مواضيع اليوم

مقال : تضاريس الزمن الردييء .

محمد المودني

2009-12-24 18:47:27

0

لم يشفع لهذا الشعب كفاحه ونضاله ضد الاستعمار وتضحياته في سبيل الحرية والوحدة من تقريع أصحاب الحال ... لم يشفع له فقره وجوعه ومرضه وأميته ولا طيبوبته ... لا هذا ولا ذاك زرع في قلوب الماسكين على ناصيته بذور الرحمة تجعلهم يشفقون عليه ويرمون عصاهم إلى البحر ويرفعون عنه يد الميت حتى أصيب بيأس مزمن ظل معه يلوك لعابه على أطراف الليل والنهار، يقبض على الجمر من غير دموع ، أنقضت ظهره هموم يطوف بها بين تضاريس الزمن الردييء على الأشواك يمشي حافي القدمين ... فلا وطنية ولا مواطنة ، ولا قومية ولا عقيدة ولا مذهب ولا غيرة .. ولا هم يحزنون . الكل في موقعه ينهش ويفترس لحم هذا الشعب العليل بأنياب تعددت مسمياتها دون حسيب ولا رقيب .
كل شعوب الأرض لملمت جراحها ، حتى تلك الحديثة الميلاد حاولت وتحاول صادقة النهوض ... منها من تعملق ومنها من يلامس التعملق ، إلا شعبنا يتذيل على الدوام لائحة أقرانه ومن ولد بعده في كل مجالات الحياة...
فالشعب الذي حمل كل أشكل السلاح فوق عزيمته وبسالته وراح يصول ويجول بين الأدغال والكثبان يطارد أعداء الله والوطن ساحت دماؤه على كل رقعة أرضه وأبيد ت عظلاته وانتهكت حرماته وصودرت أرزاقه ، ولما قهر الاستعمار وطهر البلاد من براثين الاستيطان وحرر العباد وبزغ نور الحرية خرجت الفئران الجبانة من جحورها تجر جذاما نخر الجسم الوطني وأغرق الأرض والبشر في جوف بركان ثائر أحرقت حممه الماضي والمستقبل وما بينهما ، وعادت الثعالب الهاربة تحت جنح الظلام تخفي وراء نقابها أنيابا صدئة وتحت طرابيشها سهاما سامة . تكاتف الجبناء والهاربون العائدون تحت أشعة شمس الصباح وانقضوا على فريستهم انقضا ض الصقر على الحمامة فجردوا الشعب من سلطته وثروته بعدما تأبط كل منهم سيفا بتارا مغلفا باسم المقاومة الوطنية ، والجمعيات الخيرية والثقافية والرياضية والسياسية والنقابات العمالية ، والحصانات السلطوية والبرلمانية تحت قبة المحسوبية… يمتصون رحيق الوطن ويكنزون في حساباتهم الداخلية والخارجية حتى الانتفاخ . وظل الشعب ، الوريث الشرعي لخيرات البلاد الذي دفع روحه وأكباده فدية لتحرير أرضه وإعلاء لدينه ولغته وصونا لكرامته ، يحترق بلهيب الوعود والكذب والنفاق يخلخل الموت البطيء أعضاءه ... يتمرغ في بحيرة طفحت بكل ألوان البؤس والشقاء ويجتر على مضض تهريجا تهم ليل نهار ويتجرع بمرارة إسقاطاتهم ، ويبتلع تأففا ته وزفراته الحارقة وهم يتقاسمون الأدوار في تمثيلية رتيبة ملها الصغار قبل الكبار : فريق ينخر هيكله برفع فاتورة الحياة وإنهاكه باقتطاعات وضرائب جائرة وشعارات التسول اللا منتهية التي تثير في النفوس التقزز - التسول الذي أصبح ملجأ الدولة والشعب في الداخل والخارج يستشعر المواطن ألما في منتصف صدره تحت نظرات شماتة الأعداء – ويكبس على أنفاسه بتبريرات مقيتة ورتيبة : كالأزمة الاقتصادية العالمية الدائمة ، والظرفية الدقيقة الراهنة ، والظروف الصعبة والجفاف ، و القضية الوطنية .. تبريرات ملها الجنين في الرحم فارتفعت نسبة وفيات الواضعات علما أن دويلات تشتري الطاقة والماء والخبز وشعوبها تعيش في رفاهية دائمة وبكرامة مصونة . وفريق قابع بابتسامته الماكرة بين لكن... ونأسف ويضرب بقبضة يمينه ، بغباء ، على الطاولة محتجا بكلمات فقدت طعمها من فرط اجترارها ويأخذ تحتها بيساره نصيبه من خيرات الشعب ، وكلاهما يغلف نهبه هذا بأيام دراسية لا تنتهي وندوات فارغة ، وأبواب مفتوحة وأخرى مغلقة ، وموائد مستديرة وطويلة وعريضة ، وأسابيع تعددت مسمياتها ، ومؤتمرات إستنزافية .. الملايير هدرت وتهدر في التهريج والتزمير والتعذيب النفسي والعضوي ، وشعب محنط يضحك المتآمرون على ذقنه بخطب مطاطية ومشاريع خيالية ، وكلما استنزفوا صناديق البلاد كرموا وكوفئوا وحصنوا بقوانين أخاطوها بإبرهم ويجبر الشعب بالحديد والنار على ملئها ، فكيف وأين هي الوطنية وروح المواطنة ياترى ؟؟
فهل الوطنية وروح المواطنة التي تنفخ أشذاقهم كلما جرت ألسنتهم وراء لعاب بطونهم هي تقسيم المواطنين إلى درجات ؟؟ وهل الوطنية والمواطنة تورث الغنى الفاحش والمناصب العليا .. ويبقى البؤس للبؤساء ؟؟
وهل الوطنية التي اغتصبوها تخولهم حق ترويض الشعب بسياط الجوع والمرض والأمية والجريمة بينما برمجوا لأنفسهم وذويهم حياة البذخ والترف داخل وخارج البلاد على نفقة المواطنين؟؟
أغرب ما في هذا البلد هو أن المنافقين ومصاصي الدماء يعلمون أن الشعب واع بشرهم ويتمادون في غيهم ويعتبرونه إنجازا يعظمونه علما منهم أنه لا سلطة له في محاسبتهم ومعاقبتهم لأن كل الديكورات هي للتسول الخارجي ولتنويم المواطنين ليس إلا...
كل دول العالم تعتبر مواطنها رأس مالها تقيم الدنيا وتقعدها إذا ما مسه ضيم ، بينما شعبنا لا قيمة له : يهان داخل وطنه من قبل مغتصبيه وخارجه من لدن أقزام الشعوب ... وأولياء أمره يقابلونهم بالعناق والتملق تحت شعار التسامح .. والتعايش ". وكلما نهرهم قزم من الأقزام يركنون إلى الزوايا الخلفية فارين بذيول الذل والعار متسترين بشعارات الجبن والمهانة تاركين الشعب يحصد شر تخاذلهم ، وعندما يرضون عنهم وتتبدد الغيوم ويتطاير فزعهم يعودون إلى شذوذهم السلطوي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي إرضاء لأعداء الوطن ولأنفسهم الأمارة بالفساد ليستأنفوا عليه حربا باردة أشد وأعنف مما كانت في فكره وثوابته وبدنه . في أبسط دول العالم كرامة الوطن والمواطن هي العليا بينما في بلدنا الكريم المواطن تحت الحوافر وراية الوطن هي السفلى ، في كل دول العالم تقوم الصراعات الفكرية والسياسية والعلمية على إعلاء إسم الوطن وكرامة المواطن وفي بلدنا تقوم حرب ضروس بين "مواطنين" على إذلال الوطن والمواطنين ... فهل هذه هي الوطنية وروح المواطنة... يا وطني ؟؟ 
                                                                                               
                                                                                           - محمد المودني - فاس . 
                                                                                   

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات