مواضيع اليوم
2012-10-29
|
لن يختلف محللان على أن القرن المنصرم مثل للعرب قرن الهزيمة والتفكك والتبعية، وقرن غياب الوحدة، وانهيار الخلافة، ونشوء القوميات، وتغلغل الاستعمار فكرًا وسياسة، ووجودًا عسكريًا في منطقتنا، وضياع درة العرب والمسلمين، وعجز الدبلوماسية العربية عن استرجاع هذا الوطن السليب، وخضوعهم مرغمين إلى قبول النهج السلمي، وولوج هذه المستنقع في ظل اختلال الموازين والقوة، وانحياز العالم لغير صالحهم.
وعلى الرغم من مرور أكثر من ستين عامًا على ذلك الاحتلال الصهيوني البغيض لفلسطين، وصدور مئات القرارات لصالح القضية الفلسطينية، وإبرام عشرات المعاهدات، إلا أن هذا المنهج -القائم على استجداء الحقوق عبر آليات التفاوض- أثبت فشله الذريع، وعجزه الكامل. ولعل وقفة سريعة على أهم محطات هذا التفاوض بدءًا من (كامب ديفيد) وليس انتهاءًا بـ(أوسلو) و(وادي عربة)، فإن النتائج العملية تكشف عن إشكاليات جوهرية في جغرافيا الأرض التي صنعتها هذه الاتفاقات الهزيلة: ففي مصر بدا واضحا كم كانت خسارة الأمة حينما قبلت بذلك الاتفاق المكبل، الذي استطاع أن يحيل سيناء إلى منطقة منزوعة السلاح أي (القوة)؛ وهي منطقة حدودية يمثل الوجود العسكري فيها ضرورة استراتيجية للأمن القومي، إلا أن تلك الاتفاقيات أحالتها إلى منطقة مليئة بالفقر، مليئة بالجهل، متأخرة إلى حد لا يوصف، فضلًا عن آثارها الوخيمة على المستوى العربي حيث أفرغت المنطقة من أي قوة تقف أمام غطرسة الجشع القادم من الغرب، ولحقت بذلك الاتفاق آثار مؤلمة مست نسيج الأمة ووحدتها، ففرقت المفرق وجزأت المجزأ حتى غدا الشرق مسرحًا لخيول الاستعمار الجديد بقيادة أمريكية. ولا يستبعد أن تكون هذه الاتفاقات قد وفرت بيئة صالحة لتفريخ نمط من الفكر المتطرف، من خلال نشر عدد من ضباط أمنيين يقومون بدور مشبوه، يتمثل في تشكيل خلايا لها مهام مشبوهة، ودور ترعاه أمريكا، يكون قريبًا من الساحل الفلسطيني -غزة خصوصًا- وقد بدا ذلك واضحًا في حرب غزة الأخيرة، حينما أعلن عن جلب مجموعة ضخمة من الضباط الفلسطينيين ليكونوا جاهزين وفق خطة أمريكية لدخول غزة وإدارتها حال سقوط حكومة حماس بعد معركة الفرقان أو الرصاص المصبوب وفق التسمية الصهيونية. بل ان التحقيقات الأخيرة حول عملية رفح، تشير إلى تورط رئيس المخابرات السابق في العملية، كما كشفت تحقيقات سابقة أن عمليات استهداف الأماكن السياحية والكنائس كانت بتخطيط من وزير الداخلية السابق العادلي. وفي فلسطين أفضت اتفاقات أوسلو إلى وجود سياسي فلسطيني على الأرض الفلسطينية، إلا أن هذا الوجود كشف عن حالة ضعف تجعلنا نقول - بعد ما يقارب من عشرين سنة من ذلك التاريخ المشؤوم (أوسلو)- أن ذلك الوجود السياسي لم يكن إنجازًا فعليًا لحماية مشروع التحرر الوطني، ونقل القضية الفلسطينية من واقع التهميش والضياع إلى واقع التحرير والتمثيل، بل على العكس. ولا يختلف الحال في وادي عربة حينما غدا الواقع الاردني رهينة هذه الاتفاقات المكبلة التي ألزمته بالتزامات اقتصادية وأمنية لصالح المشروع الصهيوني المعادي. القضية الفلسطينية في ظل اتفاقات السلام: تمت اتفاقات السلام العربية الصهيونية -خصوصًا اتفاق أوسلو وهو الأبرز والأكثر تأثيرًا على واقع القضية الفلسطينية- في ظل واقع عربي مختل وواقع عالمي غير متوازن؛ فعلى الصعيد العالمي ساعد الانهيار السوفياتي عام 1989 على نشوء قيادة القطب الواحد لتنفرد أمريكا في قيادة العالم، وفرض شروطها السياسية على المنطقة. ثم كان لحرب الخليج الأولى والثانية أثرها البالغ في خلخلة الواقع العربي لتسدل الستارة على فصل الفعل المقاوم المشرق النبيل في الانتفاضة الأولى وترسم معالم الانزلاق والتصفية لهذا المشروع بعد أن كانت الآلات العسكرية الصهيونية قد صفت هذا الخيار في بيروت عبر حصارها الشهير مع أوائل الثمانينات. القيادة السياسية الفلسطينية استجابت لهذا الانهزام ورضيت بدخول لعبة بشروط كاملة من المحتل دون مرجعية شعبية أو بدائل رديفة بعد أن تم وأد الانتفاضة والقضاء عليها وبعد أن تم تحصين الموقعية الصهيونية في منطقتنا من خلال قرصنات الاختراق السياسي والاقتصادي والثقافي، وقد دلت على ذلك مراسم التطبــــيع الرسمـــية المتعددة، لكن الأخطر في هذه الاتفاقات تمثل في سلخ القضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها القومي والإنساني وبعدها الإسلامي، وتحويلها من قضية سياسية عادلة أو قضية شعب أو قضية تحرر إلى مجرد قضية إنسانية مقزمة تنحصر مطالبها في الاحتياجات اليومية من مأكل ومشرب ومسكن، فأعلى سقف لها لا يتجاوز توفير الحقوق اللازمة لحياة تحت أي ثمن، وهذا هو التفسير الواقعي لحقيقة هذه الاتفاقات الواردة تحت بند الحكم الذاتي. ومما لا شك فيه أن هذا الواقع المأساوي المرير كان أثرًا من آثار المواقف الرسمية العربية في السابق ونحن الان على اعتاب مرحبة جديدة فماذا سيكون الجديد؟ د. رمضان عمر - فلسطين |
التعليقات (0)