مواضيع اليوم

مقال : الغضب الشعبي آت ... فاتعضوا يا أيها المنافقون (2)

محمد المودني

2011-03-06 20:57:21

0

لم تكن رائحة الشواء التي انتشرت في الفضاء العربي هذه الأيام رائحة شهية تسيل لعاب المتخمين بسلطة وثروة الشعوب من العرب بقدر ما كانت تشفي غليل الدمويين منهم وتحفز المحتاجين والمحرومين على المزيد من الإبداع والابتكار والاختراع ، لأنه ببساطة لم يكن شواء ككل الشواء الذي يحضره صاحب وليمة تحت قبة قصره بل كان شواء من لحم بشري ورائحته رائحة دم مشوي وصاحب الوليمة كان هو الوليمة نفسه شويت كرامته وروحه فوق نار المستبدين الطغاة الهادئة الدائمة قبل أن يشوى جسده فوق نار ملتهبة وقودها كان الترهيب والتعذيب وتحرق عظامه لتلبد غيوم دخانها القاتم أجواء الوطن العربي بل أجواء كل الأوطان أبكت قلوب قبل عيون كل الشعوب .. الوليمة كان تونسيا ترك تونس والحياة قبل أن يعرف ماذا حل بتونس وما الذي جرى بها وبالوطن العربي .. لقد أبهر البوعزيزي العالم بمعجزته الخلاقة – رغم عدم شرعيتها الدينية – وفعل فعلته العظمى الخالدة بالأنظمة العربية وأسقط فلسفتها في الحكم الرهيب وحطم صنمها المقدس وزعزع عروشها وزلزل الأرض تحت أركانها ، ونشر فلسفته القتالية في المجتمع العربي بل في كل شعوب العالم التواقة للسلم والسلام وحب الحياة الكريمة .. ثم كان الثاني من بين أبناء بلده وأنقذ ، ثم أربعة في الجزائر فواحد في موريطانيا وآخر في مصر .. ومحاولات فاشلة في المغرب .. ثم سارت المسيرات .. اشتعلت نار الغضب في الجسم العربي واندلع حريقها بسرعة كما لو كان البنزين في انتظار شرارتها الأولى ، واكتفى الحكام العرب وأسيادهم في الغرب بالتفرج على تفحم اللحم البشري والاستمتاع برائحة الشواء النتنة والاستهجان بغضب الشعوب قبل أن يصدموا باحتراق من حرق الشعبين التونسي والمصري ليبدأ الرعب الرهيب يدب في نفوسهم المتعفنة وقلوبهم الميتة ذرة بعد أخرى .. هذا ما بدا واضحا في الارتباك الذي نزل على سياساتهم هذه الأيام من خلال ارتجالهم لحلول ترقيعية فقدت صلاحيتها منذ زمن ، وكان لنظامنا النخبوي الأسري النصيب الأوفر منهما - كما عودنا - لا يختلفان في شيء عن ارتباك وارتجال النظامين البائدين والسائرين على دربيهما :

... كانت ليلة الاثنين 14 فبراير من سنة الخير 2011 .. بالصدفة غيرت القناة التلفزية التي كنت أتابع من خلالها - ككل مغاربة المغرب الثالث - أحداث العالم لأقوم بإطلالة سريعة على عالم تلفزتنا ففوجئت على شاشة قناتها المحنطة والمتخصصة في تيئيس وتضبيع المواطنين بخطابات المدح والغزل وتلميع صور المنافقين من أقطاب نظامنا وتبييض سياساتهم السوداء .. فوجئت بشخصية لا تباع ولا تشترى وزنها في شكلها لا يقاس بثمن وقيمتها في ابتسامتها و" فكرها " من قيمة أبطال الزمن الرديء ... إنه عجب العجاب بحق يدعو للاستغراب والريب ... وزير خارجية الأعتاب الشريفة وعميد الحكومة الفاسية تنازل عن شيء من قدسيته ونزل من برجه العاجي ليزورنا في أكواخنا بإطلالته علينا - وابتسامته " الفصيحة " التي لا لون لها تلغي مصداقيته – من شاشة قاتلة المشاعر والروح الوطنية في جوف أجسادنا ... ثلاثة دقائق من المتابعة كانت كافية لقراءة ما وراء العجب العجاب وإزاحة الاستغراب والريب عن المفاجأة... فالدروع الشبابية التي أثث بها ديكور الأستوديو الذي أسعدته زيارة الطيب الفاسي الفهري وتشرف بجلسته وندوته " الفكرية " على غير العادة ، وإبحاره في خياله الإبداعي لعد ما لا يعد من الأوراش العظمى والمنجزات العملاقة والانتصارات الأسطورية التي اقتحمها وفتحها وحققها العهد الجديد المتقادم ، السعيد بخدامه النبغاء من مهندسيه في نخبة حكومة " الظل " والنافذين في حكومة " الشمس " من عباس والطيب الفاسيين وأسرتهما وما بينهما ومن خلفهما وحولهما ومن سبقهما ، ملاحظتان بسيطتان فضحتا أسباب وغايات تواضع وزير الخارجية لا تقل الأولى ( أساب ) عن إظهار مدى الرعب الذي أحدثه تململ المغرب الثالث وارتفاع درجة حرارة الحراك الاجتماعي في نفوس وقلوب أركان النظام ، والثانية ( غايات ) لا تزيد عن محاولة إفشال وإحباط - كما هي العادة - قرار تنظيم المسيرات الشعبية الاجتماعية والسياسية التي أعلنت عنها مجموعة من الشباب الحر.. شرع السيد وزير الخارجية ، الذي أقحم وأقحم أنفه في غير ما يجب ، في رسم خريطة هاته المنجزات العملاقة بحركات يدوية على الاتجاهات الأربعة في فضاء الخيال تحت سقف الأستوديو ويأكدها بابتسامات لا طعم لها بين حشود ممن جرهم خلفه من المهندسين في الكذب والنفاق والتحايل ليهتدي بإيحاءاتهم ، والأهل والأحباب والخلان والزملاء ليصفقوا على فصاحته وذكائه ، وبدأ يفصلها بعناوين عريضة وفظفاظة تنطوي على الكذب والبهتان للتحايل على مشاهديه ومستمعيه كالإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وتحرير الفكر والرأي والإعلام ومحاربة انتهاكات حقوق الإنسان ، وتغيير المفهوم القديم للسلطة بالجديد ، وإصلاح القضاء والأمن والإدارة ومحاربة الرشوة ، وإصلاح منظومة التربية والتعليم والحقل الديني ، وتقوية البنيات التحتية ، وخلق عدة مشاريع اقتصادية واجتماعية .. فظلا عن انتصاراته فيما له صلة بملف الوحدة الترابية للوطن .. وحسب الرأي التضليلي للطيب الفاسي الفهري ، الذي هو من رأي كل الكذابين والمنافقين من السلطويين والمتحزبين وتوابعهم ، فإن المنجزات المبهرة التي عد عناوينها جعلت المغرب يتجاوز العديد من الدول في كل المجالات ( في الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والفقر .. بطبيعة الحال ) ما أجبر (حسب السيد الوزير ) الدول الأوربية وأمريكا على التنويه بسياساته ( كما كانت تنوه بالنظامين البائدين التونسي والمصري الغير مؤسف عليهما ، وتنويمهما وتنويم شعبيهما بما كان زيفا وبطلانا ) والتعاقد معه على الشراكة الاقتصادية ( المزيفة والمفلسة لاقتصادنا ) وتفتح له أبواب جنتها ( لاسترقاق واحتقار أبنائه وابتزاز نظامه واستغلال خيراته في البر والبحر .. ) ، وجعلت منه قطبا لامعا وجذابا للاستثمارات والمشاريع الأجنبية وتشغيل أكبر عدد من المواطنين ( استثمارات على أقليتها مفلسة وفاسدة تبحث عن إنقاذ نفسها بأموال وسواعد الشعب وأخرى مفسدة لاستغلال وإفساد أبنائه وأرضه وطبيعته كالسياحة الجنسية والصناعات الكيماوية القاتلة للحياة .. ).. في نفس الليلة لنفس اليوم استضاف عباس الفاسي الوزير الأول وزعيم حزب الاستقلال نظرائه من زعماء النفاق السياسي والارتزاق بكرامة الشعب في تمثيلية حميمية عمل على تسريب وإشاعة تفاصيل نصها وإخراجها لزرع الوهم في عقول الشباب والكهول كما كان وأسياده وزملاؤه ومازالوا يتوهمون وسيبقون حتى تأكل أطرافهم نار غضب المظلومين والمقهورين بالتخويف والترهيب والاستغفال . التمثيلية السخيفة برتابتها التي عرضها عباس الفاسي ببيته على الشعب من خلال المنافقين والتي كان محورها يقول " ... أن باب جلالة الملك مفتوحا للجميع .. ؟؟ " وليس لديه ما يقدر على تقديمه للشعب غير ترقيع بعض الثقوب الاجتماعية التي كان فيما سبق مصرا على عدم ترقيعها ما يدل على أنه مجرد صنم بشري همه الوحيد والأوحد هو ذاك المنصب مثله في ذلك مثل كل نظرائه الأصنام ، إذا ما أضيفت لتلك التي قدمها وزير الخارجية لجمهور التلفزة المحنطة تألفان بنفس الأسباب ولنفس الغايات لملحمة مسرحية مشوقة بكذبها ونفاقها وتحايلها التي أبدع في تصميمها وإخراجها المغفلون والأغبياء ممن اعتادوا على استغفال الشعب تنضاف إلى الملاحم الخالدة للعهدين الزاهرين القديم والجديد اللذان لا يختلفان إلا بالأسماء والوجوه والمكر والدهاء .. نستنتج من كل هذا أن الملحمة الترقيعية التضليلية هاته استلهم موضوعها من دخان الشواء الذي اقتحم فضاءات وحدائق قصور وإقامات نخبنا وأزعج راحتهم وسكونهم لأنه - كما سبق وأن قلنا - ليس ككل الشواء الذي ألفوه في ولائمهم الدائمة والتي باتت روائحه النتنة تقض مضاجع كل الطغاة المستبدين بالسلطان والثروة ، ومحاولة استباقية يائسة مفضوحة لكسر وطمس معاني مسيرة 20 فبراير لم ترق إلى مستوى ضرباتهم الاستباقية لأبناء الشعب بعناوين صهيونية وصليبية الابتكار . وطبعا لا يمكن لمثل هاته الملحمة التضليلية أن تعرض على " الرعية " إلا بأوامر من حكومة الظل وموافقة مولوية التي لم تعد حيلها وخدعها الفنية تنطلي علينا لأننا ببساطة تعودنا على دسائس أركان نظامنا مند عقود . فالحكومة وتوابعها والأحزاب والنقابات ومجروراتها لا يمكن أن تصفق وتبكي وتصرخ إلا تحت الطلب ولا تستنفر وتتحرك إلا بأوامر عليا من النخبة المولوية .

