مقارنة مريبة بين الجيشين السوداني والأثيوبي
مصعب المشرّف
11 يونيو 2021م
في بادرة غريبة من نوعها توحي بأن هناك تفكير وربما تدبير في الخفاء لعمل عسكري ما يجري الإعداد له . نشرت مؤسسة "قلوبال فاير باور" مقارنة هي الأحدث تاريخاً بين سلاح الجو السوداني ونظيره الأثيوبي عن العام 2021م الجاري.
وقد ركزت هذه الدراسة بوجه خاص على سلاح الجو في كلا البلدين . وعلى نحو يكاد يقول عن ضرب "سد النهضة" أعني وأتحدث. ويجعلنا في شكٍ مما تدعونا إليه هذه المقارنة مريب.
وينبغي هنا أن نلفت نظر الشعب السوداني أن الكارثة التي يمثلها إنهيار سد النهضة بفعل زلزال "مُستبعد) يؤدي إلى غرق نصف أراضي السودان الحيوية. هي نفس الكارثة (الماثلة) التي يمثلها القصف الجوي لتدمير توربينات سد النهضة أو أجزاء منه ؛ تؤدي إلى ذات النتيجة التي يمكن أن يحدثها الزلزال المُستبعَد.
وعن نتائج هذه الدراسة المشار إليها فقد كانت على النحو الآتي:
التصنيف العالمي:
يحتل الجيش السوداني المرتبة رقم 70 عالميا.
ويحتل الجيش الأثيوبي المرتبة رقم 60 من بين 140 دولة في قائمة أقوى جيوش العالم لعام 2021م.
ومن بين ذلك العدد الإجمالي المشار إليه تأتي التفاصيل الآـية:
بينما يمتلك نظيره الأثيوبي 24 طائرة مقاتلة.
ج) المطارات العسكرية:
- يمتلك الجيش السوداني 74 مطاراً صالحا للخدمة.
- يمتلك الجيش الأثيوبي 57 مطاراً صالحا للخدمة.
د) الميزانية السنوية:
- تصل ميزانية الدفاع السودانية نحو 4 مليارات دولار سنوياً.
- وتبلغ ميزانية الجيش الأثيوبي السنوية 520 مليون دولار فقط.
..............
ملحوظة/
أهم جوانب النقص في هذا التقرير هو إغفاله المستوى التقني والتكنولوجي الذي تتمتع به هذه الأعداد الواردة من الطائرات . علماً بأن الفوارق التكنولوجية تلعب دوراً جوهريا في تحديد مدى مصداقية مثل هذه المقارنات.
وهنا تثور بالفعل العديد من علامات التعجب والإستفهام التي يمكن تلخيصها في الآتي من وجهة نظر يغلب عليها البحث عن إجابات منطقية أكثر منها سياسية أو جهوية وهي:
1/ إذا كان سلاح الجو السوداني بمتلك حقاً كل هذا الكم الهائل من سلاح الطيران . فلماذا أخفق في إيجاد حلول عسكرية أسهل في حرب الجنوب خلال الفترة من عام 1989م وإلى تاريخ إنفصاله؟
2/ لماذا أخفق نظام الكيزان في إخماد نشاط ما بات يسمى بحركات الكفاح المسلح ، طوال الفترة من عام 2003م وحتى إتفاق سلام جوبا؟
3/ لماذا ظل نظام الكيزان عاجزاً عن إخماد تمرد عبد العزيز الحلو في جبال النوبة وقصف ودك وتدمير مقر قيادته في كاودا؟ وكذلك في جانب حركة عبد الواحد نور في جبال مرة؟
4/ لماذا ترك الجيش السوداني قوات خليل إبراهيم دون قصف جوي طوال رحلة قدومها الطويلة من دارفور إلى أمدرمان ثم والعودة بذات المسافة؟
5/ كيف لجيش نظامي بهذا الحجم والتسليح العسكري الجوي المتفوق أن يقف بوجهه قائد مليشيا الدعم السريع . ويسخر منه ويتحداه صراحة جهاراً نهاراً بطريق مباشر عند قوله : "البلد دي بتتفرتق"؟ وهو ما قهم منه الرأي العام أن قائد مليشيا الدعم السريع إنما يسخر من قدرات الجيش السوداني النظامي في أدائه حتى لمهمته الدستورية الأساسية التي تتمحور في الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيه.
