إن معظم شعبنا الطيب العظيم - إن لم أقل كله - فضل ويفضل عن اقتناع نظام الملكية على كل أنظمة الحكم الأخرى لسببين عظيمين طرحناهما في مواضيع سابقة ، ومتمسك غاية التمسك بمؤسسته الملكية من دون نفاق ، لكنه يريدها ملكية طاهرة ومطهرة من كل أنواع العنصرية والنفاق والمنافقين والانتهازيين .. يريد ملكية تسود ولا تحكم تكون رمزا من رموز الوحدة الوطنية ، لكنه مقابل ذلك يريدها أن تكون خاضعة لقانونه كشخصية معنوية تراقب وتحاسب وتحاكم ككل مؤسسات الدولة ، ويقنن أشخاصها الذاتيين ويخضعون للمراقبة والمحاسبة والمحاكمة الشعبية ككل المشرفين على تسيير مؤسسات الدولة التي هي منه وإليه تقوم بإرادته وتمول بأمواله ، ويريد أن تكون آليات وأدوات الحكم والثروة بين يديه حتى يتمكن من تأسيسه لكل مؤسسات الدولة الوطنية ومراقبة ومحاسبة كل المشرفين على تسييرها ..
أما أشباح الحلول المسكنة من قوانين وقرارات ومجالس ولجان مظلية وتضليلية منزلة بإرادة ورغبة شخصية فردية أو فئوية من أركان النظام لا قيمة ولا حضور للشعب نفسه فيها لن تزيد إلا في تعميق أزمة الثقة والكراهية والضغينة ، وتفاقم الأزمة وإطالة عمر تخلف البلد وتهديد وحدته .. فبماذا أفادت المغرب كثرة المجالس واللجان الدستورية والاستشارية المحدثة ، والأحزاب والنقابات والجمعيات غير إهدار أموال الشعب بلا حسيب ولا رقيب وبلا نتائج ملموسة تساهم في إنقاذ البلاد من أزماتها المزمنة الأبدية وتعيد الثقة للشعب .
فلا يمكن في أي حال من الأحوال وبأي شكل من الأشكال بناء ديمقراطية حقيقية فعالة ككل الديمقراطيات العالمية طال انتظار الشعب لها لعقود وربما لقرون في ظل أجهزة صورية وبعقليات متعفنة فاقدة للمصداقية وللثقة وفي غياب تام للإرادة الشعبية المباشرة .. فكيف لمجلس أو للجنة أعضاؤه أو أعضاؤها معظمهم كذبوا على الشعب ونافقوه واستغلوه واستنزفوه لسنوات أو لعقود ، منزلون ومعينون من طرف الملك ( صاحب كل السلط المادية والمعنوية ) ونخبه أن ينجزوا تحت عيونه وآذانه وسلطانه ( مستشاروه ) ما يتوافق مع طموحات الجانب المظلوم المغيب ( الشعب ) ويلغي غريزة النخب في الهيمنة على سلطات الشعب ؟؟ ...
فكما قلنا في موضوع سابق كذلك ، كفانا كذبا وتحايلا وتضليلا وابتزازا واحتقارا واستغفالا وتسويفا وتسكينا وترقيعا... كفانا تهديدا وتخويفا واختراقا لكرامتنا ومصادرة إنسانيتنا بالتعذيب النفسي والعضوي .. إن أسلوب الترهيب والتعذيب والرشوات الذي يلجأ إليه أي نظام هو نمط للسياسة الانتهازية في الأنظمة الشمولية الديكتاتورية .. وهذا أقل ما يمكن وصف به سياسة نظامنا .
فإذا كانت لنظامنا فعلا الرغبة الحقيقية في إبعاد البلد عن غيوم دخان الثورة العربية وإخراجه من دائرة الاحتراق للحفاظ على الوحدة الوطنية عليه أن يتنازل عن قدسيته الوهمية ويربط وجوده برض الله ورضا الشعب عنه ، وينزل إليه من برجه العاجي ويعترف بأخطائه التاريخية التي ارتكبها في حقه عندما تخطاه ومنح شكيمته بكرامته للمنافقين والانتهازيين ليستعبدونه باسم الملكية ، ويرد عليه حقوقه الشرعية والمشروعة كاملة .. فالاعتراف بالخطأ فضيلة ، وتنازل النظام عن حقوق الشعب دفعة واحدة من موقع قوة خير وأفضل له من التنازل عنها في فقرات من موقع ضعف وذل .
لذا فعلى الملكية أن تثور على نفسها إذا ما أرادت بصدق أن تحافظ على استمراريتها وعلى الوحدة الوطنية وعلى استمرارية الدولة المغربية .. عليها أن تطيح بنظامها النخبوي المتوحش الذي لا يعترف بالشعب ، وتنقذ نفسها من بين أنياب ومخالب المنافقين والانتهازيين والمنتفعين باسمها من آلام واسترقاق المواطنين وتعود إلى حضن الشعب بردها عليه كرامته قبل أن تحرق نار غضبه أطرافها وتطاردها ثورته خارج الجغرافيا والتاريخ ، ويتخلى عنها خدامها وحراسها المنافقون ورعاتها وحماتها الامبرياليون فتنتحر تحت وطأة الاكتئاب وتدفن في مزابل التاريخ .. على الملكية أن تعترف بسلطان الشعب وتلغي وإلى الأبد نظام " الراعي والرعية " ..
للملك فرصة ذهبية على طبق من ماس لدخول التاريخ من كل أبوابه الشريفة والمشرفة ..