رغم هذه المحاولات الفاشلة بكذبها وتحايلها قامت المظاهرات وسارت المسيرات بين شوارع المدن المغربية كما كان مقررا لها يوم 20 فبراير ، تعددت وتنوعت عناوينها وشعاراتها لا تختلف إلا مع فلسفة النظام وأركانه من المنافقين . ومن الطبيعي جدا أن يكون لكل ثورة غضب مسببات ينكرها وينفيها بالكذب والمكر مفتعلوها ، وغايات يرفضها بالعنف والتعنيف سالبوها فيلتجئوا إلى كل الأساليب الغير الشرعية للتشبث بها وقمع مستحقيها المطالبين باسترجاعها ، وطبعا كل انتفاضة غضب تتيح الفرص للمحرومين والجائعين بالانتقام لحرمانهم ولجوعهم ولجهلهم ولأميتهم .. وعوض أن يكون لهذا الغضب الشعبي – الذي لم يتعد في جوهره إلحاح الشعب على استرجاع ما سلب من كرامته – أثرا إيجابيا على عقلية وثقافة حكامنا بتنوير بصيرتهم ويهتدوا إلى النهج القويم ويعترفوا بأخطائهم وبمطالب الشعب ويعملوا بجد على تلبيتها وتحقيقها بشفافية واضحة وبأقصى سرعة ( كما تفعل كل الأنظمة المتحضرة بشرعيتها ) لاستعادة ثقته وإنقاذ نظامهم مما قد يؤول إليه مثلما آلت إليه كل الأنظمة الديكتاتورية عبر التاريخ آخرها انهيار نظامي بن علي ومبارك والمفاجأة العظمى في انهيار عظمة ملك الملوك وملك أفريقيا ، تشبثوا بعنفهم الأعمى القائم على التهديد والترهيب والقمع والاستهجان واللامبالاة بكل ما يتعارض مع أنانيتهم وجشعهم . وما أن عاد الغاضبون إلى قواعدهم حتى جاء رد الملك سريعا وعنيفا على مطالبهم المشروعة : فحسب وسائل الإعلام الدولية فإن جلالة الملك الجامع لكل السلط والرافض لكل رأي أو نقد قال أنه " .. لن يذعن لمطالب الغوغائيين .. " وأن " .. الديمقراطية المغربية مقترنة بالتنمية البشرية التي ينعم بها الشعب .. " هذا الرد ليس غريبا ولا مفاجئ ولا فريدا من نوعه ، فهو في حد ذاته تعبير واضح ووصف دقيق للديمقراطية المغربية المرتبطة بالتنمية الفكرية التي أنجبت وأوجدت منذ زمن " الأوباش " كما وصف الحسن الثاني رحمه الله وغفر لنا وله ولكل الإنسانية ، جزء من شعبه العزيز لمجرد أنه عبر في مدينة الناظور عن استيائه من أوضاعه المزرية أوائل ثمانينيات القرن العشرين ، وأنجبت وأوجدت بكثرة وبوتيرة سريعة " الإرهابيين والمجرمين والغوغائيين " كما يفضل العهد " الجديد " أن يصف جزء كبيرا من شعبه العزيز كلما عبر بغضب عن امتعاضه من تردي أوضاع البلد .. إنها ديمقراطية النخب بحق في بلد " الراعي والرعية " تسمي المطالبين بحقهم من الشعب بأسماء يندى لها الجبين الوطني ، وتصف تلبيتها بالإذعان والخضوع والإذلال .. فأية ديمقراطية تعنيها فلسفة نخبنا التي نعيش في كنفها وتنور بلدنا ؟ : وأي إصلاح سياسي يقصد المنافقون ومن أي نوع ؟؟ : هل الإصلاح السياسي في فلسفتهم هو تفريخ الأحزاب على مقص النظام لتشتيت وبلقنة رأي الشعب وإبطال طموحاته وإجهاض آماله ، وهل سكان المغرب أكثر من سكان الولايات المتحدة الأمريكية وأسبانيا وبريطانيا .. واقتصاده يقوى على اقتصادها حتى يضاعف عدد أحزابه أحزابها بأكثر من عشرين مرة ؟ هل إطلاق العنان لأحزاب وتقييد أو احتواء أخرى إصلاح سياسي ؟ هل إرغام المواطنين على المشاركة في الانتخابات المزيفة بإلزامهم بالتصويت كما يطالب المنافقون من السياسيين في عصرنا يدخل في خانة الإصلاح السياسي ؟ هل خوصصة الإعلام الشعبي وتحنيطه وجعل مهامه الأولى الدعاية للنظام ونخبه و تبييض سياسته العامة ، والثانية استغفال الشعب وإفساد ذوقه بتخريب دينه وثقافته وتاريخه وطمس حقوقه وهويته ، وقمع الإعلام الحر وإلغاء حرية الفكر والرأي والنقد ، إصلاح سياسي؟ وهل ديمقراطية حكامنا بطبعة إسلامية أم هي مدنية وضعية معاصرة ، أم هي ديمقراطية من وحي نظامنا قائمة على خصوصيته الاستبدادية والاستعبادية بعنوان التقاليد المزيفة ؟ أين تتجلى مظاهر الديمقراطية التي يتحدث عن انتقاليتها وقفزتها حكامنا وساستنا المنافقون منذ ما يزيد عن عشر سنوات بفخر واعتزاز، وهل تحتاج إلى عقود من الزمن لتقفز وتنتقل ؟ هل الفوضى والتسيب اللذين تمر بينهما وتعرفهما الانتخابات تشريعية كانت أم محلية أو قطاعية ونتائجها من معالم الديمقراطية ؟ هل المجالس المحلية والبرلمان والحكومة وحتى سياسة الأحزاب والنقابات تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية ؟ هل تنصيب البرلمان والحكومة ضدا على رغبة سبعين في المائة من المغاربة كما حدث في انتخابات 2007 من معالم الديمقراطية ؟ هل البرلمان يمارس فعليا صلاحياته في خدمة الشعب كما هو متعارف عليه دوليا ويقوم بدوره كما هو مفترض كسلطة شعبية في التشريع وتتبع ومراقبة ونقد ومحاسبة من بيده كل السلط أو كل من أسند له جزء من السلطة السياسية في القضاء والإدارة والاقتصاد والإعلام .. لخدمة الشعب ؟ هل عمل ويعمل على المحافظة على المال العام بمراقبة ومحاسبة المفسدين الاقتصاديين والماليين والاجتماعيين كما هو مفترض؟ هل عمل ويعمل كما يجب على مراقبة الإدارة العمومية والقضاء والأمن والتعليم والصحة ، ومحاربة الرشوة بمحاسبة وزجر الفاسدين المفسدين بهذه القطاعات وغيرها ؟ طبعا لم يثبت – حسب علمنا - ولو مرة واحدة أنه أنجز سيئ من هذا أو على الأقل لم يقدم للشعب شيء منه ، وطبعا لن يقم بمثله وغيره لسببين بسيطين أهمهما أنه مجرد من كل صلاحياته الفعلية باعتباره مجلسا صوريا مثبتا بالباطل على إرادة الشعب باسم مؤسسة دستورية ، وثانيهما لا يقل أهمية عن سابقه ويتجلى في ارتباط معظم أعضائه بالفساد السياسي أو الفساد الاقتصادي والمالي، أو الفساد الإداري أو الفساد الاجتماعي ، بل منهم من هو متورط في كل صور الفساد ، هذا فظلا عن أمية سوادهم الأعظم .. وهل تزييف وتحريف الدين بالاجتهاد المزيف باسم إصلاح أحوال الأسرة (مدونة الأسرة) وهو أحد الأركان التي تأسست وقامت عليها الدولة المغربية دون الاستشارة المباشرة والحرة للشعب والاكتفاء في ذلك برفع أربعة مائة أو حتى ألف أصبع نيابة عن خمسة وثلاثين مليون مواطن وبالباطل ، من معالم الديمقراطية يا سيادة الوزير؟ فالدولة المغربية تأسست وقامت على خمسة أركان وهي : الأرض ، والشعب بأمازيغه وعربه ، والدين الإسلامي ، واللغة بأمازغيتها وعربيتها ، والمؤسسة الملكية بأبيها العربي وأمها الأمازيغية ، وباتت هذه الأركان الخمسة من ثوابت الوحدة الوطنية واستمرارية الدولة عبر تاريخها ، فإذا اختل وانهار ركن منها انهارت معه وحدة الوطن وانهارت بذلك الدولة باسم الديمقراطية المزيفة . إن القرآن والسنة يحرمان كل جدل في الدين الإسلامي ، و كل الدول بثقافتها وحضارتها وحريتها المتنوعة لا تطرح أركان وثوابت أوطانها ومقومات دولها للجدل حتى وإن على المستوى الشعبي ، بينما في بلدنا لا يبحث السياسيون المنافقون عن البطولات إلا تحت أسس أركان الدولة والوطن باسم الديمقراطية المزورة وتنهار شجاعتهم في ردهاتها أمام مصالح وحقوق الشعب الحقيقية وتخونهم مواطنتهم ووطنيتهم أمام مصالحهم الفردية والجماعية . فإذا كانت مجموعة من الخوارج أو المرتدين فرضت باسم الديمقراطية المزيفة على الشعب ارتدادها بتزييف دينه وإلغاء تاريخه وسموها نقلة ديمقراطية عملاقة وقبل بها أشباه " العلماء " المنتفعون " بعلمهم " و" العلماء " المسيسون والمتحزبون الإسلامويون فماذا سيقول كل هؤلاء " الديمقراطيون " المزورون إذا ما تقدم في يوم من الأيام باسم هاته الديمقراطية فريق من الجمهوريين النائمين بين مصالحهم المادية - بطبيعة الحال - في حضن الملكية إلى مثل هذا البرلمان بمشروع إلغاء الملكية التي هي مثل الدين الإسلامي من ثوابت الدولة وركنا من أركان وحدة الوطن ، وفرض هذا المشروع تحت قبة مثل هذا البرلمان برفع أغلبية أو حتى كل الأصابع ؟ هل سيقبل الملك وكل أركان النظام من سلطويين ومتحزبين و"علماء" بما فرضته مثل هذه الديمقراطية بالإطاحة بالملكية وإلغائها لتكون بذلك النخبتان هما المسؤولتان عن تهويد الوحدة الوطنية باسم الملك وديمقراطيته بعدما فرطتا في حدوده الجغرافية على ثلاث واجهات ووحدة شعبه ( أمازيغ وعرب ) المهددة بالانقسام ، ووحدة دينه بالتزييف والتحريف ووحدة لغته المهددة بالانقراض في معظم إدارات الشعب أمام زحف اللغات الاستعمارية ؟؟ طبعا هذا مجرد تساؤل خلف موضوع افتراضي لكنه تساؤل مشروع في زمن رديء تعددت وتنوعت فيه صور النفاق وطغت ألوانه على الروح والعقل والقلب وحتى على الجسد تحت عناوين ضخمة من ضخامة نفاق أصحابها وبشعارات كانت لامعة وفقدت بريقها وطعمها... أليس كل هذا ما هو إلا القليل من كثير الفساد السياسي الممنهج المتفق عليه بين أقطاب النخبتين؟؟ .. هي إذا ديمقراطية نظامنا على كل حال .. أما الإصلاح القضائي والإداري والأمني والاقتصادي والتربوي والاجتماعي الذي يتشدق به المنافقون في كل مناسبة تضليلية فيحتاج التحقيق فيه إلى كتلة ورقية وبرميل مدادي مع حبس الأنفاس لأطول مدة لا تتحملها دقات القلب البشري ، لذا نكتفي بأمثلة حية كجزء مما يعايشه المواطن المغربي في تفاصيل حياته اليومية والمستثمر الأجنبي اللاجئ في بلدنا : فهذه الميادين التي كانت وما زالت وستبقى تعتبر في الدول المتحضرة بديمقراطيتها الصادقة قاطرة التنمية الحقيقية والتحضر ، تركوها تتعفن كما تعفنت كل شؤون الشعب حتى أصبحت بحيرة راكضة نتنة لا تعيش فيها إلا التماسيح المفترسة . نعم لقد ظلت مؤسسات القضاء والأمن والإدارة العمومية والتربية والتعليم .. تنتظر الإصلاح المغيب حتى تعفنت وفقدت صلاحيتها ودورها في خدمة الشعب وحمايته من جشع المفسدين الطغاة بمراقبتهم ومتابعتهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم كما لم يفعل القضاء والأمن في متابعة ومحاسبة ومعاقبة سراق الأبناك ( كالبنك الشعبي والبنك العقاري والسياحي والقرض ألفلاحي والبنك التجاري وفابنك .. ) وباقي صناديق الشعب .. وآخر ما سكت عنه الكل ( بالتراضي طبعا ) تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي بقيت أوراقا مرففة يعلوها النسيان المقصود ككل تقاريره ليبق هذا المجلس الذي يستنزف