..... ولماذا ولماذا .... والأسئلة كثيرة ومثيرة للإستغراب وتحتاج إلى إعمال العقل في مصداقية نظام الكيزان خاصة ومسئوليتهم التاريخية . وغايات تدبير التنظيم الأصولي العالمي وتوظيفه لدور السودان . وهل كان المخلوع عمر البشير ومجض مَطِيّة ورُكُوبَة طائعة سهلة الركوب ؛ وكمثل الحمار يحمل أسفارا إستغلها هذا التنظيم العالمي لنهب ثروات السودان عبر توريطه في إرتكاب مذابح جماعية بحق أبناء شعبه ودعم للإرهاب بما أدى إليه من عزلة دولية وإغلاق منافذ التصدير في وجهه؟
ثم ما هو دور تنظيم الكيزان السوداني في التنسيق مع الأصولية العالمية في كل هذه التراجيديا والكوميديا السوداء على حدٍ سواء؟
بل وتثور أسئلة أخرى حول مصداقية وأغراض هذا التقرير الوارد عن مؤسسة "قلوبال فاير باور" الغير متسق مع الواقع العملي والأداء والثمرات طوال السنوات السابقة .
هل يرمي هذا التقرير لتوريط السودان مرة أخرى في حرب شاملة ضد أثيوبيا كتلك التي تورط بها الملك بادي أبو شلوخ . وبما يكفي لتدمير البلدين وتوقف النهضة فيهما مئتي عام على أقل تقدير؟
فهل أتى هذا التقرير الخطير لتخدير وعي الشعب السوداني . ودفعه إلى قبول فكرة دخول حرب عدوانية إنتحارية "بالوكالة" ، تستهدف سد النهضة داخل الأراضي الأثيوبية. ورمي أديس أبابا في البحر على نسق الأوهام والأحلام والطريقة الهجائصية الناصرية التي أفضت في نهاية المطاف إلى هزيمة الساعات الست الكارثية في الخامس من يونيو 1967م؟
المؤسف أن تاريخ الإرتزاق العسكري والجنجويدية أصبح وصف وسمة ملازمة للسودان منذ عقود. بل أصبح السودان والإرتزاق والجنجويدية ثلاثة وجوه مُشوَّهَة ِلِمَسخٍ أفريقي عالمي واحد.
والعالم الخارجي لا ينظر إلى السودان بنفس التفاصيل والتبريرات العاطفية التي ينظر بها المواطن السوداني لجهاته وأعراقه وقناعاتهم المتعددة. ولكننا في نظر الرأي العام الخارجي وشعوب العالم الأخرى "كلنا سودانيين".
لا يمكن إستبعاد أي جانب سلبي لا أخلاقي ممكن أو خارج نطاق العقل والتفكير في فلول ونفايات ومخلفات وذيول وتلاميذ وحلفاء الأمس المتصالحين مع نظام الكيزان المافيوي العصابي البائد . هذا النظام الذي امتد طوال 30 عام كانت كافية لتغيير الكثير من الثقافات والسلوكيات والأخلاقيات التي أستنبتت وأفرزت زُمرةً من ذكورٍ وإناث تقاسموا الأدوار في نهب ثروات البلاد وتهريبها . وإمتدت في محاكاتها لنموذج ضِباع الكيزان التي لا تشبع . فشملت هذه المحاكاة التماهي والتوسّع في تهريب الذهب وثروات البلاد الأخرى كالصمغ والمواشي ، وبيع أخصب الأراضي السودانية لحسابهم الشخصي تحت مسمى "التأجير" لمدة 99 عام قابلة للتجديد لمدد مماثلة دون تحديد . ودون شروط ودون أن تدخل خزينة البلاد منها دولار واحد.
عبيط هذا الذي لا يتوقع أن من يبيع أرض بلاده دون شروط ولا قوانين حاكمة نظير ثمن بخس ودمٍ متسخٍ نجس ، عبيط من لا يتوقع أن يبيع نفس هذا الشخص والأشخاص دماء شباب بلاده بثمن أقل وأبخس ودمٍ متسخٍ أنجس .
التعليقات (0)