بخت الرضا قـدرى وبـلـسـم أمتى وحياتها
طــوبـى لـجـيــل مـن أوئـلــنـــا بنى لبناتها
كـتـبـوا بـأحـداق العـيـون صمودها وثباتها
وتـوسـدت بين الضلوع وفى الحشا راياتها
وتـنـاثـرت مـزقاً واشـلاًء قـــــرون عداتها
بخت الرضا عاشت وعاش بناتها وحماتها
(للشاعر الاستاذ / تاج الدين ابراهيم عمر)
مدينة الدويم تلك الحالمة التى تتوسد رمال النيل الابيض فى زهو وكبرياء وشموخ ذات الموقع الإستراتيجى والهدوء والجمال .. التي تحتضن بخت الرضا وهى تمثل مركز إشعاع حضارى فى المنطقة والسودان عامه .. ولد بها المعهد التربوي بخت الرضا عملاقاً في عام 1934م ، واستمر العطاء زهاء السبعين عاماً عطاءاً متجدد اشراقاً وإبداعاً .. كيف لا وهى تستند لتاريخ وإرث وتقاليد عريقة وترتكز إلي قاعدة تربوية ممتدة تزكيه للتعليم وغرساً للقيم النبيلة الفاضله .. حيث كانت الدويم من بين خيارات لإقامة هذا المعهد وأختيرت للموقع وهدوء حركتها وقلة الضجيج فهي تمثل هدوءاً نسبياً وجواً صالحاً للعلم وطلابه ..
كادت سياسات التعليم فى فترة من التسعينيات أن تودى بهذا الصرح العظيم فلقد أهمل وكاد أن يندثر ويفنى .. لكنه نفض عن نفسه الغبار وعاد بثوب جديد أنيق ألا وهو جامعة بخت الرضا .. امتداداً للعطاء وجنى لثمرة الصبر والمثابرة والإصرار فى المضي قدماً فى العمل التربوي .. وقد حمل الراحل البروفيسير عبدالله كريم الدين ذلك الرجل المعطاء ابن الدويم البار وأول مدير للجامعة هم التأسيس وإعادة البناء عليه رحمة الله بقدر ما قدم واعطى .. تبعه فى التطوير والإنشاء البروفيسير أنس عبدالحفيظ الذي مازال يقدم ويجزل فى العطاء ..
إن الأهداف التى قام من أجلها المعهد سابقاً فى السابق هى رفع مستوى المعلمين أكاديمياً وفنياً ورفع الروح المعنوية لدي المعلم وتزويده بخبرات تساعده على تحسين ادائه وإدخال الفنون وتربية الذوق الفنى عند التلاميذ منذ المرحلة الأولية .. اهتمت بخت الرضا فى مناهجها بتنمية الصفات الإنسانية لأنه من المعلوم أن هذه التنميه أو التربية لاتتم بالخطب والمواعظ والكلام وإنما تتطلب مناهج تعتمد على التجزئة والممارسة والترشيد ، وأن رجال التربية فى بخت الرضا قد تنبهوا إلى ذلك فهيأوا للبلاد مجمعاً مصغراً للمجتمع الكبير ، بل أضافوا إليه ملامح من المجتمع الجديد ممثلاً فى الأنشطة والجمعيات التى خلالها يمارس الطلاب الديمقراطية .. فالديمقراطية ليست عملاً سهلاً وسلوكاً يمكن أن يكتسب من القراءة والحفظ والإطلاع ، فأبسط مظاهر الديمقراطية الاستماع واحترام وجهة نظر الذين يخالفونك الرأى ، فالطالب الذى يلجأ إلى العنف لإسكات صوت معارضيه طالب خضع لتربية استبدادية فى أسرته
الدويم الام وبخت الرضا الشباب والعطاء
توافد المعلمين والطلاب من كافة انحاء السودان ونهلوا من هذا المنبع العذب فأحتضنتهم الدويم بذراعين مفتوحة حباباً وترحاباً دلت لهم اليمنى ومعهم سارت بإلفة ومحبة كبيرة كيف لا وهى ملك لكل أهل السودان ..
حرصت بخت الرضا على تدريب طلابها على ملء الفراغ ، علمتهم بأساليب علمية التخطيط وتنظيم البرامج الثقافيه والترفهية لتمكنهم من مواجهة الحياة فى القرى والأرياف ، وليعلموا الصّغار كيف يحولون الفراغ إلي ثقافة وبهجة ، فالفراغ في حياة النوابغ والعباقرة مجال للإبتكار والإبداع .. اعتمدت بخت الرضا فى مناهجها على نهج تربوى عظيم يجعل الطلاب يعيشون فى واقع الأمة السودانية يذقون طعم متاعبها ومشاكلها وآلامها بما في ذلك قرصات الناموس ولسعات العقارب وغيرها من الهدام .. فأدرك الطلاب أن هذه الواجبات التى يقومون بها تصنع منهم رجالاً أقوياء ومثقفين وعاملين لا متسكعين أو متسيبين ، تجعل منهم رجالاً يعتمدون على أنفسهم ، ويهبُّون لخدمة إخوانهم ومواطنيهم ، مؤكدين ما جاء فى الأثر ، خادم القوم سيدهم ..
كان اسلوب بخت الرضا نهجاً تربوياً عظيماً يوثق بين الفكر والواقع ، وبين المثقف والمجتمع وبين المعلم والمواطن فالمعلم يمثل فى القرية رمزاً للثقافة والمثقفين وحادياً لركب العلم والتعليم الحديث الذى ينفر منه القرويون ، ويخشون منه على قيمهم وتقاليدهم وعقائدهم .. فالبيان بالعمل لا بالخطب .
والأساتذة أنفسهم كانوا آباء رحماء عظما فى مسلكهم ، نبلاء فى سيرتهم أمناء فى أداء رسالتهم ، يمضون الى غاياتهم كالسيف الصقيل وينفذون إلى مراميهم فى صدق ويقين وقوة إيمان ، وهم يخوضون الطين والوحل فى اليوم المطير ، منهم من يكون حافياً ومنهم من ينتعل حذاء ( باتا ) وذلك لكى يكونوا فى الفصول وبين تلاميذهم فى المواعيد المحددة لا يصرفهم عن ذلك صارف . ولا يشغلهم شاغل ، ولا يقعد بهم عذر ، ولا يحول بينهم وبين أداء الواجب وحل ولا طين ، ولا ماء ينهمر من السماء..
فبخت الرضا اعدت المعلم وصقلته واحسنت تربية الطالب وجعلت منه فرداً صالحا ونافعاً لمجتمعه وعملت على صنع التوافق فى العملية التربوي ونجحت فى ذلك بدلالة معظم علماء السودان الذين تخرجوا منها .. كانت محاور الإشراق تعمل فى تناغم رائع ( المناهج السوادس – السنتين – مبروكة – مدارس بخت الرضا الإبتدائية .. أو إذا صح التعبير مجمع مدارس يضم جميع الطلاب فى مكان واحد يقفون للطابور بجرس واحد وكانت تسمى بالأنهر وكل نهر يمثل مدرسة بحالها سميت الأنهر باسماء أبطال المهدية ... نهر المهدي - نهر حمدان ابوعنجة - الخليفة عبدالله التعايشى .. عثمان دقنه - الزاكي طمل - على دينار - ثم المدارس المتوسطة - النيل الأبيض - الدويم شمال - الدويم الريفية - والآن هذه المباني جزء منها يتبع لجامعة بخت الرضا وبه بعض الكليات والآخر يتبع للجهاز القومي لتطوير الكتب والمناهج ببخت الرضا )
كان الإنضباط التام والإحترام المتبادل والتقدير الكامل بين الأساتذة وطلبتهم فى بخت الرضا هو الذى يحكم العلاقة المتينة بين الجانبين مما جعلها تؤتى أكلها شهياً جنياً دانياً .
وينشأ ناشئ الفتيان منّا على ماكان عوده أبوه
ذلك الإنضباط التام كان شعار أبناء بخت الرضا فى كل ما يصدر عنهم ، فى فصول الدراسه ، ميادين الرياضه ، وفى حقول الزراعه. وفى رحاب الجمعيات المختلفه وفى ارتياد المكتبه العامرة الزاخرة بالآلآف من الكتب والدوريات والمجلات والصحف ، وفى مسرح المدرسة المملوء بالنشاط والحيوية وتقديم كل ماهو مفيد ، وفى المعسكرات والرحلات المدرسية وفى نظافة الداخليات وفى حضور التمام المدرسى فى ساعتة المحددة وفى مواعيد النوم والإستيقاظ ، وفى أداء الشعائر الدينية بل حتى فى لبس الجوارب الواقية من لدغات البعوض .
حيث يقول الشاعر جماع فى وصف المعهد :
سارت به الركبان فى طرقاتها
وأنساب لحناً فى الشفاه مُرددا
مُستلهما همم الرجال وعرقهم
حتى أقام الوافدين وأقعدا
يا معهداً علم البلاد بكفه اليمنى
وباليسرى مصابيح الهُدى
كنز البلاد هنا ، هنا أبناؤها
والعاملين غداً إذا عز الفدا
أكبادها تمشى على وجه الثرى
جاءت إليك بهم لترجعهم غدا
خفت إليك وفوضت لك أمرهم
لما رأت فيك الحكيم المرشدا
أبناؤك الغُرُ الكرام شهرتهم
فى وجه عادية الزمان مهندا
التعليقات (0)