النقد هو جزء من حرية التفكير والكلام والكتابة والتصوير… هو منهج من مناهج الديمقراطية المطلقة . لكن يجب أن يكون ضوء وهاجا ينير طريق الفرد أو الجماعة لتصحيح الخلل حتى يكون آلة من آليات التقدم والازدهار، وإذا ما زاغ عن سكته أصبح فيروسا فتاكا يدمر كل الآمال والطموح في النفس البشرية… وهذا هو المرض المزمن الذي ينخر الضمير العربي .
المغرب جزء من الوطن العربي : تربة وإنسانا وعقلية ودينا ولغة وحتى مناخا وإن تعددت واختلفت اللهجات : – نظامه السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي لا يختلف في شيء عن نظيره في باقي ” الدولة ” العربية ،
- التركيبات الطبقية هي واحدة من المحيط إلى الخليج وإن اختلفت كما ونوعا ،
– تناقض القمة والقاعدة وما بينهما سمة المجتمع العربي ،
- الفقر الفكري والمادي والنفسي هو واقع الشعب العربي وإن تظاهر البعض بالغنى المزيف ،
- الأنانية وحب المال والجاه والسلطان والجسد من مميزات النفس العربية مهما حاولنا دس رؤوسنا في الرمال ،
– العيش بين أطلال الماضي والنباح بفقرات التاريخ والتهريج
والتزمير ” بعظمة ” الحاضر والمستقبل هو فن عربي أصيل ،
- النفاق والكذب والتحايل والضحك على الذقون ثقافتنا من البحر إلى البحر ،
- الخيال والنوم في العسل تحت الشمس والقمر لذتنا من الزبال إلى الزعيم .
طبعا ستثور ثائرة ” الوطنيين ” و ” القوميين ” كعادتنا مع كل حقيقة مرة وسيطفح إلهامهم فنحن عرب ، متربعين على العروش كنا أم مشردين بين صناديق القمامة ، نحب الانتفاخ والاسترخاء بين سطور قصص الخيال والنوم على أبيات قصائد المدح والجنس ونأبى أن نستيقظ على واقع أقوى من العلقم نغرق فيه منذ معاوية وإلى أن يقوم سيف عمر ، ونرفض النظر إلى مرآة وجوهنا البائسة :
أليست هموم الشعب المغربي هي نفسها في الجزائر وتونس وسوريا وموريطانيا والسعودية ومصر …؟
إنه شعب واحد في اثنتين وعشرين دويلة ، أليس كذلك يا عربي ؟ أليست هذه هي حقيقتنا أيها الثائر تحت الكثبان الرملية وعلى الشاشات الببغائية ؟
أتتنكر لهيكلك ومهدك أيها الهارب من ظلك ..؟ فدمك عربي وإن غسلت دماغك ودخلت البيت الأبيض أو الأسود أو اللوردات ..
الشعارات والتهريج .. الأبهة والفخفخة والأبراج العاجية كلها عنوان واحد للنفاق والكذب والتحايل العربي لا يشبع البطون ولا يحرر الثغور ولا يرفع الهامات .. فما الفرق بين الكتابات الدائرية والأفقية إذا ؟
مشكلتنا ، يا عربي ، هي رفضنا المطلق لسماع ومشاهدة ما يعكر صفو ملذات أحلامنا وهي عقدتنا منذ أن وجدنا .
- كيف أتطفل إذا على اختصاصات عمالقة النقد العربي بربع قلم التقطته من زقاق لا منفذ له وأتطاول على حدود تحرق كل ما هو عربي وأخترق فضاء امبراطورية أمراء الوعظ والإرشاد والرأي السديد يتلقفون بلهفة أوامر أعدائها ويزلزلون الأرض تحت أقدام بعضهم البعض ؟ وطني قد يتقبل
” وقاحتي ” فكيف يقبل بها المصابون بالحساسية المقلوبة ؟
هل أكتب عن تشرذم الشعب العربي وتفككه بين دويلات وما زال منظروها ومهندسوها يرسمون مزيدا من الخرائط وتسلم مغربيتي من لسان حقدهم ؟
هل أكتب عن النفس العربية الأمارة بالفساد التي باعت بشهوات الرذيلة الأندلس وسبتة ومليلية وفلسطين ولبنان والعراق والباقي على حافة التيار الجارف ؟
هل أكتب عن العداء العربي العربي المعلن والغير المعلن والحرب الباردة الطاحنة بين الدويلات العربية بسلاح الكراهية والضغينة والنفاق ؟
هل أكتب عن الفقر المدقع في السودان ومصر واليمن والجزائر والمغرب
و … والأموال العربية التي ملأت خزائن أروبا وأمريكا حتى الانتفاخ ؟
هل أكتب عن البذخ العربي الزائف والتباهي بالفضائيات العقيمة والأمواج الراقصة حول ناطحات الغيوم ، وتكديس الأسلحة ليرضى عنا الغرب والشرق حتى وإن غضب علينا شعبنا … والشذوذ العربي ، والجوع العربي ، والموت البطيء العربي ؟
هل أكتب عن الخيانة المتفشية في ” الجيوش العربة ” التي هزمت شعبها في كل المواقع ومرغته في الوحل تحت أقدام إسرائيل وأمريكا والزعماء العرب وإعلامهم اللقيط يتشدقون ويتباهون بزيف الانتصارات دون استحياء ؟
أليس هذا هو واقع حالنا ؟ فمن يقبل به دون أن يجلدني ألف جلدة ؟
لست بطلا ولا وطنيا أكثر من غيري في الشعب العربي ، لست مفكرا ولا سياسيا ولا ثائرا ولا مرشدا ، لست لا هذا ولا ذاك … إني فقط حامل أثقال نحيل الجسم قصير اليد بلا صفة ، أعيش وسأموت وفي قلبي شيء من هموم زينب وهموم شعبي ووطني وأمتي … ومعذرة لكل العرب فلن أعود إلا للتفاصيل .
- محمدالمودني - فاس / 2009
التعليقات (0)