا ) أو الجماعة ( ذاتية كانت أم معنوية ) بأية وسيلة وبأية حجة ولأية غاية من أية جهة ومن أي كان هو فعل همجي تجرمه الأخلاق الإسلامية قبل الإنسانية ، لكن كذلك حرية الفرد ( ذاتيا كان أم معنويا ) كما هي حرية الجماعة ( ذاتية كانت أم معنوية ) يجب أن لا تتعدى على حقوق الغير من حريات ومعتقدات وخصوصيات وممتلكات بأية وسيلة وتحت أية حجة ولأية غاية من أية جهة ومن أي كان .. وعليه فالاعتداء على حرمة الفضاءات العمومية ومن خلالها على مشاعر الناس وعقيدتهم وأخلاقهم وخصوصياتهم ومحيطهم وممتلكاتهم بمظاهر الفساد والاستبداد والظلم ، وبنشر وترسيخ قيمها في المجتمع الصاعد وتشجيعه على ممارستها لتنويمه وإهماله كما تفعل باجتهاد ومثابرة وبإصرار جرائد الإفساد والدعارة والتضليل وأخواتها من قنواتنا الإذاعية والتلفزية ، التي لا تجد الشجاعة والجرءة في غير ذلك مما هو أهم وأفيد للوطن والمواطن ، لهو من أكبر كبائر الجريمة التي ارتكبت وترتكب يوميا في حق هذا الوطن والمواطن.. فهل مظاهر الفساد والإفساد والاستبداد والتضليل ، باسم الانفتاح على كل الثقافات والحضارات لمسايرة العصر في التحضر والرقي وفي نفس الوقت باسم الأمن ، هي من قيمنا ؟؟ أليس السكوت والدفاع عنها وحمايتها وتشجيعها باسم الحرية الفاسدة جريمة عظمى تنفذ بإصرار وترصد على طول وعرض الليل والنهار في حق هذا الوطن بأرضه وشعبه ودينه وثقافته وتاريخه وكرامته ووجوده ؟؟ فلو لم يكن هؤلاء المتطاولون المكبوتون جبناء بجهلهم وبأميتهم ( الفكرية والمهنية ) وبجشعهم ، ولو كانوا وطنيين لتباهوا بأرضنا وبشعبنا وبديننا وبلغتنا وبتاريخنا وبديمقراطيتنا وبعدالتنا وبعلومنا وباقتصادنا .. وبإعلامنا ، ولما تباهوا بقشور حضارة غيرنا كما تتباهى الصلعاء بشعر جارتها :

فمن لا يستطيع أن يبني لنفسه مجدا يلهث وراء حضارة أعدائه ليتعلق بأهذاب مجدهم ويعيش تحت مزابلهم .      

يحكى أن الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا متران ، وهو من صقور العلمانية ومن أشد المدافعين عن الصهيونية ، قال ذات مرة : ( .. لا خير في أمة تنسى كلماتها وثقافتها .. ) .

فأي خير لوطن في " مواطنيه " باعوا ويبيعون في كل لحظة وطنيتهم في سوق الرذيلة .. بأبخس الأثمان .

عوض هذا اللغط العقيم الذي أقحم فيه إعلام الشعب كان بإمكانه وبكل مكوناته ، لو كان قد قام على أسس وطنية في منظومة ديمقراطية حقيقية متكاملة ، أن يقوم على الأقل بنصف دور الدبلوماسية المغربية ، ويخفف العبىء عن الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة في الحفاظ على وحدتنا الترابية والبشرية ومصالحنا الاقتصادية الخارجية والداخلية ، وإخراج بلدنا من دائرة العزلة الدولية المزمنة والشبه العامة أو على الأقل تقزيم طابور أعدائه المعلنين والمتسترين كما فعل ويفعل دائما الإعلام الغربي وتسير على خطاه قناة الجزيرة كما أوضحنا سلفا .. فلماذا لم يقم إعلامنا بمثل هذه المهام : السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الداخلي بتوحيد الشعب بكل مكوناته وتياراته وطبقاته بجنوحه الشرعي إلى صفه بمصادقته ومؤازرته ، وبمحاربة الفساد بكل مظاهره وصوره بفضحه والتنديد به .. وبالمهام الدبلوماسية والثقافية والتجارية على الصعيد الخارجي وحتى باقتحام قلاع أعداء وطننا . فدور الإعلام الصادق والحر الشجاع في ديموقراطية حقيقية ليس هو تقديس وتعظيم ومدح ، بالباطل ، الحكام المستبدين وتبييض سواد سياساتهم والتستر على الفساد ( بكل صوره ) وتشجيع المفسدين .. بل دوره الحقيقي والطبيعي هو ، كما قلنا سلفا ، تعظيم الوطن بأرضه وشعبه ودينه ولغته وتاريخه بتنوير المواطنين وتوحيدهم ، وبتصدير صورته الحقيقية إلى العالم وإعلاء شأن شعبه وثقافته ، واستمالة وتقريب الشعوب إليه وكسب ودها وعطفها وتظامنها . لهذا لو كان إعلامنا إعلاما مواطنا مناضلا  لألف بين كل المغاربة ولجعلهم أكثر تشبثا بوطنهم بما سبق ذكلره وأكثر ، ولاخترق بمهنية القيمين عليه ، إن كانوا مهنيين ، بسهولة ويسر حصون وقلاع أعداء الوطن في الداخل والخارج لتوجيههم واستمالتهم لوحدة الوطن .. لكن ، مع الأسف ، إعلامنا  - كما هو حال حكامنا و" ساستنا " وبإعاز منهم - أهمل أرضنا وشعبنا وديننا وتاريخنا وثقافتنا وعلومنا وهمومنا واهتم بتقديس وتعظيم ومدح الأشخاص والأسر وبتضليل الشعب ، واهتم علاوة على ذلك بنفايات حضارة غيرنا  حتى أفسد علينا حياتنا باسم الانفتاح الأعمى المطلق كما فعل ويفعل حكامنا و"ساستنا ومثقفونا " .. وأغنياؤنا ووجهاؤنا الذين لا صلة تربطهم بوطننا غير جنسيتهم ومصالحهم السلطوية والمالية حتى قزمت جغرافيتنا وشرذم وشرد شعبنا وانهارت هيبة وطننا وأصبحنا تائهين بين كنا وكان .. وننام على أعتاب من لا هوية لهم .

إعلامنا لا يفلح إلا في إبداع مظاهر الذل والمذلة للمغرب وللمغاربة الأحياء منهم والأموات بالتفنن في المدح والتعظيم ، ورسم لوحات التقديس والركوع والسجود لغير خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم .. والكذب والتحايل على عواطفهم ووطنيتهم ، وجرجرة الجبناء والأميين والفاسدين إلى الاصطفاف أمامه للبكاء والعويل والتوسل على أعتاب الأمريكين والأروبيين كلما تلقى النظام ونخبه منهم بالتناوب ، من حين لآخر ، صفعة مذلة على سياسة تبعيته المطلقة لهم والتعبد في محرابهم .. فكيف والحالة هذه يكون لنا إعلام مواطن حر وشجاع وصادق يسمو بنا وبالبلاد وتاريخها إلى ما هو أفظل وأطهر مما نحن فيه ؟

لصقور النظام ، بمحافظيهم الأصليين والمنافقين الدخلاء عليهم ، وللسي بنكيران ورفاقه ولنظرائهم نقول ما قلناه دائما - ونحن محررون من الجبن ومن كل الأطماع والأهداف الخاصة من غير حب الوطن وغيرتنا عليه - : إن كل المغاربة أو على الأقل أغلبيتهم ملكيون حسب ملامستنا للواقع المعاش في حياتنا اليومية .. كل المغاربة أو على الأقل أغلبيتهم متشبثون بالملكية ويفضلونها على سواها من الأنظمة السياسية .. وهذا لا يجرؤ أحد على نكرانه أو تجاهله لاستئناسهم بها ولها ، وعلى اعتبار أن كل الملكيات الديمقراطية أنجح من غيرها من الأنظمة السياسية . لكنهم يريدونها ملكية نظيفة وخلاقة وديمقراطية .. يريدونها ملكية شعبية لا ملكية عائلية ونخبوية إقطاعية . فإذا ما آلت الملكية إلى التهاوي ( كما حصل لها أيام السيبة وأواخر الفترة الاستعمارية الفرنسية ) فأول من سيتخلى عنها هم حراسها وخدامها المنافقون المستفيدون بسلطانها من ثروة الشعب ، ولن يحميها ويدود عنها سوى الشعب الغير النافع في المغرب العميق .

لذا فالإصلاح في بلد لم يعرف غير الاستبداد والفساد على امتداد تاريخه مثل بلدنا هذا لن يتأتى بغير القانون الشعبي الصارم .. وبتر أعناق المفسدين وتدمير ترساناتهم ومحمياتهم بسلطة الشعب .   

وعليه فلن يكن لنا دستور شعبي نظيف ولن ننعم بديمقراطية نبيلة ولن يعم بلدنا العدل الشامل ولن يكن لنا إعلام مواطن حر وشجاع وصادق بغير هذا الإصلاح .. فإلى متى سيبقى نظامنا يغامر بما تبقى من الأرض والشعب فقط ليحافظ على طقوسه الغريبة وقدسيته المحرمتين دينيا وإنسانيا وأخلاقيا ؟؟

وهكذا سنبقى ننتظر دستورنا وبه ديمقراطيتنا وفي ركابهما إعلامنا لنتحرر من أغلالنا وننطلق بهويتنا فوق حصان تاريخنا نحو مستقبل طاهر وخلاق .. حقيقي وغير وهمي والذي لا يتحقق إلا بالصدق الصادق والعلم والعلماء .. والعمل والكد والاجتهاد لا بالأحلام والخيال والأوهام والكذب والنفاق والاحتيال والتشدق ببطولات من دخان والتلذذ بقشور مزابل غيرنا ..

-  محمد المودني – فاس .

-  ماي  2013 . 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات