بقلم: محمد أبو علان:
المؤشرات الإحصائية الصادرة عن “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” والخاصة بإحصاءات القوى العاملة عن الربع الثالث من العام 2009 أشارت إلى أن نسبة العاملين في “إسرائيل والمستوطنات” بلغت 14.3% من حجم القوى العاملة في الأراضي الفلسطينية، كما بينت المؤشرات إن هذه النسبة في ارتفاع، فقد كانت في الربع الثاني من العام 2009 حوالي 14%.
تحويل هذه النسبة لأرقام مجردة، مع العلم أن جميع العاملين في “إسرائيل والمستوطنات” هم من الضفة الغربية نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة، تعني أن هناك (76) ألف عامل تقريباً يعملون في “إسرائيل والمستوطنات” من أصل (529,900) عامل هو عدد القوى العاملة في الضفة الغربية، دون توفر إحصائية دقيقة حول عدد العاملين في المستوطنات لوحدها.
ولتقدير عدد العاملين في المستوطنات في الضفة الغربية يكفي أن نعلم أنه من محافظة طوباس لوحدها يبلغ عدد العاملين في المستوطنات الإسرائيلية حوالي (4200) عامل وفق إحصائيات الاتحاد العام لنقابات العمال في طوباس، ويعمل هؤلاء العمال في مستوطنات زراعية أقيمت على الأراضي الفلسطينية المصادرة من محافظتي طوباس وأريحا.
وإذا علمنا وفق نفس التقرير الإحصائي أن عدد المشاركين في القوى العاملة من محافظة طوباس هو (15300) عامل، فهذا يشير إلا أن حجم العمالة من محافظة طوباس في المستوطنات الإسرائيلية حوالي 27.5% من حجم العمالة الكلية في المحافظة، هذا كله مع العلم أن محافظات طوباس(55) ألف نسمة، هي أصغر المحافظات الفلسطينية بعد محافظة أريحا من حيث عدد السكان.
والمسألة الأهم التي يفترض التوقف عندها طويلاً قبل موضوع الأرقام والإحصائيات هي مسألة القطاعات التي يعمل بها عمال المستوطنات، فمعظمهم يعملون في قطاع الإنشاءات والزراعة القائمين بشكل أساسي على مصادرة الأرض الفلسطينية.
كل هذه المؤشرات الإحصائية أردت أن تكون مقدمة لموضوع آخر مهم وهو حملة منع بضائع المستوطنات الإسرائيلية من التداول في السوق الفلسطينية، جميل جداً أن تترافق الحملة الشعبية مع الموقف الرسمي في فلسطين المحتلة لمنع تداول البضائع الإسرائيلية القادمة من المستوطنات في السوق الفلسطينية مما يعطي الحملة دفعه قوية لتحقيق هدفها بالوصول لسوق فلسطيني خالي من منتجات المستوطنات الإسرائيلية نهاية العام الحالي، والأجمل أن يتوسع هذا التوافق من أجل مقاطعة كافة البضائع الإسرائيلية بغض النظر عن مصدرها سواء كانت من المستوطنات في الضفة الغربية، أو حتى من المصانع الإسرائيلية داخل المناطق المحتلة عام 1948.
وإن كان العائق في مقاطعة البضائع القادمة من المصانع الإسرائيلية في المناطق المحتلة عام 1948 “بروتوكولات باريس الاقتصادية” وفق تصريحات وزير الاقتصاد الفلسطيني الدكتور حسن أبو لبدة، فالاحتلال الإسرائيلي لم يعد يعير اتفاقيات أوسلو برمتها اعتباراً، وعاد بالأوضاع لما كانت عليه قبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، إن لم تكن أكثر رداءة وسوء، وبامكان السلطة الوطنية الفلسطينية أن تتعامل مع “برتوكولات باريس الاقتصادية” بنفس منطق دولة الاحتلال الإسرائيلي لحين التوصل لحل سياسي عادل.
إلا أن حملة منع بضائع المستوطنات الإسرائيلية من السوق الفلسطينية تبقى مجزوئة على الرغم من أهميتها ما لم يواكبها خطة موازية تقوم على أساس مقاطعة العمل في المستوطنات الإسرائيلية مقابل توفير حلول عملية ومقبولة توفر حياة كريمة لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين العاملين في المستوطنات.
فالقضية تحمل في داخلها تناقض كبير لا يستوعبه العقل البشري، فمن جهة نقوم بحملة لمنع ومقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، ومن الجهة الأخرى تشكل العمالة الفلسطينية قوة العمل الرئيسية في المناطق الصناعية والأراضي الزراعية في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، من هنا يجب تحقيق التكامل في خطة الحملة على مقاطعة منتوجات المستوطنات بإيجاد حلول عملية ومقبولة لموضوع العمل في المستوطنات.
محدودية القدرات الاقتصادية والمالية للسلطة الوطنية الفلسطينية تشكل العائق الأول أمام توفير حل عادل لقضية العمل في المستوطنات، ولكن دور القيادة السياسية البحث عن حلول خلاقة لمواجهة معضلاتها ومنها القضية موضوع النقاش.
وفي هذا الإطار لماذا لا تتوجه السلطة الوطنية الفلسطينية لدول الاتحاد الأوروبي وغيره من الدول التي تعلن صباح مساء موقفها الرافض للاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلة عام 1967 لكي تساهم هذه الدول عملياً في مواجهة الاستيطان عبر توفير دعم مالي للسلطة الوطنية الفلسطينية لدعم مقاطعة العمل في المستوطنات، وإن لم يكن لمثل الدعم تأثيرات كبيرة على الأرض، يمكن أن يكون له انعكاسات سياسية على الأقل تعبر به هذه الدول عن موقف عملي واحد في رفضها لموضوع الاستيطان كبديل عن بيانات الشجب والاستنكار التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
في المقابل يمكن أن يتعاون المستوى السياسي الفلسطيني مع القطاع الخاص باتجاه توفير امتيازات مالية لمؤسسات القطاع الخاص التي تشغل الأيدي العاملة التي تترك العمل بالمستوطنات، بالإضافة لجهود السلطة الوطنية في منع دخول بضائع المستوطنات والذي سيكون القطاع الخاص الفلسطيني المستفيد الأول من هذه الخطوة.
- مدون فلسطيني
التعليقات (0)