الفسيولوجيا السياسية والمرأة
سامي القريني
عيناي تتجرّعان كرىً عقيماً في هذا الوقت المتأخّر. مقاعد أحلامي شاغرة، ورأسي كأنه دوّار الشيراتون في الساعة الواحدة والنصف ظهراً ! لكنّ عقارب ساعتي الآن تشير إلى الثالثة فجراً، ما أبعد الطريق إلى هناك، حيث أرخي مواجعي وأغفو على وسادة البحر، أنا - حالياً - لست أنا ! حجرتي تتثاءب، مرآتي تسدل أجفانها لكي لا تراني أقطع الغرفة ذهاباً وإياباً وحدي، رفوف مكتبتي سَقط فكُّها وتناثرت أسنانها على السجّاد الأزرق، طاولتي تئنُّ مفاصلها، دفاتري تضجر مني، يلعنني الليل .. تُكهربني الغفوة ! أكاد أقترب من سُور نومي مبتعداً عن عينيّ، أهلوس كأنني نسيان، أتعثّرُ بالفوضى .. أستيقظ، أدرك بفطنتي أنني كنتُ نائماً. أعيد ترتيب ملامحي وأشرب فنجان القهوة. هنا أَخامَت الشمس خيمة أشعتها قرب زاوية نافذتي، والنَّخلُ أَخْضَبَ سعفُهُ في أوردة الحديقة، تدفّق النهار وَارْتَتَقَ جرحُ النصّ. الحلم والواقع خطّان متوازيان لا يلتقيان أبداً، والأمل هو النقطة القصيّة التي قد يصل إليها واقعنا في يوم من الأيام، ولكنْ هل يعني ذلك أنّ ارتفاع درجة حرارة الأمل يجعل أحلامنا تنصهر في جسد الواقع ليصبح المثلّث شبه متناسق ومتكامل ؟ أم أنّ هناك تفسيراً آخر لا نعلمه ؟ لا شكّ أنّ واقعنا الإجتماعي يختلف كثيراً عن الدول الأخرى في الوقت الذي تجاوز فيه العالم حدود عاداته وتقاليده ليؤسس لنا حضارة جديدة ترتقي بالمجتمع الإنساني في القرن الحادي والعشرين، ما زلنا نحن كعرب نفتعل "عنتريّتنا" التي عفا عليها الدهر، ونختلق لأنفسنا الأسباب التي تجعلنا في الصورة دائماً، لنؤكد حضورنا أمام الآخرين. هذا ما حدث عندنا في الفترة الأخيرة عندما تحقّق الحلم الكبير بوصول المرأة إلى البرلمان، بعد صبر واجتهاد، وكفاح متواصل. حاولتْ فئة "المتعنتّرين" أن تشهر سيفها من جديد، وتنمّق الخطب والتصريحات عبر الوسائل الإعلامية وتعبّر عن وجهة نظرها بذات الأسلوب الهمجيّ الذي اعتادت عليه، وتصبّ جام غضبها على الحكومة. إنّ صدورنا ضاقت، متى سنستنشق هواءً نظيفاً إنْ كنتم تنفثون غباركم في كل مكان ؟ المرأة وصلت إلى البرلمان شئتم أم أبيتم ! فعلامَ يعلو نباحكم ؟ لقد استجاب القدر لإرادة الشعب الكويتي الحرّ الذي أثبت للتيّارات التأزيمية المختلفة أنّ التغيير في الخارطة السياسية لمْ يعدْ وهماً بعد اليوم، إنما هو حقيقة جليّة. نستطيع القول أنّ أولى خطوات التغيير السياسي في الكويت بدأت بتاريخ 1999/5/16 عندما تم إصدار مرسوم حقوق المرأة الكويتية، ثم تم إقرار الحقوق السياسية للمرأة الكويتية في 2005/5/16 وبعدها جاء 2009/5/16 اليوم الذي تُوّجت فيه المرأة بفوزها الأول بالانتخابات البرلمانية. عشرة أعوام تفصل بين إصدار المرسوم والفوز الجبّار. ماذا سيحدث بعد عشرة أعوام يا تُرى ؟ ماذا لو أصبحت المقاعد الخمسون للنساء فقط ؟ هل سيطالب الرجل بحقوقه السياسية المستلبة كما كانت تفعل المرأة ؟ لتُصدر المرأة بعد ذلك فتوى تحرّم فيها تصويت المرأة للرجل ! أم أنّ الرجل سيطرح على الحكومة مشروع تشكيل مجلس خاص بقضاياه ! أكاد أتّفق جملةً وتفصيلاً مع من يقول : لو أنّ دخول المرأة "السافرة" أزعج أحد النوّاب، فليقم بتقديم استقالته بصمت ليترك كرسيه لمن يحمل الوعي السياسي الذي يؤهله للوصول إلى هذا المكان. مجلس الأمة ليس "ديوانية" لتداول النكات والطرائف والشتائم ولعب الورق، إنه مسرح الوطن، وساحة الحرية المطلقة. منه تنطلق الثقافة ويشعّ قبس الفكر. إنّ هذا الحدث التاريخي الذي شهدته الكويت مؤخراً ليس حدثا عابراً، دعونا نقرأ المشهد بوضوح، إن المرأة اليوم تحمل مسؤولية كبرى، عليها أولاً أن تمارس دورها النيابيّ دون الالتفات إلى الوراء، وعليها ثانياً أن تواصل سعيها إلى إثبات وجودها بالجدارة التي أهّلَتْها وأوصلتها إلى البرلممان. وعليها ثالثاً أن تتذكّر الثقة الكبيرة التي حَصَدتْها من ناخبيها ومؤيديها. يقول سقراط : "عبقرية المرأة تكمن في قلبها، وقلبها هو نقطة ضعفها" ليكنْ قلبها قوياً كما عهدناه، ليكنْ إصرارها حيّاً وقادراً على فرض شخصيّتها وآرائها، لأنّنا مؤمنون بأن هذه العبقرية الكامنة في المرأة ستحقّق لنا الشيء الكبير الذي يستحقّ شكرنا وتقديرنا. لقد شحب وجه ثقافة بلادنا .. هل تستطيع المرأة إضافة بعض المساحيق له ليعود كما كان في السابق ؟ نتمنّى !
التعليقات (0)