مواضيع اليوم

مقالات سامي القريني في صحيفة أوان : ناخب + مرشح = دولة

غسان المفلح

2010-06-13 14:24:21

0

 

ناخب + مرشح = دولة

 

سامي القريني

 

 

حين تضع أوراقك البيضاء على الطاولة، يتجسّد السكوت أمامك، أنيابه الحمراء تنغرس في لحم طمأنينتك، تراوغه بخبرتك .. يستنطقك بدهائه، لكنّ أنين المكيّف يزعجك هذه المرة، تُفضّل الكتابة في الظلام - عادةٌ التصقتْ بك منذ أوّل مخاضٍ شعريٍّ أصابك -، تطفئ إضاءة حجرتك، وتسدل الستائر، ينتابك إحساس جديد يجعلك تقرأ أعماقك المجهولة بكل بساطة وعفوية، يجرّك القلم إلى تأويل معاني سَأَمِكَ الأبديّ، تواجه الحقيقة وحدك - غريباً ومتمرّداً على الآخر فيك - تعرّي جنون يقظتك الصاخبة، تستسلم لهدوئك المفتعل، كأنكَ لستَ الثائر الأول على نفسك، يداك ترتّبان رتابة أصابعك، ليس معك غيرك، وحدتُكَ تضجُّ بك في اللامكان، والبعيد يقترب منك كأنّه شعاع مصادفةٍ عابرة، ضعْ ورودك التي اشتريتها في المزهريّة : "إشارة بَرَقَتْ في فضاء ذهنك"، واختلقْ أُناسَك كما شئت لكي لا تشعر بالملل، إنَّ فيكَ شعوباً لا تعرفها، لا تنظرْ في المرآة، لأنّك تخجل من نفسك كثيراً، بل انظر في عيون صحابك لتعرف من أنت، أصغِ إلى ما لا تحبّ من الشعر والموسيقى لكي تحنَّ إلى كُنه الجمال بفطرتك، أَحضرْ قهوتَك بنفسك، عالجْ غموضك باتِّـحادك الكليِّ مع الرمز لكي يتَّضح البياض في صفحاتك، أنهارُ الكلمات قد نَغَرَتْ في أوردتك وشرايينك، ومحبرتك فاضت بهواجسها، إنها تنسكب عليك الآن، وثيابك تَتَّسخ بالمفردات، إنّك تفكّر أن تخلعها وتضعها في سلة الغسيل لكي لا تُتَّهمَ علانية بمهنة الكتابة !

إنَّ الأوضاع السياسية في البلد ليست مستقرة في هذه الفترة تحديداً بسبب الحل "الموسمي" لمجلس الأمة، المرشحون والناخبون يعيشون حرباً باطنية أسلحتها المصالح الشخصية، ليس جَلْدُ السياسة بسياط النقد من شأني، ولكنني سأستغفر الأدباء والشعراء جميعاً على أرض وطني أنْ أكون الصوت الناطق باسمهم، لعلّنا نعيد شيئاً - وإن كان قليلاً - من حضارتنا الثقافية والإبداعية التي رفعنا ألويتها أمام جميع الدول العربية في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، وأسقطناها في العقدين الأخيرين بسبب هؤلاء المرشحين الذين همّشوا دَور الحركة الثقافية وطمسوا إبداعات أبناء البلد بتحريمهم الفنّ وتحليلهم الجهل ! لو كان التقصير مقتصراً على "دشاديشهم" فحسب لكان أمراً معقولاً، ولكنّ التقصير أصبح في كل الأمور ! إنّ الوقوف على خشبة المسرح السياسي في الكويت مهمة صعبة وحسّاسة جداً. إذا كان دخول المرشح يتعلّق بتحقيق هدف شخصي فذاك ليس شرفاً رفيعاً، إنه محض عبث وتخبّط أعمى وخطيئة لا تغتفر، ليس المرشح هنا وفي هذا الوضع المتأزم سوى صدى صوت الناخب أمام الحكومة، هو الذي يستطيع بحنكته أن يقود سفينة آراء ومقترحات الناخبين إلى برّ الأمان وإلى منصّة التنفيذ، فإنْ لم يكن مرشحنا ذا عقلية تستوعب الجميع فحريٌّ به أن يجلس في بيته دون أن يسرف في تبذير أمواله على الدعاية والإعلان وأرقى "البوفيهات" وتوقيع "الشيكات" لمن لا يملكون مهنة غير مهنة القَسَمِ بالقرآن الكريم ! إنّ المرشح الحرّ لا يحتاج إلى جذب الناس إليه بالشعارات الحماسية التي أصبحت "موضة قديمة"، أو بالحيل والوسائل المتعارف عليها، كل ما يحتاجه هو إدراك ماهيّة الإصلاح السياسي والإجتماعي وكشف أوراقه أمام ناخبيه. أما بالنسبة إلى التحالفات الإنتخابية أو التكتّلات السياسية فهي حق مشروع لجميع المرشحين. ولكنّ السؤال يبقى دون جواب، كيف تمارس هذه التحالفات نشاطها الديمقراطي في تحريك عجلة الإصلاح إذا كانت قائمة على أساس "طائفي/عرقي/قبلي" كما لاحظناه في جميع التحالفات ؟ لا شكّ أن القلق السياسي يجعلنا نناقش أسبابه لنتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف. لقد نصّ الدستور في المادة 14 من الباب الثاني على أن الدولة ترعى الفنون والآداب وتشجّع البحث العلمي، وهذا من المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، كما جاء أيضاً في المادة 17 من نفس الباب : "للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن". نريد تحالفاً ثقافياً مستقلاً يسعى إلى تنفيذ ما نصّ عليه الدستور بكل وضوح وشفافية بعيداً عن الصراعات الحزبية التي لم تُشعْ غير الفتن داخل المجتمع. إنّ للكلمة الصادقة وقعاً في ضمير الأمة .. فلنكتبها معاً.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !