تحت المجهر السياسي
سامي القريني
الأيام تجرّ أيامها قرب باب صديقي/القلق. والباب ينحني داخل شحوبه كأنه رجلٌ في الثمانين من يأسه. أيها الباب : خذْ مفاتيحي وافتح قلبك لضحكة فتاة تتقن قتلك. كن كالشجر واعشق هبوب الرياح، عطِّر قميص المكان بدموع النارنج، قل : لن تربكني العواصف ما دمت ملتصقاً بعاطفة الياسمين. الأيام تُهندسُ فوضاها، وتجلس في أول مقهى يطلُّ على منتهاها، تشرب شايها، وتقشّر فستق خيبتها، تقرأ جريدتها، وتلعن غربتها .. مثلنا تماماً ! كأنّ قمراً عابراً من نحاس ترك حزنه عالقاً في المدى، جاءني متأخراً رذاذ الصدى، كيفما سرتُ سمعتُ الأيام تنوح خلفي، الأرصفة تُـحنِّي خطى الغيم، لكنَّ أمطارنا تُعاني صداعاً أزليّاً، كن متفائلاً يا رمل وقل للمطر : إذا أنت لم تسقط هذه الليلة، سأصعد إليك بكياني وحرارتي وتَوقي المتأجج إلى نميرك اللامرئيّ ! للمطر عزّة نفس أظنّك تعرفها جيداً. وحدي أتأبّطُ ليلاً بلا نجوم، يزدادُ سَخَمُهُ وغموضُهُ أمامي، للغبار نكهة في البيت والشارع وفي عيون الرفاق، وعلى المقاعد المكشوفة في المقاهي التي أرتادها، عيناي مصابتانِ بشَواشِ النعاس، سأعتِّق التشرُّدَ في داخلي وأعاقرُ حسرتي. لمن تَتّسع البلاد ..؟ ألأبنائها ومبدعيها الذين رفعوا اسمها وتاريخها وأسّسوا حضارتها، أم لتجّارها الذين لم يرفعوا على أرضها غير العمارات والأبنية العالية ؟ فرقٌ كبير بين النحلة والذبابة، النحلة تحمل شهداً، والذبابة لا تحمل غير قذارتها. قد يختلف معي الوطن كثيراً، ولكنني لا أختلف معه على الإطلاق !
بدأ العدّ التنازلي لانتخابات مجلس الأمة، المرشّحون يحلمون بالكراسي الشاغرة كعادتهم، البعض منهم أفلسته الشعارات الفارغة والخطب الحماسية الجوفاء - والتي تشابهت في الآونة الأخيرة - فقرّر الانسحاب والتنازل عن خوض الانتخابات البرلمانية قبل مواجهة الهزيمة، والبعض الآخر مازال يبحث عن أبناء دائرته الانتخابية ويستجدي عواطفهم الوطنية. وهناك فئة أخرى تحاول خلق أيديولوجية خاصة بها من خلال إصدار الفتاوى المخزية، والهدف من وراء ذلك هو محاولة لإسكات وقمع وتهميش المرأة قبل وصولها إلى المجلس بشتّى الوسائل حتى وإن وصلت إلى الخديعة والتشهير بسمعة المرشّحة المستقلّة، ولكنَّ جميع هذه المحاولات أثمرتْ فشلاً ! لا شكّ أن هذه الفئة المريضة بحاجة إلى "بنسلين" أخلاقي ! ثمّة "شيزوفرينيا" غريبة تسيطر على أذهان بعض المرشحين الذين وقفوا ضدّ حقوق المرأة السياسية وناقضوا الدستور، في حين أنهم أقاموا الندوات الانفعالية وافتتحوا مقرّات انتخابية خاصة للنساء. أعتقد أنّ الشعب الكويتي قد حفظ عن ظهر قلب نفاق المرشّحين وطرقهم الملتوية من أجل الوصول إلى أطماعهم المرسومة في عقليّاتهم المتخلّفة من خلال الفضائيات التي خصّصت لكل واحد منهم الوقت والفرصة لعرض أجندته. إنَّ المشكلة العسيرة التي تواجهنا هي أننا لم نتجاوز هذا العمى المتكدّس في أبصارنا وبصائرنا، ولم نستطع حتى هذه اللحظة أن ننفض الغشاوة التي تغلّف عقولنا لندرك حقيقة بيئتنا السياسية. أرى أنّ من واجب الحكومة القادمة وضع خطة مدروسة لتعليم المرشحين الجدد كيفية استخدام الأدوات الدستورية وتعاطي السياسة. لقد لاحظ الشعب ظاهرة كثرة الاستجوابات لبعض الوزراء لأسباب شخصية بحتة، وكأنّ بين النائب والوزير ثأراً لا يعلمه غيرهما، الاستجواب من حقّ النوّاب كافة لأنه ركن أساسي من أركان الديمقراطية في البلد، ولكنّ انحدار مستوى الخطاب السياسي عند بعض الأعضاء تحت قبة البرلمان يجعلنا نتساءل بكل بساطة : من المسؤول ؟ كما أنَّ استغلال الكرسيّ الأخضر لتقديم المناقصات والمعاملات والمصالح الخاصة قبل مناقشة المصالح العامة يضع الشعب في حيرة من أمره. لقد حضرتُ في الفترة الأخيرة مجموعة من الندوات والمحاضرات - لمحاولة فهم ودراسة الوضع الحالي - بدعوة شخصية وَجَّهها إليَّ بعض المرشّحين المقرّبين، ولكنّني لم أجدْ ما هو جديد، كان التقارب في الطرح والمضمون واضحاً، جميعهم ينشدون الإصلاح ويحاربون الفساد ! إنني أقول دائماً : لو أنّ هؤلاء المرشّحين كانوا صادقين في ما يقولون، لكنّا في مقدمة الدول العربية سياسياً، وثقافياً، واجتماعياً، واقتصادياً، ورياضياً، ولكنّ الأزمة ليست في شعاراتهم وعلوّ أصواتهم، الأزمة في الناخبين الذين اختاروا الابتعاد خوفاً من الوقوع في مأساة برلمانية تشبه المآسي السابقة. لقد طفح يأس هذا الشعب !
السؤال المطروح هنا هو كيف يتمّ تشكيل حكومة "تكنوقراط" داخل دولة الكويت في ظلّ غياب النظام الدستوري الديمقراطي ؟ وكيف نرجو خيراً من السلطة التنفيذية إذا كان تشكيلها قائماً على نظام المحاصصة وليس على نظام الخبرة أو الكفاءة ؟ إننا نسعى إلى نشر الوعي الثقافي لعلّنا نستطيع إيصال رسالتنا إلى أبناء هذا الجيل. يجب علينا جميعاً قبل محاولة تطوير الفكر السياسي أن نغيّر نظرتنا للثقافة. فلنْ تتغيّر سياستنا إنْ لم تتطوّر ثقافتنا، ذلك أمر بديهي. نريد حكومة واضحة المعالم .. لأننا مصابون بتخمة سياسية !
التعليقات (0)