مواضيع اليوم

مقال : إذاعة فاس الجهوية تخلد ذكراها الفضية

محمد المودني

2012-04-09 02:24:52

0

في مثل هذا الشهر ( أبريل ) من سنة ألف وتسعة مائة وواحد وستين أعطى الملك الراحل الحسن الثاني ، وهو في ريعان شبابه ، انطلاقة بداية بث إذاعة فاس الجهوية لإرسالها من مقرها الجديد حيث ما زالت شامخة إلى اليوم تعلو بصوتها فوق كل الأبراج السكنية والتجارية التي أحاطت حديثا ببنايتها المتواضعة ، وتسمو برسالتها الوطنية على كل الأصوات .. خمسون سنة إذا مرت على إقلاع إذاعة فاس الجهوية عبر دبدبات أمواجها من مقرها الحالي ليكون نصف قرن هو عمرها الوطني .
فمع بداية الربع الثاني من هذه السنة ( 2012 ) تكون المحطة البسيطة بشكلها العملاقة بعملها ومنتوجها قد قطعت مسافة خمسة عقود من مسيرتها الإعلامية في ظل الاستقلال الوطني مرصعة بأنبل وأعظم العطاءات والإنجازات والإبداعات تجاوزت كل قدراتها وطاقاتها .. فرغم ضعف إمكانياتها البشرية واللوجستيكية والمادية وقصر فترة إرسالها وضيق مساحة حريتها ، باعتبارها جزء من الإعلام العمومي منظبطة بما يظبطه فقد حققت نجاحات إعلامية ( إخبارية وثقافية وفنية ورياضية .. ) مبهرة بأطر هاوية من صحافيين ومنشطين وتقنيين وإداريين وفنانين بلا شواهد ولا تكوينات ، ولا تحفيزات ولا تعويضات وبرواتب جد زهيدة .. أطر بلا تأطير أبلت البلاء الحسن في إنتاجاتها ، سعدت وأسعدت بحبها لعملها وعاشت بفقرها وسعادتها رغم قساوة زمنها ، وغادرت لا تلوي إلا على حب جمهورها .. فمن حق إذاعة فاس الجهوية اليوم وعلى مدى القادم من العصور أن تفتخر بأطرها العملاقة بهوايتها من قبيل أحمد الريفي والعابد السودي القرشي وأحمد الأزمي ومحمد الإدريسي وعلي الوزاني ومصطفى الذهبي وامحمد العزاوي وادريس الهواري وأحمد الشجعي وامحمد بزوبع ومحمد بزوبع وعبد الكريم كنون وعبد الحي الصقلي .. وكل من سبقهم ومن عاصرهم ، ومن حمل مشعلهم من بعدهم من خريجي الجامعات والمعاهد الذين تأطروا في رحابها وأصبحوا خير خلف لهم ، جلهم شباب طموح وشغوف بعمله يثابر في صمت بجد ونكران الذاة فلمع نجمهم على أمواجها بنهجهم نهج أسلافهم ليكونوا أفضل قدوة لمن سيأتي في ركابهم وبعدهم .
بنجومها المتوارية والصاعدة واكبت وما زالت إذاعة فاس الجهوية كل الأحداث الوطنية قبل الجهوية بل حتى القارية والإقليمية السياسية والاقتصادية منها والثقافية والفنية والرياضية والاجتماعية حيث أغنت خزانة الاذاعة الوطنية قبل خزانتها بالعديد من الأعمال التاريخية في كل هذه المجالات : فبصماتها كانت قوية لا يمكن تجاهلها في مسيرة الوحدة الترابية ، وفي المؤتمرات والتجمعات العربية والإفريقية التي احتضنتها مدينة فاس وجهتها التي كانت تبدأ من مدينة مكناس ومحيطها إلى تازة والحسيمة نزولا إلى الراشيدية وخنيفرة عبر يفران وبولمان ، وكانت صوتا وفيا وناجعا لجامعتي فاس حيث لعبت دورا رئيسا في نشر أنشطتهما الجهوية والوطنية والدولية وعلومهما بمختلف شعبها وعرفت بكل فطاحلة علمائها وأساتذتها .. وكانت منبرا قويا للعديد من المفكرين والأكادميين والفنانين المغاربة على الصعيدين الجهوي
والوطني . ففظلها لا حدود له على الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية والفنية والرياضية لا يتسع المجال لذكر أسمائها ويكفي أن نذكر بعزيزة جلال ومحمد الكغاط وبهلول .. ولحسن الداودي ومحمد الأعرج وأحمد فطري .. كما استضافت العديد من عمالقة الفن العربي كأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفائزة أحمد ، وجل الفنانين المغاربة .
وهكذا ، ودون أن نطيل في قراءة تاريخ إذاعة فاس الجهوية الذي هو من اختصاص المختصين ، وعلى ضوء ما ذكرناه علينا أن نقر جميعا أن هذه المحطة العتيدة التاريخية التي كان صوتها لعقود طويلة يتعدى حدودها الجهوية ليروي كل التراب الوطني بل كانت دبدباتها تتجاوز إفريقيا وأروبا الغربية والعالم العربي حيث كانت برامجها تصلها رسائل من مستمعيها في الهند والباكستان كما كان يروي بعض روادها القدماء ممن ذكرناهم . محطة كانت وما زالت وستبقى منبرا وطنيا وهاجا غير مكلف كان يستحق التكريم منذ عقده الأول وعلى مدار كل عقوده ، والاعتناء به على مدار السنة . لكن ومع الأسف الشديد وبعد التحول الذي عرفته مؤسسة الإذاعة والتلفزة الوطنية قبل ستة سنوات وعوض أن تكافأ المحطة على نضالها الإعلامي ولو بالحد الأدنى من الاهتمام فرض عليها النكران والإهمال واللامبالاة من قبل كل الفاعلين الذين خدمتهم مجانا خدمة للوطن بكل تفان واقتدار ، ورغم ذلك الجحود القاسي حافظ طاقمها من إدارة وموظفين بشجاعة واستماتة على توازنها واستمرارية عطائها بتوجيهات ناعمة سلسة وإن تخللتها في بعض الأحيان أوامر خشنة ناتجة عن سوء الفهم وتردي الأوضاع ولكنها على قساوتها كانت مبررة بغاياتها وصحية بيسر تدبيرها سرعان ما تربع بعدها الحب على كل القلوب وعلت الابتسامة الوردية كل الوجوه وأصبح الاجتهاد المفيد والتنافس الشريف بروح وطنية هما معولا كل العاملين وانخرط الجميع ، كل من موقعه ، في الخلق والإبداع على كل الواجهات لغاية واحدة ووحيدة لا مجال للتأويلات قبلها وبعدها ولا لبس حولها وهي تحقيق منتوج إعلامي جهوي يلامس هموم وطموحات كل شرائح المجتمع الجهوي برؤية وطنية متكاملة قاعدتها الانفتاح ومسايرة إيجابيات الركب الحضاري دون التفريط في الهوية والتاريخ والتشبث بالأخلاق المغربية والإنسانية .. فهاهي اليوم تثور على الإهمال والنكران وتنفض عنها غبار النسيان ببساطة إمكانياتها وشجاعة وعبقرية شبابها وتنجز ما لم ينجز عنها لترد لنفسها الاعتبار بتشريح تاريخها على الطاولة الوطنية رافضة بذلك انتظار التفاتة متواضعة قد تكون بالترحم عليها .. فهي أقوى وأرقى من أية شهادة ومن أي تكريم من أي كان لأن الوطن قام من هنا .. من حيث هي منذ اثنا عشر قرنا وساهمت في ترسيخ وحدته واستمراريته بالشيء الكثير ..
وهكذا وعلى هدي أسلافها اهتدت إدارة المحطة التي هي خريجة رحابها و جزء من تاريخها في سابقة من نوعها ودون تعليمات ( حسب علمنا ) إلى فكرة أقل ما يقال عنها أنها جبارة بتحدياتها تروم تخليد الذكرى الخمسينية لانطلاق بثها من موقعها الحالي . وما أن اقترحت الفكرة على كل العاملين من صحفيين وتقنيين وإداريين وفنانين في اجتماع حصري حتى استحسنها الجميع وأبدى كل في موقعه ، رغم الإكراهات والصعوبات ، حماسا كبيرا وتلقائيا ، فتحولت من مجرد فكرة إلى مشروع طموح وعملاق شارك الجميع في وضع خريطته بتفاصيلها ومفاصلها .
تخليد إذاعة فاس لذكراها الفضية والاحتفال بمناسبتها لن يكن شكليا ودعائيا بتعليق المصابيح الكهربائية الملونة والصور واللافتات وتوزيع الحلويات والمشروبات وكل النعم وإشعال وإطفاء الشموع وتبادل الهمسات والابتسامات بل سيكون احتفالا جوهريا وعمليا غنيا بإنتاجات حية وحيوية في قالب وطني معاصر تعيد قراءة تاريخ هذه المحطة العتيدة عبر ميكرفوناتها وعلى أمواجها وبكفاءاتها الشابة الواعدة باستحضار روادها ونجومها وإنتاجاتهم وإبداعاتهم الخالدة ..
لهذه الغاية تجند كل العاملون بالإرادة والعزيمة والطموح كشخص واحد في نسق محكم لا يكلون ولا يملون ، يعملون بلا حدود زمنية ولا مكانية ولا رقابية في إطار رحب مدخله وسقفه ضمير مهني وطني وأخلاق إسلامية أصيلة ..
إنه مشروع إعلامي عملاق بعفويته وتلقائيته وغايته وتواضع إمكانيات المحطة نتمنى صادقين أن يكون بداية حسنة لانطلاقة جديدة وجيدة لإعلام جهوي فعال ومن خلاله لإعلام وطني أجود يشفي بجودته غليل كل المواطنين ويعيدهم لوطنهم لتكون بذلك إذاعة فاس الجهوية ، وكما عهدها المغاربة منذ انطلاقتها ، مهدا لإعلام وطني حر وصادق كما كانت فاس مهدا للعلم والعلماء وأنارت بأنوارها الروحية كل الوطن وكل العالم الإسلامي .. إنها خطوة جبارة ببساطة أدواتها تستحق التقدير والتنويه ويستحق مبدعوها ومنتجوها الشكر والثناء .. على أقل تقدير .
 

ـ محمد المودني ( فاس – أبريل 2012 )

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات