لو كنتُ على كرسي بدر الرفاعي !
سـامي القريني
تعارك معي آخَري / ضدي، إذ كنت بين اليقظة والمنام أبحث عن خيط نعاس يشدني إليه، قرأت جملة في مخيلتي تقول : صرح أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الأستاذ سامي القريني ... وإذا بعقرب ساعتي يلتهم السابعة، ويوقظني رنين المنبّه المزعج، لم أجدني كما كنت !
ثمة مسؤولية جديدة تواجهني، نهضتُ مسرعاً تناولت المنشفة، وضعت رأسي تحت ماء المغسلة لعل غبار الكابوس يسقط. خرجت، ارتديتُ ملابسي، خطواتي تسابق ظلي على عتبات السلالم، أخرجتُ تفاحة من ثلاجة المطبخ، وغسلتها كعادتي قبل خروجي صباحاً إلى العمل، قضمتُ نصفها ورميت النصف المتبقي للقط الأسود النائم قرب عجلة سيارة الجار، حملت نفسي داخل سيارتي ومضيت.
الجملة التي قرأتها في الحلم كانت أمامي، على زجاج السيارات، على إشارات المرور، حتى أنني رأيت صورتي معلقة على ظهر باص المواصلات. أزعجتني شهرتي ! وأرعبتني الأموال المتراكمة في حسابي المصرفي، لم أكن أتوقع أن تزداد الأصفارُ في حسابي بهذا الشكل ! وعندما دخلت المكتب رأيت النفاق يمشي عن يميني، والكذب يحمل ملفاتي ويضعها على طاولة الاجتماع. أمطرني الموظفون بكلمات الترحيب. كم أحن إلى شتائم الأصدقاء، إنّ روحي ترفض المكان بشدّة !
أحمد الله الذي لم يبتلني بداء "المنصب".
لنفترض أن كابوسك تحقّق "لا سمح الله" .. فماذا ستقدم للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ؟ قال لي آخَري، ونحن في أوج عراكنا المشترك.
نحن في أزمة حقيقية، والسكوت على هذه الأزمة مصيبة كبرى، الثقافة وجه بلادنا، فأين وجهها اليوم ؟
ومن الذي مرغ تاريخ هذا المجلس بالوحل ؟
عندما تسلّم المرحوم أحمد مشاري العدواني أمانة المجلس الوطني قام بإصدار سلسة عالم المعرفة، وعالم الفكر، والثقافة العالمية، والمسرح العالمي، وغيرها. إلا أن الكويت اليوم افتقدت أمثال أحمد العدواني، وعبد العزيز حسين، وحمد الرجيب، وكأن بلادنا مصابة بعقم ثقافي!
المشكلة الأساسية هي أن مجلسنا الموقر يتبع سياسة "الآخرون هم الجحيم" على حد قول جان بول سارتر، فبأي طريقة تتحقق أحلامنا ؟ أنخطط لانقلاب وهمي على أنفسنا ؟ أم نقول : كانت الكويت قديماً منارة ثقافية بشهادة الدول المجاورة ؟ إنني أحاول دائماً أن أمحو كلمة "كانت" من قاموسي. أنا شخصياً مقتنع بأن الكويت مازالت قادرة على العطاء الثقافي المتواصل في كافة المجالات مادام فيها ومن أبنائها شاعر حصل على الجائزة الأولى لمهرجان الشعر العالمي «نكيتا ستانسيكو» المقام في رومانيا كالشاعر محمد النبهان، ومادام فيها أيضاً مؤلف موسيقي متخصص في فن الفلامنكو كالفنان عبد الله الأحمدي، الشاب الذي قدمه أشهر عازف جيتار في أوروبا والعالم «باكو ديلوسيا» على مسرح غرناطة في إسبانيا، وهو يقدم الفلامنكو بالأسلوب الكويتي و"النهمات البحرية"، ولن أذكر أسماء أولئك الذين أنكرهم المجلس، ولم تعترف بهم المؤسسات الأخرى -لأسباب لا يعلمها غيرهم- علماً بأنهم أثروا الساحة الثقافية، ومازالوا !
لماذا لا يلتفت المجلس إلى فهد العسكر، أو محمد الفايز، أو عيسى صقر، أو صقر الرشود، أو عبدالرحمن البعيجان، أو راشد الخضر ويقيم ذكراهم سنوياً، كنوع من تذكير الأجيال الجديدة بهم، فلولاهم لكانت الكويت قفراً !
ولا ننسى أيضاً أن من واجب المجلس الوطني تنظيم تكريم مغاير "مادياً ومعنوياً" للجائزتين التشجيعية والتقديرية لمن قدموا ما لا يمكن للذاكرة الكويتية نسيانه كالموسيقار الكبير أحمد باقر، والموسيقار غنام الديكان.
إنّ المسرح، والرواية، والشعر، والأدب، والفن التشكيلي، والموسيقا، أصبحت جميعاً في مربع "الوفيات" !
أليس في الكويت، في القرن الحادي والعشرين رجل يحمل على عاتقه مشكلة الثقافة، ويسعى إلى تغيير الوضع، ويؤسس نهضة شاملة تسعف ظمأ أرواحنا ؟
أريد أن أشكر وأحيي العم والأستاذ الروائي اسماعيل فهد اسماعيل على مجهوده الكبير، والذي استطاع أن يفتح قلبه كل ثلاثاء لنا.
نريد من المجلس أن يفتح قلبه هو الآخر !
ضميري يتأجج صراخاً،
ولا أحد يصغي !
2009/4/10
التعليقات (0)