على الملك أن ينحاز إلى الشعب قلبا وقالبا في ثورته على الديكتاتورية والفساد المباح بثورة الشعب والملك تتجاوز ثورة الملك والشعب الرتيبة بإلغاء المؤسسات الصورية القائمة ، وتأسيس لدولة وطنية قائمة بنظام ديمقراطي على مؤسسات وطنية بشرعيتها الشعبية .. وتأسيس الدولة الوطنية لن يتأتى إلا بتطهير نظام المؤسسة الملكية – كما أسلفنا – من الحاشية الزائدة المثقلة لكاهل الشعب والدولة ، ومن الدخلاء والمتطفلين عليها المستغلين للبلاد والعباد باسمها ..
على الملك أن يقطع بشجاعة مع العصور الديكتاتورية بثلاثة مراحل متتالية ومنضبطة ومتسارعة تعيد للشعب آماله في الحياة وثقته في هويته الوطنية :
أ ) - مرحلة الثورة على نظام المؤسسة الملكية القائم :
01) - إلغاء الدستور القائم كليا وليس تعديله أو تصحيحه حسب رغبة المسيطرين عليه ..
02) - إقالة الحكومة وتعيين أخرى تقنية تعتمد في تشكيلتها على الكفاءات الوطنية ذات الصلة بهموم الوطن والمواطنين .. لتسيير شؤون الدولة .
03) - حل البرلمان القائم .. وكل المجالس واللجان الدستورية والاستشارية ..
04) - حل كل الأحزاب والنقابات والجمعيات القائمة .. وإرجاع كل ممتلكاتها للدولة ..
05) - حل كل الأجهزة الأمنية المتخصصة في اختراق الحرية السياسية للمواطن ..
06) - إلغاء القضاء العسكري ..
ب) - مرحلة تطهير نظام المؤسسة الملكية القائم :
01) - على المؤسسة الملكية أن لا تتعدى في أشخاصها الذاتيين الملك وأسرته الصغيرة ( الملك والأميرة حرمه والأمراء أنجاله )، وبالتالي إبعاد كل من لا ينتمي للأسرة الصغيرة للملك عن المؤسسة الملكية ومحيطها المادي والمعنوي ..
وإخضاع كل موظفي وعمال البلاط للمراقبة القانونية الشعبية ..
02) - إحداث هيأة وطنية قضائية وقانونية وإدارية وأمنية تحضا بثقة الشعب من خلال انتخابات شعبية عامة وحرة ونزيهة تعنى بمتابعة ومحاسبة كل من سبق أن تقلد منصبا سياسيا أو سلطويا أو ماليا أو إداريا أو اجتماعيا ، وبإعادة الأموال العامة المنهوبة .. وتعمل تحت مراقبته ( الشعب ) المباشرة ..
ت) - مرحلة تأسيس الدولة الوطنية :
إحداث هيأة وطنية لتأسيس الدولة ، يختار الشعب أعضاء تشكيلتها في انتخابات عامة حرة ونزيهة لا يترشح لها إلا كبار القضاة والقانونيين من ذوي الكفاءات العليا في البلاد مشهود لهم بالنزاهة ، تنكب على :
01) - وضع دستور جديد للبلاد يؤسس لملكية ديمقراطية حقيقية ملتزم بثوابت الوحدة الوطنية لا يقبل التأويل والمراجعة ، تكون فيه آليات وأدوات الحكم المباشر والمراقبة والمتابعة والمحاسبة للشعب .. يحدد المؤسسة الملكية في الملك وأسرته الصغيرة ، ويجعل منها ( الملك ) أولى مؤسسات الدولة الوطنية ، وتكون رمزا من بين رموز وحدتها تراقب ولا تحكم ، وتلتزم بالقوانين العامة للدولة .. ويحد من تناسل وتكاثر الأحزاب والنقابات والجمعيات بقوانين صارمة في تأسيسها .. ويعيد للقضاء مكانته وهيبته بتطهيره من كل المفسدين وبتحريره من كل أدوات الضغط المادية والمعنوية ويكون خاضعا للمراقبة الشعبية فقط ، ويجعل منه الحكم والمراقب الأول والأخير في تطبيق كل القوانين العامة للدولة والمشرف العام على كل العمليات السياسية ..
02) – وضع قوانين وتشريعات عامة للبلاد في كل الميادين ملزمة ، تحترم ثوابت الوحدة الوطنية ولا تقبل التأويل والتزييف ..
03) - وضع إطار ثابت للسياسة العامة للبلاد ملزم على الصعيدين الداخلي والخارجي تعتمده كل مؤسسات الدولة في عملها ..
04) - تحديد مواعيد بناء المؤسسات الدستورية للدولة والعودة للحياة السياسية بانطلاقة جديدة وتاريخية ..
05) – دسترة الهيأة نفسها كمؤسسة تتمتع بالشخصية المعنوية مرتبة بعد المؤسسة الملكية باسم المجلس الأعلى للدولة كمراقب عام على أداء كل مؤسسات الدولة الدستورية يرفع تقاريره عنها - كل ستة أشهر وكلما دعت الضرورة - مباشرة إلى النائب العام للدولة – المنتخب والمراقب من طرف المجلس الأعلى للقضاء الذي ينتخب أعضاؤه مباشرة من الشعب - لمتابعة كل المتهاونين والفاشلين والمفسدين من المشرفين عليها ...
(( ولن يكن أقل من هذا الإصلاح المفترض بالعمل الجاد الصادق .. ))
- محمد المودني – فاس .
التعليقات (0)