على وزن المثل العربي الذي يقول : (( وقف حمار الشيخ في العقبة )) يمكن القول أن حمار السي عبد الإله بنكيران قد وقف في بداية العقبة ، هذا الوقوف كان جد منتظرا منذ أن عين " رئيسا للحكومة " خارج العاصمة وفق برطكول دوني غير معتاد لا يمس لأي نوع من الديمقراطة بصلة ولو لتلك التي أسقطها علينا الدستور " الجديد " المنزل . وازدادت حدة تشاؤم المغاربة المتفائلين بجدية الديمقراطية الفوقية مع توالي تراجعات وتنازلات السي بنكيران عن وعوده الانتخابية وحقوقه وواجباته الدستورية " كرئيس للحكومة " ، ونزوله إلى حضيض التملق والانبطاح للملك ولحكومة ظله .
أسبوع فقط قبل أن يوجه له السي حميد شباط صفعته القوية بقرار انسحاب حزبه من الإتلاف الحكومي المغشوش ( ولا يهمنا هنا إن كانت الصفعة تآمرية محبوكة ، كما جرت عليه تقاليد الحكم الملكي في بلدنا الذي اتخذ من حزب الاستقلال ومنذ الاستقلال عصى موسى لالتهام كل العصي الممددة والمتقلبة على جنوبها ذات اليمين وذات الشمال تارة وعلى ظهورها وعلى بطونها تارة أخرى وقت ما اقتضت مصالح الديكتاتورية ذلك ، أم هي فعلا نتاج لتحرر الدماغ الاستقلالي وليس فقط لتغير جلده ) توقعنا ، ربما ككل المغاربة أو على الأقل كمعظمهم ، في مقال تحليلي بعنوان " إعلام الزور وديمقراطية الباطل " نشر على نطاق واسع حيث تناقلته العديد من المواقع المغربية والعربية .. توقعنا للسي بنكيران سقطة جارفة ستجره وإخوانه وسياسة فريقه في الحزب إلى مزبلة التاريخ أين دفن سابقوه من بعض اليساريين المنافقين ، وسترد ديمقراطية التضليل على أهلها وتطفئ شمعة آمال الشعب الطيب المسالم قد ينفجر ويثور من جديد مع انطفائها البركان النائم تحت خموده اعتقدنا أن خموده لا رجعة فيه ولن يكن بعده ثوران ، وتشتعل مرة أخرى نيران هوجاء من تحت رماد بارد ظنناها انطفأت إلى الأبد .. ونتحدى هنا السي بنكيران أن يطلع بتأني على مضمون التوقع ( إلكان قاري شيشويا ؟؟ ) أو يكلف بذلك أحدا ممن يأتوه باليقين .
لم يفلح " رئيس الحكومة " – ككل من سبقه ومن شاركه – في تسيير الشأن العام للبلاد وتحقيق آمال المغاربة الذين تعاطفوا معه ومع حزبه وآزروه ، ولم تنفعه في الحفاظ على مكانته الشعبية لا قفاشاته السخيفة ولا اتهاماته وادعاءاته الرتيبة والمملة .. ولن يشفع له ( بطبيعة الحال ) في الاحتفاظ بمنصبه ومجروراته انبطاحه وتملقه ولا تراجعاته وتنازلاته :
فآمال الشعوب في الرقي والازدهار والعيش الكريم لا تتحقق بالتهريج والتنكيت والسخرية ولا بالاتهامات والادعاءات التضليلية بل تنجز وتحقق بالسياسة الحكيمة والتسيير الرشيد وبالعلم والعمل والاجتهاذ المستدام .. والاحتفاظ بالمناصب وبحب الناس لا يكون إلا بنبذ النفس وبالإنجازات الطموحة الملموسة في الحياة اليومية لألئك الناس وليس بالتعلق الأعمى بأهذاب الديكتاتورية واللهث وراء جودها وكرمها والتعبد على أعتابها.
أكثر من سنة وربع مرت من عمر إدارة السي بنكيران وفريقه - وهي مدة أكثر من كافية لإنجاز ولو ربع الوعود والانتظارات – ولم يحقق للمغاربة أدنا شيء من آمالهم لا السياسية ولا التشريعية منها ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية .. ولا نتذكر في هذه المدة أي قرار اتخذته حكومة بنكيران في هذا الاتجاه غير قرارها برفع درجة حرارة عيشهم اليومي ، بحجج كاذبة ، وذلك بالزيادة في أثمنة المحروقات والمواد الغذائية وكل ما له صلة ببسطاء الشعب .
تميزت سياسة بنكيران دائما ومنذ أن كرم بمنصب " رئاسة الحكومة " في " إدارة " شؤون البلاد على الأقل الداخلية منها بمنهجين إثنين لا ثالث لهما :
أولهما يتجلى في عمله الدؤوب ، قولا وممارسة ، على التقرب من الملك ومحيطه صدقا أو نفاقا رغم أن الدستور " الجديد " الذي تعلق به أكثر من سواه يحرره من السجود لغير خالقه ويقويه على العفاريت والتماسيح المفتعلين ، وهذا المنهج لا يتخذه في مثل هذا التحرر إلا ضعاف الشخصية لتعويض فشلهم فيما كلفوا به والاحتفاظ – بالباطل – بما لا يستحقونه .
وثانيهما يتكئ على أولهما ويظهر جليا من خلال تنكره لوعوده الانتخابية ، وإهماله لمطالب المغاربة الملحة واستهجانه بصراخهم المتواصل ، وتجاهله لآراء ومواقف شركائه ومعارضيه ظنا منه ( حسب ضعف عقليته ) أن انبطاحه الأعمى للملك ولمحيطه يمنحه كل الحق في الاستعلاء والاستئساد على كل المغاربة .
كلا المنهجين في سياسة السي بنكيران هما نهج واحد للفرار والهروب من معركة الواجب والالتزام .. لكن أي هروب ؟؟
للهروب والفرار أوجه متعددة وصفات بقدر أوجهه ، وأسباب قائمة وفاعلة وأخرى منعدمة ومفتعلة بعضها قد تبررها غاياته ومعظمها قد تفضح الهارب وتطارده حتى تغرقه :
هروب الشجعان والأبطال من شرور نفوسهم ومن شرور أعدائهم حتى لا يضعفوا ويسقطوا ، وهروب الأشرار من الأخيار حتى لا يعلوهم الحق .. وهروب الجبناء من الواجب والالتزام حتى لا تحاسبهم الحقيقة ..
هروب الجبناء هو النهج الذي سلكه السي عبد الإله بنكيران بعد وقوف حماره عند بداية العقبة ، فكيف ذلك ؟
قبل حوالي سنة تبين لكل المواطنين بجلاء أن بنكيران تراجع عن تحديه في إصلاح الإعلام بعد خضوعه المذل لمصالح أقويائه .. ثم توقفه عن تتمة نشر لوائح المستفيدين من اقتصاد الريع في عدة قطاعات التي كان بعض وزرائه قد بدؤوا نشرها أو تعهدوا بذلك مطلع العهدة الحكومية ، ما يعني أتوماتيكيا أنه عجز عن تنفيذ وعوده الإصلاحية بوضع حد للفساد ( السياسي والاقتصادي والإعلامي والإداري والاجتماعي ) ومتابعة ومحاسبة المفسدين ، واسترجاع أموال الشعب المسروقة والمهربة والمهدورة حتى لا يلجأ لفقرائه وللقروض الخارجية لسد بعض من ثقوب مزانية إدارته .. بعد هذا العجز العارم والشامل اقتنع السي بنكيران بأن حذاء إدارة دولة الديكتاتورية أكبر بكثير من طول وعرض وارتفاع قدميه ، فكان لزاما عليه أن يبحث لنفسه ولإخوانه عن مخرج من الدائرة المظلمة ، به يبرئ نفسه من مسؤولية الفشل حتى ينعم بهدوء وسلامة المنصب في كل الأحوال .. أو به يبرر انسحابه من معركة ما أوجبه على نفسه والتزم به أمام ناخبيه ومنصبيه ومزكيه . وأعتقد أن ضوء المخرج الذي كان ينتظره لاح له من بين طيات مشاكسات السي حميد شباط منذ اقتحامه لباب العزيزية في حزب الاستقلال وهوما يفسر صمته وسكوته - الغير المعتادين - عليها ما يوحي بتقبله لها عساها أن تأتيه بأحد المخرجين وكلاهما هروب ماكر ..
شخصية السي بنكيران كانت ( ومازالت ) تبدو ضعيفة جدا وألوان وجهه كانت ( ومازالت ) متعددة منذ وصوله إلى رئاسة حزبه ما أوحى حينها أن انتخابه لم يكن ديمقراطيا بل ربما ألقي به ، بسحر السحرة ، في ذلك المنصب فقط لقطع الطريق على صقور الحزب تحسبا لضيق الحال وتغير الأحوال وهو ما حصل ووقع بعد نهاية صبر المغاربة حينما أزاحوا عن قلوبهم ، كأشقائهم العرب ، هم وغم خوفهم وفجروا غضبهم المكبوت . لكن يظهر أن علماء إمارة المؤمنين ، ومن بينهم السي بنكيران ، تناسوا عن قصد أو عن جهل أن السحر دائما ينقلب على الساحر وأن الحفرة المحفورة أول من يسقط فيها حافرها .. السي بنكيران تناسى أو تجاهل ، مثله في ذلك مثل كل نظرائه ، أن كل الديكتاتوريين غالبا ما يتخلصوان من متملقيهم وعبادهم ومنافقيهم ، في أحسن الأحوال ، برميهم في زنزانات النسيان والإهمال والديدان بمجرد ما تنتهي صلاحياتهم أو عندما يداهمهم الغضب الشعبي .
هكذا ، إذا ، هي السياسة في بلادنا منذ أن كانت حتى أصبحت في هذا الزمن العاهر تباع بالغرام وليس بالرطل فقط كما حذر من ذلك لنين قبل عقود طويلة .
ما يحز في نفوسنا هو أن نرى أسود السياسة في كل التيارات السياسية والنقابية والإعلامية ببلدنا ، ومن بينهم أسود حزب بنكيران ، يمرغون في ذل أقزامها تحت حذاء الديكتاتورية ليبقى شعبنا عبد فاقد لكرامته ووطننا ذليل فاقد لأصله ، ونظامنا بكل منظوماته المضللة يتلاعب بمشاعر ملايين المواطنين ويغامر بكل وحدة الوطن من أجل سلطان قابل للزوال والفناء في أية لحظة ..
- محمد المودني ، فاس .
- ماي 2013
التعليقات (0)