ميزانية الشعب ككل المجالس الدستورية أو الاستشارية المحدثة .. مجرد ديكور للتضليل ولترف النظام وهدر المال العام ليس إلا كالذي أحدث مؤخرا بعنوان جديد وترف أعظم ( المجلس الاقتصادي والاجتماعي). أما الإدارة العمومية بكل أصنافها فشعار تسييرها الاستبداد بالرأي والقرار والمحسوبية في التوظيف وفي تسلق سلالم الترقي وفي احتلال المناصب ، والرشوة المتفشية في خدماتها الضعيفة والرديئة ، ونكتفي بأمثلة بسيطة ومختصرة هي قاعدتها : فموظف (عون مصلحة) قضى ما يزيد عن ثلاثين سنة في خدمة الإدارة مصنف في سلم واحد (01) بأجر لم يتجاوز حده الأقصى ألفا ومائتين درهما وتقاعد ومات بهذا الصنف وترك لأسرته تقاعدا في حدود سبعة مائة درهم لا تسد حتى حاجيتها في السكن ليكون مصيرها التشرد والانحلال الخلقي تقتات على الدعارة والتسول .. وآخر عوقب على رأيه بتجميد وضعيته الإدارية لما يزيد عن اثنتا عشر سنة وما زال .. وآخر كوفئ بلا شهادة على ولائه المطلق بمنصب لم يحلم به .. وآخرون يعدون بالآلاف على هذا النحو .. أما مظاهر الرشوة فلا تقاس بمقياس ، فقط نذكر المستفز منها : فلا يمكن بل من المستحيل أن يحصل الإنسان مغربيا كان أم أجنبيا من أية إدارة على خدمة أو وثيقة ولو بسيطة ( كشهادة الميلاد مثلا ) من دون أن يدفع رشوة قد تتجاوز قيمة الخدمة أو الوثيقة .. وأما من أنكر وتنكر حقيقة التعليم عن قصد أو عن غير قصد فالأدلة على رداءته وإفلاسه ( بفعل فاعل ) عديدة وبسيطة وسهلة وما عليه إلا أن يتابع حديث المسؤولين - مثل عامة الناس - على المنابر الإعلامية السمعية والمرئية ويطلع على كتابات وتعليقات المغاربة على المنابر المكتوبة الورقية أو الإلكترونية ثم يقارن بصدق بين ثقافتنا وثقافة أشقائنا المشارقة بل حتى المغاربيين منهم . لنفترض فقط أن ثلث الموظفين والعمال ( وقد يكون أكثر بكثير ) يعانون الشقاء في عملهم بالحيف والظلم والمحسوبية ، وثلث المواطنين تهدر كرامتهم وتحرق أعصابهم في الإدارات العمومية – التي وضعت قانونيا لخدمتهم وتمول من طاقتهم – بسوء الخدمة والرشوة والابتزاز والإهانة ، وثلث المواطنين يعانون العذاب الأليم من الممارسات الأمنية والقضائية الرهيبة ، وثلث المواطنين يعيشون الفقر المدقع لا دخل ولا كرامة لهم وأشقياء ببطالتهم ، وثلثا المواطنين يكرهون هويتهم ويرغبون في هجر وطنهم .. هؤلاء المواطنون الأشقياء بسياسة نظامهم القائم في المفترض على رضاهم والذي وصف ويصف جزء منهم في كل مناسبة عبروا فيها عن تذمرهم وسخطهم على أوضاعهم الأليمة بالإرهابيين والمجرمين والغوغائيين هم جزء من هذا الشعب الذي إذا ما أتيحت له فرصة الاختيار المباشر الحر لمن يخدمه ويسهر على شؤونه سيكون لهم رأي بحق مواطنتهم .. فماذا سيحل بالبلد وكيف سيكون مصير النظام وأركانه إذا ما نفذ صبرهم وأزاحوا خوفهم وانفجر غضبهم واشتعلت نار ثورتهم ؟ فقط على ضوء الحد الأدنى من كل ما ذكرناه وطرحناه هل يمكن فعلا اعتبار المغرب استثناء في ثورة الشعب العربي ونظامه مقدسا ومنزها بين الأنظمة المنهارة والسائرة إلى الانهيار ؟؟ يمكن وصف المغرب بأي وصف إلا بأنه بلد الديمقراطية والحرية والعدالة والقانون ، وأوضاعه يمكن وصفها بكل شيء إلا بأنها على أحسن ما يرام وهادئة والبلد بهذا خارج الدائرة المهددة بالاحتراق كما يوهمون أنفسهم ويضحكون على ذقون الناس .. أليس هذا هو واقع مشاريع الإصلاح والقفز والانتقال ، وما لم نذكره من المؤكد أنه أفظع مما ذكرناه ؟ بل هذه هي الحقيقة - التي يعرفها حتى أبعد الأجانب - الضائعة في ثقافة حكامنا ونخبنا الذين يصرون على عدم الاعتراف بها .. حقيقة المنجزات الأسطورية لكل العهود القديم منها والسائر على نهجها بكل شعاراتها الخيالية التي يوزعونها بالمجان على شعبهم العزيز وعلى مسامع الأجانب من فوق كل منبر لتدوم سعادتهم بسلطانهم الخالد على دوام شقاء هذا الشعب العزيز .. سبق وأن قلنا بتساؤل بريء في مواضيع سابقة ذات صلة : إلى متى سيبقى حكامنا وأقزام السياسة في بلدنا يزرعون ويحرثون الوهم على أرض فقدت الثقة في طبيعة عقليتهم المتحجرة وفي مناخ سياساتهم الجاف رغم أنهم متأكدون من فقدانهم لتلك الثقة وللشرعية عموما ، ويعلمون علم اليقين أن الشعب مدركا وواعيا بالتحالف الغير الشرعي الذي وحد بين الملكية والأحزاب والنقابات وكل أركان النظام مند 2002 ، والمآمرة التي حبكتها كل الأطراف - تحت غطاء إعلامهم المتعفن وباقي نخبهم العنصرية - حوله لإجهاض مطالبه وإلغائه بالمطلق حينما قامت النخبتان بالدوس على كرامته وصادرت حقوقه بمكر ودهاء حيث وزعتا بالتراضي المناصب والمهام حسب مصالح كل طرف ، ثم فصلتا الأدوار التضليلية على مقص كل متآمر بعناوين ضخمة تحت شعارات مغرية . فجمعت كل السلطات بين يدي الملك – حسب المآمرة – حتى يبق كل المغاربة راكعون ساجدون ، مقابل ذلك حصل المتحزبون والنقابيون على مناصب سياسية مزيفة وامتيازات سلطوية ومالية طالما حلموا بها منذ ما قبل " الاستقلال " .. مناصب مسحت أدمغتهم وغيرت جلودهم وكشفت نفاقهم ، في حين نال توابعهم ما يشفي غريزتهم من السلطة والثروة . إن العناوين العملاقة التي يحفظها وزير الخارجية وزملاؤه وكل من له صلة بالسلطة ونخبها وتوابعها عن ظهر قلب يرددونها أوتوماتيكيا بكل مهنية على كل منبر كلما ارتفعت درجة حرارة المجتمع وحوصروا، أو ضاقت أحوالهم وتقطعت بهم السبل تفاصيلها الملموسة غير قابلة للنزول من خريطة خيالهم إلى الخريطة الجغرافية والبشرية ولا تقوى على المحاسبة الشعبية باعتبارها مجرد دخان فقد مفعوله في التأثير على عيون وعقول الناس في الداخل والخارج . شعارات ثقيلة لعناوين وازنة سئمنا سماعها حتى كرهناها بكذبها لم تكن إلا مقدمة شفوية مغرية تكرر نفسها بكل الصور تلقائيا على مدار الساعة منذ ما يزيد عن عشر سنوات لترسيخ سلطان العهد الجديد في باطن الذاكرة الشعبية ومسح ما علق بها من صور نمطية لعهود الأب والأجداد .. بقيت مجرد أفكار وهمية وأحلام يتيمة يرددها المنافقون في كل مناسبة لذر الرماد في عيون الشعب والتحايل على الأجانب .. حتى يدوم استبدادهم . إن الإصلاح السياسي الحقيقي يا سيادة الوزير المحترم – كما يعرف ويعلم الخاص والعام - يبتدئ بإطلاق الحريات العامة التي تقوم على الحرية الفكرية والفعلية الفردية والجماعية ، من معالمها حرية الرأي والتعبير والممارسة والنقد البناء وحق الاختلاف .. والحرية حريتان : حرية متمردة ومتوحشة فاسدة ومفسدة لا حدود ولا ضوابط لها فلسفتها إلغاء ثوابت الدولة وثقافة وتاريخ الشعب ، ومن معالمها الكسل والخمول والفتنة الاجتماعية ما يجعل منها آلية فعالة وسهلة وغير مكلفة لتهويد الأمم والشعوب ، وهذه الحرية لا يعتنقها إلا المفسدون والمكبوتون من السياسيين ما يجعلها بوابة عريضة لديمقراطية مزورة ومفسدة مثل ديمقراطيتنا التي يتبجح بها كل أفراد عائلتي النخبتين هاته . وأما الثانية فهي الحرية المخلقة والخلاقة التي تلتزم بالثوابت التي قامت عليها واستمرت بها الدولة وتقدس ثقافة وتاريخ الشعب تبتدئ حدودها من الحياة الخاصة للفرد أو الجماعة و تنتهي ببداية حرية الغير... هذه الحرية ( المخلقة الخلاقة ) من إيجابياتها أنها بريئة من كل السلبيات والشوائب ، ومن بين ما تنتجه الحرية السياسية ما يجعل من الحقل السياسي ( النبيل ) مجالا رحبا للتنافس الفكري الشريف والاجتهاد في الخلق والإبداع ، وتربة خصبة لإنتاج مفكرين وسياسيين وأطرا محنكين ما يفتح للشعب المجال الواسع الحر لاختيار قيادة رشيدة لخدمة الوطن بإرادته وتحت مراقبته المباشرة بآليات أوتوماتيكية لا ترتشى ولا تتلاعب ولا تكذب ولا تنافق ولا ترتهب ما يمكنه من تأسيس لقضاء شريف ونبيل ، وإدارة نزيهة وخلاقة ، وأمن ناجع وأمين ، وتعليم شعبي علمي ونافع يلغي التعليم البورجوازي العنصري .. وهذا هو المدخل الرئيسي الآمن والصادق للديمقراطية المطلقة الحقيقية إسلامية كانت أم مدنية وضعية التي من ثوابتها الأساسية - كما يعلم ويعرف الجاهل والعالم والأمي والمتعلم - فظلا عن حرية الفكر والرأي والتعبير والنقد البناء ، التعددية السياسية وتكافؤ الفرص والفصل بين السلط ، ولا يسند منصبها ( السلطة ) السياسي إلا لمن نال ثقة الشعب في استشارة مباشرة وحرة ، ومن معالمها صدق وشفافية وصرامة مراقبته وانتقاده ومحاسبته وزجره إن تجاوز صفته القانونية أو أخل بواجباته الوطنية .. أما جمع كل السلط ( نظريا أو فعليا ) في منصب سياسي واحد وبيد شخص واحد أو أسرة أو قبيلة أو مجموعة أشخاص ذاتية أو معنوية وبلا استشارة شعبية مباشرة وحرة هي - كما يعلم ويعرف الجاهل والعالم والأمي والمتعلم – من ثوابت الديكتاتورية الفردية أو الجماعية من معالمها إلغاء حرية الفكر والرأي ، وتحريم وتجريم النقد والمحاسبة .. وجمع كل آليات وأدوات الاقتصاد بين يدي أركان النظام ما يجعل منه اقتصادا إقطاعيا الذي يلغي كل المطالب الاجتماعية ويحول الشعب لمجرد مجموعة من العبيد لخدمة الأسياد .. فهل باستطاعة عباس والطيب الفاسيين وكل الوزراء أفرادا أو جماعة ، أو البرلمان ( جماعة أو فرقا ) أو أحد أعضائه أن يتجاوز حكومة الظل ويتخذ قرارا أو ينجز إنجازا في إطار صفته السياسية من دون أن يحصل على الموافقة الملكية المسبقة ويكون القرار أو الإنجاز باسم الملك ؟ وهل باستطاعة أي مواطن ذاتيا كان أو معنويا بصفته النخبوية أو الشعبية .. أن ينتقد ( ولا أقول يحاسب ) سياسة من بيده كل السلط ، أو " مقدم " الحومة أو مدير المدرسة ، حتى وإن أغرق الوطن في المحيط من دون أن يجرجره " البوليس " الذي لا يرحم الصادقين من " الرعية " إلى دهاليز الشرطة والمحاكم الصورية ليقهر ويكسر باسم القانون المفتعل وتحت عدة مساطر مسطرة أو على الأقل وفي أحسن الأحوال يفصل بطنه وعقله عن جسده بالتفقير والتجويع والتعذيب النفسي من حيث لا يدري ؟ بعد كل هذا أعود وأسأل المنافقين : هل فعلا أن الشعب المغربي – حسب ما حاولنا تحليله بالتفصيل الممل – يتمتع بالحرية السياسية المخلقة والخلاقة ويمتلك شيء من سلطته وثروته في ظل الديمقراطية القائمة بسلطتها السائدة في وطنه ؟؟ نعم في المغرب حرية طويلة وعريضة بلا حدود : حرية الفساد الديني والأخلاقي والفساد السياسي ، وحرية الفساد المالي والاقتصادي والفساد الاجتماعي .. وحرية أبيهم الشرعي الفساد السلطوي .. نعم في المغرب أحزاب بالجملة والتقسيط ونقابات وجمعيات ضاق بها البلد أعدت قانونيا معارضة للنظام وسياسيا موالية وداعمة له وخادمة لمصالح نخبها ولم توجد لتأطير وتمثيل وخدمة الشعب .. نعم في المغرب ديمقراطية .. ديمقراطية مغربية خاصة ثوابتها الدين المزيف والتقاليد الجائرة الغابرة .. ومعالمها الركوع والسجود لغير الله وتقبيل الأعتاب الشريفة .. والاستبداد والاستعباد وويلاتهما .. ديمقراطية البهرجة والعجرفة والترف ، والاستهجان والاستهتار في وبفقر شامل لا يقاس بمقياس . كل نظام من الأنظمة التي تعاقبت على مؤسستنا الملكية في بلدنا هذا أجل تحرير الأرض ( كسبتة ومليلية ..) من الاستعمار ، والشعب من قيود الاستبداد والاستعباد لوارثه على مدار قرون من الزمن خلت ولم تحرر الأرض ولم تحرر " الرعية " .. وكل نظام منها رفع شعار الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ورحل بعد طول عمر دكتاتوريته وبقيت السياسة مجرد كازينو القمار يرتاده المنافقون المقامرون بمصالح وكرامة الشعب الثالث .. وبقيت الديمقراطية مجرد لافتة عريضة مثبتة على واجهة الديكتاتورية المتوحشة بتعدد ركابها في ظل ملكية شريفة بالقرآن والسنة .. وكل نظام وعد وردد وعده لعقود بإصلاح القضاء والأمن والإدارة وتطوير التعليم ورحل وبقي الأول والثاني والثالث سيفا متعفنا وملوثا مثبتا على أعناق وأرزاق العباد ، وتأرجح الرابع بين السيئ والأسوأ ينتج بدل العلم النافع والإبداع الخلاق الأمية والجهل وعلم الجريمة ويفرخ بدل العلماء والمبدعين المفسدين والمجرمين والأميين .. إن لغة الخشب وثقافة التخويف والترهيب وسياسة العشوائيات واللامبالاة التي يمارسها حكامنا و ساستنا في " رعاية الرعية " والقائمة بأميتهم العامة على الاستهجان بغضب الإنسان المغربي سوف لن تدوم إلى ما لا نهاية . فالمواطن المغربي المستضعف هو في حقيقته وأصله إنسان طيب ومسالم إلى أبعد الحدود يحب السلم والحياة الكريمة لكن غضبه شرس ولا حدود له ، وإذا كان الجشع الأعمى قصر ذاكرتهم حتى تناسوا غضبه عليهم أن يقرؤوه في الهزات العنيفة التي أحدثها في كل عقد من عقود " الاستقلال " وما قبله وحتى بداية العقد الأخير من القرن العشرين . .إن المغاربة أشرس مما يظن البعض عندما يشمرون عن غضبهم وتثور ثائرتهم في الميدان ومن يشكك في بطولات غضبهم عليه أن يبحث عنها في ذاكرة الفيتناميين والكوريين والصينيين واليابانيين والألمان وجل الأوربيين الذين يكنون لهم كل الاحترام والتقدير في ثقافاتهم وتاريخهم . العالم كله يتغير على رأس كل ساعة والطغاة والظالمون في بلدنا على طغيانهم وظلمهم ثابتون لا يتغيرون قيد أنملة ، ولا يبالون لأنهم لا يقرؤون التاريخ وإذا قرؤوه لا يفهموه وإذا فهموه لا يتعضون .. إن الغضب الشعبي آت .. فاتعضوا يا أيها المنافقون ، فقد يقوم قائم من خوفه في أية لحظة ليقتل الخوف في نفسه وفي نفس كل الشعب بحرق حياته وحرق كل أزمنة الطغيان وحياة كل الطغاة لاستعادة إنسانيته وكرامته لأن لا حياة بلا سلم ، ولا سلم بلا كرامة ، ولا كرامة بلا حرية وبلا عمل .. فلا حياة تحت الاستبداد والاستعباد .. كما قلنا في عدة مناسبات سابقة إننا برأينا الصادق لا ندعو إلى إشعال نار الفتنة الشعبية في البلد ولا ندعو إلى الإطاحة بالملكية كما قد يتهمنا الجواسيس والمنافقون المنتفعون بنفاقهم - رغم أن من حق كل مواطن إذا ما كان حرا ، لم يستشر مباشرة في نوعية نظام حكم بلده كما استشير المواطن في بريطانيا والدول التابعة لتاجها كأستراليا وكندا وفي كل المملكات المتحضرة بديمقراطيتها من غير العربية ، أن يعبر عن رأيه المباشر بكل حرية في السلطة السائدة في البلاد والسياسة العامة التي تنتهجها – بل على العكس من ذلك تماما : فنحن برأينا هذا الواضح والصادق البريء من كل حقد وضغينة المبني على حقائق واقعية يعيشها كل مواطن لا نفوذ له في تفاصيل حياته اليومية ، والهادف إلى تحصين الوطن من كل ما قد يهدده بالانهيار بالدعوة إلى المحافظة على ثوابته التاريخية من بينها المؤسسة الملكية ، وهذا ليس تناقضا أو نفاقا خوفا من قطع الأعناق أو الأرزاق ، بل هذه قناعتنا التي نؤمن بها سرا وجهرا كما هي قناعة معظم الشعب ، وذلك لسببين عظيم وبسيط :
والعظيم هو أن المؤسسة الملكية – كما سبق وأن قلنا – كانت وما زالت وستبقى الركن الخامس ، بعد الأرض والشعب والدين واللغة ، للوحدة الوطنية والعماد الخامس لقيام واستمرارية الدولة المغربية . وأما البسيط فيتجلى في كون أن كل الملكيات في العالم المتحضر بديمقراطيته كانت أنجح من المؤسسات الرئاسية في الأنظمة الجمهورية على كل صعيد وبكل المقاييس وخصوصا على صعيد الوحدة الوطنية لكونها رمزا وطنيا تسود لا تحكم . لكن في المقابل علي المؤسسة الملكية أن تعي بأنها قامت من الشعب واستمرت به لخدمته وليس لحكمه وكبته ، وأن استمراريتها رهينة برضا كل الشعب وباستمرار كل أركان الوطن التي قامت بها وعليها الدولة المغربية . أما إذا ما استمرت في تجاهلها لباقي الأركان والقفز عنها أو أطاحت بأحدها أو بكلها فإنما هي بذلك ستطيح بنفسها أولا وستنهار بإذلال قبل أن تنهار الدولة ، وللوطن رب يحميه وشعب يعيد بناء الدولة كما بناها منذ ما يزيد عن اثنا عشر قرنا . كفانا إذا تهديدا وتخويفا واختراقا لكرامتنا ومصادرة إنسانيتنا بالتعذيب النفسي والعضوي .. كفانا كذبا وتحايلا وابتزازا واحتقارا واستغفالا وتسويفا وتسكينا وترقيعا... إن أسلوب الترهيب والتعذيب والرشوات الذي يلجأ إليه أي نظام هو نمط للسياسة الانتهازية في الأنظمة الشمولية الديكتاتورية . فإذا كان لنظامنا فعلا الرغبة الحقيقية في إبعاد البلد عن غيوم دخان الثورة العربية وإخراجه من دائرة الاحتراق للحفاظ على الوحدة الوطنية عليه أن يتنازل عن قدسيته الوهمية ويربط وجوده برضا الله ورضا الشعب عنه ، وينزل إليه من برجه العاجي ويعترف بأخطائه التاريخية التي ارتكبها في حقه عندما تخطاه ومنح شكيمته بكرامته للمنافقين والانتهازيين ليستعبدونه باسم الملكية ، ويرد عليه حقوقه الشرعية والمشروعة كاملة .. نعم ، على الملكية أن تثور على نفسها إذا ما أرادت بصدق أن تحافظ على استمراريتها وعلى الوحدة الوطنية وعلى استمرارية الدولة المغربية .. عليها أن تطيح بنظامها النخبوي المتوحش الذي لا يعترف بالشعب ، وتنقذ نفسها من بين أنياب المنافقين والانتهازيين والمنتفعين باسمها من آلام واسترقاق المواطنين ، وتعود إلى حضن الشعب بردها عليه كرامته قبل أ تحرق نار غضبه أطرافها وتطاردها ثورته خارج الجغرافيا والتاريخ ، ويتخلى عنها خدامها وحراسها المنافقون ورعاتها وحماتها الامبرياليون فتنتحر تحت وطأة الاكتئاب وتدفن في مزابل التاريخ .. على الملكية أن تلغي وإلى الأبد نظام " الراعي والرعية " وتعترف بسلطان الشعب.. للملك فرصة ذهبية على طبق من ماس لدخول التاريخ من كل أبوابه الشريفة والمشرفة .. على الملك أن ينحاز إلى الشعب قلبا وقالبا في ثورته على الديكتاتورية والفساد المباح بثورة الشعب والملك تتجاوز ثورة الملك والشعب الرتيبة بإلغاء المؤسسات الصورية القائمة ، وتأسيس لدولة وطنية قائمة بنظام ديمقراطي على مؤسسات وطنية بشرعيتها الشعبية .. على الملك أن يقطع بشجاعة مع العصور الديكتاتورية بثلاثة مراحل متتالية ومنضبطة ومتسارعة تعيد للشعب آماله في الحياة وثقته في هويته الوطنية : الأولى مرحلة الثورة على نظام المؤسسة الملكية : - إقالة الحكومة وتعيين أخرى تقنية تعتمد في تشكيلتها على الكفاءات الوطنية ذات الصلة بهموم الوطن والمواطنين .. - حل البرلمان القائم .. - إلغاء الدستور القائم .. - حل كل الأجهزة الأمنية المتخصصة في اختراق الحرية السياسية للمواطن .. - إلغاء القضاء العسكري .. - حل كل الأحزاب والنقابات والجمعيات القائمة .. والثانية مرحلة تطهير المؤسسة الملكية : - إبعاد كل من لا ينتمي للأسرة الصغيرة للملك ( الملك والأميرة حرمه والأمراء أنجاله ) عن المؤسسة الملكية ومحيطها المادي والمعنوي .. - إحداث هيأة وطنية قضائية وقانونية وإدارية وأمنية تعنى بمتابعة ومحاسبة كل المفسدين .. تعمل تحت المراقبة المباشرة للشعب .. والثالثة مرحلة تأسيس الدولة الوطنية : إحداث هيأة لتأسيس الدولة تعتمد في تشكيلتها على كبار القضاة والقانونيين من ذوي الكفاءات العليا في البلاد تنكب على : - وضع دستور جديد للبلاد يؤسس لملكية ديمقراطية حقيقية ملتزم بثوابت الوحدة الوطنية لا يقبل التأويل والمراجعة ، تكون فيها آليات وأدوات الحكم المباشر والمراقبة والمتابعة للشعب .. يحدد المؤسسة الملكية في الملك وأسرته الصغيرة ، ويجعل منها ( الملك ) أولى مؤسسات الدولة الوطنية ورمزا من بين رموز وحدتها تراقب ولا تحكم ، وتلتزم بالقوانين العامة للدولة .. ويحد من تناسل وتكاثر الأحزاب والنقابات والجمعيات .. ويعيد للقضاء مكانته وهيبته بتحريره من كل أدوات الضغط المادية والمعنوية يكون خاضعا للمراقبة الشعبية فقط ، ويجعل منه الحكم والمراقب الأول والأخير في تطبيق كل القوانين العامة للدولة والمشرف العام على كل العمليات السياسية .. – وضع قوانين وتشريعات عامة للبلاد في كل الميادين ملزمة ، وتحترم ثوابت الوحدة الوطنية ولا تقبل التأويل والتزييف .. - وضع إطار ثابت للسياسة العامة للبلاد ملزم ، تعتمده كل مؤسسات الدولة في عملها .. - تحديد مواعيد بناء المؤسسات الدستورية للدولة والعودة للحياة السياسية بانطلاقة جديدة وتاريخية ..
ولنا عودة لتفاصيل مرحلة التأسيس للدولة الوطنية في موضوع لاحق إن شاء الله ..
- محمد المودني – فاس .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات