مواضيع اليوم

مقالات سامي القريني في صحيفة أوان : الله بالخير يا بلد

غسان المفلح

2010-06-13 14:16:30

0

الله بالخير يا بلد

 

سامي القريني

 

 

عندما تُصادف فأراً مشرّداً قرب رصيف مشرّد أيضاً، يجلس مطمئناً يتصفّح جريدة عالم الفئران، ويقرأ عناوين الصفحة الأولى، ثم يفتح صفحة الأبراج ليطّلع على حظه البائس. الحالة الاجتماعية: لا تقترب من المصيَدة، الحب : كن هادئاً ولا تهرول كثيراً بعد منتصف الليل، الصحة : تجنّب القطط والبشر لكي لا تصاب بسكتة مفاجئة ! إنّ صحف عالم الفئران تخلو من عناوين الأفلام السينمائية، ذلك لأنّ سلالة الفئران ممنوعة من دخول السينما، الحياة مسرحها الحقيقي، بين الأنقاض والمزابل تعيش، وبين البيوت والحدائق تسرح وتمرح وتتناسل، والبشر أفلامها المفضّلة. إنها تعرفنا حقّ المعرفة، تعرف توم هانكس، ودان براون، ومارتن سكورسيزي، وستيفن سبيلبرغ، ويوسف شاهين، ومارلون براندو، وروبرت دينيرو، وآلبتشينو، وجي كي رولينغ، وموريس جار، حتى أن الفأر الذي صادفته أخبرني أنّ جدّه الثالث عشر كان يعشق مارلين مونرو حدّ التمزّق والضياع، وهو الذي تسبّبَ بفشل زواجها من الكاتب والروائي والمسرحي الكبير آرثر ميلر ! وعندما تحوّل وجهي بغتة إلى علامة استفهام، قال لي : لقد ترك جدّي دفتر يومياته تحت صخرة قرب شاطئ نيويورك قبل أكثر من أربعين عاماً وعندما جرفه التيار تساقطت أوراقه وحرّفت قصتَه السنين، وهذا ما وصلنا من أخباره ومغامراته التي لا تعدّ ولا تحصى.

حاولتَ جاهداً أن تجعل أذنيك تلتصقان بالفأر المشرّد لعلّكَ تسمعه وهو يردّد بلغة ساخرة : "أغايةُ الدينِ أن تحفوا شواربَكُم .. يا أمةً ضحكتْ من جهلها الأمُم"! تقودك اللامبالاة إلى إهماله، لكنّك تعود إليه مرة أخرى لتسأله: أكان ذا بيتَ أبي الطيب المتنبّي ؟ يجيبك مباشرة: أجل إنه شاعركم!

فأر ليبرالي موهوب، لا شك في ذلك ! أهاربٌ أنتَ يا صاحبي ..؟ سألني الفأر، قلت : هارب من هنا، ولا أريد الوصول إلى هناك، لأنّ العواصم العربية تعتقل الحريّة كما تعتقل السجناء السياسيين، وتسمح بتداول الحشيش والأفيون تحت الطاولة !

قال لي : أنت تشبهني !

لم أمتعضْ، جلست قربه على الرصيف المشرّد، كنا ثلاثة مشرّدين حينها، الفأر، والرصيف، وأنا. قدّمت له سيجارة فأخذها دون تردّد. النقاش يطول، أخبرني أن عالمهم أنقى من عالمنا بكثير فلا لحى، ولا عمائم، ولا انتخابات، ولا غدر، ولا نفاق، ولا بترول، ولا حروب، و"لا هم يحزنون"، برلمانهم الوحيد هو الشارع، أما بالنسبة إلى إيديولوجيتهم ودينهم ومعتقداتهم الفكرية فلم يخبرني بها لأنني لست من جنس الفئران، والبوح بها يسحبه إلى منصّة الاستجواب.

قلت : وهل هناك حرب طائفية بين الفأر الأبيض والفأر الأسود كما الحال عندنا ؟

أدهشني بإجابته عندما قال : هل تظنّنا بشراً لنختلق حرباً طائفية أساسها اللون، يا سيدي نحن فئران، هل وصلت المعلومة ؟

الغبار يهلوس في الفضاء، والعتمة تجرّ عرباتها نحونا، تحركت مسامير الشمس قليلاً فسقطت فجأة في محيط السكون. الليل سيّد المكان، تثاءب الفأر واغرورقت عيناه بالرؤى، إنه يحلم بالحلوى، يبلّل شفتيه بلسانه قائلاً : ما أعذب الحلوى !

ما أشبهنا بالفئران، إنها تحلم بالحلوى، ونحن نحلم بالحلوى/المال، الحلوى/السياسة، الحلوى/ السُلطة، الحلوى/الشهرة، الحلوى/التكاثر، لقد استطاع الفأر أن يمارس هروبه من الجنس البشري طيلة حياته، ولكنه لا يمارس الهروب ذاته من سلالته، إنه واضح وصريح مع أبناء عشيرته، ولا يرتكب سياسة "اللفّ والدوران" إلا معنا، مع من يريد أن يعتقله ويرميه للقطط، إنه يبحث عن الحلوى ليشبع جوعه بكل سذاجة ويمضي، أما نحن فإننا نبحث عما يشبع جوعنا السياسي، والثقافي، والرياضي، والاقتصادي، بالخديعة .. أيكون الفأر حكيماً في القرن الحادي والعشرين، والرَّيْنُ يطفو على قلوبنا وعقولنا ؟ "الله بالخير يا بلد" !

لنْ أبحث عن وطني إلا داخل وطني، ولنْ أصلحَه إلا وأنا على أرضه.

إنَّ حقائبي ملأى بالمدن فما حاجتي للسفر ؟

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !